34-08-06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسالة ( 382 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
  ثم إنه (قده) ذكر في النقطة الثانية أنه لو لم يذبح يوم العيد لسببٍ وآخر من نسيانٍ ونحوه فيتدارك ذلك في اليوم الثاني - وبالأحرى في أيام التشريق - وإن لم يمكن فإلى آخر ذي الحجّة هكذا ذكر(قده) ، أما ما هو مدرك ذلك ؟ إن المدرك على ما ذكر في التقرير هو صحيحة حريز الواردة فيمن فقد الهدي ووجد الثمن فإنه عليه السلام أمر بإيداعه عند ثقة ليذبح إلى آخر ذي الحجّة فإن لم يمكن فإلى ذي الحجة القابل ، هكذا ذكر في التقرير ولم يزد عليه شيئاً ، وكان من المناسب عرض روايات المسألة لملاحظتها فإنها على طوائف أربع:-
 الطائفة الأولى:- ما دلّ على أن أيام الأضحية أربعة لمن كان في منى وثلاثة لمن كان في غيرها كموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن الأضحى بمنى فقال أربعة أيام وعن الأضحى في سائر البلدان فقال ثلاثة أيام ) [1] ، وعلى منوالها صحيحة علي بن جعفر [2] ، ولأجل هذه الطائفة ذكر الفقهاء في كتبهم الفقهية أن أيام الأضحية لمن كان في سائر البلدان ثلاثة أيام وأما لمن كان في منى فأربعة أيام ولعل هذا هو رأيٌ معروف.
 الطائفة الثانية:- ما دلّ على أن النحر في منى ثلاثة أيام وفي غيرها يوم واحداً ، والمأخوذ في هذه الطائفة عنوان النحر لا عنوان الأضحية وهذا هو الفارق بين الطائفتين كصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سمعته يقول:- النحر بمنى ثلاثة أيام فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيام والنحر بالأمصار يومٌ فمن أراد أن يصوم صام من الغد ) [3] ، وعلى منوالها صحيحة كليب الأسدي [4] وصحيحة محمد بن مسلم [5] ، وكما قلنا إن العنوان المأخوذ هنا هو النحر - أي نحر الهدي - وليس الأضحية فإذا كانت الطائفة الأولى لا ترتبط بمحلّ كلامنا من باب أنها ناظرة إلى الأضحية لكن هذه الطائفة لم يؤخذ فيها عنوان الأضحية حتى يقال إنها خارجة عن محلّ كلامنا بل المأخوذ هو عنوان النحر - أي نحر الهدي - وقد ذكرت أنه في منى ثلاثة أيام - يعني لا يتجاوز هذه الأيام إلى نهاية ذي الحجّة-.
 يبقى ما معنى قوله عليه السلام:- ( والنحر بالأمصار يوم ) ؟ فإنه لا يوجد نحرٌ في الأمصار وإنما توجد أضحية أما النحر فهو ليس بموجود وهو مختص بمنى للحجيج ؟ والجواب:- لا يبعد أن يكون المقصود هو أن حكم النحر وهو عدم جواز الصوم يوماً واحداً فلذلك فرّع الإمام عليه السلام بعد ذلك فقال:- ( فمن أراد أن يصوم صام من الغد ) . إذن حكم يوم بالنحر الذي هو حرمة الصوم بالنسبة إلى منى هو ثلاثة أيام أما بالنسبة إلى غير منى فحرمة الصوم تختص بيومٍ واحدٍ وأطلق هذا اليوم بيوم النحر بمعنى حكم يوم النحر - أعني حرمة الصوم - والأمر سهل.
 الطائفة الثالثة:- ما دلّ على أن أيام الذبح ثلاثة كصحيحة أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام:- ( سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم ؟ قال بل يصوم فإن ايام الذبح قد مضت ) [6] إنها ذكرت بوضوح أن أيام الذبح ثلاثة وأكدت ذلك أكثر وقالت إن ما بعد هذه الثلاثة تنتقل النوبة إلى الصوم دون الذبح فدلالتها لعلها أوضح من سابقتها.
 الطائفة الرابعة:- ما دلّ على الامتداد إلى نهاية ذي الحجة وهي الرواية التي تمسك بها الشيخ الخوئي(قده) فإنه أشار إلى هذه الصحيحة فقط وهي صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال:- يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزئ عنه فإن مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة ) [7] .
 هذه طوائف الأخبار في المسألة ، ولو كنا نحن والطائفة الأخيرة فقط كما صنع السيد الخوئي(قده) حيث لم يذكر غيرها فلعل لما ذكره مجالاً فيقال إن مورد الرواية وإن كان هو فاقد الهدي وواجد الثمن إلا أنه نلغي الخصوصية فنعمّم الحكم لمقامنا الذي نتحدث عنه - أعني الشخص الذي لم يذبح لعذرٍ في اليوم العاشر وما بعده حتى مضت أيام التشريق - فنقول يمتد وقت الذبح إلى نهاية ذي الحجة لإلغاء الخصوصيّة كما لعل هذا هو مقصوده(قده) ، إنه شيء لا بأس به لو قصرنا النظر على هذه الطائفة الأخيرة فقط ، ولكن عندنا طوائف أخرى لابد من أخذها بعين الاعتبار.
 أما الطائفة الأولى الواردة في الأضحية فيمكن حذفها لأنها ناظرة إلى الأضحية ولكن الطائفة الثانية والثالثة ذكرت أن أيام النحر ثلاثة خصوصاً الطائفة الثالثة حيث قالت:- ( أي ذبح أو يصوم ؟ قال:- بل يصوم فإن أيام الذبح قد مضت ) ودلالتها واضحة على أن ذبح الهدي يختص بثلاثة أيام ولا يمتد إلى أكثر من ذلك وعليه فنحمل صحيحة حريز التي دلت على الامتداد إلى نهاية ذي الحجة على موردها فنخصّصها بموردها ونقول قد خرج هذا المورد أما ما سوى ذلك فلابد من التمسك بما ذكره عليه السلام من أن أيام الذبح قد انتهت فتختص أيام الذبح بالثلاثة . وسواء أن ما ذكرناه صحيحاً أم كان شيئاً مرفوضاً عنده(قده) فإن المناسب فنّياً هو الإحاطة بنكات المسألة مادام توجد روايات فلابد من استعراضها ومعالجتها لا أن ننظر بعين واحدة إلى بعض الروايات ولا ننظر بالعين الأخرى إلى بقيّة الروايات.
 وعلى أي حال اتضح من خلال ما ذكرناه أن المناسب هو أن أيام الذبح تمتد إلى أيام التشريق ، بل نضيّق أكثر ونقول بل إلى اليوم الثاني عشر لأن هذه الصحيحة صرّحت بأن أيام الذبح ثلاثة ، بل في صحيحة أبي بصير ذكر أنه ينتقل إلى الصوم إذا وجد الثمن في يوم النفر ، وعلى هذا الأساس اتضح أن الذبح لا يمتد إلى آخر إلى ذي الحجّة وإنما ينتهي بانتهاء يوم النفر - أعني اليوم الثاني عشر - هذا ما ينبغي الالتفات إليه.
 ثم إنه جاء في ذيل المسألة ما نصّه:- ( وأما إذا تركه عالماً عامداً فطاف فالظاهر بطلان طوافه ويجب عليه أن يعيده بعد تدارك الذبح ) وهاهنا تعليقان:-
 التعليق الأول:- قد يظهر من العبارة أن إعادة طواف الحج في حق من ترك الذبح متعمداً هو لأجل ترتب الطواف على الذبح فإن العبارة قد توحي بهذا هنا ، وأوضح من ذلك عبارته السابقة التي تقدمت في بداية الكلام عن الذبح حيث ذكر هناك - أي في حق من لم يتمكن من الذبح في اليوم العاشر ولكن يتمكن أن يذبح في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر - أنه يقدِّم الحلق ويؤخّر الذبح ثم قال:- ( وأخّر ذبحه أو نحره وما يترتب عليهما من طواف والصلاة والسعي ) ، إن هذه العبارة أوضح دلالة على ترتّب الطواف والسعي على الذبح.
 وقد علقنا هناك ونعلّق هنا أيضاً ونقول:- إن الطواف مترتّب على الحلق وليس مترتباً على الذبح وذلك لعدّة روايات دلت على ترتب الطواف على الحلق وقرأنا هناك مجموعة من الروايات منها صحيحة جميل:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) . إذن الطواف مترتّب على الحلق . نعم بما أن الحلق مترتّب على الذبح فعلى هذا الأساس من قدّم الذبح لا لعذرٍ - كما في مقامنا فإنه ترك الذبح وأتى بالطواف - فحينئذ يقع الطواف باطلاً لا من باب شرطية ترتّبه ووقوعه بعد الذبح بل من باب أن الحلق سوف يقع باطلاً فإذا وقع باطلاً يقع حينئذ الطواف باطلاً فوقوع الطواف باطلاً من باب بطلان الحلق وليس من باب عدم الإتيان بالذبح وقد دلت بعض الروايات على أن الحلق مترتّب على الذبح ولعل أوضحها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا اشتريت أضحيتك وقمطتها [8] في جانب رحلك - وصارت في جانب رحلك - فقد بلغ الهدي محلّه فإن أحببت أن تحلق فأحلق ) [9] فإنه يمكن أن يستفاد منها ترتّب الحلق على الهدي إما على الذبح وإما على شرائه . وعلى هذا الأساس تكون إعادة الطواف ليس لأجل عدم الإتيان بالذبح بل لأجل عدم الإتيان بالحلق الصحيح.
 التعليق الثاني:- إنه ذكر ( ويجب عليه أن يعيده بعد تدارك الذبح ) ولم يذكر ( والحلق ) أوليس المناسب أن يقول ( بعد تدارك الذبح والحلق ) ؟ إن المناسب ذكر هذه العبارة أعني كلمة ( والحلق ) - فإنه إن فرض أنه قد أتى بالحلق سابقاً - يعني قبل الذبح - فهذا الحلق سوف يقع باطلاً لأنه يلزم كما قرأنا في صحيحة أبي بصير الأخيرة أن صحّة الحلق مشروطة بالذبح فإذا فرض أنه ترك الذبح عامداً فالحلق الذي أتى به يكون باطلاً فيلزم أن يتداركه - أي يتدارك الاثنين معاً فيتدارك الذبح ويأتي بعد ذلك بالحلق ثم يأتي بالطواف - وإذا فرضنا أنه لم يأتِ به سابقاً فحينئذ يلزم أن يأتي به أيضاً بعد الذبح - يعني يؤكد على ذلك - فإنه يلزم في صحة الطواف الحلق لا الذبح وحده بينما العبارة توحي بأنه يتدارك الذبح فإذا تدارك الذبح فحينئذ يأتي بالطواف والحال أنه يتدارك الذبح والحلق سواء أتى به سابقاً أم لم يأتِ به فعلى كلا التقديرين لابد أن يأتي بالحلق وبعد ذلك يأتي بالطواف.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص92، ب6 من الذبح، ح2، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص92، ب6 من الذبح، ح1، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص93، ب6 من الذبح، ح5، آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص93 ب6 من الذبح، ح6، آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص94، ب6 من الذبح، ح7، آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص177، ب44 من ابوب الذبح، ح3، آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص176، ب44 من ابوب الذبح، ح1، آل البيت.
[8] أي شددتها بالحبل إلى جانب رحلك فالقماط هو الحبل الذي يشد به ومنه قماط الرضيع.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص157، ب39 من أبواب الذبح، ح7، آل البيت.