1440/05/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

الخامسة:- صحيحة محمد بن حكيم ، وهي:- الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن عمر عن علي بن عثمان عن محمد بن حكيم قال:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن شيء فقال لي: كل مجهول فيه القرعة ، فقلت له: إنَّ القرعة تخطئ وتصيب ؟ قال: كل ما حكم الله به فليس بمخطئ )[1] .

ودلالتها واضحة حيث قالت ( كل مجهول ففيه القرعة ) ، وهذا مطلق يشمل المتعيّن واقعاً وغير المتعيّن واقعاً فنتمسّك بإطلاق هذه الفقرة.

والكلام تارةً يقع من حيث السند وأخرى من حيث الدلالة:-

أما من حيث السند:- فهناك مشكلتان فيه:-

الأولى:- إنَّ عليّ بن عثمان لم يذكر بتوثيق ، كما أن محمد بن حكيم الذي يروي عن الامام أيضاً لم يوثقه أصحاب المعاجم ، فإذاً المشكلة من ناحيتين.

أما من الناحية الأولى:- فيمكن التغلب عليها ببيان أنَّ الشيخ الصدوق(قده) روى هذه الرواية عن محمد بن حكيم فإنَّ صاحب الوسائل قال في ذيل الرواية ( ورواه الصدوق عن محمد بن حكيم ) ، فنرجع إلى مشيخة الشيخ الصدوق(قده) المذكورة في آخر الفقيه ، وإذا رجعنا إليها وجدنا السند كالتالي:- ( وما كان فيه عن محمد بن حكيم فقد وريته عن أبي رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن أبي عبد الله[2] عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن محمد بن حكيم ) ، وهذا الطريق لا يوجد فيه عليّ بن عثمان ، ثم قال الصدوق:- ( ورويته عن محمد بن الحسن[3] رحمه الله عن محمد بن الحسن الصفّار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن حكيم ) ، وهذا الطريق الثاني لا مشكلة فيه أيضاً ، هذا من حيث عليّ بن عثمان.

تبقى المشكلة من ناحية محمد بن حكيم حيث قلنا لم يذكر بتوثيق من قبل الشيخ ولا من قبل النجاشي ، فماذا نصنع ؟

والجواب:- إذا رجعنا إلى رجال الكشي نجده يذكر تحت عنوان محمد بن حكيم روايةً أنَّ الامام عليه السلام كان يأمره بالمناظرة مع المخالفين ، أو أنه أمضى مناظرته ، وهي:- ( حمدويه[4] قال حدثني محمد بن عيسى[5] قال حدثني يونس بن عبد الرحمن عن حمّاد[6] قال: كان أبو الحسن عليه السلام يأمر محمد بن حكيم أن يجالس أهل المدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن يكلمهم ويخاصمهم حتى كلّمهم في صاحب القبر فكان إذا انصرف إليه قال له مما قلت لهم وما قالوا لك ويرضى ذلك منه )[7] .

بتقريب:- أنَّ الامام عليه السلام أمضى مخاصمته للمخالفين ، يعني أصبح هذا الرجل كأنه ممثلاً لاتجاه الامام عليه السلام يعني ممثلاً عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، فمن البعيد أن يرتضيه الامام عليه السلام ممثلاً ولا يكون ثقة.إذاً هذه الرواية من حيث السند أمرها سهل.

وأما من حيث الدلالة:- ففيها مشكلتان:-

الأولى:- إنَّ كلمة كجهول لا يبعد دعوى انصرافها عرفاً إلى حالة التعيّن الواقعي ، فالشيء إذا كان له حالة تعيّن واقعي يعبّر عنه بالمجهول يعني في مرحلة الظاهر ، أما إذا لم يكن له تعيّن واقعاً - أي هو من الأصل غير متعيّن - فكلمة مجهول منصرفة عنه . وهذا شيء لا بأس به.

ثانياً:- لو أردنا أن نأخذ بهذه الرواية فهي تدل على مطلبٍ عريضٍ جداً ، وهو أنَّ كل مجهول فيه القرعة وهذا على اطلاقه وبعرضه العريض لا يحتمل أن يكون مقصوداً ، وإلا سوف تثبت القرعة في موارد العلم الاجمالي وفي موارد الأصول العملية وفي موارد أخرى ، فإذاً لابد أن يكون المقصود معنىً أضيق من ذلك ، وحيث إنَّ ذلك المعنى الأضيق له مراتب وتحديد مرتبةٍ دون أخرى شيء صعب ، فإذاً التمسّك بهذه الرواية من حيث الدلالة محل إشكال من هذه الناحية.

إذاً اتضح من خلال كل ما ذكرنا أنَّ جميع النصوص التي يراد التمسّك بها لإثبات حجية القرعة في مورد عدم التعيّن واقعاً لا تخلو من إشكال.

والأجدر التمسّك بالسيرة العقلائية:- فيقال إنها منعقدة على العمل بالقرعة في موارد عدم التعيّن واقعاً ، كما إذا أرادت الدولة توزيع أراضٍ أو دور سكنية ، أو أنَّ هذا الشخص يأخذ الدار رقم واحد وذاك يأخذ الدار رقم اثنين ، فالقرعة عقلائياً شيء متداول في مورد عدم التعيّن واقعاً ، بل كانت موجودة قبل الاسلام في قضية كفالة مريم وقضية يونس والمورد لا تعيّن فيه ، فإذاً قضية القرعة موجودة حتى قبل الاسلام وهي قضية عقلائية ، فلو لم تكن مرضية شرعاً لورد الردع عنها ، وعدم الردع يدل على الامضاء ، بل بعض النصوص يفهم منها إمضاء القرعة كالنصوص المتقدمة ، ومن الواضح أنَّ القدر المتيقن من إمضائها هو عدم التعيّن الواقعي ، فإذاً الشرع لم يقف أمام القرعة ، فلو كانت القرعة مرفوضة شرعاً في موارد عدم التعيّن الواقعي لورد الردع عنها ، فعدم الردع يدل على الامضاء.

فإذاً نحلّ المشكلة من خلال هذا الطريق.

والنتيجة:- إنه على هذا الأساس نردّ الشيخ الأصفهاني(قده) حينما قال ( وأدلة القرعة لا تعم موارد عدم التعين واقعاً ) فنقول له:- نعم هذا يتم في المستندات اللفظية ، ولكن لو كان المستند هو السيرة فيمكن أن يقال إنَّ فيها اطلاقاً من هذه الناحية ، وكان من المناسب له أن يشير إلى هذا.

هذا كله بالنسبة إلى البحث عن القرعة باختصار وأنها تشمل موارد عدم التعيّن واقعاً ، وبهذا نفرغ عن كلامنا مع الشيخ الأصفهاني(قده).

ما ذهب إليه السيد الخوئي(قده)[8] :- وحاصله التفصيل بين ما إذا كان المورد مثل مصراعي باب فهنا حكم بالبطلان فيهما ، أما أنَّ أحدهما باطل لأنه حصل لأجل الاكراه ، الثاني باطل أيضاً من ناحية الضرر والاكراه لأنَّ بقاء المصراع الثاني من دون المصراع الأوّل لا ينفع شيئاً ، فهو بالتالي يتضرر ببقائه فيبيعه فراراً من الضرر ، فإذاً هذا البيع ليس عن طيب نفس، فإذاً الأول ليس عن طيب نفس لأجل الاكراه المباشري والثاني أيضاً ليس عن طيب نفس خوفاً من التضرر ببقاء أحد المصراعين دون الثاني فإنه لا قيمة له ولا نيفع.

وأما إذا لم يكن من هذا القبيل كالدار والسيارة حيث قال له إما أن تبيع دارك أو سيارتك وباعهما معاً فهنا حكم بالبطلان في أحدهما لأجل الاكراه أما الثاني فيقع صحيحاً إذ لا إكراه بَيدَ أنَّ التعيين بيد البائع المكرَه فهو يعيّن بلا حاجة إلى القرعة ، فالقرعة لا نصير إليها بل له أمر التعيين ، والوجه في ذلك هو أنَّ هذا الشخص حينما باع الدار والسيارة ففي الحقيقة قلنا إنَّ أحدهما صحيح لأنه عن اختيار والثاني باطل والذي نقله هو الأحد الكلي لا الخصوصية ، فخصوصية سيارة لم ينقلها وخصوصية دار لم ينقلها وإنما قال بعتك الدار والسيارة وواحد منهما صحيح والآخر باطل ، فالذي نقله هو الكلّي من دون الخصوصية ، فهو لم ينقل الخصوصية ، فتبقى خصوصية كونها داراً أو كونها سيارة تحت اختياره ، فهو يتمكن أن يعيّن ، لأنَّ الفروض أنَّ الظالم أكرهه على واحدٍ ، فعلى هذا الأساس هو حينما يبيع فهو يبيع الكلّي ، والبيع الصحيح بالتالي واقع على الكلّي من دون الخصوصية ، فالخصوصية باقية على ملكه ، فهو يعيّن تلك الخصوصية من دون حاجةٍ إلى القرعة.نعم في بعض الموارد لابد من الاستعانة بالقرعة ، كما إذا فرض أنه باعهما لشخصين في بيعٍ واحد من دون تعيين بأنَّ لهذا الدار ولذاك السيارة ، فهنا قد نقل الخصوصية أيضاً ، ففي مثل هذه الحالة لابد من الرجوع إلى القرعة ، لأنه بالتالي نقل الخصوصية أيضاً ، فلا يدرى أنَّ هذه الخصوصية لهذا الشخص أو لذاك فلابد من المصير إلى القرعة.إذاً هو فصّل بين ما إذا كان بيع الشيئين لشخصٍ واحد والمفروض أنَّ الصحيح واحدٌ فحينئذٍ يكون التعيين بيده لأنه نقل الكلّي ولم ينقل الخصوصية ، وإذا فرض أنه باعهما لشخصين في بيعٍ واحد دفعةً واحدةً فهنا هو قد نقل الخصوصية لهما أيضاً ، وحيث إنَّ هذه الخصوصية غير متعيّنة لهذا بالخصوص أو لذاك بالخصوص فلابد من المصير إلى القرعة.

[2] أي البرقي.
[3] أي استاذه ابن الوليد القمي.
[4] حمدويه بن نصير الكشي وهو استاذ الكشي ولا مشكلة فيه وقد ينقل عنه الكثير وقد وثقه الكشي في بعض الموارد توثيقاً مهماً.
[5] وهو ابن عبيد اليقطيني وهو لا مشكلة فيه.
[6] أي حمّاد بن عيسى الجهني الثقة.
[8] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج2، ص277.