34-06-11


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 378 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 استدراكات:-
 الاستدراك الأول:- ذكرنا في جواب السؤال الأول أنه يوجد وجهان لإثبات عدم اعتبار الجزم بأنه لم يرمِ بالحصاة ويكفي احتمال أنها بكر ، والآن نريد أن نذكر وجهاً ثالثاً وهو أنه قد جوّزت بعض الروايات الرمي بحصى الحرم - نعم الأفضل أن يكون من المشعر الحرام - من قبيل صحيحة زرارة المتقدّمة ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك ) ، وعلى منوالها موثقة حنّان ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف ) ، إن هاتين الروايتين وما شاكلهما قد جوزتا الأخذ والرمي بحصى الحرم فلو كان يلزم الجزم بأن الحصاة لم يُرمَ بها للزم من ذلك لغويّة التشريع المذكور وعدم تحقق مصداق له ولو تقريباً لا تحقيقاً باعتبار أن كل حصاة نأخذها من الحرم يوجد فيها احتمال أنه قد رمي بها إلا مقداراً نادراً والطابع العام الذي يقع في طريق الحاج ويأخذه للرمي من الحرم هو عادة يحتمل فيه أنه قد رُمي به فلو كان يعتبر الجزم للزم تعذر الرمي بالحصيات المذكورة وبالتالي يبقى التشريع المذكور بلا مصداقٍ أو بحكم عدم المصداقٍ له . وهذا ليس تمسكاً بالإطلاق - يعني لا نريد أن نقول إن مقتضى إطلاق هذه النصوص أنه يجوز الأخذ سواءً جزمت أنه لم يُرمَ بالحصاة أم لم تجزم - حتى يقتال مثلاً إن المخصّص مادام قد دلَّ على أنه لا يجوز الرمي إلا بالبكر فإطلاق المخصّص مقدّم على إطلاق العام وإنما نريد التمسك بلغويّة التشريع يعني أن هذا التشريع وجواز الأخذ من حصى الحرم يلزم أن يكون بلا مصداق أو ما بحكم ذلك . وعلى هذا الأساس نستنتج أن الجزم ليس بمعتبرٍ بل يكفي الاحتمال ، وبهذا تصير عندنا ثلاثة وجوه لعدم اعتبار الجزم بكون الحصاة بكراً ويكفي احتمال أنه لم يُرمَ بها.
 الاستدراك الثاني:- ذكرنا فيما سبق [1] أنه يمكن التمسك بالاستصحاب لإثبات أن الحصاة لم يرم بها والذي هو عبارة عن استصحاب العدم النعتي بالبيان المتقدم.
 وقد يقول قائل:- إن هذا الاستصحاب لا يمكن الأخذ به وذلك باعتبار وجود العلم الإجمالي إذ المكلف يعلم بأن بعض الحصى الموجود هو قد رمي به جزما ً ومعه لا يمكن التمسك بالاستصحاب في أطرافه التي هي عبارة عن كل حصاةٍ حصاة فإن كل حصاة هي طرف من أطراف هذا العلم الإجمالي فيتعذّر إجراء هذا الاستصحاب لأجل وجود هذا العلم الإجمالي . إذن هذا الاستصحاب وجيهٌ لو لم يكن هذا العلم الإجمالي ثابتاً أما بعد وجوده فيتعذر التمسك بالاستصحاب المذكور.
 وفيه:- إن الحصى الموجود عند الجمرات أو ما يقرب من ذلك المكان إما أن ندخله في الحساب ونأخذه بعين الاعتبار أو أن نقطع النظر عنه ، فإن قطعنا النظر عنه فلا نسلّم ثبوت العلم الإجمالي فإن الحصى الموجود في منى أو في الحرم والذي لا يكون قريباً من الجمرات الثلاث لا نعلم بأن بعضه قد رمي به بل ذلك مجرد احتمال ، وإذا فرض أنا أدخلنا هذا المقدار في الحساب فنقول آنذاك إن المورد يصير مصداقاً للعلم الإجمالي الكبير والصغير وقد قرأنا في علم الأصول أنه لو كان لدينا علمان كبير وصغر وكان الصغير جزءاً من الكبير والمعلوم في الكبير لا يزيد على المعلوم في الصغير فينحلّ الكبير بالصغير كما هو الحال بالنسبة إلى الأحاديث فإنا نعلم بأن بعضها الموجودة في مصادر الحديث على كثرتها الكاثرة هو جزماً صادر من الأئمة عليهم السلام إذ لا يحتمل أن هذا الكم الهائل كاذبٌ بأجمعه ولم يصدر منهم شيء من قبيل مائة حديث مثلاً [2] فبالتالي يُعلَم بصدور مائة حديث مثلاً في هذا العلم الإجمالي الكبير.
 ثم نقول:- لو أخذنا أحاديث الكتب الأربعة بخصوصها فيمكن أن نقول نحن نعلم بوجود مائة حديث صادر من أهل البيت عليهم السلام . إن لازم هذا انحلال ذلك العلم الكبير بهذا العلم الصغير فنشير إلى دائرة أحاديث الكتب الأربعة ونقول هي نعلم فيها إجمالاً بصدور مائة حديث وبالتالي لا نعلم بصدور أحاديث أخرى بما زاد عن الدائرة المذكورة فيحصل انحلال ، ومقامنا من هذا القبيل فإنه لو أدخلنا الحصى الموجود في ساحة الجمار أو ما يقرب منها نسلّم بأنه يحصل علم أجمالي ولكن ينحل ذلك العلم الإجمالي الكبير إلى هذا العلم الصغير فنشير إلى الحصى الموجود في ساحة الجمار ونقول إن بعض هذا الحصى قد رمي به جزماً والعدد الذي نعلم به ليس بأقل من المعلوم بالعلم الإجمالي الكبير فينحل حينئذ ذلك الكبير بالصغير.
 ولو قلت:- لماذا نفرز هاتين الساحتين - أي ساحة الجمار عن غيرها مما كان بعيداً عنها - حتى تقول في الحصى القريب من الخيام التي يسكن فيها الحجيج أنه لا يوجد فيها علم إجمالي ؟
 قلت:- إن واقع المطلب يفرض علينا ذلك إذ المورد من العلم الإجمالي الكبير والصغير فينحلّ الكبير بسبب الصغر وبالتالي لا يوجد علم إجمالي في تلك الدائرة البعيدة ، وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 الاستدراك الثالث:- ذكرنا في جواب السؤال الثاني والثالث أنه يوجد لدينا عام يجوّز الرمي بكل حصاة وقد خرج منه بالمخصص عنوان يدور أمره بين السعة والضيق وفيما زاد على القدر المتيقن نتمسك بالعموم أو بالإطلاق.
 وقد يشكل ويقال:- إن هذا خلف ما انتهينا إليه سابقاً فإنا ذكرنا أنه لا يوجد دليل لفظي يدلّ على وجوب رمي جمرة العقبة حتى نتمسك بإطلاقه أو بعمومه إذ قد ذكرنا مجموعةً من المستندات وناقشنا في الجميع ثم ذكرنا بعد ذلك المستند الأخير وقلنا إن سيرة المسلمين قد جرت على رمي جمرة العقبة بنحو اللزوم وهذه تكشف عن الوجوب الشرعي ، أما كيف نثبت أن سيرتهم قد جرت على ذلك بنحو اللزوم ؟ إنه قد أشرنا إلى ذلك فيما سبق وكان مستندنا هو هذا ولم يكن العموم ، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بالعموم بعد دوران أمر المخصّص بين السعة والضيق لعدم وجدود عمومٍ في محل كلامنا حسب الفرض.
 وفي الجواب قد يقال:- صحيح أنه لا يوجد عموم لكن إذا لم يوجد عموم فنرجع آنذاك إلى أصل البراءة وتعود النتيجة كما هي غايته أنه لا يكون ذلك من باب التمسك بعموم العام بعد تعذر التمسك بالمخصّص بل يكون من موارد التمسك بالبراءة فتعود النتيجة كما هي دون اختلاف.
 وهو وجيه ولكن يمكن أن يجاب شكل آخر بحيث نتصور وجود العموم في مقامنا وذلك بأن يقال:- صحيح إنه لا يوجد دليل لفظي يدلُّ على وجوب رمي جمرة العقبة والوجوب قد ثبت بدليل السيرة بالبيان المتقدّم ولكن يوجد دليل يدلُّ على صفات الحصاة من قبيل موثقة حنّان المتقدّمة حيث قال:- ( يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم ) فإن هذا لم يدلّ على وجوب الرمي ولكنه دلَّ على جواز أخذ الحصاة من جميع الحرم ، فإذا ثبت هذا كان ذلك بمثابة العام وقد خرج منه بالمخصّص الحصاة التي قد رُمِي بها فإذا فرض أنه تردّد أمر هذا المخصّص بين السعة والضيق نعود إلى هذا العموم الذي دلّ على جواز أخذ الحصاة من جميع منطقة الحرم لا أن نرجع إلى دليل وجوب رمي جمرة العقبة فإنه لا يلزم في ذلك العام أن يكون هو دليل وجوب رمي جمرة العقبة كلا بل يكفينا في ذلك العموم أن يكون من هذا القبيل - يعني أنه يدل على جواز الرمي بكل حصاةٍ من حصيات الحرم - فيكفينا هذا للتمسك به . إذن يوجد لدينا عموم غايته هو عموم يدلّ على جواز الرمي بكل حصاة لا عموم يدلّ على وجوب رمي جمرة العقبة ويكفينا مثل هذا العموم.
 وإذا قلت:- إن هذا يحتمل اختصاصه ببقية الجمرات ولا يعمّ جمرة العقبة.
 فجوابه واضح:- وهو أنا نضمّ إلى ذلك عدم احتمال التفصيل من هذه الناحية ، فإنه بالنسبة إلى بقيّة الجمار إذا جاز أخذ الحصيات من مطلق ساحة الحرم جاز ذلك بالنسبة إلى جمرة العقبة ، فهذا العموم إذن بضمّ عدم الفصل يُثبِت لنا حتى بالنسبة إلى جمرة العقبة أنه يجوز أخذ الحصاة من أي جزءٍ من أجزاء الحرم وبذلك يثبت المطلوب.


[1] أي في جواب السؤال الأول.
[2] ومن باب المناسبة والكلام يجر الكلام وهي نكتة علمية:- هو انه قد يقول قائل:- انا لا استطيع أن أقول إنا نعلم بصدور مائة حديث أو اقل أو أكثر في هذه الدائر ة الوسيعة فبالتالي لا يمكن التحديد . وجوابه واضح:- فأنه بالتالي يوجد عدد يمكن أن نجزم بأنه ثابت وإلا فلا يعقل ثبوت علم إجمالي بلا معلوم فإنه يمكن أن نجزم بوجود حديثان أو حديثاً واحداً وإلا فلا يوجد علم إجمالي بل لابد من وجود رقم نجزم بثبوته فهذا هو الذي يصير المعلوم بالإجمال ، وهذه قضية واضحة.