1440/03/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ استعمال كلمة ( حتى ) بمعنى الابتداء لعله شيء غير معهود ، فيحتاج إلى مثبت ، فإنه لا يوجد ظهور ، وعليه فهذا إشكال يتسجل على الفاضل الطباطبائي ، فإنه حينما يدّعي شيئاً فلابد وأن نفترض أنَّ الظهور يوافقه لا أقل هناك استعمالات بهذا الشكل فإذا لم يكن هناك استعمالات فهذا يكون مجرّد احتمال لا ينفع شيئاً.

ثانياً:- إنه يرد الاشكالات التي أشرنا إليها في ردّ التقريب الأوّل:

فيرد الاشكال الأوّل:- وهو الذي أفاده الميرزا حاج ميرزا علي الايرواني ، يعني يقال إنه من الوجيه أن تكون الآية الكريمة في صدد بيان أنَّ الرشد هو المعتبر ، فإذا كان الصبي بَعدُ لم يبلغ فلابد من اثبات رشده بالاختبار ، وإذا بلغ فنفس البلوغ يكون أمارة على الرشد.

إنَّ هذا احتمال وجيه فيعارض الاحتمال الذي ذكره الفاضل الطباطبائي(قده) ، فتعود الآية مجملة ومرددة .

كما يرد الاشكال الثاني:- وهو أنَّ الآية الكريمة غاية ما تدل عليه أنّه عند اجتماع الأمرين - البلوغ والرشد - يجوز الدفع وعند عدم اجتماعهما معاً فلا يجوز الدفع جزماً ، وأما إذا فرض أنه هناك رشد ولا يراد دفع المال كلّه إليه وإنما يدفع إليه بمقدارٍ محدد ، يعني أنَّ المعاملة التي أجراها كانت موافقةً للرشد جزماً وندفع إليه مالاً بمقدار هذه المعاملة فهذا لا يستفاد من المفهوم عدم جوازه.

ويرد عليه ثالثاً:- ما ذكرناه من أنَّ أقصى ما يدل عليه المنع من الدفع إليه قبل أن يبلغ أو لم يرشد هو أنه خوفاً من أنه يبذّر في أمواله أما أنَّ معاملاته باطلة فهي أجنبية عن ذلك ، بل الصبي يجري المعاملة والذي يدفع هو الولي مثلاً فهذه لا تدل على البطلان حينئذٍ ، ومفروض كلامنا أننا نريد أن نثبت بطلان معاملات الصبي حتى إذا كان الولي هو الذي يريد الدفع فمادام الصبي قد أجرى المعاملة فلا عبرة بها ، والآية تدل على هذا.

وعلى هذا الأساس تصير الاشكالات عليه أربعة.

التقريب الثالث[1] :- ما ذكره السيد الخميني(قده) وحاصله:- إنَّ كلمة ( حتى ) تفيد الاستمرار ، والتقدير يكون ( وابتلوا اليتامى مستمرين في ذلك إلى فترة بلوغهم فإن آنستم منه رشداً يعني فإن رأيتموهم بعد بلوغهم راشدين فادفعوا إليهم اموالهم )[2] ، قال(قده):- ( أن تكون حتّى للغاية ويكون المراد من الآية الكريمة أن لزوم الابتلاء مستمر إلى زمان البلوغ وبعد استمراره إليه إما أن يُعلمَ رشده فيُرّدُّ إليه ماله أو لا فلا يردُّ ، ولازم ذلك عدم كون واحد منهما تمام الموضوع لاستقلاله ووجوب دفعه إليه وإنما المجموع موضوعٌ له )[3] .

وفيه:-

أوّلاً:- نحن نسلّم أنَّ كملة ( حتى ) تستعمل في لغة العرب بمعنى الاستمرار ، كما في قوله تعالى ﴿ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط السود من الفجر ﴾[4] ، فإنَّ المقصود هو أنه وكلوا واشربوا مستمرين إلى أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ولكن لو أريد الاستمرار منها فالمناسب أن يعبّر بالفعل المضارع ويقال ( وابتلوا اليتامى حتى يبلغوا النكاح ) ، لا أن يعبّر بـالفعل الماضي ويقال ( حتى بلغوا النكاح ).

ثانياً:- إنَّ استمرار وجوب التبيّن إلى فترة البلوغ لعلّه غير ممكن أحياناً ومتعذّر ، كما لو فرضنا أنه قبل بلوغه بأسبوع مثلاً اختبرناه مرّة ومرّتن وثلاث مرّات أو أكثر فحصل لنا اليقين بأنه رشيد ، فحينئذٍ كيف يستمر وجوب اختباره ؟! فإنه بعد أن حصل اليقين برشده فما معنى استمرار الوجوب ؟!! ، فقد يكون استمرار التبيّن ممكناً شكلاً وظاهراً أما استمراره فليس بعقلائي بعد أن فرض حصول اليقين بأنه رشيد ، والمفروض أنه بناءً على ما أفاده الآية الكريمة دالة على استمرار الوجوب لأنَّها قالت ﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ﴾ فهذا أمرٌ ، يعني يجب الاختبار مستمرّين إلى حين بلوغهم ، وهذا الاختبار لا معنى لاستمراره حين بلوغهم في بعض الأحيان.

ثالثاً:- إنَّ نفس الاشكالات الثلاثة التي أوردناها على التقريب الأوّل والتقريب الثاني تأتي هنا:

إذ يرد الاشكال الأوّل:- وهو ما ذكره الحاج ميرزا علي الايرواني وهو أنَّ الآية من المحتمل أنها في صدد بيان أن الرشد هو المعتبر مادام الصبي بعد لم يبلغ فإذا بلغ فنفس البلوغ أمارة على الرشد ولا حاجة حينئذٍ إلى اثبات رشده ، فتكون حينئذٍ أجنبية بالكلّية عن مسألة شرطية البلوغ وإنما هي ناظرة إلى أمارية البلوغ على تحقق الرشد.

كما يرد الاشكال الثاني:- من أنه أقصى ما تفيد أنه عند تحقق الأمرين يجوز الدفع وعند عدم تحقهم معاً لا يجوز الدفع إما إذا تحقق الرشد دون البلوغ كانت المعاملة التي أجراها الصبي موافقة للرشد ونريد أن ندفع شطراً من ماله بمقدار هذه المعاملة فالآية الكريمة ساكتة عنه ولم تبيّن ذلك.

وهكذا يرد الاشكال الثالث:- حيث يحتمل أنَّ الدفع ليس كنايةً عن صحة المعاملة وإنما هو أجنبي عن ذلك ، فقبل البلوغ لا يجوز الدفع إليه لا من باب بطلان المعاملة بل من باب خوف التبذير لأمواله.

التقريب الرابع:- ما ذكره صاحب الجواهر(قده) في ثنايا كلامه بعنوان احتمال ، وهو أن يكون المقصود من الابتلاء في ﴿ وابتلوا اليتامى ﴾ ليس بمعنى ابتلاء الرشد بل ابتلاء البلوغ ، فحينما قالت الآية الكريمة ﴿ وابتلوا اليتامى ﴾ يعني حتى يتضح لكم أنهم بالغين ، فمتعلّق الابتلاء هو البلوغ وليس الرشد ، وحينئذٍ الآية الكريمة تقول ابتلوهم حتى إذا بلغوا النكاح يعني حتى إذا حصل الجزم بأنهم قد وصلوا إلى حدّ البلوغ بسبب اختبارهم السابق فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ، فصارت دالة على اشتراط أمرين في جواز دفع المال إليهم الأوّل هو البلوغ وقد أشارت إليه الآية الكريمة في صدرها حيث قالت ﴿ وابتلوا اليتامى ﴾ وهذا الابتلاء إلى أن يحصل اليقين بوصولهم حدّ البلوغ الشرعي ، والثاني هو ﴿ فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ﴾ ، فإذاً الآية الكريمة دالة على تحقق الشرطين معاً ، وحينئذٍ سوف تدل على المطلوب ولكن بهذا البيان ، قال(قده):- ( أو ابتلوهم حتى تنظروا في وقت بلوغهم النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم )[5] .

ولكنه(قده) لم يسلّط الأضواء على ذلك وإنما مرّ عليه مرور الكرام.والاشكال عليه واضح:-

أولاً:- إنَّ البلوغ لا يعبّر عنه بالابتلاء ، فالوسيلة لإثباته ليست هي الابتلاء والاختبار ، إنما الابتلاء والاختبار يكون بالسنبة إلى الرشد ، وأما بالنسبة إلى البلوغ فمن المناسب أن يعبّر بتعبيرٍ آخر من قبيل أن يقال ( إذا اتضح ) أو ( إذا ثبت ) لا أن يعبّر بالابتلاء.

ثانياً:- إنَّ الاشكال الأوّل الثاني والثالث المتقدمة يمكن أن ترد هنا ، فنقول هناك احتمال آخر في الآية الكريمة كما بيّنه الحاج ميرزا علي الايرواني وهو أنَّ الآية الكريمة تريد أن تبيّن أنَّ الرشد هو المعتبر وبلوغ النكاح يكون علامةً وكاشفاً عن الرشد ، وهكذا يأتي الاشكال الثاني والثالث فجميع الاشكالات الثلاثة تأتي هنا كما أوردناها على التقريبات السابقة.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أن التمسّك بالآية الكريمة لإثبات شرطية البلوغ في صحة المعاملة أمرٌ مشكل ، لا أقل لكون الآية الكريمة مجملة ومردّدة بين الاحتمالات.

[1] لإثبات دلالة الآية الكريمة على اعتبار البلوغ بإضافة الرشد والمهم لنا هنو البلوغ.
[2] فإذاً هو يفسّر كلمة ( حتى ) بمعنى الاستمرار، ودلالة الآية الكريمة لا يبعد أن تكون واضحة.