1440/03/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

يبقى أنه كيف نعالج الاشكالين اللذين أوردهما الشيخ الأعظم(قده) على صاحب الجواهر(قده) ؟والجواب:-

أما بالنسبة إلى الاشكال الأوّل[1] :- فجوابه أن يقال: إنَّ العبارة الواردة في الرواية والتي تقول: ( أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني ؟ قال: نعم قيمة بغلٍ يوم خالفت ) لا يبعد أنَّ أبا ولّاد ذكرها كاستفسارٍ من الامام عليه السلام ، فهو قد تعلّم شيئاً من أبي حنيفة ، لأنَّ أبا حنيفة قال له إنك مادمت ضامناً للعين فلا يلزمك ضمان المنافع - ( الخراج بالضمان ) أي الخراج مقابل الضمان فكل ما يخرج فهو لك لأنك ضامن للعين - فهذه الشبهة كانت موجودة في ذهن أبي ولّاد فأخذ بطرحها على الامام عليه السلام ، فقال للإمام ( أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني ؟ ) ، والامام عليه السلام في مقام الجواب قال نعم تلزمك القيمة لكنه سكت عن دفع الشبهة لأنها لا تستحق جواباً ، إذ أنها من دون مدرك ، فمن أين لك أنه مادام الإنسان ضاناً للأصل فلا يضمن المنافع ؟!! إنَّ هذا ليس بثابت بدليل ، فالإمام عليه السلام أقرَّ بأنه ضامنٌ لقيمة البغل ولكنه سكت عن أنه كيف ندفع شبهة أبي حنيفة من باب أنها لا أساسٍ لها ولا تستحق جواباً.

وأما الاشكال الثاني[2] فجوابه:- إنه هنا يوجد شرط مقدّر وقد حذف لوضوحه عرفاً ، فالإمام عليه السلام قال (نعم قيمة بغل يوم خالفت ) يعني يلزمك حين المخالفة القيمة أما قيمة أيّ يوم فهو قد سكت عن ذلك ، ومقصود الامام عليه السلام أنه يلزمك القيمة إن تلف ، وجملة ( إن تلف ) تحذف لوضوحها ، فهي مقدّرة لا تذكر ، فإذاً يوجد تقدير.

والخلاصة من كلّ هذا:- إنَّ الرواية لا يمكن أن نستفيد منها بضرسٍ قاطع شيئاً مخالفاً للقاعدة ، لأنَّ القاعدة بقطع النظر عن صيحة أبي ولّاد تقتضي أننا نلاحظ قيمة يوم التلف ، لأنَّ العين في الذمّة إلى حين التلف ، فمن حين التلف ينتقل إلى البدل وهو القيمة ، والرواية لا ندّعي أنها ظاهرة في اثبات ضمان القيمة في الجملة مع السكوت عن تعيين القيمة وأنها قيمة أيّ يوم ، وإنما نقول هي مجملة من هذه الناحية ، فلعلها في صدد بيان ضمان القيمة كما أبرزنا ، فهذا احتمال وجيه ، وما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من أنَّ المدار على يوم المخالفة وجيه أيضاً ، فتصبح الرواية مجملة ، فلا يعود مانع من التمسّك بما تقتضيه القاعدة.

الحكم السادس:- مع جهالة المالك يثبت حكم مجهول المالك.

والأمر واضحٌ ، يعني إذا اشترينا شيئاً ببيع فاسد وجهلنا البائع حتى يمكن ارجاع المبيع إليه فحينئذٍ يطبق حكم مجهول المالك ، لأنه من مصاديق مجهول المالك ، وقد تقدم التعرّض إلى حكم مجهول المالك في مسألة( 39 ) التي كانت تتعرض إلى جوائز الظالم ، وأيضاً في مسألة ( 41 ) التي كانت تتعرض إلى أوراق اليانصيب ، ففي هاتين المسألتين تعرضنا إلى حكم مجهول المالك وكان الأكثر تفصيلاً في مسألة جوائز الظالم.

الحكم السابع:- لا فرق في الأحكام المذكورة بين الجهل بالحكم والعلم به.

يعني بتعبير آخر تارةً يعلم المشتري بفساد البيع ، وأخرى يكون جاهلاً ، فعلى كلا التقديرين تطبّق هذه الأحكام ، فمثلاً من أحد الأحكام التي ذكرناها أنه لا يجوز التصرف في المبيع إلا مع احراز رضا المالك ، وهذا بيّناه كحكمٍ أوّل ، فهذا الحكم يأتي هنا ، فلا يجوز له أن يتصرّف حتى إذا كان عالماً بفساد البيع ، وهكذا إذا كان جاهلاً ، ومن الواضح أنَّ الجهل بالفساد على نحوين ، فتارةً يفترض أنَّ الجهل يكون بالحكم الكلّي ، وأخرى يكون الجهل بالحكم الجزئي في المورد الخاص ، فمرّة لا يعلم أنه إذا كان قدر المبيع مجهولاً يوجب بطلان البيع وهذا مصداق للجهل الكلّي ، ومرّة يعلم بهذا ولكنه غير ملتفت إلى أنَّ المورد من تلك المصاديق فهذا جهلٌ بالحكم الجزئي في المورد الخاص ، فإنه لا فرق من هذه الناحية فتطبّق الأحكام السابقة التي ذكرناها في هذه المسألة.كما لا فرق من جهة البائع بين أن يكون عالماً بفساد البيع وبين أن يكون جاهلاً.

ولكن قد يقال:- إذا كان المشتري جاهلاً فلا موجب لفاسد البيع ، فلا موجب لضمانه للبائع ، لأنه جاهل حسب الفرض ، فلا موجب للضمان.

والجواب:- إنّ مدرك الضمان - وهو السيرة - مدركٌ لضمان التصرّف في مال الغير موجبٌ للضمان ، وهذا لا يفرّق بين أن يكون المتصرّف عالماً أو جاهلاً ، بل حتى لو كان جاهلاً يكون ضامناً ، فالمستند عام من هذه الناحية.

ولو قلت:- إنه جاهل فلماذا يضمن ، أوليس الجهل يرفع الأحكام ؟

قلت:- إنَّ الجهل يرفع العقوبة والمؤاخذة أما الضمان فهذه قضية لا ترتبط بالعلم والجهل ، فهي ثابتة.

فإذا لا إشكال من هذه الناحية.وإذا فرض أنَّ البائع كان عالماً بفساد البيع وهو قد دفع المبيع إلى المشتري أوليس هو قد أقدم على اتلاف ماله واسقط احترام ماله بنفسه وأسقط الضمان لماله ؟

والجواب:- افترض إنَّ البائع كان يعلم بفساد البيع شرعاً ولكن لعله هو مشرّعٌ ، يعني بعبارة أخرى هو من أصحاب القوانين الوضعية ، فهو يعلم أنَّ هذا باطل شرعاً ولكنه مشى على القوانين الوضعية المخالة للشرع والتي تقول هذا البيع صحيح ، أو يفترض أنه ليس بمشرّع وإنما هو متسامح كأكثر الناس الآن ، فهو يعلم أنَّ البيع باطل شرعاً ولكنه يُقدِم عليه ، وهذا لا يعني أنه تنازل عن ماله وضمان ماله ، بل لم يتنازل ، فعلى هذا الأساس علم البائع بفساد البيع شرعاً لا يعني تنازل البائع عن ضمان ماله فإنه من المحتمل أنه فعل البيع إما تشريعاً أو تسامحاً.

الحكم الثامن:- إذا تصرّف البائع في الثمن الذي فرض فيه فساد المعاملة وقع تصرّفه بنحو الفضولية ، وإذا تصرف المشتري في المثمن وقع تصرّفه بنحو الفضولية ، ويتقف على اجازة الطرف ، والحكم من هذه الناحية واضح ، لأنه تصرّف في مال الغير.


[1] وهو أنَّ أبا ولاد كان يعرف أنه يلزم الضمان فهو كان يعرف الضمان وأصل الضمان شيء مسلم فلا معنى لأن يشير الامام عليه السلام إلى شيء معلوم عنده، فإذا كان الامام يريد أن يبين له أنه مادمت قد خالفت فيلزمك القيمة فهذا المقدار يعرفه أبو ولاد ولا يحتاج للإمام أن يبينه له فإذاً لابد أن الامام يريد أن يبين شيء خفي على أبي ولاد وهو أنَّ المدار على قيمة يوم التلف.
[2] وهو أنه في يوم المخالفة كيف تضمن القيمة مادام العين بعد موجودة فمع وجود العين لا ينتقل الضمان إلى القيمة وبمجرد المخالفة لا يعني أنَّ العين تلفت بل هي موجودة لكنه خالف فذهب بها إلى بغداد وغير ذلك، فعلى هذا الأساس كيف يضمن القيمة ؟.