34-05-27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما صحيحة معاوية التي كانت تقول:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها ) فهذا أخص من المدعى إذ غاية ما تدل عليه هو أن وقوع الحصاة على المحمل أوفيه لا يجزي والمحمل عادة يكون بعيداً عن الجمرة وكلامنا هو فيما إذا فرض أن الشخص رمى الجمرة فوصلت إليها ولكن وقعت في مجمع الحصى دون أن تصيب الجمرة لا أنها وقعت في مكان بعيد عنها بل هي وقعت عندها وبالقرب منها ولكن من دون إصابتها إن هذا هل يجزي أو لا ؟ والصحيحة المذكورة لا تدل على عدم إجزاء مثل هذا واحتمال التفصيل والخصوصية موجود إذ هناك فرق بين أن تصيب الحصاة مكاناً قريباً من الجمرة - وهو مجمع الحصى مثلاً - وبين أن تصيب شيئاً آخر ليس قريباً كالمحمل وعدم إجزاءِ إصابة المحمل لا يلازم عدم إجزاءِ الآخر.
 إن قلت:- لنتمسك بالإطلاق بأن نقول إن مقتضى إطلاق كلام الإمام أو عدم استفصاله بين كون المحمل بعيداً عن الجمرة وبين كونه عندها يدل على عدم الفرق من هذه الناحية فيثبت بذلك المطلوب بنحو تام.
 قلت:- إن المحمل لا يكون عند الجمرة عادةً فإن الذي يكون عندها هو الحصى وإلا فالمحمل عادةً يكون إما متقدماً أو متأخراً أو على أحد الجانبين لا عندها ولا أقل هو خلاف الحالة الغالبة فالتمسك بالإطلاق من هذه الناحية شيء مشكل.
 وعليه فتمام الوجوه الثلاثة المذكورة لإثبات اعتبار إصابة الجمرة شيء قابل للتأمل.
 والأجدر التمسك بالبيان المتقدم بأن يقال:- إن المسألة عامّة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً والمفروض أن العلماء لم يقع خلافٌ بينهم في اعتبار الإصابة ومعه فلا يحتمل أن يكون ذلك الحكم الواضح هو عدم اعتبار الإصابة ولكن رغم ذلك لا يقع خلاف بين الفقهاء في اعتبار الإصابة - يعني أنهم أخذوا بغير الحكم الواضح وصاروا إلى غير الواضح - إن هذا شيء ضعيف بحساب الاحتمال ويحصل الاطمئنان بأن ذلك الحكم الواضح هو ما صار إليه الفقهاء.
 قال(قده):-
 5- أن يكون وصولها إلى الجمرة بسبب الرمي فلا يجزي وضعها عليها . والظاهر جواز الاجتزاء بما إذا رمى فلاقت الحصاة في طريقها شيئاً ثم أصابت الجمرة ، نعم إذا كان ما لاقته الحصاة صلباً فطفرت منه فأصابت الجمرة لم يجزئ ذلك.
 ..........................................................................................................
 إن الشرط المذكور يشتمل على شرطين وليس على واحدٍ:-
 الشرط الأول:- صدق عنوان الرمي فلا يكفي وضع الحصاة على الجمرة من دون قوّة في قذفها ، وقد أشار إلى ذلك بقوله:- ( أن يكون وصولها إلى الجمرة بسبب الرمي فر يجزئ وضعها عليها ) .
 الشرط الثاني:- لا يلزم عند مرور الحصاة ورميها أن لا تصيب جسماً بل حتى لو أصابت جسماً في الوسط ولكن تلك الاصابة لم تساعد الحصاة على إصابة الجمرة بل هي مجرد إصابة لهذا الجسم من دون تأثير في البين ثم أصابت الجمرة فإنه بذلك يكون الرمي صحيحاً . نعم إذا كان ذلك الجسم جسماً صلباً بحيث يعطي قوّة للحصاة على الدفع أكثر والوصول إلى الجمرة بحيث لولا ذلك لم تصل إلى الجمرة فمثله لا يجزي.
 أما بالنسبة إلى الشرط الأول( أعني صدق عنوان الرمي ):- فقد يستدل له بأن المأخوذ في الروايات هو ذلك - أعني عنوان الرمي - فلاحظ صحيحة معاوية حيث ورد فيها ( خذ حصى الجمار ثم اات الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ... ) إنه عليه السلام أمر برمي الجمرة فيكون عنوان الرمي معتبراً ، ومورد الصحيحة وإن كان خاصاً بجمرة العقبة إلا أنه حيث لا نحتمل الخصوصية من هذه الناحية والفرق بينها وبين بقيّة الجمرات فيثبت بذلك المطلوب وهو شيء وجيه.
 بيد أنه توجد مشكلة بناءً على استفادة الإلزام من الوضع لا من حكم العقل حيث أن الرواية اشتملت على بعض المستحبات والاقتران بالمستحبات يزعزع ظهور الرواية في لزوم الخصوصيات المذكورة فيها.
 والأجدر التمسك بمثل صحيحة معاوية وعبد الرحمن بن الحجاج جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( الكسير والمبطون يرمى عنهما ، قال:- والصبيان يرمى عنهم ) [1] فإن هذه الرواية ليست مقترنةً بمستحبّات بل هي قالت ابتداء ( الكسير والمبطون يرمى عنهما ) فإنه قد أخذ عنوان الرمي فيثبت بذلك المطلوب.
 وأما ما ذكر في الشرط الثاني:- فهو واضح بالنسبة إلى الشقّ الأول منه - أعني ما إذا كان ذلك الجسم لا يؤثر على سرعة وصول الحصاة إلى الجمرة - والوجه في ذلك واضح فإن المطلوب هو عنوان الرمي وقد تحقّق وأما أنه لا يتخلل في البين إصابة شيءٍ ولو كان لا يؤثر فلا دليل على أنه قادحٌ فينفى بالإطلاق إن كان يوجد إطلاق لفظي أو بأصل البراءة إن فرض أن الروايات لم تكن في مقام البيان من هذه الناحية ولا اطلاق فيها بأن نقول إن ذمتنا قد اشتغلت جزماً بالحج المقيّد بالرمي وأما المقيّد بكون الرمي من غير إصابة جسمٍ في البين فمشكوكٌ فينفى بالبراءة ، وعليه فمن هذه الناحية لا مشكلة.
 وإنما الكلام بالنسبة إلى الشق الثاني - يعني إذا فرض أن ذلك الجسم كان يؤثر على وصول الحصاة إلى الجمرة - فقد وقع محلّاً للخلاف بين الأعلام ، ولعل المحقق في الشرائع يشير إلى ذلك حيث قال:- ( ولو قصرت فتمّمها حركةً غيره من حيوان أو انسان لم يجز ) فإن المقصود من هذه العبارة قد يشمل ما أشرنا إليه فإن المصداق الواضح لهذه العبارة هو أن نفترض أن إنساناً آخر في الوسط يساعد وصول الحصاة إلى الجمرة من خلال دفعها بيده مثلاً والمصداق الآخر لعله ما نحن فيه - يعني أن تصيب جداراً صلباً فيساعدها على الوصول - وعلى أي حال يحتمل ذلك والأمر سهل ولا يهمنا ذلك.
 ولكن ذكرنا أن هذه الحالة هي محلّ خلاف بين الفقهاء فذهب صاحب الجواهر(قده) إلى الإجزاء حيث قال:- ( وكذا إن أصابت شيئاً صلباً فوقعت بإصابته على الجمرة للصدق [2] بعد أن كالنت الاصابة على كل حال بفعله قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية " وإن أصابت انساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك " ) [3] فهو قد اختار الإجزاء باعتبار أنه يصدق بذلك رمي الجمرة ، وذهب آخرون كالشيخ النائيني ومنهم السيد الماتن إلى عدم الإجزاء باعتبار أنها بالتالي لم يصب بسبب الرمي وحده بل بمجموع شيئين أحدهما الرمي والآخر صلابة الجدار ، قال الشيخ النائيني(قده):- ( نعم لو لاقت الحصاة شيئاً مرّت عليه فأصابت الجمرة فلا بأس إلا إذا كان صلباً فطفرت الحصاة منه وأصابت الجمرة ) [4] ، واختار السيد الماتن ذلك أيضاً ووجهه أنه لا تنسب الإصابة إلى الرمي وحده بل إلى الرمي وشيءٍ آخر.
 والمناسب أن يقال بالإجزاء:- إما ببيان أن ما دلّ على اعتبار الرمي والإصابة ليس فيه دلالة على أن الاصابة يلزم أن تكون بسبب الرمي وحده فنتمسك بإطلاقه فإنه يشمل مثل هذه الحالة أيضاً فإنه بالتالي قد رمى المكلف المذكور وتحققت الإصابة والرواية لم تقيّد بما إذا كان سبب الإصابة هو الرمي وحده فنتمسك بالإطلاق ، فإن تمّ هذا فهو المطلوب وأما إذا فرض أن الروايات كانت قاصرةً ولم تكن في مقام البيان من هذه الناحية كفانا التمسك بأصل البراءة حيث نقول إننا نشك باشتغال ذمتنا بالحج مع الرمي المقيّد بأن يكون وصول الجمرة بسببه فقط فنرفعه بأصل البراءة ، وعلى هذا الأساس يكفي الرمي في مثل الحالة المذكورة.


[1] الوسائل، ج14 ص74 ب17 من أبواب رمي جمرة العقبة ح1.
[2] أي أنه يجزي لصدق أنه رمى.
[3] الجواهر، ج19 ص105.
[4] دليل الناسك، ص363.