1440/04/25


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 59 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

مسألة ( 59 9 :- إذا اكره أحد الشخصين على بيع داره كما لو قال الظالم فليبع زيد أو عمرو داره فباع أحدهما داره بطل البيع إلا إذا علم إقدام الآخر على البيع...........................................................................................................ذكرنا فيما سبق أنَّ السيد الخوئي(قده) حينما ذكر الشرط الثالث - وهو الاختيار - عقّبه بخمس مسائل ترتبط بهذا الموضوع ، وهذه هي المسألة الأولى ، وهي تنحل إلى فرعين:-

الفرع الأوّل:- إذا فرض أنَّ الاكراه متعقلاً بأحد شخصين بأن قال الظالم ( يا زيد ويا عمرو فليبع أحدكما داره وإلا أودعتكما السجن ) ففي مثل هذه الحالة لو باع أحدهما فسوف يقع البيع باطلاً .

الفرع الثاني:- لو فرض أنّ أحد المكرَهين علم بأن الثاني سوف يبيع جزماً ، فإذا بادر الأول بإيقاع البيع قبل أن يوقعه الثاني بطل بيعه.

الكلام في الفرع الأوّل:-قد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا الفرع ، وعلّله بأنَّ ذلك كإكراه الشخص الواحد على بيع أحد مِلكَيه ، يعني أنَّ الظالم قال لشخصٍ واحدٍ وهو زيد مثلاً ( إما أن تبيع دارك أو تبيع سيارتك وإلا أودعتك السجن ) ، فإذا باع داره وقع البيع باطلاً ، وهنا كذلك يقع البيع باطلاً أيضاً.

وإذا أردنا أن نوضح مقصوده فنقول:- كأنَّ الشيخ يريد أن يقول هو مكرهٌ على فعل هذا إن لم يفعل ذاك ، ومكرهٌ على فعل ذاك إن يفعل هذا ، يعني يوجد أمران وهما ( بع دارك إن لم تبع سيارتك ) و ( بع سيارتك إن لم تبع دارك ) ، فأيّ واحدٍ أوقعه فسوف يقع عن اكراه ويكون باطلاً ، قال(قده):- ( ثم إنَّ إكراه أحد الشخصين على فعلٍ واحد بمعنى إلزامه عليهما كفايةً وإيعادهما على تركه كإكراه شخصٍ واحد على أحد الفعلين في كون كل واحدٍ منهما مكرهاً )[1] ، فإذاً هو حكم بالإكراه وشبَّهه بما إذا أكره الشخص الواحد على بيع أحد مِلكَيه ، ولكن هذه الصياغة العلمية قد لا تكون مقنعة.

والصياغة الأجدر والمقنعة أن يقال:- إذا أكره الظالم زيداً على بيع داره أو عمرواً على بيع داره فبالتالي هذا الشخص إن فعل ذلك فهو قد فعله لخوف الضرر ، وذاك فعل أيضاً فعله لخوف الضرر ، فتحقق الاكراه وبطلان البيع.

يعني مثل ما لو أكره شخص واحد على بيع داره فسوف يقع باطلاً من باب خوف الضرر ، وهنا يقع البيع باطلاً أيضاً لخوف الضرر ، فإنَّ طيب النفس ليس بموجود ، وهذه صياغة مقنعة تركن إليها النفس وهي عقلائية أكثر.

الكلام في الفرع الثاني:- وهو أنه لو علم زيد أنَّ عمرواً سوف يبيع داره فلو تصدّى زيد لبيع داره فسوف يقع صحيحاً ، إذ أنه لا يخاف الضرر بعلمه بأن الطرف الآخر سوف يبيع ، فإذاً هو باع داره لا لخوف الضرر ، فيقع صحيحاً.

وهذا الفرع وقع محلَّ خلافٍ بين العلمين اليزدي والنائيني ، وانجرّ الخلاف إلى ما بعد ، وقبل أن نذكر الخلاف بينهما نلفت النظر إلى أنَّ هذا الخلاف هل هو خلاف في المستند الشرعي في آية كريمة أو رواية شريفة ، فهل منشأ الخلاف شرعي ؟إنه ليس شرعياً وإنما هو اختلاف في الموضوع عرفاً ، فبالنظر العرفي والعقلائي هل هذا الشخص مكرهٌ حقيقيةً أو لا ؟ وهذا نزاعٌ ليس في حكمٍ شرعي وليس في مستندٍ شرعي وإنما هو خلاف في موضوع متعلّقٍ شرعي ، ومنشأ الخلاف هو العرف والنظرة العقلائية.فأنتم كعرف نجعلكم حَكَماً فإنه بعد أن علم زيد أنَّ عمرواً سوف يبيع فلو سارع زيد وباع فهل يقع هذا البيع عن اكراه فيكون باطلاً أو لا ؟

حكم السيد اليزدي(قده) بصحته حيث قال:- إنه حينما باع فهو لم يبع خوفاً من الضرر ، وبالتالي كان يمكنه أن لا يبيع ولا يلحقه أي ضرر ، لأنه يعلم أنَّ الشخص الآخر سوف يبيع ، ومن الواضح أنَّ هذه قضية ينبغي أن تكون واضحة وهي أنه يعلم أنَّ الشخص الآخر سوف يبيع علماً جزمياً لا أنه متردد ولكنه تسرع وباع ، فهنا قال السيد اليزدي(قده) نحكم بالصحة ، لأنَّ هذا البيع ليس لدفع الضرر عن نفسه ، لأنَّ الضرر مندفعٌ عن نفسه ببيع الشخص الآخر ، لأنَّ الأوّل يعلم بأن الآخر سوف يبيع ، قال(قده):- ( إذا فرض علم أحدهما بأنَّ الآخر يفعله ....... فإنه حينئذٍ لا يكون مكرهاً إذ له حينئذٍ أن لا يفعل )[2] .

وذكر الشيخ النائيني(قده) أنَّ البيع يقع باطلاً:- إذ الأوّل حينما يبيع سوف يدفع الضرر عن نفسه وعن صاحبه فيصدق على هذا البيع أنه بيع لدفع الضرر عنهما معاً ، فحينئذٍ يقع فاسداً ، قال(قده):- ( فإذا أقدام كل واحد لا يخرج المعاملة عن عنوان الاكراه فعلم الأب بأنَّ الجد يقدم على البيع لدفع الاكراه لا يخرج المعاملة عن الاكراه إذا سبق الأب إلى البيع لدفع ضرر المكرِه عن نفسه وأبيه )[3] . [4]

ولا يبعد أنَّ ما أفاه السيد اليزدي(قده) هو المناسب:- باعتبار أنه بعد علمه بأنَّ الثاني يبيع فهو سوف لا يخاف الضرر بترك البيع ، فإذا أقدم على البيع يكون عن اختيار وطيب نفس.

ولكن نستثني من ذلك حالتين:-

الأولى:- ما إذا كانت العلاقة بين المكرهَين شديدة جداً كالأب والابن وضرر الأب هو ضرر الابن وبالعكس فلا يبعد أنه لو أقدم الولد على البيع رغم علمه بأنَّ الأب سوف يبيع فيمكن أن يقال إنَّ هذه المعاملة التي صدرت من الابن تقع باطلة رغم علمه بأنَّ أباه سوف يبيع ، وذلك باعتبار أنه يريد أن يدفع الضرر عن نفسه ، لأنَّنا فرضنا أنَّ ضرر الأب هو ضرر لنفسه ، فبالتالي هو ببيعه يريد أن يدفع الضرر عن نفسه ، لأنَّ ضرر والده هو ضرر لنفسه ، فلا يوجد ضرران ، بل الموجود ضرر واحد ، وحينئذٍ إذا أقدم الابن على البيع يصدق أنَّ هذا البيع هو لدفع الضرر عن نفسه بعدما كان ضرر الوالد هو ضرر الابن ، وهذا شيء عرفي وجيه.

الثاني:- ما إذا فرض أنَّ المعاملة كانت واحدة وليست متعددة ، فإنَّ المعاملة المكرَه عليها تارةً تكون متعددة ، كأن يقول الظالم ( إما أن يبيع زيد دراه أو يبيع عمرو داره ) فهاتان معاملتان ، فهذه معاملة بيع دار وتلك معاملة بيع دارٍ أخرى ، ومرةًّ يفترض أنَّ المعاملة واحدة ، كأن يفترض أن الدار واحدٌ ونحن إخوة فلي الحق في أن أبيعها وأخي له الحق أن يبيعها أيضاً لأننا قد أخذنا وكالة عن الورثة ، فقال الظالم ( لابد أن يبيع أحدكما هذه الدار ) ففي مثل هذه الحالة لو علم الأخ الأوّل بأن الأخ الثاني سوف يبيع فهنا لو سارع الأوّل وباع رغم علمه بأنَّ الثاني سوف يُقدِم على المعاملة فهنا يمكن أن يقال إنَّ هذا بيع لدفع الضرر ، لأنَّ المعاملة التي تجري هي معاملة واحدة ، لا أنه بتلك المعاملة التي لو أجراها الثاني سوف يندفع الضرر عن معاملة الأخ الأوّل ، فإن المفروض أنه لا توجد معاملتان وإنما المعاملة واحدة ، فعلى هذا الأساس حينما يبيع الأول فقد باع لدفع الضرر المتوجه إليه وإلى أخيه أيضاً ، فبالتالي يصدق أنَّ الضرر متوجه إليه ، فيقع البيع باطلاً.

والخلاصة من كلّ هذا:- المناسب في الفرع الثاني ليس هو ما أفاده الشيخ النائيني(قده) على إطلاقه ، وليس ما أفاده السيد اليزدي(قده) على إطلاقه ، بل لابد وأن تُلحَظ هاتان القضيتان بالشكل الذي أوضحناه.

 


[4] منية الطالب، النائيني، ج1، ص413، في طبعة أخرى لمؤسسة النشر الاسلامي.