1440/01/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

الحكم الثاني:- وجوب الرد.

يجب على المشتري في العقد الفاسد ردّ المبيع إلى المالك فوراً ، هكذا عبّر الشيخ الأعظم(قده) واستظهر عدم الخلاف في المسألة حيث قال:- ( والظاهر أنه مما لا خلاف فيه )[1] .

لكن كان من المناسب له أن يفسّر المقصود من وجوب الردّ فإنه يأتي بمعنيين:-

الأوّل:- يجب الرد في مقابل الامتناع من دفعه يعني بمعنى الحبس ، فالحبس والامتناع من الدفع هذا لا يجوز.

الثاني:- إنه يأتي بمعنى وجوب الايصال يعني مجرّد التخلية ورفع اليد عن الحبس لا يكفي بل لابد إضافة إلى ذلك من إيصاله إلى المالك.

ومن الوضح أنه بالنسبة إلى المعنى الأول هذا نحوٌ من الغصب ولا كلام في حرمته ، فإذاً الكلام لابد أن يصير في وجوب الدفع بالمعنى الثاني وإلا فالمعنى الأول لا إشكال في أنه فرد من الغصب ولا حاجة إلى البحث عنه واقامة الدليل عليه ، فإذاً لابد أن يكون المقصود من وجوب الردّ هو وجوب الإيصال وأنَّ التخلية ليست كافية.

وقد يستدل على وجوب الايصال بمعنى الايصال بالوجوه الأربعة التالية:- وقد ذكر وجهين منهما الشيخ الأعظم(قده) وأما الوجهان الآخران فليسا له.

الوجه الأول:- وقد ذكره الشيخ الأعظم(قده) ، وهو التمسّك بالحديث الدال على أنه لا يجوز التصرف في مال الغير من دون رضاه ، فإنه يوجد توقيع شريف من الناحية المقدسة في ذلك ، قال(قده):- ( إنَّ الامساك آناً ما تصرف في مال الغير بغير إذنه فلا يجوز لقوله عجل الله فرجه " لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه[2] "[3] )[4] .

والمهم هو أنَّ الشيخ تمسّك بكلمة التصرف والامساك هو تصرف ، ولكن كلامنا ليس في الحبس وإلا الحبس هو غصب ولا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ، فلابد أن يكون المقصود من الامساك هنا بمعنى عدم الايصال ولو مع التخلية فإنَّ هذا لا يكفي ، لأنَّ الحديث يشمله لأنه نحو من التصرّف.

والاشكال عليه واضح:- فإنه إن لم نجزم بعدم كونه تصرفاً فلا أقل من الشك في ذلك فيكون المورد من التمسّك بالعام في مورد اجمال المفهوم ، يعني مفهوم التصرف صار داراً بين السعة والضيق عني هل يشمل حتى حالة التخلية أو يختص بحالة الامتناع من الدفع - الحبس - ، فهذا تمسّك بالمطلق في مورد اجمال المفهوم وهو لا يجوز ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.

ولكن يظهر أنَّ الشيخ الأعظم(قده) كان ملتفتاً ، لأنه بعد ذلك قال:- ولو شُكك في صدق التصرّف فنتمسّك بحديث ثانٍ.

ووافق الشيخ النائيني(قده)[5] الشيخ الأعظم(قده) ولكن حاول أن يتمسّك ببيانٍ آخر فقال:- إنَّ الامساك عبارة عن استدامة الأخذ ، وحيث إنَّ أخذ الشيء من المالك هو تصرّف فالإمساك حيث إنه استدامة الأخذ فيكون تصرفاً.

وجوابه واضح حيث يقال:- ماذا تقصد من الامساك ، فهل تقصد به ما يصدق على التخلية - يعني عدم الايصال رغم تحقق التخلية - ؟ فلا نسلّم أنَّ الامساك هو استدامة الأخذ ، وإذا فسّرت الامساك بمعنى الحبس فمن الواضح أنه غصبٌ ولا يحتاج إلى اثبات كونه تصرّفاً وهو حرام ، فما ذكره غريب.

إذاً الدليل الأوّل الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) واضح التأمل ، وما ساعده عليه الشيخ النائيني(قده) واضح التأمل أيضاً.

الوجه الثاني:- وهو للشيخ الأعظم(قده) أيضاً ، وهو التمسّك بالحديث الذي لم يذكر كلمة التصرف وهو ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ) ، فكلمة تصرّف ليست موجودة في الحديث ، وحينئذٍ نقول إنَّ هذا الحديث يشمل جميع الأنحاء المرتبطة بالمال والتي منها عدم الايصال ، فيصير اضافة التحريم إلى عين من الأعيان يدل على حرمة جميع ما يرتبط بذلك الشيء ومنه عدم إيصاله ، والحديث هو صحيحة زيد الشحّام نصّه:- ( لا يحل دم امرئٍ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه )[6] .[7]

وقد يقال:- إنَّ هذا الوجه يتركب من مقدمتين.

الأولى:- إنَّ إضافة عدم الحلية إلى عين من الأعيان - أو قل حذف المتعلّق - يدل على حرمة جميع ما يرتبط بتلك العين.

الثانية:- إذا حرم جميع ما يرتبط بتلك العين ومن ذلك الامساك وجب الردّ فإن الردّ ضد للإمساك فهو يقابله فحينئذٍ حرمة الامساك يلازم وجوب الردّ.

وكلتا المقدمتين محل تأمل:-

أما الأولى:- فينبغي أن تكون من الواضحات ، فإنَّ اضافة التحريم أو التحليل إلى الأعيان لا يدل على حرمة أو حلية كل ما يرتبط بتلك العين وإنما المقصود الأثر المناسب عرفاً فلذلك في مثل ﴿ حرّمت عليكم امهاتكم ﴾ لا يحتمل أحد أنَّ المقصود حرمة كل شيء كأن حرّم عليكم نكاح أمهاتكم وحرّم عليكم اهانة الأمهات وضربها وغير ذلك فإنَّ هذا ليس عرفياً ، بل الأثر المناسب والظاهر هنا هو النكاح ، وموردنا أيضاً كذلك ، فـ ( لا يحل مال امرئ مسلم ) صحيح أنَّ المتعلق قد حُذِف ولكن الأثر البارز والمهم هو التصرّف ، يعني لا تحل التصرّف في مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه ، ومعه عادت المشكلة كما سبق ، لأنَّ عدّ عدم الايصال مع التخلية تصرفاً هو أوّل الكلام.

وأما الثانية:- فيمكن أن يقال: إنَّ حرمة أحد النقيضين لا يدل على وجوب النقيض الآخر ، فلو فرضنا أن التوجّه إلى القبلة اثناء التخلي حرام فهل يعني ذلك أنَّ التوجه إلى اليمين أو اليسار يصير واجباً بحيث يصير المكلف عاصياً لحكمين لو توجه إلى القبلة فيصير مخالفاً للحرمة ومخالفاً للوجوب ؟ كلا لا يوجد حكمان ، وهذا من الأمور الواضحة ، فهنا لا يلزم من الامساك وجوب الردّ.

ولكن هنا قضية أخرى ينبغي الاشارة الثانية:- وهي أنه هل نحتاج إلى المقدّمة الثانية أو يمكن الاستغناء عنها اكتفاءً بالمقدّمة الأولى ؟