1440/03/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم العيدين

 

(كان كلامنا في أن حرمة صوم العيدين هل هي تشريعية أو ذاتية؟[1] )

 

ثمرة البحث

ذكروا أن الثمرة تظهر في إمكان الإحتياط وعدمه، فبناءاً على الحرمة التشريعية الإحتياط يكون ممكناً وإن تردد المكلف بين وجوب الصوم وحرمته، إذ بإمكانه أن يصوم برجاء المطلوبية وحينئذ لا يرتكب حراماً ولا يكون مشرِّعاً، لأنه إن كان الصوم في الواقع واجباً فقد أتى به برجاء مطلوبيته، وإن كان حراماً في الواقع فلم يرتكب حراماً بصومه لعدم تشريعه به

أما بناءاً على الحرمة الذاتية فلا يمكنه الإحتياط، لأن ترك الصوم يكون خلاف الإحتياط لإحتمال وجوبه، وفعله أيضاً يكون خلاف الإحتياط لاحتمال حرمة صومه - ولو كان برجاء المطلوبية – إن كان في الواقع حراماً. فأي شيء يفعل يكون خلاف الإحتياط .

 

ناقش بعض في ترتب الثمرة المذكورة وذهب إلى عدم وجود ثمرة عملية في المقام[2] ، بدعوى إمكان الإحتياط حتى على الحرمة الذاتية، وذلك بأن يصوم المكلف في يوم الشك برجاء المطلوبية، أي يصوم بإحتمال أن لا يكون هذا اليوم يوم عيد فيحتمل أن يكون صومه مطلوباً، فإن كان ذلك اليوم من رمضان واقعاً فقد تحقق الإمتثال منه، أما إذا كان عيداً في الواقع فلم يرتكب محرماً، لعدم إتيانه بالصوم والعبادة أصلاً، لأنه بحسب الفرض إنما قصد الصوم معلقا على أن لا يكون ذلك اليوم عيداً_ وهذا هو معنى الصوم برجاء وإحتمال المطلوبية_ فعدم تحقق المعلق عليه يؤدي إلى عدم تحقق المعلق وهو الصوم. نعم هو جاء بنفس الفعل – كالإمساك في الصوم – لكن لا نحتمل حرمته. لوجود فرق بين الإتيان بالعبادة وبين الإتيان بذات الأفعال. ففي مثال الصلاة عندما تصلي الحائض لإحتمال طهارتها، هذا يعني أنها صلت على تقدير أن تكون طاهرة، فإذا تبين أنها حائض فينتفي المعلق وهو الصلاة. نعم هي أتت في الخارج بأفعال الصلاة كالركوع والسجود ولكن لا نحتمل حرمة ذات الأفعال.

بعبارة أخرى: الصائم في يوم الشك إما ان يأتي بالصوم بداعي أمره الجزمي أو بداعي أمره الإحتمالي وبرجاء مطلوبيته. على الأول فعل حراماً مطلقاً[3] لأجل التشريع، وعلى الثاني لم يفعل حراماً مطلقاً لعدم التشريع فتنتفي الحرمة التشريعية، ولعدم إتيانه بالصوم - لأنه كان معلقاً على تقدير، ولم يسلم له ذلك التقدير، فينتفي ما علق عليه - فتنتفي الحرمة الذاتية.

 

لكن الظاهر أن الحرمة الذاتية – لو قلنا بها – تشمل كلا الفرضين المتقدمين، فهي ثابتة لقصد الأمر الجزمي وقصد الأمر الاحتمالي، لحرمة صوم العيد سواء قصد الأمر الجزمي أم الاحتمالي، غاية الأمر انه اذا اتى بالفعل بقصد الأمر الجزمي تنضم إليها الحرمة التشريعية.

وقصد الأمر الاحتمالي لا يعني عدم تحقق الحرمة الذاتية، فهو من قبيل الذي يسرق حتى يتصدق بما سرقه، فهو وان قصد التقرب لكن هذا لا يعني انتفاء الحرمة الذاتية للسرقة، ويدل على الحرمة الذاتية في فرض الاحتمال هو اطلاق الادلة الدالة على الحرمة الذاتية، كقوله عليه السلام (دعِ الصلاة في ايام اقرائك)، والكلام في صلاة الحائض كالكلام في صوم العيدين، اما ما ذكر في الاستدلال من انه قَصَد الصوم على تقديرٍ لا مطلقاً فيكون قصد الصوم معلقاً، فاذا لم يتحقق المعلق عليه لم يتحقق المعلق، فقد اجاب عنه السيد الخوئي (قد) من انه فيه خلط بين الامور الاعتبارية وبين الامور الحقيقية الواقعية، فالأمور الاعتبارية قابلة للتعليق كتعليق البيع على امرٍ ما، دون الامور الحقيقية التي تدور بين الوجود والعدم فلا معنى لتعليق ضرب زيد على تقدير كونه عدواً، لأن الضرب اذا تحقق لا ينتفي بانتفاء ما علق عليه خارجاً، (والقصد) في محل كلامنا من قبيل الثاني فهو متحقق، غاية الأمر انه نشأ من احتمال المطلوبية.

فالظاهر ان الصحيح ترتب الثمرة

هذا بالنسبة إلى الثمرة.

اما الكلام في اصل البحث فلا اشكال في ثبوت الحرمة التشريعية ولا يجوز صوم العيد بقصد امتثال الأمر الجزمي، وإنما الكلام في وجود حرمة غير الحرمة التشريعية وهي الحرمة الذاتية، ويستدل عليها بوجوه _بعضها مطلق و بعضها ورد في غير محل الكلام لكن قد يستفاد منها في المقام:-

الوجه الاول: ان مقتضى ظواهر الادلة الدالة على الحرمة هو الحرمة الذاتية .

و ذلك لان موضوع الحرمة التشريعية هو التشريع و التشريع امر قلبي جوانحي لا يتمثل في الخارج بينما ظاهر هذه الادلة تحريم الافعال الخارجية - كالتكبير و الركوع و السجود - التي يطلق على مجموعها اسم الصلاة و الذي يناسبه ان تكون الحرمة ذاتية .

الجواب عنه :هو انه يمكننا الالتزام بالحرمة التشريعية مع المحافظة على الظهور المتقدم و ذلك باحد اعتبارين:-

الاول: ان نفهم من حرمة التشريع ان الحرام هو الجري العملي على طبق ذلك التشريع بان يصدر منه الفعل الذي يقصد به التشريع و الا فمجرد التشريع كفعل قلبي جوانحي قد لا يلتزم بحرمته من قبيل التجري فان التجري كفعل قلبي قد لا يلتزم بحرمته و ان من يقول بحرمته يقول بحرمة الفعل المتجرى به

فاذا قلنا هكذا و استظهرناه من ادلة حرمة التشريع يكون الجواب واضحا و هو ان الحرمة التشريعية هى ايضا حرمة ثابتة للافعال الخارجية فتنسجم الحرمة المستفادة من الادلة مع الحرمة التشريعية ايضا .

الثاني : ان نقول _بعد التنزل عن الاستظهار السابق [4] و التشكيك فيه_ يمكن ان تنسب الحرمة الى الافعال الخارجية التي يتحقق بها التشريع خارجا باعتبار انه يصح اسناد الحرمة الى الافعال التي يتحقق بها التشريع اسنادا عرضيا فيمكن المحافظة على ظواهر الادلة مع الحفاظ على كون الحرمة تشريعية.

 


[1] كان ينبغي تقديم هذا البحث عن بحث حرمة صوم العيدين، لأن البحث عن الحرمة التشريعية أو الذاتية يشمل جميع أقسام الصوم المحظور.
[3] سواء قنا بالحرمة الذاتية أم لم نقل بها.
[4] استظهار ان الحرمة التشريعية منصبة على الافعال الخارجية.