1440/06/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

الأمر الخامس:- قد يتمسك لتصحيح عقد الفضولي بروايات باب الوكالة ، فيقال إنها تدل على صحة بيع الفضولي وهي تغنينا عن هذا البحث الآتي ، فمثلاً متن روايات باب الوكالة التي قد يتمسّك بها لصحة وشرعية الوكالة ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن معاوية بن وهب وجابر بن يزيد جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:- ( من وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة ابداً حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها )[1] ، والجزء المهم في هذه الرواية والذي تريد أن تشير إليه وهو المقصود بالذات هو أن الوكالة تبقى ثابتة إلى أن يصل خبر العزل ففي فترة عدم ووصول خبر العزل إليه فكل التصرفات من قبل الوكيل تكون نافذة ، فهذه هي القضية التي تريد أن تشير إليها هذه الرواية الشريفة ولكنها ضمناً دلت على شرعية الوكالة وأنها أمرٌ شرعي وصحيح ، فإذاً هذه الرواية تدل على شرعية الوكالة ، فإذا ثبت هذا نقول آنذاك حيث إنَّ الوكالة هي في واقعها إذنٌ في التصرف ، فأنا حينما أقول لك وكّلتك في أن تجري العقد الفلاني يعني أني أذنت لك ، فواقع الوكالة هي إذنٌ ، وإذا كانت كذلك نقول إنه لا فرق عرفاً وعقلائياً بين الإذن المتقدّم والإذن المتأخر - الذي نعبّر عنه بالاجازة - ، وحينئذٍ تكون هذه الرواية بعد إلغاء بعض الخصوصيات على صحة عقد الفضولي بالاجازة.

هكذا قد يستدل بروايات الوكالة ويقال إنه تكيفنا هذه الروايات عن البحث في مسألة الفضولي.

وفي الجواب نقول:- إنَّ الإذن تارةً يكون متقدماً ، وأخرى يكون متأخراً ، فإن كان متقدماً فالعقد يصح به جزماً كما دلت الرواية عليه ، بل لا نحتاج إلى رواية ، لأنَّ الصحة هي على مقتضى القاعدة ، إذ العقلاء قد جرت سيرتهم على الإذن في العقود وهذه قضية مسلّمة ، والعقد من خلال الإذن ينتسب إلى الآذن وهذه سيرة عقلائية بلا حاجة إلى رواية ، فتثبت الصحة حينئذٍ على مقتضى القاعدة ، فإذاً أنت جئت بالرواية وكأنك صنعت شيئاً ، والحال أنَّه من خلال الإذن المتقدّم ينتسب العقد إلى الآذن ، فلا حاجة إلى رواية ، ويصح له ، فإنَّ السيرة منعقدة على ذلك ، وتشمله آنذاك أدلة صحة العقود من ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراضٍ ﴾ أو غيرهما.

وأما بالنسبة إلى الإذن المتأخر:- فالكلام هو فيه ، وجواز الإذن المتقدم بالسيرة أو بالرواية لا يلازم كفاية الإذن المتأخر ، فإنه بالإذن المتقدم يتحقق نحو من الانتساب ولعله بشكلٍ أقوى اما أنه يلزم من صحة الاذن المتقدم وكفايته كفاية الإذن المتأخر فهو أوّل الكلام.

نعم لك أن تقول:- إنَّ العقلاء يرون انتساب العقد بالإذن المتأخر فتشمله اطلاقات شرعية العقد من ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، بيد أنَّ هذا ليس تمسكاً بروايات الوكالة ، وإنما هو تمسك بمقتضى القاعدة ، فإنه سوف يتحقق الانتساب وإذا تحقق فسوف تشمله اطلاقات شرعية العقود وبالتالي سوف تصير روايات الوكالة أجنبية عن المقام.

والنتيجة:- هي أنَّ روايات الوكالة لا تنفعنا شيئاً لإثبات صحة العقد الفضولي ، بل إن أمكن اثبات صحة عقد الفضولي فهو مقتضى القاعدة من دون حاجة إلى روايات الوكالة ، وأما روايات الوكالة فهي خاصة بموردها وهو الإذن المتقدّم.

الأمر السادس:- هل الفضولية تعم الايقاعات ؟

هناك كلام في أنَّ الايقاع الفضولي كأن طلّق شخص زوجة شخصٍ آخر أو أعتق عبده أو من هذا القبيل فأجاز الزوج أو المالك فهل تكفي الاجازة المتأخرة لتصحيح الايقاع أو لا ؟

مرّ الشيخ الاعظم(قده) على هذه المسألة مرور عابر وقال:- إنَّ المعروف بينهم عدم صحة الايقاع بالاجازة وادّعي الاتفاق على ذلك ، قال ما نصّه:- ( اختلف الأصحاب وغيرهم في بيع الفضولي بل مطلق عقده بعد اتفاقهم على بطلانه إيقاعه كما في غاية المراد )[2] .

والاشكال عليه واضح:-

أوّلاً:- إنَّ هذا مجرّد نقل دعوى وهو لم يثبت.

ثانياً:- وعلى تقدير ثبوته فهو محتمل المدرك ، فتعود الحجية إلى المدرك ، والاجماع كما نعرف إنما يكون حجة من باب كاشفيته يداً بيد عن رأي المعصوم عليه السلام ، ومع احتمال المدرك لا نجزم بالكاشفية يداً بيد عن رأيه ، والمدرك المحتمل هو من قبيل أن يقال هناك فرق بين العقد وبين الايقاع ، فالعقد كما له حدوث له نحوٌ من البقاء عرفاً وعقلائياً ، فالبيع مثلاً له نحو من البقاء ، ولذلك ترى أنه قد يأتي المشتري ويفسخه إذا كان له حق الفسخ ، وهذا معناه أنَّ البيع له نحوٌ من البقاء وإلا فالفسخ بمَ يتعلّق ؟!! ، وهذا بخلاف الايقاع فإنه ليس له بقاء ، بل أمره دائر بين الوجود والعدم ، فهو آني الحدوث ، فهو إما أن لا يحدث أو أنه يحدث ولا يوجد له بقاء ، ومادام لا يوجد له بقاء فالاجازة بمَ تتعلَّق ؟!!

فلعلهم استندوا إلى هذا وقالوا إنَّ الايقاعات لا تقبل الاجازة والفضولية من باب أنها ليس لها بقاء.

والجواب عن ذلك واضح حيث يقال:- كما أنَّ العقد له نحوٌ من البقاء كذلك الايقاع يمكن أن يكون له نحوٌ من البقاء ، كما هو الحال في الطلاق ، فإنَّ الطلاق إيقاع ولكن يمكن تحقق الفسخ والرجوع من قبل الزوج إذا كان الطلاق رجعياً فيقول رجعت ، فلا تقل هذه رجعة وليس فسخاً ، ولكن نقول بالتالي هما واحد ، يعني معناه أنه توجد استمرارية لهذا الطلاق وأنا الآن أريد أن أرفع هذه الاستمرارية وإلا إذا لم تكن هناك استمرارية فرجوعك عن الطلاق يكون بأيَّ معنى فإنه لا يوجد شيء حتى يمكن الرجوع ؟!!

إذن صحة الرجعة يمكن أن يقال هي كاشفة عن وجود نحوٍ من البقاء للطلاق ، وإذا أمكن هذا في باب الطلاق أمكن في بقية الايقاعات لعدم الفرق بينها من هذه الناحية.

والمناسب أن يقال:- تارةً نتكلم في صحة الفضولي على طبق القاعدة ، وأخرى نقول إنَّ صحة الفضولي ثابتة بالدليل الخاص ، فإن قلنا هي ثابتة على مقتضى القاعدة يعني بتعبير آخر إنه بالاجازة يتحقق انتساب ما صدر إلى المجيز فبعد الانتساب نتمسك بإطلاق ما دل على وجوب الوفاء بالعقود ، فنفس الكلام يأتي هنا في الايقاع ، فبالإجازة يتحقق نحوٌ من انتساب ذلك الايقاع إلى المجيز فيقع صحيحاً بعد الانتساب ولكن بشرط أن يكون هناك اطلاق شامل للإيقاعات ، وإلا إذا كان شاملاً للعقد فقط فلا ينفعنا ذلك ، ويمكن أن يقال إنَّ ذلك الدليل - وهذا مجرّد إبراز ولا نريد البناء عليه الآن - هو نفس آية ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ بناءً على ما رواه عبد الله بن سنان حيث سأل الامام الصادق عليه السلام:- ( ما معنى " أوفوا بالعقود " ؟ فقال: يعني العهود )[3] ، وبالتالي يقال إنَّ الايقاع هو نحوٌ من العهد.

فإذاً نحن نحتاج إلى مقدمتين وهما اثبات أنَّ العقود هي مطلق العهد ، وأنَّ الايقاع هو مصداق من مصاديق العهد.فإذاً يمكن تصحيح الايقاع على القاعدة إذا كان لدينا اطلاق وعموم ، أما إذا لم يكن هناك اطلاق فتلك قضية ثانية.

وأما إذا قلنا إنَّ صحة الفضولي هي على طبق النص وليس على طبق القاعدة ، والنص[4] مثلاً من قبيل زواج العبد من دون إذن مولاه حيث قال الامام عليه السلام:- ( إنه لم يعض الله وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز )[5] ، فإذا قلنا بصحة العقد الفضولي لأجل الرواية فيمكن أن يقال إنَّ هذه الرواية خاصة بالعقد ولا تعم الايقاع.

ونحن نزيد أيضاً فنقول:- إنّه قد يقال إنها خاصة بعقد النكاح ولا تعم بقية العقود.

المناسب في باب الايقاع أن يقال:- إنَّ قلنا أنَّ صحة عقد الفضولي هي على طبق القاعدة بالاجازة فيمكن أن يسرّى هذا المطلب إلى الايقاع ولكن شريطة أن يوجد اطلاق في باب الايقاعات ، وأما إذا قلنا إنَّ صحة الفضولي هي لأجل الرواية الخاصة فحيث إنَّ الرواية خاصة بباب العقود فالتعميم إلى الايقاع محل إشكال ، بل نحن زدنا الاشكال وقلنا إذا كانت المسألة هي الاستناد إلى الرواية فربما يقال إنَّ هذا خاص بعقد النكاح فإنَّ الرواية واردة فيه ولا يمكن تسريتها إلى بقية العقود.


[4] والنص ليس مهماً لنا الآن وسيأتينا فيما بعد.