1440/08/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣٢ لو غصب مكاناً من المسجد

 

قلنا في توجيه ما ذكره السيد الخوئي (قده) في المقام -من أن رواية طلحة بن زيد لا تشمل حالة ما بعد الإزالة- أن هذه الرواية مفادها حرمة المزاحمة والإزالة، وهذا إنما يكون إذا كان الشخص شاغلاً للمكان، أما بعد الإزالة فلا معنى لحرمة مزاحمته، فيختص الحكم بالحرمة بحالة ما قبل الإزالة.

لكن يلاحظ عليه:-

أولاً أنه أشبه بالمصادرة، لأنه مبني على أن مدلول الروايات حرمة المزاحمة لا غير، أما إذا قلنا بأن مدلولها هو إثبات الحق للسابق فلا يوجد محذور في بقاء حقه حتى بعد الإزالة -مع غض النظر عن كيفية إثبات شمول الحق لما بعد الإزالة، وستأتي الإشارة إليها-.

وثانياً أنه لا وجه للتقيد بحرفية حرمة المزاحمة [1] حتى يأتي ما تقدم، فإذا أبدلناها بحرمة التصرف بحيث إذا سبق شخص إلى مكانٍ يحرم التصرف فيه على الغير أمكن شمولها لما بعد الإزالة، فيقال يحرم على الغير التصرف فيه مطلقاً، قبل الإزالة وبعدها.

فالعمدة في المقام هو أن نرى ماذا نستفيد من الأحقية الواردة في هذه الأدلة، والظاهر أن المستفاد منها إختصاص الحق بالسابق وعدم ثبوته لغيره، إذ لا معنى للأحقية غير هذا، إلا أن نحمل الأحقية على مجرد الأولوية التي لا تحرم معها المزاحمة، لكن هذا لا يمكن الإلتزام به، لأن حرمة المزاحمة ثابتة بلا اشكال؛ فالذي يناسبها (حرمة المزاحمة) هو الأحقية بمعنى ثبوت حق للسابق في المكان.

وبعبارة أخرى إنَّ أفعل التفضيل لا يراد بها ثبوت الحق للجميع مع ثبوت الأولوية الإستحبابية للسابق بالمكان، لأن ذلك يقتضي جواز مزاحمته حتى إذا كان شاغلاً للمكان، بينما الصحيح هو أنه لا إشكال في حرمة مزاحمته ومنعه من المكان الذي يشغله. وعلى ضوء هذا التفسير المتفق عليه والمسلم لابد من تفسير الأحقية بإختصاص الحق بالسابق وأنه لا يشمل غيره، وهذا هو ظاهر الأحقية في المقام؛ على أنه بقطع النظر عن هذا فقد قالوا أن الملكية في باب البيع تنتزع من حكمين تكليفيين هما جواز التصرف للشخص وعدم جواز تصرف الغير فيه، وهذان الحكمان ثابتان في المقام، لكن لا يمكن إنتزاع عنوان الملكية في مقامنا، لأن الوقف تحريري وليس تمليكياً، وعليه ففي مقامنا ينتزع من هذين الحكمين عنوان إختصاص الحق بالشاغل للمكان وعدم شمول الحق لغيره، وهذا الحكم مبني على القول بأن الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية.

وعلى كل حال فالظاهر أن الروايات تكفي في إثبات إختصاص الحق بالسابق وعدم شموله لغيره، ويترتب على هذا الحق حرمة مزاحمة الغير له، وبعد الفراغ عن ثبوت الحق للسابق يأتي الكلام عن أنه هل يثبت هذا الحق حتى بعد الإزالة أو لا؟

وقد تقدم منا أن إطلاق الأدلة يكفي لثبوت هذا الحق، فالأدلة تثبت الحق وهي مطلقة، فتشمل ما قبل الإزالة وما بعدها.

وذكر السيد الخوئي (قده) قرينة على مدعاه وهي عدم الحكم بالبطلان لو اعتكف شخص ثالث غير الغاصب بالمكان، وهذا الحكم يكشف عن عدم ثبوت الحق بالنسبة للسابق، وإلا لحكم ببطلان إعتكاف الشخص الثالث لحرمة تصرفه في المكان، فالبطلان لو تمّ -هو (قده) لا يرى ذلك- يختص بالغاصب ولا يشمل الشخص الثالث.

وهذا الكلام يمكن التأمل فيه، لأنه بناءً على ثبوت الحق للسابق فلا فرق بين الغاصب وغيره في حرمة شغل المكان، كما هو الحال في موارد ثبوت الملك أو الحق في مكانٍ معينٍ، فيحرم على غيره شغل ذلك المكان سواءً كان الشاغل هو الغاصب أم غيره؛ وأما إذا لم نقل بثبوت الحق للسابق بل نقول بحرمة مزاحمته فقط فلا يفرق حينئذٍ بين الغاصب وغيره في عدم بطلان الإعتكاف فيه.

 

والحمد لله ربّ العالمين


[1] أو حرمة الإزالة، فإن المقصود منهما واحد.