1440/04/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرطية الاختيار- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ).

الثالث:- الاختيار ، فلا يصح بيع المكره وهو من يأمره غيره بالبيع المكروه له على نحوٍ يخاف من الاضرار به لو خالفه بحيث يكون وقوع البيع منه من باب ارتكاب أقل المكروهين . ولو لم يكن البيع مكروهاً وقد أمره الظالم بالبيع فباع صح . وكذا لو أمره بشيء غير البيع وكان ذلك الشيء موقوفاً على البيع المكروه فباع فإنه يصح كما إذا أمره بدفع مقدار من المال ولم يمكنه إلا ببيع داره فباعها فإنه يصح بيعها.

..........................................................................................................يقع الكلام في الشرط الثالث من شروط المتعاقدين:- وهو الاختيار.وتشتمل هذه المسألة على أربعة أحكام وهي ترتبط بشرطية الاختيار:-

الحكم الأول:- يشترط في صحة المعاملة الاختيار ، فلا يصح بيع المكره - من دون إجازة كما يأتي فيما بعد -.

الحكم الثاني:- ما هو الاكراه ، وهو أن يأمر شخصٌ شخصاً آخر ببيع داره مثلاً وبيع الدار مكروه للشخص المأمور ويخاف المأمور لو لم يبع داره من سطوة المكرِه فهنا لو باع داره عند تحقق هذين الشرطين - وهو أن يكون مكروهاً له ويخاف سطوة الظالم المكرِه - يحيث يكون ذلك من باب ارتكاب أهون الضررين فيقع البيع باطلاً.

الحكم الثالث:- إذا فرض أنَّ بيع الدار كان ليس بمرغوب عنه بالنسبة لي وإنما كان لا بأس ببيعها وهو مرغوبٌ لي لا أنني أكره ذلك واتفاقاً أمرني الظالم المكرِه على بيعها فهنا يوجد أمرٌ ببيعها لأنه هددني ولكني في نفس الوقت لا أكره بيع الدار ، ففي مثل هذه الحالة يمكن أن نقول بوقوع البيع صحيحاً.

الحكم الرابع:- لو فرض أنَّ الظالم يكرهني على بيع داري وإنما طلب منّي مبلغاً من المال فبعت داري لأجل ذلك فهل يقع بيع الدار باطلاً أو لا ؟ ، فأنا بعت الدار من باب المقدمة لدفع المال ؟ قال إنه يقع صحيحاً.

وقبل الدخول في بيان هذه الأحكام نقول:- كان من المناسب للسيد الماتن(قده) فنياً أن يبيّن شرطية القصد كشرطٍ ثالث ثم الاختيار في القصد يكون شرطاً رابعاً ، فأصل القصد معتبرٌ ، وأن يكون هذا القصد عن اختبار معتبرٌ أيضاً ، كما صنع الشيخ الأعظم(قده) ، حيث ذكر من جملة الشرائط القصد ثم في شرطٍ آخر قال ( ويعتبر الاختيار ) ، يعني بعد اشتراط القصد اعتبر الاختيار ، ففنّياً الاختيار متفرّعٌ على اعتبار القصد.

وتوجد ملاحظة أخرى:- وهي أنَّ الشيخ الأعظم(قده) حينما دخل في موضوع الاختيار انشرح مزاجه فأطال وأطنب.

وتوجد قضية أخرى نلفت النظر إليها أيضاً:- وهي أنَّ الاختيار لا يقصد منه ما يقابل الإلجاء وإنما يقصد منه طيب النفس ، لأنَّ الاختيار يستعمل بمعنيين ، ففي الفلسفة يستعمل ويقال هل ( نحن مختارون في أفعالنا ؟ ) المقابل لعدم الاختيار أي أننا مُلجأون على ذلك ، كما لو كان في موردنا يوجد شخص قد قبض سلاحه وهددني بالقتل إن أبيع داري ، فهنا يصير إلجاءً وأصل اختياري سوف يذهب عنّي ، ومرّة يكون الأمر باختياري واستطيع أن أترك البيع ولكني استحي ولا يوجد عندي طيب نفس ، كما لو جاءني شخص وكان أستاذي وقال لي بعني دارك وأنا أخجل منه فهنا لا يوجد قهر بمعنى سلب الاختيار وإنما نفسي لا تطيب خجلاً فهنا نقول لا يوجد طيب نفس ، والمقصود من الاختيار هو طيب النفس لا الاختيار المقابل للإلجاء ، وهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة.

والسيد الماتن(قده) في هذه المسألة بعدما يتمم الأحكام الأربعة يذكر خمس مسائل ترتبط بهذا الشرط ، فإذاً توجد أحكام أربعة يتضمنها هذا الشرط زائداً خمس مسائل.

أما الحكم الأول:- وهو شرطية الاختيار.

فقد استدل الشيخ الأعظم(قده) على اعتبار الاختيار بنحوين من الأدلة:-

النحو الأول:- ما دل على اعتبار التراضي وطيب النفس من ، قبيل قوله تعالى ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾ ، أو من قبيل قوله عليه السلام:- ( لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه ).

وكان المناسب فّنياً أن يستعيض عن حديث ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه ) بحديثٍ آخر ، لأنَّ هذا الحديث قد يكون فيه تأمل من حيث السند ، لأنه مذكور في كتاب عوالي اللآلي[1] ، فإذا كان يذكر حديثاً آخر أحسن من هذا الحديث لكان أولى ، وهو صحيحة زيد الشحّام فإنها بنفس المضمون ، ونصّها:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:- إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه )[2] .

النحو الثاني:- ما دل على مانعية الاكراه ، وأقصد من ذلك حديث رفع التسعة ، وذكر حديث رفع التسعة ، ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- رفع عن أمتي تسعة أشياء ....... وما أكرهوا عليه )[3] ، وقد ذكر الشيخ الأعظم(قده) هذا الحديث والحديث الوارد في طلاق المكرَه وعتقه وأنه لا عبرة بطلاق المكرَه وعتقه ، وهو صحيح زرارة عن أبي جعفر قال:- ( سألته عن طلاق المكرَه وعتقه ، فقال:- ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه بعتق )[4] ، بتقريب إنَّ مورده وإن كان هو طلاق المكرَه وعتقه ولكن حيث لا خصوصية لهذين الموردين عرفاً فبإلغاء الخصوصية عرفاً نتعدّى إلى المعاملات مثل البيع والاجارة وما شاكل ذلك.

ومن خلال ما ذكرناه اتضح أنَّ المدار ليس على صدق الاكراه بل يكفي عدم طيب النفس ، فإنَّ الشيخ الأعظم(قده) استدل بنحوين من الأدلة الأوّل رفع الاكراه والثاني اعتبار طيب النفس ، فعلى هذا الأساس نحن لا ينبغي أن ندور مدار أنه هل يصدق الاكراه أو لا يصدق كما سوف يأتي ، لأنه في بعص الموارد يوجد كلام في أنه هل يصدق الاكراه أو لا ووقع قيل وقال في ذلك ، فالمناسب أن لا نتنازع في ذلك لأنه يكفينا عدم طيب النفس ، فإذا فرض أننا أحرزنا عدم طيب النفس كفى ذلك بطلان المعاملة بلا حاجة إلى الجزم بصدق عنوان الاكراه ، وهذه قضية فنّية يجدر الالتفات إليها.والسيد الماتن(قده) قد توحي عبارته بجعل المدار على الاكراه ، وقال يعتبر في صدق الاكراه اجتماع أمرين الأوّل أن لا يرغب الشخص المكرَه في البيع ، والثاني أن يخاف الضرر ويرتكب البيع من باب أقل الضررين ، فهو سلط الأضواء على الاكراه ، وهذا لا بأس به ، ولكن لابد من لفت النظر إلى أنه إذا فرض عدم تحقق طيب النفس كفى ذلك في البطلان سواء صدق الاكراه أم لم يصدق ، وإذا عبّرنا بالإكراه فلابد وأن نأخذه بنحو المرآتية إلى عدم طيب النفس ، لا أنَّ نأخذه بنحو الموضوعية ونتنازع أنه يصدق الاكراه أو لا ، وهذه قضية جانبية ينبغي الالتفات إليها.

وهناك قضية جانبية أخرى ينبغي الالتفات إليها:- وهي أنَّ الشيخ الأعظم(قده) نسب إلى الشهيدين(قده) أنهما قالا بأنَّ المكرَه لا قصد له ، يعني هو حينما قال ( بعت ) فهو لم يقصد البيع وإنما قصد اللفظ فقط ، قال(قده):- ( ثم إنه يظهر من جماعة منهم الشهيدان أنَّ المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلامة )[5] .

وليس المهم لي أنَّ الشهيدان هكذا يبنيان أو لا ، وإنما إذا بنينا على أنَّ المكره لا قصد له فإذاً كفانا هذا وحده كوجهٍ للحكم بالفساد ، فنقول إنَّ عقد المكره باطل لا من الجهة التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) فقط[6] ، وإنما نقول هو لا قصد له ، وشرط صدق العقد تحقق القصد ، فإذا كان لا قصد فلا عقد ، بلا حاجة إلى ذكر ذينك الوجهين أو أن نجعل الأدلة ثلاثة ، ولكن المقصود هو أنَّ هذه قضية يلزم أن نلتفت إليها ، ففي البداية نقول إنه بناءً على أنَّ المكرَه ليس بقاصد إلى المدلول - يعني إلى المعنى - وإنما كان قاصداً إلى الألفاظ فقط كفانا ذلك في بطلان معاملته ، لأنَّ العقد لا يصدق ، وإذا قلنا إنَّ هذا خلاف الوجدان فإنه قاصد للمعنى فآنذاك نستدل بدليل مانعية الاكراه ودليل شرطية الرضا.

إذاً عرفنا أنَّ هناك نجوين من الأدلة تمسّك بهما الشيخ الأعظم(قده) لإثبات بطلان عقد المكرَه.

[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج5، ص120، ابواب مكان المصلي، ب3، ح1، ط آل البيت.، والظاهر أن هذا الحديث هو جزء من خطبة لنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف
[6] يعني تمسّكاً برفع الاكراه وتمسّكاً بشرطية طيب النفس.