39/06/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 48 ) هل يجوز استعمال ألفاظ البيع في الشراء وبالعكس أو لا - المكاسب المحرّمة.

وتقريب الدلالة:- هي أنَّ الرجل قال للنبي صلى الله عليه وآله ( زوجنيها ) والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال زوجتكها فعلى هذا الأساس صدر طلب منها حيث قالت ( زوجني ) وصدر بعد ذلك الايجاب من النبي صلى الله عليه وآله.

ولعلَّ هذه الرواية وردت بنصّ ألفاظها أيضاً عن غير محمد بن مسلم ، فقد نقلها المستدرك عن عوالي اللآلي عن سهل الساعدي[1] حيث قال:- ( روى سهل الساعدي أنَّ النبي جاءت إليه امرأة .... ) ، فهي إذن مرسلة.

وتوجد رواية ثانية قد تدل على جواز تقديم القبول بصيغة الاستدعاء وهي:- وقد نقلها الشيخ الكليني بطريقين الأول ( الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب ) ، والثاني ( وعن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن اسماعيل بن مهران ومحمد بن مسلم عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب ) والمشكلة موجودة في كلا الطريقين حيث أنَّ إبراهيم بن الفضل لم يذكر بتوثيق ، نصّ الرواية هو:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها ؟ قال: تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيّه لا وارث ولا موروث كذا وكذا يوماً وإن شئت كذا وكذا سنة بكذا وكذا درهماً وتسمّ من الأجر ما تراضيتما عليه قليلاً كان أو كثيراً فإذا قالت نعم فقد رضيت هي امراتك وأنت أولى الناس بها )[2] ، فإذن الرجل قال ( أتزوجك ) وهي قالت بعد ذلك ( نعم ) ، فحينئذٍ هذا يكفي تقدّم القبول وتأخر الايجاب بصيغة ( نعم ).

إنه قد يستدل بهاتين الروايتين على أنه يكفي في تحقق العقد الاستدعاء ولا يحتاج إلى تكرار القبول من جديد.ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنَّ مورد هاتين الروايتين هو باب النكاح ولعله يتساهل فيه ما لا يتساهل في غيره ، باعتبار أنَّ الايجاب يكون من المرأة وهي قد تخجل فيتساهل حينئذٍ فيه ، فإذا طلب الرجل الزواج يكفي أن تقول هي في الايجاب ( نعم ) أو ما شاكل ذلك ، فإنه يمكن افتراض التساهل في باب النكاح لنكتة خاصة فيه إما حياء المرأة أو غير ذلك والجزم بعدم الفرق بين عقد النكاح وبين سائر العقود أمر مشكل.

إذن التعدّي محلّ تأمل فلا يثبت المطلوب بل أقصى ما يثبت هو جوازه في باب النكاح لا أكثر.

ثانياً:- إنَّ هذه الرواية يمكن أن نفترض فيها أنَّ القبول قد حصل بعد ذلك ، يعني في الرواية الأولى الرجل قال زوجني يا رسول الله والنبي قال له زوجتكها فهنا الرواية لم تنقل أنَّ هذا الرجل قال بعد ذلك ( قبلت ) ، ولعلّها لم تنقل ذلك لأنه لا يهمها وهي ليست بصدد البيان من هذه الناحية ، فإنها في صدد بيان أن تكون المهور قليلة وأنَّ الزواج لابد وأن يكون مبنياً على اليسر دون العسر والسهولة دون الصعوبة أما أنَّ الرجل بعدما قال النبي صلى الله عليه وآله زوجتكها قال قبلت أو لم يقل فهي ليست في صدد البيان من ناحيته ، فلا حاجة إلى تنقل لنا ذلك ، يعني سكوت الروية لا يمكن أن نفهم منه أنَّ تكرار القبول ليس بلازم ، فلعله لازم ولكن الرواية لم تنقل ذلك لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية.

ثالثاً:- يمكن أن نفترض الايجاب يتحقق من الرجل ولا يلزم أن يكون من المرأة ، فباب النكاح له خصوصية ، والمركوز في أذهاننا أنَّ الايجاب يكون من المرأة ، ولكن نقول فليكن الايجاب من الرجل أيضاً ، وعلى هذا الأساس لا يكون المورد من باب تقدّم القبول بصيغة الاستدعاء ، بل الذي تقدّم هو الايجاب دون القبول بصيغة الاستدعاء ، فلاحظ الرواية الثانية فإنَّ الأمر فيها واضح ، فإنَّ التعبير الوارد فيها ( تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله ) فهذا نفترضه ايجاباً من طرف الرجل ويكفي في باب النكاح الايجاب من طرف الرجل وبعد ذلك تقول المرأة ( نعم ) ، و( نعم ) يعدّ قبولاً ولا يعدّ ايجاباً ، والرواية الأولى يمكن أن يفترض فيها ذلك أيضاً ، فإنَّ قول الرجل ( زوجنيها يا رسول الله ) يمكن أن نفترضه ايجاباً لا بمثابة القبول ثم بعد ذلك صدر من النبي صلى الله عليه وآله ( زوجتكها ) يكون قبولاً.

فإذن الروايتان يمكن أن تكونان من باب تقدم الايجاب على القبول كما هو مقتضى القاعدة وليس من باب تقدم القبول بلسان الاستدعاء.

رابعاً:- يمكن أن نفترض أنَّ النبي صلى الله عليه وآله كان وكيلاً عن كلا الطرفين ، فهي قالت له زوجني وهذا معناه بالدلالة الإلتزامية أني وكلّتك في تزويجي ، والرجل قال أنا أتزوجها وهذا في دلالة على أنك زوجنيها وهو يتضمن الوكالة ، فإذن كان النبي صلى الله عليه وآله وكيلاً من كلا الطرفين وهو قال ( زوجتكها ) ، فهو وكيل والوكيل عن كلا الطرفين يكفي في أن يقول هذا المقدار بلا حاجة أن يقول مع نفسه ثانيةً ( قبلت ) ، فهذا ليس من باب تقدم القبول بلسان الاستدعاء وإنما هو على مقتضى القاعدة.

فإذن يمكن أن يقال إنَّ الرواية أجنبية عن المقام.

خامساً:- يحتمل أنَّ هذه الرواية ناظرة إلى مسألة ولاية المعصوم عليه السلام حيث إنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم سواء قالت المرأة زوجني وسواء قال الرجل زوجني أم لم يقولا ، بل المعصوم له الولاية على ذلك فإنَّ ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ ، فنحملها على هذا ، فالنبي صلى الله عليه وآله من باب الولاية أعمل ولايته وقال للرجل ( زوجتكها ) ، وعليه فلا يحتاج إلى قبول ، لأنه لو احتاج إلى قبول فهذا معناه أنه ليس له الولاية على كلا الطرفين ، وهكذا قد يكون هذا في الطلاق بأن يقول زوجتك طالق ، وكذا وقال بعت دارك فهذا أيضاً ثابت للنبي صلى الله عليه وآله فهنا في الزواج كذلك.

ولعله بالتأمل يمكن تحصيل أجوبة أخرى على هاتين الروايتين.إذن التمسّك بهاتين الروايتين لإثبات جواز تقدم القبول بلفظ الاستدعاء في كل عقد لا في النكاح أمر مشكل ، وعلى هذا الأساس لابد وأن نتمسّك بالقاعدة وهي تقتضي كفاية ذلك فيما إذا دل هذا الاستدعاء على الرضا والقبول بحسب الفهم العرفي فيكفي حينئذٍ فيشمله ما دل على صحة كل عقد.هذا وربما يقال بعدم كفاية ذلك لأمرين يرجعان من حيث الروح إلى أمرٍ واحد:-

الأوّل:- إنَّ هذا استدعاء ، يعني حينما يقول الشخص ( بعني ) فقد يقال إنَّ هذا مجرّد استدعاء وليس قبولاً ورضاً وهو لا يدل على القبول فلا يكفينا ، إنما المعتبر في باب القبول هو القبول والرضا وهذا لا يدل على القبول والرضا لأنه مجرّد استدعاء وطلب ورجاء لا أكثر من ذلك.

وجوابه واضح:- فإننا نقول بكفاية ذلك فيما إذا فهم عرفاً الرضا لا مجرّد الاستدعاء ، كما إذا فرض أنه كأن يرجوه ويقبّله تارةً يمنة وأخرى يسرة فهذا فيه دلالة كبيرة على أنه ممتنٌّ عليه إذا أصدر الايجاب فدلالته على الرضا تكون واضحة ، فكلامنا فيما إذا دلّ على الرضا لا على مجرّد الاستدعاء ، نعم أحياناً قد يقول الإنسان لغيره ( بعني ) بمجرّد الاستدعاء لا من باب القبول والرضا ولكن هذا خارج عن محل كلامنا ، إنما محل كلامنا فيما إذا فهم عرفاً الرضا والقبول.

الثاني:- يحتمل أن يكون المقصود من ( بعني ) ليس أني راضٍ بالبيع وإنما المقصود من ذلك هو أنه اجرِ الايجاب حتى أقول بعد ذلك ( قبلت ) ، فقوله ( بعني ) يعني تعال لنحقّق البيع بأن تقول أنت ( بعتُ ) وأنا بعد ذلك أقول ( قبلتُ ) ، فإذن هو لا يدل على الرضا والقبول الفعلي بالبيع أو غيره من العقود.

والجواب هو الجواب:- فنحن نفترض أنه فيه دلالة عرفية على الرضا ففي هذه الحالة نحن نقول هو يكفي ، وأما إذا كان هناك اجمال عرفي من هذ الناحية فلا نقول بالكفاية كما هو واضح.

والخلاصة:- إنه قد يستدل بوجوه ثلاثة على عدم كفاية الاستدعاء وقد تم مناقشتها جميعاً.

وأما الدليل على الكفاية:- فهو ليس الروايتين لما تقدم من المناقشة ، وإنما المستند هو أنه عرفاً لو دل على الرضا كفى ذلك ، وفي بعض الأحيان يدل على الرضا الفعلي ، فحينئذٍ لا موجب للتوقف في صحة العقد.

إذن نحن لا نحكم بالكفاية مطلقاً بل فيما إذا دلّ عرفاً على الرضا الفعلي . هذا كلّه بالنسبة إلى تقديم القبول لكن بصيغة الاستدعاء والطلب.