26-02-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/02/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 استدراكات ثلاث:-
الاستدراك الأول:- قد يقال في نصرة السيد الخوئي(قده) بأن الحق كما أفاد - يعني أن المورد هو من قبيل المتناقضين - والوجه في ذلك هو إن صحيحة معاوية بن عمّار الواردة في الطائفة الأولى والتي دلت على حليّة الجميع ما عدى النساء والطيب فإنها قالت بحليّة جميع المحرّمات عدى النساء والطيب ونصّها:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء والطيب ) ، ومن الطائفة الثانية نأخذ صحيحة سعيد بن يسار التي جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع قلت إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ؟ قال:- نعم الحنّاء والثياب والطيب وكل شيءٍ إلا النساء ) إنه في هذه الرواية ذكر الطيب بالصراحة يعني أنه يحلّ الطيب إذا حلق بينما الرواية السابقة – أي صحيحة معاوية بن عمار - قالت يحلّ الجميع عدى النساء والطيب يعني أن الطيب لا يحلّ وهذه تقول الطيب يحلّ فصار المورد من المتناقضين ، هكذا قد يقال في نصرته(قده).
وفيه:- إن صحيحة سعيد بن يسار لم تقل ( يحلّ له كذا وكذا .... والطيب ) فكلمة يحلّ ليست موجودة في الرواية وأنت ذكرتها تبرّعاً منك فإن الموجود فيها:- ( قلت:- إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ؟ قال:- نعم الحناء والثياب والطيب ) . إذن هنا يوجد مقدّر أما ما هو المقدّر ؟ فلعله من قبيل ( لا بأس أن يطلي نفسه بالحنّاء والطيب ) فإذا قدرنا كلمة ( لا بأس ) فحينئذٍ لا يكون المورد هو من ( يحل ) و ( لا يحل ) - أي من قبيل المتناقضين - فعلى هذا الأساس أين يوجد التناقض ؟!
إن قلت:- بالتالي إن المضمون مضمون متناقضٌ وإن كانت التعابير ليست من قبيل التناقضين - أي ليست من قبيل يحل ولا يحل - ولكن بالتالي واحدةٌ تجوّز والأخرى تمنع فصار المورد من المتناقضين.
قلت:- إذا صار البناء على ملاحظة المضمون فيلزم في كل مورد أن نلاحظ المضمون أي حتى في المورد الذي قبل فيه هو(قده) الجمع العرفي كما إذا فرض أن إحدى الروايتين تنهى والأخرى تقول لا بأس يعني واحدة مثلاً تقول ( لا تشرب بالعصير العنبي إذا غلى ) والاخرى تقول ( لا بأس ) فهو هنا قبل الجمع العرفي بالحمل على الكراهة مع أنه من حيث المضمون هما من قبيل المتناقضين فإن ذاك يدلّ على عدم الجواز وهذا يدلّ على الجواز فإذا صار البناء على ملاحظة المضمون في جميع الموارد يعني حتى الموارد التي هو قبل فيها الجمع العرفي المضمون فيها متناقض . إذن نفس الصياغة اللفظية لها مدخلية ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نقول إن موردنا من قبيل المتناقضين.
وإذا فرض أنك بقيت مصرّاً وقلت إني أشعر بوجداني أن المورد من قبيل المتناقضين فبإمكاننا آنذاك أن نذكر شيئاً آخر وهو أن أصل الكبرى التي أفادها لابد من تضييق مساحتها وذلك بأن نقول:- إنه أحياناً يكون المورد من قبيل المتناقضين ولكن مع ذلك يرى العرف امكانية الجمع العرفي رغم أن المورد من المتناقضين كما هو الحال في مثل ( من شك في الصلاة الثنائية أعاد ) وتأتي رواية أخرى تقول ( لا تُعِد ) ولكن يمكن أن يقال إن هذا من موارد الجمع العرفي رغم أنه من المتناقضين وذلك لأن ( لا تُعِد ) صريحٌ في عدم وجوب الاعادة فحينئذٍ يحمل الذي هو ظاهرٌ في الوجوب وليس نصاً فيه على الاستحباب . إذن نحن نضيّق القاعدة من البداية لا أنه في كلّ مورد من قبيل المتناقضين نقول لا يمكن آنذاك الجمع العرفي كلا بل في بعض الموارد يمكن الجمع العرفي كما إذا كان أحدهما نصّاً والآخر ظاهراً ، وهذا مبحث مهمّ لأننا نواجه في مجال الاستنباط الكثير الكثير في الروايات ، ونأتي الى مقامنا ونقول نفس الشيء فنقول إن الرواية الثانية - أي صحيحة سعيد بن يسار - التي قالت:- ( هل يطليه بالحناء ؟ قال:- نعم الحناء والثياب والطيب ) صريحة بجواز التطيّب ولا يحتمل ارادة غير ذلك وأما تلك التي تقول:- ( أحل من كل شيء إلا النساء والطيب ) فهي ليست صريحة بالتحريم لأنه يمكن أن يقصد من عدم الاحلال المعنى الأعم الشامل للكراهة والتنزيه ، وعلى هذا الاساس يكون المورد قابل للجمع العرفي حتى لو سلمنا أنه من قبيل المتناقضين ، ولكن نحن كما قلنا نوافقه بحسب النتيجة أي لا نقبل فكرة الجمع بالحمل على الكراهة ولكن لا لما أفاده(قده) بل لما أشرنا إليه من أن لازم ذلك التفكيك في السياق الواحد يعني النساء باقية على الحرمة وأما الطيب فيحلّ وهذا تفكيكٌ في السياق الواحد وهو أمرٌ مرفوض عرفاً . إذن النتيجة هي أنّا نقبل ما أفاده(قده) ولكن لا للطريق الذي ذكره بل لهذا الطريق الذي أشرنا إليه.
الاستدراك الثاني:- ذكرنا بالنسبة الى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج - التي هي الرواية الاخيرة من الطائفة الثانية – أنه ورد فيها ( ولد لأبي الحسن عليه السلام مولود بمنى فأرسل الينا بخبيص فيه زعفران وكنا قد حلقنا قال عبد الرحمن فأكلت أنا وابى الكاهلي ومرازم ان يأكلا منه وقالا لم نزر البيت فسمع أبو الحسن عليه السلام كلامنا فقال لمصادف ...... فلما جاء أبي حرّشه عليَّ فقال يا أبَ إن موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ..... ) ونحن قلنا في المحاضرة السابقة أن فاعل ( حرَّشه ) يعني أن أبيه حرَّشه عليَّ ، والآن نقول هناك احتمال ثانٍ لعلّه أوجه من السابق وهو ( فلما جاء أبي حرّشه عليَّ ) أي أن عبد الله حرّش أبي عليَّ ( فقال يا أبَ إن موسى ..... ) وكلمة " فقال " هي بيان الى كيفية أنه حرّشه ، وهذا استدراك جانبي ليس بمهم.
ولكن الذي له شيءٌ من الأهمية هو هذا المطلب:- وهو أنه قد يقال صحيح أن هذه الرواية هي من حيث رجال السند صحيحة فإن جميع أفراد السلسلة هم من الثقاة الأجلة ولكن تبقى المشكلة بالنسبة الى مصادف الذي ينقل هذا الحوار وهذه القضية لأن موضع الشاهد ينقله بأجمعه - أي مواضع الاستشهاد الثلاثة - ومصادف لم تثبت وثاقته ، وعلى هذا الأساس تصير الرواية مورد تأمل ولعله من هذه الناحية توقف صاحب الجواهر(قده) وقال هي صحيحة أو رواية.
بيد أنه يمكن أن يقال:- إن عبد الرحمن هو المتصدي للنقل لهذا الحوار ، نعم إن مصادف كان الواسطة بين الامام عليه السلام وبين الجماعة - أعني عبد الرحمن وعبد الله بن يحيى الكاهلي ومرازم - فهو كان الحلقة الرابطة وأما الذي كان ينقل هذا الحوا ر بأجمعه فهو عبد الرحمن ، وعلى هذا الأساس لا مشكلة من هذه الناحية بعدما كان الناقل هو عبد الرحمن الذي هو من أجلّة أصحابنا.
إن قلت:- صحيح أن الناقل هو عبد الرحمن ولكن بالتالي هذا النقل ليس هو نقلٌ عن الامام بالمباشرة وإنما هو بوساطة مصادف فعادت المشكلة آنذاك كما هي.
قلت:- إن عبد الرحمن لم يقل ( قال لي مصادف وقلت له ) فمثل هكذا تعبير ليس موجوداً بينه وبين مصادف وإنما عبد الرحمن ينقل حواراً قد تحقق وهو ينقله بنحو الجزم لا بنحو الترّدد والمورد إن لم يكن من موارد الحسّ فلا أقل هو من موارد الحدس القريب من الحسّ فيقبل فيه آنذاك النقل كما هو الحال في سيرتنا المتداولة فإننا أحيانا ننقل واقعة فنقول جرى بين فلا وفلان كذا رغم أني لم أكن حاضراً في تلك الواقعة وأسمع بالمباشرة ولكنه مع ذلك أنقل هذا الحوار وهو شيء مقبول ويُقبَل منّي هذا النقل لا أنه يُتوقف باعتبار أنه وإن لم أكن أنا حاضراً في تلك الواقعة ولكن بالتالي يمكن أن أكون قريباً منها أو تكثّر النقل الى أن حصل لي الاطمئنان بذلك فأنقلها وهنا عبد الرحمن هو ينقل القضيّة بضرسٍ قاطعٍ وأنه جرى هكذا بين الامام عليه السلام وبين مصادف الامام هكذا يقول ومصادف هكذا يقول فلعلّه كان يسمع الحوار الذي جرى بينهما  من بُعدٍ أو ما شاكل ذلك ، وعلى أي حال المورد ليس من الحدس البعيد عن الحسّ حتى لا يقبل فيه النقل فلا موجب للتوقف في الرواية من هذه الناحية.
الاستدراك الثالث:- ذكرنا فيما سبق أن من جملة روايات الطائفة الثالثة صحيحة اسحاق بن عمار - وذكرناها بعنوان الرواية الثالثة من روايات الطائفة الثانية – واتي جاء فيها:- ( سألت ابا إبراهيم عليه السلام عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحل له ؟ فقال:- كلّ شيءٍ إلا النساء ) وذكرنا أن هذه الرواية تدلّ على أن الطيب يحلّ بالحلق فلذلك جعلناها من روايات الطائفة الثانية فماذا نصنع تجاهها وكيف نتخلص منها ؟ ذكرنا أن صاحب الجواهر(قده) قال هي قابلة للتخصيص وسكت عن ذلك ولم يبين كيفية تخصيصها ، ونحن ردّدنا التخصيص الذي أشار إليه صاحب الجواهر(قده) بين احتمالين وقلنا إنه يحتمل أن يكون مقصوده من التخصيص يعني أن نخصصها بحالة ما بعد زيارة البيت إذن على لا مشكلة من ناحيتها ، والاحتمال الثاني أن يكون مقصوده من التخصيص هو صحيح أن الامام قال:- ( كل شيء إلا النساء ) ولكن هذا مطلق فنقيّده - أي نقيد مفهوم الحصر  - يعني كلّ شيءٍ غير النساء حلالٌ بأجمعه إلا الطيب بناءً على أن مفهوم الحصر قابل للتخصيص ، فيحتمل أن هذا هو مقصوده أو ذاك .
ثم قلنا إذا كان مقصوده هو الاحتمال الأول - يعني أن نخصصها بما بعد زيارة البيت - فهذا قد قال عنه هو فيما سبق إنه بعيدٌ إذ في صحيحة سعيد بن يسار حينما صنع الشيخ الطوسي(قده) ذلك - أي في الرواية الأولى من الطائفة الأولى من الروايات - وحملها على ما بعد زيارة البيت فصاحب الجواهر(قده) قال هو بعيدٌ وإن لم يبين هو وجه البعد  ولكن نحن بينا وجه البعد وقلنا هو بعيد باعتبار أن السائل هو الذي يسأل ويقول ( قد حلق ) فالسائل قد فرض تحقق الحلق فقط أما أن نأتي نحن ونضيف فرض زيارة البيت فهذا لم يذكره السائل ، نعم إذا كان الإمام عليه السلام هو الذي يبيّن الحكم ابتداءً فيمكن التقييد من باب مصلحة التدرج في بيان الأحكام أما إذا كان السائل هو الذي يسال وهو ناظر الى الحلق فقط فلا معنى لأن نقيد هذه الرواية.
والاستدراك هو هنا وهو:- هذا وربما يقال بأنه يوجد وجه آخر لبعد هذا الاحتمال غير ما ذكرناه وحاصله إنه يلزم بناءً على التخصيص المذكور أن تدل الرواية على مضمون مرفوض وغير مقبول جزما لأن النتيجة سوف تصير هكذا ( سألت أبا ابراهيم عن المتمتع إذا حلق رأسه وزار البيت ما يحل له ؟ فقال عليه السلام:- إلا النساء  ) ومن المعلوم أنه إذا فرض أنه قد زار فهذا مفهومه هو ( إنه اذا لم يزر البيت فحينئذٍ لا يحلّ ذلك ) والحال أنه يحلّ له بقيّة المحرّمات بلا إشكالٍ ولا تتوقف حليّة المحرمات الأخرى غير الطيب على زيارة البيت بينما على هذا الاحتمال يلزم أن تكون جميع المحرّمات حليتّها متوقفة على زيارة البيت وهذا شيءٌ مرفوضٌ بالاتفاق.
وجوابه:- إن غاية ما يثبت بالمفهوم هو أنه إذا لم يزر البيت فحليّة هذا المجموع لا تثبت - يعني بما في ذلك الطيب - أما أنه تثبت حليّة البعض أيضا ولو واحداً أو اثنين أو ثلاثة فهذا لا يدلّ عليه المفهوم . إذن هذا الوجه لا يصلح وجهاً لإثبات الاستبعاد وينحصر الأمر بما ذكرنا.
بهذا انتهينا من الاستدراكات الثلاثة.