1440/03/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين

 

تبين مما قلناه في الدرس السابق أن الرواية تدل على الحرمة الذاتية، لكن لا ندعي أنها صريحة فيها، كما إدعى ذلك المحقق الهمداني، حيث قال:

 

( ..... فإن قول الإمام (ع) بعد أن سأله السائل عن حكمها: فلتتق الله، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها، وان كان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل، كالصريح في كون الأمر دائراً بين المحذورين، وأن المورد مما لا يمكن فيه الإحتياط، ولذا أشكل الأمر على السائل وقال: كيف لهم ان يعلموا أيما هو حتى يفعلوا ذلك الحديث. ويستشم من تعبير الإمام (ع) كونه تعريضاً على فقهاء العامة ........ ومن الواضح أنه لو لم تكن الصلاة محرمة عليها ذاتاً لكان الإحتياط في محله، ولم يتوجه عليهم التعريض )[1]

 

ونحن قلنا أن الإمام (عليه السلام) ليس ناظراً إلى ما قاله فقهاء العامة ومع ذلك إستظهرنا منها الحرمة الذاتية، أما إذا قلنا أنه (عليه السلام) ناظر إلى ذلك فالإستدلال بها عليها يكون أوضح، لأن الإمام (عليه السلام) حينئذ يكون في مقام الرد على ما قالوه وهو الإتيان بالصلاة إحتياطاً وبداعي أمرها الإحتمالي كما يستظهر من كلامهم المنقول في الرواية[2] فيستكشف منه الحرمة الذاتية، إذ لو كانت الصلاة محرمة تشريعاً فقط فلا وجه للردّ عليهم والمنع من الإحتياط.

 

هذه الرواية ينقلها الشيخ الطوسي بسند آخر، وهي خالية عن ما قالوه فقهاء العامة، ولا يظهر منها أن الإمام (عليه السلام) ناظر إلى ما قالوه، ويمكن الإستدلال بها على الحرمة الذاتية، وهي رواية حماد بن خلف. :

 

عن خلف بن حماد قال: قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام): جعلت فداك، رجل تزوج جارية أو اشترى جارية، طمثت أو لم تطمث أو في أول ما طمثت، فلما افترعها غلب الدم، فمكث أياماً وليالي. فأريت القوابل فبعض قال: من الحيضة، وبعض قال: من العذرة، قال: فتبسم فقال: إن كان من الحيض فليمسك عنها بعلها ولتمسك عن الصلاة، وإن كان من العذرة فلتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب[3] ، قلت: جعلت فداك وكيف لها أن تعلم من الحيض هو، أم من العذرة؟ فقال: يا خلف سر الله فلا تذيعوه، تستدخل قطنة ثم تخرجها فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة، وإن خرجت مستنقعة بالدم فهو من الطمث.[4]

 

الرواية الثانية: و هي في الحقيقة روايات يجمعها كونها واردة في الإستظهار و التي أمرت المرأة فيها بالإستظهار بعنوان الإحتياط، يعني الإستظهار طبّق عليه عنوان الإحتياط.

 

أخبار الإستظهار تدل على وجوب ترك العبادة عندما تحتمل المرأة أن الدم دم حيض، فتستظهر بيوم أو يومين. فالإستظهار يعني الإحتياط بترك العبادة. وموردها هو فيما إذا إستمر الدم أكثر من عادتها ولا تعلم بإستمراره أكثر من عشرة أيام أو عدم إستمراره كذلك[5] ، فهنا يجب عليها أن تستظهر بيوم أو بيومين وتترك العبادة إلى أن يظهر لها حال الدم و أنه يستمر إلى ما بعد يوم العاشر أو ينقطع قبله.

 

تقريب الاستدلال : انه لو لم تكن حرمة الصلاة حرمة ذاتية لما كان تركها للعبادة احتياطاً، اذ لو كانت الحرمة تشريعية لكان مقتضى الاحتياط الاتيان بالصلاة بعنوان الأمر الاحتمالي.

واعترض على هذا الاستدلال بانه لابد من تأويل الاحتياط المأمور به في الروايات، وانه لا يراد به الاحتياط بالمعنى المعروف الذي يصل به المكلف إلى الواقع، لعدم امكانه سواء قلنا بالحرمة الذاتية أم بالحرمة التشريعية، لدوران الأمر بين المحذورين بناءً على الحرمة الذاتية، ولكون مقتضى الاحتياط الاتيان بالصلاة بناءً على الحرمة التشريعية، ومن هنا لابد من تفسير الاحتياط بمعنى آخر، وهو ان الاحتياط بالترك انما هو من جهة حرمة الصلاة، أي تترك الصلاة احتياطاً مراعاةً لإحتمال ان تكون محرمة عليها ، لا مطلقاً (أي من جهة الحرمة والوجوب)، وحينئذ لا يمكن الاستدلال بالرواية على الحرمة الذاتية، لأن الاستدلال بها مبني على التمكن من الاحتياط.

واشار السيد الخوئي (قد) إلى اعتراض آخر حاصله ان ما يستدل به على الاحتياط في روايات الاستظهار روايتان احداهما مخدوشة سنداً والاخرى مخدوشة دلالة.

والروايات هي:-

الرواية الاولى: رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله (قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن المستحاضة أيطأها زوجها ؟ وهل تطوف بالبيت ؟ قال : تقعد قرؤها الذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفا فإن ظهر عن الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ، ثم تصلي فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة ، ثم تصلي صلاتين بغسل واحد ، وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت)[6]

وهذه الرواية معتبرة سنداً عند السيد الخوئي (قد) كما هو الصحيح، والشاهد فيها قوله عليه السلام (فلتحتط بيوم أو يومين) وهما ايام الاستظهار الذي يعني ترك العبادة (الصلاة) وقد عبر عنه بالاحتياط، والملاحظ عدم السؤال عن حكم الصلاة وهذا ما ركز عليه المانعون من الاستدلال بالرواية

الرواية الثانية: رواية إسماعيل الجعفي ، (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين ، فإن هي رأت طهرا اغتسلت ، ......الحديث)[7]

والاستدلال بها كالاستدلال بالرواية الاولى.

اما سندها فالشيخ يرويها بسنده عن الحسين بن سعيد _وهو معتبر _ ، عن القاسم ، عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام) وقد ضعفها السيد الخوئي (قد) بالقاسم، ولا اشكال في بقية السند، والمراد بالقاسم القاسم بن محمد الجوهري كما هو الملاحظ من حيث الطبقة والراوي والمروي عنه فالحسين بن سعيد يروي عنه كثيراً بعنوان القاسم بن محمد وبعنوان القاسم بن محمد الجوهري كما ان القاسم بن محمد الجوهري يروي عن ابان بن عثمان، وقد تقدم وثاقة القاسم بن محمد الجوهري عندنا، فتكون الرواية تامة سنداً.

الرواية الثالثة: رواية فضيل ، وزرارة ، (عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وتحتاط بيوم أو اثنين ......... الحديث)[8]

والاستدلال بها كالاستدلال بالرواية الاولى،

اما سندها فالشيخ يرويها بسنده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن فضيل، وزرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) وليس في سندها من يخدش فيه سوى محمد بن عبد الله بن زرارة، اذ لم ينص على وثاقته لكن النجاشي نقل عن علي بن الريان الصلت الاشعري المنصوص على وثاقته _ في ترجمة الحسن بن فضال _ انه كان محمد بن عبد الله بن زرارة اصدق عندي لهجة من احمد بن الحسن فأنه رجل فاضل ديّن .

و احمد بن الحسن ثقة وهذا يكفي لأثبات امكان الاعتماد محمد بن عبد الله بن زرارة.

فالظاهر تمامية الروايات الثلاث سنداً، ولا نعلم سبب اهمال السيد الخوئي (قد) للرواية الثالثة.


[1] مصباح الفقيه (ط.ق) ج١ق١، ص٢٨٤ السطر الأخير.
[2] بخلاف السيد الخوئي (قده) حيث إستظهر منه أن فقهاء العامة أمروها بالصلاة بداعي أمرها الجزمي كما كانت تصلي في الأيام السابقة، و بناءاً عليه لا يستكشف من ردّ الإمام (عليه السلام) عليهم الحرمة الذاتية، بل يدل ذلك على الحرمة التشريعية(الموسوعة ج٧ ص٣٣٦).
[3] جواب الإمام (عليه السلام) لا يكون جواباً عن سؤال السائل ولا يحل مشكلة الجارية المترددة، كالرواية السابقة.
[4] تهذيب الأحكام ج١، ص٣٨٥، ح١١٨٤ – وسائل الشيعة ج٢، ص٢٧٤، أبواب الحيض ب٢، ح٣ (ط آل البيت عليهم السلام).
[5] أما إذا علمت بإستمراره إلى ما بعد العاشر فيجب عليها أن تغتسل وتعمل أعمال المستحاضة، وإذا علمت بإنقطاعه قبله فيكون دم حيض وتترك العبادة.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص375، أبواب الاستحاضة، ب1، ح8، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص375، أبواب الاستحاضة، ب1، ح10، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص376، أبواب الاستحاضة، ب1، ح12، ط آل البيت.