1440/02/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/02/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صوم عاشوراء

هناك ملاحظة ترتبط بمنهجية البحث السابق، حيث قلنا أن الطريقة الثانية يواجهها إشكال و هو أن إطمئنان الشيخ _بنقل المجاميع الحديثية للرواية من الكتاب الأصل_ يكون حجة عليه لا علينا، و دفعناه بأن رواية الشيخ عن أحد الرواة في الحقيقة تكون إخباراً عن وجود تلك الرواية في كتاب الراوي، و هذا الإخبار حسي اذا حصل من الطريقة الأولى أو قريب من الحس[1] إذا حصل من الطريقة الثانية، و أدلة حجية خبر الواحد تشمل مثل هذا الإخبار.[2]

 

كان كلامنا في الرواية الثامنة من روايات المنع، و قلنا أنها معتبرة سنداً حسب نقل إبن المشهدي في مزاره، و لا إشكال في وثاقة رجاله إلا من جهة إبن المشهدي نفسه، نظراً لوجود كلام في وثاقته، و سنتكلم عنه بعد قليل.

 

أما من جهة الدلالة: فهي تنهى عن صوم يوم عاشوراء كاملاً، أي هي تنهى عن الصوم الشرعي الذي يكون من الفجر إلى الغروب، بل تأمر المكلف على الإفطار بعد العصر على شربة ماء بعد ما أمرته بالإمساك . فالرواية كما تدل على النهي عن صومه كذلك تدل على إستحباب الإمساك فيه إلى العصر.

 

هذه هي عمدة الأدلة الدالة على المنع.

 

الطائفة الثانية: و هي ما دلّ على جواز صوم يوم عاشوراء

إما بعمومه أو إطلاقه -كما دل على إستحباب صوم شهر محرم كله أو بعضه، أو على إستحباب صوم جميع أيام السنة-،

و إما بالخصوص.

 

أما القسم الأول[3] فقد جمع صاحب الوسائل بعضاً من روايات هذا القسم في الباب ٢٥ من أبواب الصوم المندوب[4] ، كالرواية رقم ٣ و ٧ و ٨ من الباب المذكور، التي تدل على إستحباب صوم شهر محرم كله، و الرواية رقم ٥ و ٦ اللتين تدلان على إستحباب صوم يوم من محرم.

 

أما القسم الثاني:

 

فيقع الكلام في الادلة الخاصة الدالة على جواز صوم يوم عاشوراء بعنوانه لا باعتبار كونه يوماً من ايام السنة أو من ايام محرم وهذه الادلة عبارة عن روايات منها:-

الرواية الاولى : رواية أبي همام

محمد بن الحسن باسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن يعقوب بن يزيد عن ابي همام عن أبي الحسن عليه السلام قال : صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء)[5]

وسند هذه الرواية معتبر اذ ابو همام منصوص على وثاقته وهو اسماعيل بن همام الكندي، وهي تدل على الجواز .

 

الرواية الثانية: رواية مسعدة بن صدقة

وعنه عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه ، أن عليا عليه السلام قال : صوموا العاشوراء التاسع والعاشر ، فإنه يكفر ذنوب سنة)[6]

ودلالة هذه الرواية واضحة في الترغيب على صوم يوم عاشوراء

الرواية الثالثة: رواية ميمون القداح

وباسناده[7] عن سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، عن جعفر بن محمد بن عبد الله (١)، عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال : صيام يوم عاشوراء كفارة سنة .)[8]

وسند هذه الرواية _بقطع النظر عن جعفر بن محمد بن عبد الله _ تام بحسب الظاهر، اذ الشيخ يرويها (باسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن جعفر بن محمد بن عبد الله ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال...) وسعد بن عبد الله ثقة وطريق الشيخ إليه صحيح، والمراد بابي جعفر احمدُ بن محمد بن عيسى ويحتمل على بعد ان يراد به احمد بن محمد بن خالد فهو يكنى بابي جعفر ايضاً، وجعفر بن محمد بن عبد الله قيل بانه جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب عليه السلام وهو مجهول وفي بعض النسخ جعفر بن محمد بن عبيد الله وهو مجهول ايضاً ، وميمون القداح منصوص على وثاقته.

والرواية دالة على ترغيب صوم يوم عاشوراء.

الرواية الرابعة: (وبإسناده عن علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن كثير النوا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي ، فامر نوح عليه السلام من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم ، قال أبو جعفر عليه السلام : أتدرون ما هذا اليوم هذا اليوم الذي تاب الله عز وجل فيه على آدم وحواء ، وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه السلام فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس ، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه السلام ، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السلام ..)[9]

وفي سند الرواية (كثير النوا )وهو ضعيف جداً وقد دعا الامام عليه السلام عليه . هذه هي عمدة الروايات التي تذكر في المقام وحينئذ يقع الجمع بين ما تم من روايات الطائفة الاولى وبين ما تم من روايات الطائفة الثانية،

ذكرت عدة وجوه للجمع بين الطائفتين :-

الجمع الاول: حمل الروايات الامرة بالصوم على التقية، ويؤيد هذا الحمل ان معظم هذه الروايات نسبها الامام عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه واله أو إلى الامام علي عليه السلام ولم يتبناها هو عليه السلام، وهذا قد يشعر ان في الحكم شيئاً ولولا ذلك لتبناه هو عليه السلام.

الجمع الثاني: حمل الاخبار الناهية على الكراهة، والمراد كراهة العبادة أي قلة الثواب، فيعمل بالاخبار المجوزة.

الجمع الثالث: حمل الاخبار الامرة بالصوم على ما اذا كان على وجه الحزن والتأثر بهذا المصاب وحمل الروايات الناهية على ما اذا كان على وجه الفرح والسرور، وذهب إلى هذا الجمع الشيخ (قده).

الجمع الرابع : حمل الروايات الناهية على الصوم الكامل وحمل الروايات الأمرة على الامساك إلى ما بعد العصر، والشاهد على هذا الجمع رواية المصباح والمزار المتقدمة.

وملخص الكلام

ان كيفية ايقاع الصوم في يوم عاشوراء لها عدة فروض:-

الفرض الاول: ان يصومه المكلف بعنوان التبرك وهو لا اشكال في حرمته.

الفرض الثاني: ان يصومه المكلف بعنوان كونه مستحباً بالخصوص ، وهو متوقف على ثبوت الاستحباب مع ان ذلك غير واضح، لأنه منوط برواية معتبرة تدل على الاستحباب من دون معارض لها.

الفرض الثالث: ان يصوم المكلف بعنوان كونه مستحباً لا بالخصوص، أو يصومه قضاءً، أو استئجارا، والكلام يقع في جواز هذا الفرض وعدمه و هذا ما يحتاج الى مراجعة الروايات السابقة و من اهمها رواية عبد الله بن سنان في المصباح التي قلنا انها تامة سندا

رواية عبد الله بن سنان

هذه الرواية مع قطع النظر عن ابن المشهدي تامة سندا لا غبار عليها

اما المشهدي فهو ابو عبد الله محمد بن جعفر بن علي المشهدي المعروف بابن المشهدي و محمد بن المشهدي و هو صاحب المزار المعروف بالمزار الكبير

طبقته

الظاهر انه في طبقة شاذان بن جبرئيل و ابن شهر اشوب صاحب المناقب باعتباره يروي عنهما و لم يعنون في التراجم باعتبار كونه متاخرا عن اصحاب التراجم و الملاحِظ يجد انه لم يعنون حتى في فهرست الشيخ منتجب الدين _الذي يعد اتماما لفهرست الشيخ الطوسي_ باعتبار ما تقدم

نعم ذكره المجلسي في البحار و ذكره الحر العاملي صاحب الوسائل في امل الآمل بقوله الشيخ محمد بن جعفر المشهدي.

كان فاضلا محدثا صدوقا، له كتب، يروي عن شاذان بن جبرئيل القمي.[10]

و الشهيد الثاني في اجازته الكبيرة المعروفة بعنوان الشيخ الإمام السعيد ابي عبد الله محمد بن جعفر المشهدي رحمه الله و ذكر ايضا ان الشهيد يروي عن ابن المشهدي بوسائط جميع كتبه و رواياته

و ذكر الشيخ حسن بن الشهيد الثاني في اجازته الكبيرة المعروفة ان الشيخ نجم الدين بن نما [11] يروي المقنعة للشيخ المفيد بالإجازة عن والده عن محمد بن جعفر المشهدي

و قال : و حكى عن محمد بن جعفر انه قرأها و لم يبلغ العشرين على الشيخ المكين ابي منصور محمد بن الحسين بن منصور النقاش الموصلي و هو طاعن في السن

مشايخه

من مشايخه الشيخ الجليل عربي بن مسافر العبادي _قرأ عليه سنة ٥٧٣_

و ابن شهرآشوب المازندراني و ابو المكارم ابن زهرة _قرأ عليه سنة ٥٧٤ _

و الشيخ شاذان ابن جبرئيل _قرأ عليه سنة ٥٧٣ _

و الشيخ ورام ابن ابي فراس الزاهد العابد المعروف صاحب مجموعة ورام (تنبيه الخواطر و نزهة النواظر)

و ابو محمد عبد الله بن جعفر الدرويستي و الشيخ مسلم بن نجم المعروف بابن الاخت البزاز الكوفي الزيدي .

هولاء جملة من مشايخه ذكرهم في المزار .

 

المهم في المقام البحث عن بعض الامور

الامر الاول : هل هذا الرجل نكرة و غير معروف ؟

هناك اشكال يقول بان هذا الرجل غير معروف و لم يعلم من هو

الامر الثاني : هل هو صاحب كتاب المزار او شخص آخر ؟

هناك تشكيك في انه هو مولف المزار

و كأن السيد الخوئي يشير الى هذا الاشكال باعتبار انه ذكر ما مضمونه ان المحدث النوري اتعب نفسه و جاء بقرائن على ان مولف المزار هو محمد بن جعفر المشهدي لكنها قاصرة عن اثبات ذلك

نقول :

بالنسبة الى الامر الاول : فان الظاهر ان الرجل معروف كما يظهر من الكلمات التي قدمناها و غيرها من الكلمات فلا مجال لادعاء انه نكرة.

بالنسبة الى الامر الثاني : فانه من المحتمل ان منشأه وجود شخص آخر ملقب ب "المشهدي" .


[1] منشأ الإخبار على الطريقة الثانية و إن كان هو الإطمئنان الذي ليس حسياً، إلا أن مقدماته حسية، فلذلك عبرنا عن منشأ الإخبار في هذه الطريقة بأنه قريب من الحس.
[2] سبب ذكر هذه الملاحظة ما قد يستظهر من كلام سماحة الشيخ في الدرس السابق من ان هناك طريقة _لتخريج ما قام به الشيخ الطوسي_ غير الطريقتين المتقدمتين.
[3] أي: الروايات التي تدل بعمومها أو إطلاقها على جواز صوم يوم عاشوراء.
[4] وسائل الشيعة ج١٠-ص٤٦٨، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، ج10، ص457، أبواب الصوم المندوب، ب20، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، ج10، ص457، أبواب الصوم المندوب، ب20، ح2، ط آل البيت.
[7] اى محمد بن الحسن.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص457، أبواب الصوم المندوب، ب20، ح3، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص458، أبواب الصوم المندوب، ب20، ح5، ط آل البيت.
[10] امل الامل ج٢ ص٢٥٣.
[11] العالم الحلي المعروف.