1440/01/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

الوجه الثالث:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1] وحاصله التمسّك بحديث ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) ، بتقريب:- أنه يدل بالمطابقة على الضمان وبالالتزام على وجوب الرد.

فحينما يقال ( على اليد ما أخذت ) نفهم منه الصمان ، يعني أنَّ هذه اليد ضامنة وذا كانت ضامنة ، فلازم الضمان أنه إذا تلف المبيع يجب ردّ بدله ، وأما إذا فرض أنَّ العين موجودة فيجب ردّها إلى مالكها ، فإذاً الحديث بالمطابقة يدل على ثبوت الضمان ، وحيث إنَّ الضمان يتحقق بردّ البدل إذا كانت العين تالفة وبردّ العين ذا كانت موجودة فيثبت من خلال الدلالة الالتزامية وجوب الردّ إذا كانت العين موجودة.وبغض النظر عن سند الحديث - لأنه يوجد كلام في سنده فإن سنده ليس بثابت ، وسوف نتكلم عنه في الحكم الثالث من أحكام المقبوض في العقد الفاسد - لكن هذا الكلام للشيخ النائيني هل هو تام أو لا ؟

والجواب:- صحيح أنه بالدلالة الالتزامية يدل على ذلك لأنَّ الضمان يتحقق بردّ العين ، أما أنه نأخذ الرد بأيّ معنى ؟ فهل هو بمعنى إيصالها - وكلمة ( ردّ ) لا تتمسك بها لأنها ليست موجودة - أو أنه يتحقق الردّ بالتخلية ؟ وهذا عين المتنازع فيه ، فهل يكفي أن أتصل به تلفونياً وأخبره بأنَّ العين موجودة عندي أو أنه يلزم أن أذهب وأوصلها إليه ؟ ، فصحيح نحن نسلّم أنَّ العين لابد من ردّها – ونعبّر بـ ( ردّها ) من باب ضيق التعبير - أما أنَّ الردّ ماذا يراد منه وهل هو التخلية أو هو الايصال فهذا لا يعيّنه الملول الالتزامي ، فإذاً المدلول الالتزامي حيادي من هذه الناحية.

إن قلت:- إنَّ الحديث فيه ذيل يقول ( حتى تؤدّي ) وقد يقال أنَّ ( تؤدّي ) ظاهر في الايصال.

قلت:- إنَّ ( يؤدي ) ذكر في مقابل الأخذ ، فإذا أخذت الشيء فلابد من ردّه ، ومادام هذا في مقابل الأخذ فلابد حينئذٍ من رفع الأخذ وازالته ، أما أنَّ إزالة الأخذ بماذا يتحقق فهو يتلاءم مع الاثنين.

الوجه الرابع:- ما أفاده الحاج ميرزا علي الايرواني(فقده)[2] ، وهو يقرب مما أفاده الشيخ النائيني(قده) ، إلا أنَّ الفارق هو أنه في هذا الوجه يدّعي الحاج ميرزا علي الايرواني أنَّ الحديث قد استعمل في إفادة كلا المطلبين بالمطابقة ، لا أنّ أحدهما بالمطابقة والثاني بالالتزام ، يعني أنه قال:- إن ثبوت الضمان ووجوب الردّ كلاها نستفيدهما من كلمة ( على ) ، فـ ( على اليد ) صالحة لإفادة الضمان ، وفي نفس الوقت هي صالحة لإفادة وجوب الردّ ، فإذاً لنقل هي مستعملة لإفادة كلا المطلبين ولكن بالدلالة المطابقية ، فإنَّ كلمة ( على ) لمعناها مصداقان مصداق الضمان ومصداق الردّ.

وأشكل عليه السيد الخوئي(قده)[3] بإشكالين:-

الاشكال الأول:- إنَّ لازم استعمال هذه الجملة في معنيين أن كلمة الردّ مقدّرة وغير مقدّرة ، يعني يلزم اجتماع المتناقضين ، لأنه إذا كان المقصود إفادة الحكم التكليفي الذي هو وجوب الردّ فلابد أن نقدّر كلمة الرد فـ( على اليد ما أخذت ) يعني ردّ ما أخذت ، لأنَّ الحكم التكليفي عبارة عن الردّ ، والحكم التكليفي لا يتعلّق إلا فالأفعال ولا يتعلق بالأعيان ، والفعل هو الردّ ، يعني معناه ( على اليد ردّ ما أخذت ) ، أما إذا كان المقصود الحكم الوضعي الذي هو الضمان فلا يحتاج إلى تقدير كلمة ( رد ) ، فنقول ( على اليد ما أخذت ) فـ( ما أخذت تكفي ) ولا يحتاج تقدير كلمة ( رد ) - أما أننا نقدّر كلمة ثانية إذا كان القصود هو الضمان أو أنَّ كلمة ( على ) هي مشبَّعة بالضمان فهذا لا يمهنا الآن - ، فإذاً يلزم أن نقدّر كلمة ( رد ) ويلزم أن لا نقدّرها وهذا لا يمكن.

الاشكال الثاني:- إنه لو قلنا إنَّ المعنى المطابقي يدل على الحكم التكليفي يلزم من ذلك استهجان الاستعمال ، لأنه لابد من تقدير كلمة ( ردّ ) أو كلمة ( أداء ) - أو أي مرادف آخر لو كان موجوداً - ، فإذا كان المقصود هو الحكم التكليفية فيصير التقدير ( على اليد أداء ما أخذت حتى تؤدي ) ، وهذا كما ترى مستهجن ولا معنى له ، وهو نظير أن نقول ( عليك الصوم إلى أن تصوم ) و ( عليك الصلاة إلى أن تصلي ) وهذا لا معنى له ، هنا كذلك ، فمادام المقصود هو الحكم التكليفي فلابد أن تقدّر كلمة ( أداء ) أو ( رد ) ، وحيث إنه يوجد في الحديث ( حتى تؤدي ) فيصير التقدير حينئذٍ ( على اليد ما أخذته حتى تؤدي ) ، وهذا ركيكٌ ومستهجن.

وفي الجواب نقول:- إنَّ هذان اشكالان يتمّان فيما إذا كان الاستعمال في جملة ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) استعمالاً حقيقياً ، أما لو قلنا هو استعمال كنائي بلاغي مجتازي فحينئذٍ لا معنى لإعمال هذه الدّقة ، إنما هذه الدّقة وجيهة في الاستعمالات الحقيقية.

ونظير هذا في مسألة التلقيح الاصطناعي ، حيث تؤخذ نطفة رجل وتزرّق في رحم امرأة أجنبية ، فهل هذا جائز أو لا – بغض النظر عن القضايا الثانوية من أن هذا يحتاج إلى أن تكسف عن عورتها بل افترض أن زوجها يتصدى إلى هذه القضية - ؟ إنها محل كلام بين الفقهاء ، وهناك من قال بحرمة ذلك تمسّكاً برواية عليّ بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إنَّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل[4] [ رجلاً ][5] أقر نطفته في رحم يحرم عليه )[6] ، فذكر أنه إذا زرّقت النطفة في رحم امرأة أجنبية يشمله هذا الحديث فيكون حراماً ، فهذه العملية لا تكون جائزة ولذلك ثبت العذاب لمن أقرّ نطفته في رحمٍ يحرم عليه ، وعلى هذا الأساس سوف يثبت أنَّ التلقيح الاصطناعي بهذا الشكل ليس بجائز ، وقد أفتى البعض بعدم الجواز استناداً إلى هذا الحديث.

ولكن في مقام الجواب يمكن أن يقال:- إنَّ هذا الحديث ليس المقصود منه المعنى اللفظي والمطابقي حتى نُعمِل هذه الدقة ، وإنما يمكن أن يقال إنَّ هذا كناية عن الزنا ، فإنَّ لغة العرب وسعية وفيها الكناية والمجاز والاستعارة وغير ذلك ، وهذا الحديث من هذا القبيل ، فهو كناية عن الزنا ، ونحن لا نحتاج إلى الجزم بأنها كناية بل يكفي الاحتمال الوجيه ، فيصير مجملاً ، فيحتمل ارادة المعنى المطابقي ويحتمل ارادة المعنى المجازي ، ونحن نقول إنَّ المعنى المطابقي بعيد جداً ، فهذا كناية عن الزنا ، ومادام كذلك فالدّقيقات اللفظية والتماشي مع الألفاظ لا معنى لإعمالها ، لأن التماشي مع الألفاظ شيء وجيه في استعمالات الحقيقة التي يقصد معناها الطابقي دون الاستعمالات الكنائية والمجازية.

ونفس الشيء ننقله إلى حديث ( على اليد ) ، فإنَّ هذا الحديث لا يقصد ألفاظه المطابقية والمعنى المطابقي للألفاظ ، فإذا لم أرد أن أجزم بذلك لكني أقول إنه يحتمل هذا احتمالاً وجيهاً ، فيورث لي الاجمال وهو كافٍ ، فمن الوجيه أن يكون المقصود هو الكناية عن الضمان وأنه أنت ضامن ، فهو كناية ، ويمكن أن يصير اللفظ كناية عن معنيين ولا بأس بذلك ، ولا يلزم من ذلك الاستعمال في معنيين أو تقدير كلمة ( الرد ) وعدم تقديرها ، وإنما هو كناية عن معنيين فهو كناية على أنه يوجد ضمان ويجب الرد ، فلا تقل يلزم تقدير كلمة ( رد ) ويلزم أن لا نقدّرها ، ولكن نقول إنَّ كلمة ( رد ) يلزم أن نقدّرها فيما إذا كان المقصود هو المعنى المطابقي واللفظي والحقيقي ، أما إذا كان المقصود هو المعنى الكنائي فلا نحتاج إلى تقديرها.فإذاً من الوجيه أن يكون كناية عن كلا المعنيين من دون لزوم محذور التقدير وعدمه، فلا يأتي ما ذكره السيد الخوئي(قده) أولاً ولا ما ذكره ثانياً ، فكلاهما مبنيّان على ارادة المعنى اللفظي والحقيقي ، أما إذا كان الاستعمال بنحو المجاز والكناية فلا يأتي ما ذكره(قده).

نعم الاشكال الذي يرد على الميرزا حاج علي الايرواني:- هو أنه من الوجيه أن يكون كناية عن كلا هذين المعنين لكن هذا مجرد وجاهة وإمكان ، وهما لا ينفعان في باب الاستنباط ، إنَّ الذي نجزم به هو أنه كناية عن الضمان ، أما أنه كناية عن وجوب الردّ فهذا ممكن ولكن لا يوجد له مثبت ، والظهور أيضاً لا يمكن التمسّك به ، لأنَّ الظهور عادة يكون في الألفاظ التي يقصد معناها المطابقي ، أما في باب الكناية يكون استظهار رادة كذا أو كذا أكثر فهذا صعب.

والخلاصة:- إنَّ القدر المتيقن هو إرادة الكناية عن الضمان ، أما أنه كناية عن وجوب الردّ أيضاً فهو ممكنٌ ولكنه مجرّد احتمال لا مثبت له.

وقد اتضح من كلّ ما ذكرنا:- أننا نسلّم أنَّ الردّ شيء لازم ، أما أنه بمعنى الايصال إلى المالك فهذا شيء لا مثبت له ونجري البراءة عنه ، وهذا كله بناءً على كون حديث ( على اليد ) تام السند ، وهو ليس بتام كما سيأتي في الحكم الثالث.


[2] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، ص124.
[3] التنقيح في شرح العروة الوثقى، تسلسل36، ص253.
[4] كما في الكافي.
[5] كما في الوسائل.