34-08-13


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/08/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 384 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما المرحلة الثانية - أي في تحديد السن -:- فقد وقع الخلاف في تفاصيل ذلك - يعني في بعض التفاصيل -.
 أما بالنسبة إلى الثني من الإبل:- فلم يقع خلاف واتفقت الكلمة على أنه عبارة عمّا أكمل خمس سنين ودخل في السنة السادسة ، قال الشيخ النراقي(قده) في المستند:- ( إن الثني من الإبل ما كمل له خمس سنين ودخل في السادسة وهو مما لا خلاف فيه كما في المفاتيح ) [1] . إذن المستفاد من هذه العبارة أن تحديد الثني من الإبل لم يقع فيه خلاف وأنه عبارة عمّا أكمل خمس سنين ودخل في السادسة.
 وأما الثني من البقر والمعز:- فاختلفت الكلمة فقيل إنه ما أكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة وقد ذكر في الوافي:- ( إن الأشهر أنه ما دخل في الثالثة وهو المطابق للصحاح والقاموس ) [2] هذا رأي وقد نسب إلى الأشهر ، وهناك رأي آخر يقول إنه ما أكمل السنة الأولى ودخل في الثانية وقد نقله في المدارك قائلاً:- ( إن المشهور في كلام الأصحاب أن الثني من البقر والغنم ما دخل في الثانية ) [3] . إذن تحديد الثني من البقر والغنم قد وقع فيه خلاف على قولين هما ما دخل في الثالثة وما دخل في الثانية.
 وأما بالنسبة إلى الجذع من الضأن:- ففيه ثلاثة آراء الأول ما أكمل ستة أشهر والثاني ما أكمل سبعة أشهر والثالث ما أكمل السنة الأولى ودخل في الثانية.
 أما الرأي الأول فقد ذكره العلامة في التذكرة والمنتهى ، وأما الرأي الثاني فقد ذكره ابن ادريس في السرائر والشهيد في دروسه وتحريره ، وما الرأي الثالث فقد ذكره الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال:- ( ويجزئ من الضأن الجزع لسنة ).
 إذن اتضح أن في تحديد سنّ الثني والجذع قد وقع في بعض تفاصيله خلاف . نعم بالنسبة إلى الإبل لم يقع خلاف وأنه ما أكمل الخامسة ودخل في السادسة وأما في غير ذلك فقد وقع الخلاف كما اتضح ، ومن هنا قال صاحب المدارك في عبارته المتقدّمة التي نصّها:- ( والتعويل على ذلك كله مشكل .... والأمر في هذه المسائل ملتبس ، وطريق الاحتياط واضح ) [4] .
 وبهذا أيضاً يتضح الوجه في عبارة السيد الماتن0قده) فإنه قال:- ( ولا يجزئ من الإبل إلا ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة ، ولا من البقر والمعز إلا ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط ) فإن قوله ( على الأحوط ) يرجع إلى البقر والمعز - وهذا عرفناه من خارج العبارة وإن كانت عبارته مردّدة - لأنه يوجد في تحديد السنّ بلحاظهما رأيان كما ذكرنا هما ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة وما أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية فالأحوط يصير الدخول في الثالثة أما بالنسبة إلى الإبل فيوجد اتفاق عليها فلا يحتاج إلى الاحتياط فلذلك يرجع هذا الاحتياط إلى البقر والمعز دون الأبل . ثم قال(قده):- ( ولا يجزئ من الضأن إلا ما أكمل الشهر السابع ودخل في الثامن والأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية ) إن وجه الاحتياط واضح حيث إن المكلف إذا كان هديه بالنسبة إلى الضأن قد أكمل السنة فقد امتثل الواقع جزماً فهذا احتياط في محلّه ولكن من حيث الصناعة ذكر(قده) أنه يكفي ما أكمل الشهر السابع وسوف يتضح أن المناسب أن يقول ( ما أكمل الشهر السادس ) لأن أحد الآراء هو الشهر السادس فالمناسب هو ما أكمل الشهر السادس كما سوف يتضح وإن كان الاحتياط يقتضي أنه أكمل السنة.
 وعلى أي حال الكلام يقع فيما تقتضيه الصناعة:- وقد ذكر(قده) في المعتمد [5] في هذا المجال أن المورد من الشك بين الأقل والأكثر فبالنسبة إلى الثني من البقر والمعز يدور الأمر بين أن يكون ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة أو ما أكمل السنة إنه تردّد بين الأقل والأكثر ونشك في اشتغال ذمتنا بالأكثر - أعني ما أكمل السنتين ودخل في الثالثة - فنجري البراءة عن هذه الكلفة الزائدة أعني اعتبار سنة على السنة الأولى فنجري البراءة عنها ، وهكذا الحال بالنسبة الى الجذع من الضأن فإنه مردّد بين ما أكمل الشهر السادس أو أكمل السابع أو أكمل السنة إنه تردّد بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عن الأكثر ، هكذا ذكر في التقرير ومن هنا قلت إن المناسب في عبارة المتن بالنسبة إلى الضأن أن يقول ( ولا يجزئ إلا ما أكمل ستة أشهر ) وليس ما أكمل سبعة أشهر لأنه بالنسبة إلى السبعة أشهر أو السنة نشك فنجري البراءة.
 إذن خلاصة ما ذكره(قده) في تحديد ما تقتضيه الصناعة هو أن المورد من الدوران بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عن الكلفة الزائدة - أعني اشتغال الذمة بالأكثر - فالصناعة تقتضي اجزاء الأقل غايته نحتاط احتياطاً استحبابياً باعتبار الأكثر فإنه شيء حسن.
 ولعل المناسب بيان الصناعة هكذا:- إن الكلام يقع تارة فيما يقتضيه الأصل اللفظي وأخرى فيما يقتضيه الأصل العملي.
 أما بالنسبة إلى ما يقتضيه الأصل اللفظي:- فالمناسب كفاية الأقل - ومقصودنا من الأصل اللفظي يعني الإطلاق أو يعني بعبارة أخرى الدليل الاجتهادي في مقابل ما يقتضيه الأصل العملي أي الدليل الفقاهتي - فيمكن أن يقال:- إن لدينا في المقام عموماً أو اطلاقاً من قبيل قوله تعالى:- ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) إنه قد أثبت عنوان الهدي أو ما استيسر من الهدي وفي السنّة الشريفة - أعني صحيحة زرارة - حينما سأل الإمام عليه السلام عمّا يجب على المتمتع فأجابه ( وعليه الهدي ) إن هذا دليل اجتهادي وهو بإطلاقه - أو بعمومه - يقتضي كفاية كل ما يصدق عليه عنوان الهدي غايته جاء دليل آخر مخصّص لهذا الدليل وقد دلّ على اعتبار العمر المعيّن أو الصفة المعيّنة ونحن نشك أن تلك الصفة المعيّنة - وهي الثني - هل هي عبارة عمّا أكمل السنة الأولى ودخل في الثانية أو أنه عبارة عمّا أكمل السنتين ودخل في الثالثة إن الذي لم يكمل سنة قد خرج بالتخصيص جزماً أما الذي لم يكمل سنتين فنشك في خروجه بالمخصص فإن أمر المخصص يدور بين الأقل والأكثر وهو من قبيل تردّد المخصص من حيث المفهوم فمفهوم الثني هل هو الحيوان الذي قد دخل في السنة الثانية أو ما دخل في السنة الثالثة أنه ليس شبهة مصداقية إذ التردّد ليس من جهة الأمور الخارجية بل أصل الجعل الكليّ والضابط الكليّ مجهول ومتى ما كان التردّد من جهة أمر كليّ وليس من جهة أمر خارجي فهو تردّد مفهومي فيدور أمر المخصّص بين الأقل والأكثر ولا إشكال في التخصيص بلحاظ الأقل وأما بلحاظ ما زاد فيشك في الخصيص الزائد فيتمسك بالإطلاق أو العموم من دون حاجة إلى الأصل العملي.
 وإذا فرض أن شخصاً رفض هذا الإطلاق وقال:- إن الآية الكريمة والرواية الشريفة ليستا في مقام البيان من هذه الناحية بل هما بصدد أصل التشريع ولا يوجد فيهما إطلاق أو غضضنا النظر عن هذا الإطلاق ووصلت النوبة إلى الأصل العملي فهل الأصل يقتضي البراءة أو يقتضي الاشتغال ؟
 والجواب:- إن المناسب هو التفصيل بين ما إذا فرض أن الذمة قد اشتغلت بصفة الثني بنحو الموضوعيّة وتردّد أمر الثني بين ما أكمل السنة وما أكمل السنتين وبين ما إذا فرض أن وصف الثني لم تشتغل به الذمة بنحو الموضوعيّة وإنما أخذ كمرآة وطريقٍ إلى السنّ والعمر المعيّن وبالتالي بالإمكان حذف وصف الثني ونبدله بالسنّ المعيّن ، وعلى الأول فالمناسب هو الاشتغال لأن الذمة قد اشتغلت بالوصف المذكور والمولى يريد منّا تحقيق هذا الوصف خارجاً ونحن لا نجزم بتحققه إلا إذا كان الحيوان قد أكمل السنتين ودخل في الثالثة - أي يعني إلا بالعمر الأكثر - فيكون المورد من الشك في المحصِّل أو بتعبير آخر من الشك في فراغ الذمة فإن الذمة قد اشتغلت حسب الفرض بوصف الثني ويشك أن ما أكمل السنة والواحدة محصِّل لهذا العنوان أو لا ؟ فلابد حينئذ من الإحراز اليقيني لفراغ الذمة بعد الاشتغال اليقيني فإن الذمة قد اشتغلت يقيناً بوصف الثني - هكذا فرضنا - فلابد من تفريغها يقيناً من هذا الوصف ولا يحصل اليقين بالفراغ إلا إذا فرض أن الهدي كان قد أكمل السنتين - يعني الأكثر - . وأما إذا كان الوصف المذكور أخذ بنحو المرآتية والطريقية إلى السنّ المعيّن فنشك أن الذي خرج بالمخصص هو هذا السنّ أو ذلك - أي ما أكمل السنة الواحدة وخرج أو ما أكمل السنتين - والأول قد خرج بالمخصّص جزماً - يعني يعتبر أن يكون قد أكمل السنة والواحدة - أما الزائد على ذلك فنشك أن الذمة اشتغلت به إذا فرض أنه أخذ بنحو المرآتية فالذمة قد اشتغلت جزماً بأن لا يكون أقلّ من سنة أما اشتغالها بما زاد على السنة فيشك في ذلك فيجري أصل البراءة.
 يبقى قد تسأل:- ما هو المناسب ؟ فهل المناسب كون الوصف المذكور وصفاً مأخوذاً بنحو الموضوعيّة أو بنحو الطريقية ؟
 والجواب:- إن هذه قضيّة استظهارية تتبع استظهار الشخص ووجدانه ولا يبعد في باب الأعمار وتحديد السنّ أنه مأخوذ بنحو الطريقيّة فإنه حينما يذكر هذا الوصف يراد به الإشارة إلى السنّ المعيّن وإلا فهو لا مدخليّة له عادةً وعرفاً في الحكم وإنما يؤخذ كطريقٍ ، وعلى هذا الأساس يكون المناسب هو جريان البراءة كما ذكره(قده).
 وبهذا اتضح أن الأصل اللفظي والأصل العملي هما متفقان معاً من حيث النتيجة - يعني أنه بناءً على أخذ وصف الثني مثلاً بنحو الطريقية يتفق ما يقتضيه الأصل اللفظي مع ما يقتضيه الأصل العملي - وأما إذا كان مأخوذاً بنحو الموضوعيّة فسوف يختلف مقتضى الأصل اللفظي عن مقتضى الأصل العملي فإن الأصل اللفظي يقتضي بحسب النتيجة البراءة والاكتفاء بالأقل بينما الأصل العملي يقتضي الاشتغال واعتبار الزائد ، إن هذا هو المناسب في بيان ما تقتضيه الصناعة.
 ثم إنه(قده) ذكر في العبارة ما نصّه:- ( وإذا تبين له بعد الذبح في الهدي أنه لم يبلغ السن المعتبر فيه لم يجزئه ذلك ولزمته الاعادة ) وهذا الذي ذكره حكمٌ على طبق القاعدة فإنه إذا فرض أن المعتبر هو في ثني الإبل إذا كان المعتبر هو ما أكمل خمس سنين ودخل في السادسة وأنا اشتريته بهذا العنوان ثم اتضح بعد ذلك بنحو الجزم أنه ليس كذلك بل هو أقل ففي مثله القاعدة تكون مقتضية لعدم الإجزاء لأني لم اات بالمأمور به فيلزم الإعادة . نعم لو فرض عدم الجزم بل فرض الشك فهنا يوجد مجال لتطبيق قاعدة الفراغ - أي قاعدة ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) - لأنك قد ذبحت الهدي والآن تشك في صحته فهذا يمكن الحكم بصحته لقاعدة الفراغ ، أما إذا تبيّن بنحو الجزم فلا معنى آنذاك إلى تطبيق قاعدة الفراغ.


[1] مستند الشيعة، النراقي، ج12 ص309
[2] الوافي ج13 ص1112
[3] المدارك، ج8، ص29.
[4] المدارك ج8، ص30.
[5] المعتمد، الخوئي، ج5، ص220.