1440/05/28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 63 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

مسألة( 63 ):- المراد من الضرر الذي يخافه على تقدير عدم الاتيان بما اكره عليه ما يعم الضرر الواقع على نفسه وماله وشأنه وعلى بعض من يتعلق به ممن يهمه أمره فلو لم يكن كذلك فلا إكراه فلو باع حينئذٍ صح البيع...........................................................................................................مضمون المسألة واضح ، ومحصّله ما هو موضوع الاكراه ، فمتى يصدق تحقق الاكراه ؟ ، وقد عمّم(قده) الموضوع من جهةٍ فقال الاكراه لا يلزم أن يصيبني الضرر في بدني مثلاً بل يكفي أن يكون في المال أيضاً أو في الشأن وهو المقام الاجتماعي أو في أولادي وأقربائي وأصدقائي ممّن يهمني أمرهم.فإذاً هو وسّع من هذه الناحية ، وهو أمرٌ جيد ، لأنَّ الاكراه موضوع عرفي ، فمادام يهمني أمرهم فلو حصل الضرر لهم فقد حصل لي.ولكن ضيّق من ناحية أخرى فقال ( بشرط أن يهمه أمرهم ).

وهنا يمكن أن يقال:- إنَّ هذا القيد يمكن التنازل عنه ، فإنَّ لازم هذا القيد كما ذكرنا أنه يلزم أن يكون الصديق أو القريب يهمني أمره ، وأحياناً يمكن أن يقال إنه إن لم يكن يهمني أمره ولكن يصدق الاكراه ، كما لو فرضنا أني كنت وكيلاً في بيع دار شخصٍ أعرفه ولم يكن صديقاً لي وقد جاءني الظالم وقال بعنيها وإلا حبست صاحب الدار أو هدمتها وأنا أخاف بأنه لا يدفع الثمن أو أنه سيهدم الدار ، فصاحب الدار لا يهمني أمره فإنه لو تضرر فسوف لم أتضرر أنا ، نعم هو يتضرر كمؤمن ، أما أكثر من أنه مؤمن بحيث يكون ضرره ضرري فلا توجد هكذا علاقة بيننا كابني أو صديقي الحميم فهنا إذا أصابهم الضرر فكأنه أصابني أما هنا فنفترض أنه مؤمن عادي وضرره ليس هو ضرري ، ففي مثل هذه الحالة على ما ذكره(قده) - وهكذا بقية الأعلام حيث ذكر القيد أكثر من واحدٍ منهم - يلزم أن لا يصدق الاكراه ، وبالتالي يقع البيع صحيحاً ، والحال أنه يمكن أن يقال: إنَّه بما أنَّ المناسب بمقتضى الأخلاق الآداب الاسلامية التحفّظ على أموال الآخرين وعلى نفوس المؤمنين فمن هذا المنطلق يمكن أن يقال يصدق الاكراه حينئذٍ ، وهكذا لو فرض أنَّ الظالم قال لي بعني دارك وإلا هدمت هذا المسجد أو الحسينية ففي مثل هذه الحالة عند هدم المسجد أو الحسينية لا يصيبني ضرر ولا يهمني ذلك ، ولكن بما أنَّ هذه قضية اسلامية وخلق اسلامي فهذا المقدار يكفي لصدق عنوان الاكراه.

فإذاً من المناسب صدق الاكراه ، وهذه قضية تنقيحُ موضوعٍ قابل للأخذ والعطاء والمرجع فيه العرف ، وحينما نقول المرجع فيه العرف نقصد به الوجدان العرفي ، فلاحظ بوجدانك أنه في مثل هذه الحالة هل يصدق الاكراه بعد أن فرض أنَّ الأدب الاسلامي يقتضي التحفّظ على المسجد أو الحسينية أو لا ؟ ، بينما بناءً على ما ذكره(قده) يلزم أن لا أكون مكرهاً على بيع داري في هذه الحالة ، وإذا لم أكن مكرهاً فالبيع يكون صحيحاً ، بينما بناءً على ما ذكرناه يمكن أن يقال يصدق الاكراه.فإذاً هذا التضييق يمكن التأمل فيه.إذاً اتضح أنه في الجملة يمكن أن نقول ليس أن يكون المتضرر يهمني أمره ، بل هذا الشرط يمكن التنازل عنه ، وهذه قضية لابد من ملاحظتها.

ومما يؤيد ويؤكد ذلك ما وراه اسماعيل الجعفي:- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام: امر بالعشّار فيستحلفني فإن حلفت له تركني وإن لم أحلف له فتَّشني وظلمني، قال: احلف له ، قلت: فإنه يستحلفني بالطلاق ، قال: احلف له ، فقلت: فإن المال لا يكون لي ، قال: فعن مال أخيك ... )[1] ، فإذًا الامام عليه السلام قال له احلف عن مال أخيك وهذا معناه أنَّ الامام عليه السلام يقول إنَّ الاكراه كما يصدق بلحاظ نفسك كذلك يصدق بلحاظ القَسَم عن الأخ المؤمن.

وقد يشكل ويقال:- إنَّ الرواية لا يوجد فيها اكراه من حيثية اللفظ.

ولكن نقول:- إنه ظالم ويريد القسم فهذا يكون اكراهاً ، ولا يلزم أن يأتي بلفظ ، فواقع الاكراه موجودٌ من هذه الناحية.

فإذاً هذه الرواية يمكن أن يتمسّك بها على تقدير تمامية سندها ، وسندها هو :- ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب عن اسماعيل الجعفي ) ، والرواة كلّهم لا بأس بهم ، ولكن إذا كان هناك تأمل فهو من ناحية إسماعيل الجعفي ، فإنَّ الذي ورد فيه توثيق هو الخثعمي حيث وثّقه الشيخ الطوسي(قده) ، أما اسماعيل الجعفي فلم يذكر بتوثيق ، إلا بناء على أنَّ كلمة ( الخثعمي ) التي وردت في كلام الشيخ الطوسي(قده) كانت اشتباهاً ، ولكن هذه قضية ثانية ، فإذا أمكن توثيق هذا الرجل فسوف تكون صحيحة ، وعلى أيّ حال هي صالحة لأن تكون مؤيدة.وبهذا تنتهي هذه المسألة وبها ينتهي بحثنا عن شرطية الاكراه ، وندخل في مسألة الفضولي.

وقبل أنَّ ندخل في مسألة الفضولي توجد مسألة مرتبطة بالإكراه لعل التعرض إليها شيء جيد وأنسب من بعض المسائل التي تعرض إليها السيد الماتن(قده):- وهي أنه لو كان الشخص مكرهاً على معاملة وأجراها بالإكراه ثم بعد ذلك رضي بها فهل يصح العقد أو يحتاج إلى اعادة العقد من جديد ؟ ، وعلى منوالها تزويج المرأة ، فأحياناً قد تكره المرأة على الزواج من شخص وهي غير راضية ولكنها تخاف من أهلها فلا تظهر ذلك فالعقد هنا يكون باطلاً[2] ولكن بعد فترة رضيت بذلك فهنا هل يصح هذا العقد أو لابد من عقدٍ جديد ؟ ، إنَّ هذه مسألة يجدر التعرّض إليها ، وهي أولى من بعض المسائل التي تقدمت كمسألة ما لو أجبره الظالم على بيع داره أو فرسه فباع أحدهما فما هو الحكم ، ولو باع الآخر بعد ذلك ما هو حكمه ، ولو باعهما معاً فما هو الحكم ، فإنَّ تلك مسألة فيها نكات علمية ، ولكن هذه مسألة ابتلائية يجدر التعرّض إليها.

ونحن الآن نريد أن نتعرض إليها لأهميتها وأهمية النكات المذكورة فيها ، وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده)[3] إليها ، ولعل المشهور هو الصحة بمجرّد طيب النفس ، قال في الجواهر:- ( على المشهور نقلاً إن لم يكن تحصيلاً[4] بل عن الرياض والحدائق أنَّ ظاهرهم الاتفاق عليه[5] )[6] ، فالمشهور هو الصحة بالرضا المتأخر.

بيد أنَّ بعض الأعلام توقف في المسألة منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد حيث قال:- ( واعلم أنَّ هذه المسألة إن كانت اجماعية فلا بحث وإلا فللنظر فيها مجال لانتفاء القصد أصلاً ورأساً مع عدم الرضا ولا يتحقق العقد المشروط بالقصد إذا لم يتحقق الرضا لأنَّ الظاهر من كون العقود بالقصود اعتبار القصد المقارن لها دون المتأخر )[7] .

فإذاً عرفنا النكتة التي استند إليها ، وهي أنه إذا لم يكن الرضا موجوداً فالقصد ليس موجوداً ، وإذا رضي بعد ذلك فقد انحلّت مشكلة الرضا لكن تبقى مشكلة القصد ، لأنَّ القصد يلزم أن يكون من حين الانشاء.

وممن استشكل في ذلك أيضاً السبزواري(قده) حيث قال:- ( فالمسألة محل إشكال )[8] .

وممن توقف في ذلك الأردبيلي(قده) حيث قال:- ( بل الظاهر البطلان حينئذٍ لعدم حصول القصد بل وعدم صدر العقد عن تراض .... ولأنه لا اعتبار بذلك الايجاب في نظر الشارع فهو بمنزلة العدم ...... وبالجملة لا اجماع فيه ولا نصّ والأصل والاستصحاب عدم الأكل بالباطل ........ يدل على عدم الانعقاد وهو ظاهر إلا أن المشهور الصحة وما نعرف لها دليلاً وهم أعرف رحمهم الله لعل لهم نصّاً ما نقل إلينا )[9] .

فإذاً هؤلاء ثلاثة من الأعلام توقفوا بل لصاحب الجواهر(قده) عبارة يظهر منها أيضاً أنه لولا الاجماع لكان من المتوقفين في صحة العقد ، يعني على القاعدة لا يصحح العقد ، قال:- ( إنه إن لم تكن المسألة اجماعية فللنظر فيها مجال كما اعترف به في جامع المقاصد ضرورة عدم اندراجه في العقود بعد فرض فقدان قصد العقدية وأن صدور اللفظ به كصدوره من الهازل والمجنون ونحوهم وقصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت غير مجدٍ )[10] .

فإلى الآن هذه عبارات من قال إنَّ العقد يقع باطلاً ولا يكفي تصحيحه بالرضا المتأخر.

[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج22، ص45، أباب مقدمات الطلاق وشروطه، ب12، ح5، ط آل البيت.
[2] لكنها تبقى معذورة والأولاد الذين يولدون فهم أولاد حلال كما أنَّ الزوج يعتقد أنها راضية فهنا لا يوجد زنا في حقه.
[3] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص328.
[4] يعني ليس شهرة منقولة فقط بل شهرة محصّلة.
[5] يعني الاتفاق على وقوعه صحيحاً إذا حصل طيب النفس.
[6] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج22، 267.
[7] جامع المقاصد، الكركي، ج4، ص62.
[8] كفاية الفقه، السبزواري، ج1، ص449، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
[9] مجمع الفائدة والبرهان، الأردبيلي، ج8، ص156.
[10] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج، ص267.