36/07/21


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل المفطرات المذكورة كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة.....)
المقام الثاني: في تعميم الحكم (وجوب الكفارة) لجميع المفطرات أو اختصاصه ببعضها.
الرأي الاول: ما ذهب إليه السيد الماتن حيث عمم الحكم لجميع المفطرات,
الرأي الثاني: وهو اختصاص وجوب الكفارة ببعض اقسام المفطرات والمتيقن منها الاكل والشرب والجماع والبقاء على الجنابة وامثال ذلك, أما اذا احتقن عمداً بالمائع مثلاً فلا تجب عليه الكفارة.
وثمرة النزاع لا تظهر في المفطرات التي نصت الادلة على ترتب الكفارة عليها كما في الاستمناء[1] والجماع[2] والبقاء على الجنابة[3] والاكل والشرب, فهي ليست محلاً للنقاش وإنما النقاش في غير هذه الموارد.
وقد استدل على التعميم لجميع المفطرات بأن هناك روايات معتبرة وصحيحة مفادها أن من افطر يوماً في شهر رمضان فعليه كفارة وذلك من قبيل صحيحة عبدالله بن سنان (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر، قال : يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فان لم يقدر تصدق بما يطيق)[4].
حيث قالوا أن المستفاد من الرواية أن وجوب الكفارة يترتب على من (أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر) وعليه فكل واحد من المفطرات المتقدمة اذا ثبت كونه مفطراً يكون داخلاً في هذه الرواية وتدل الرواية على ترتب الكفارة على من ارتكبه من دون عذر.
ويمكن ادخال رواية المشرقي المتقدمة حيث يوجد فيها عنوان (من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم).
وبناءً على هذه الروايات يكون موضوع الكفارة هو الافطار العمدي وهو يُحتمل أن يتحقق في جميع المفطرات المتقدمة التي ثبت وجوب القضاء فيها والتي نهى عنها الشارع وهذا هو الرأي الاول, وهناك رأي آخر يقول اننا نحتاج إلى اثبات كون هذا الفعل (كالارتماس والاحتقان بالمائع مثلا) مفطراً.
وهناك طريقان لأثبات كون الارتماس أو الاحتقان بالمائع مثلاً مفطراً:
الطريق الاول: العمل بأطلاق النصوص عنوانَ الافطار على أي فعل فإذا وجدنا النصوص تطلق عنوان الافطار على القيء مثلاً فهذا يعني أنه تجب الكفارة فيه, لأن ضم هذا الكلام إلى صحيحة عبدالله بن سنان ينتج ذلك (ترتب الكفارة على القيء عمداً).
وذلك لأن هذه الروايات تقول (افطر) أي أن عنوان الافطار يتحقق بالقيء عمداً, وصحيحة عبدالله بن سنان تقول من افطر متعمداً فعليه الكفارة.
وهذا الطريق صحيح لكنه لا يثبت في جميع المفطرات وإنما يثبت في بعضها كالكذب على الله ورسوله حيث وردت فيه روايات صحيحة معتبرة تقول (افطر):
رواية سماعة (قال : سألته عن رجل كذب في رمضان ؟ فقال : قد افطر وعليه قضاؤه، فقلت : فما كذبته ؟ قال : يكذب على الله وعلى رسوله )[5]
ورواية أبي بصير (قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم، قال : قلت : هلكنا ! قال : ليس حيث تذهب، إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الائمة ( عليهم السلام ) .)[6]
ورواية سماعة (قال : سألته عن رجل كذب في شهر رمضان ؟ فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم، يقضي صومه ووضوئه إذا تعمد )[7]
ورواية أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) إن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الائمة ( عليهم السلام ) يفطر الصائم .)[8]
ومن هذه الروايات يتضح أن الكذب على الله ورسوله يفطر فيدخل في موضوع صحيحة عبدالله بن سنان فتترتب عليه الكفارة.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى القيء:
صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا تقيأ الصائم فقد أفطر، وأن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه .)[9]
وموثقة سماعة (قال : سألته عن القيء في رمضان ؟ فقال : إن كان شيء يبدره فلا بأس، وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء . . الحديث)[10]
ورواية مسعدة بن صدقة(عن أبي عبدالله، عن أبيه ( عليهما السلام ) أنه قال : من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الاعادة، فان شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، وقال : من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء)[11]
فتدل الروايات على تحقق الافطار في القيء وبهذا يتنقح موضوع وجوب الكفارة في صحيحة عبدالله بن سنان.
وهناك ما يمكن الاستفادة من مفهومها وهي:
صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر ؟ قال : لا يفطر، إنما هو شيء رزقه الله فليتم صومه .)[12]
فالذي يفهم منها أنه اذا اكل وشرب من غير أن يكون ناسياً يكون مفطراً ومنه يثبت بأن الاكل والشرب استعملت الروايات فيه عنوان الافطار.
وهناك رواية لم تتم سنداً وهي رواية سليمان بن جعفر المروزي (قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أوكنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين، فان ذلك له مفطر مثل الاكل والشرب والنكاح .)[13]
ويمكن المناقشة _كما ناقشوا فيها _ في بعض ما ورد فيها (تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة), لكن مثل الاكل والشرب والنكاح يمكن الالتزام به.
وعلى كل حال فكل رواية تطلق الافطار على بعض المفطرات المتقدمة يجب أن نلتزم بها بمقتضى صحيحة عبدالله بن سنان على ترتب الكفارة على تعمدها.
ومن هنا نقول بأن الثمرة العملية لا تظهر في هذين الموردين ( ما دلت النصوص على ترتب الكفارة عليه كالجماع, وما دلت النصوص على أنه افطر عند ارتكابه عمداً) وهناك موارد حتى على فرض عدم دخولها في هذين الموردين فهناك اجماع على ترتب الكفارة عليها كالأكل والشرب فلا يمكن لأحد أن يقول بأن الاكل والشرب تعمداً لا يوجب الكفارة.
وهناك مناقشة لشمول صحيحة عبدالله بن سنان لمثل الاحتقان بالمائع بدعوى أن (من افطر متعمداً) تشمل الاكل والشرب, ومن احتقن بالمائع لا يقال له افطر لغة أو عرفاً.
وقد تمسكنا بما دل على اطلاق عنوان الافطار _على فعل_ من الروايات, نعم قد نختلف في تخريجه في أن ذلك على اساس توسعة في المعنى اللغوي أو العرفي_للإفطار_ بحيث يشمل هذا الفعل(القيء مثلاً), أو أن الشارع عنده اصطلاح خاص بالإفطار يشمل كل ما يفسد الصوم.
فالكلام ليس في هذا المورد _ ما دلت النصوص على أنه افطر عند ارتكابه عمداً_ وإنما الكلام في غيره كالاحتقان بالمائع مثلاً.
ذكر السيد الخوئي (قد)(ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أقسام المفطرات، وأن الاعتبار بنفس الافطار الذي هو مضاد للصوم ولا ثالث لهما، فإن الافطار في نظر العرف في مقابل الاجتناب عن خصوص الأكل والشرب، ولكن الشارع اعتبر الصوم مؤلفا من الاجتناب عن عدة أمور أخر أيضا زائدا على ذلك من الارتماس والجماع والكذب والحقنة ونحو ذلك مما تقدم . فمتى تحقق الامساك بهذا النحو كان صائما وإلا فهو مفطر، فيندرج حينئذ تحت اطلاق هذه النصوص الدالة على ثبوت الكفارة على من أفطر . ودعوى الانصراف إلى خصوص الأكل والشرب كما في الجواهر غير مسموعة، بعد كون الصوم في نظر الشرع مؤلفا من مجموع تلك التروك ومضادا للافطار من غير ثالث كما عرفت)[14]
وهذا الكلام يحتاج إلى تأمل في موضع وهو أن قوله (قد) (ولكن الشارع اعتبر الصوم مؤلفا من الاجتناب عن عدة أمور) يمكن استكشافه من اطلاق الافطار على بعض المفطرات غير الاكل والشرب, وهذا مؤشر على أن الافطار عند الشارع له معنى اوسع من الافطار اللغوي, والكلام يقع في أن الافطار في صحيحة عبدالله بن سنان على أي المعنيين يُحمل؟ على المعنى اللغوي والعرفي أم على المعنى الشرعي؟
فأنها على المعنى الاول لا تنفع في مقام الاستدلال, وإنما تنفع في الحمل على المعنى الثاني (الشرعي).
وهل أن هذا الحمل يكفي بمجرد أن يثبت أن الشارع عنده هكذا اصطلاح؟ أو لا؟ الظاهر أنه يكفي, لأن الروايات_ التي هي كلها واردة عن الامام الصادق عليه السلام_ التي اطلقت الافطار على الكذب والقيء وغيرهما يظهر منها أن الامام (الامام الصادق عليه السلام) لم يكن بصدد تأسيس شيءٍ جديدٍ وليس في مقام تبديل المعنى اللغوي أو العرفي إلى معنى آخر, وإنما يظهر منها أنه عليه السلام جرى على شيءٍ موجودٍ واطلق الافطار على القيء مثلاً طبقاً لشيء متحقق, بل يمكن أن يكشف ذلك عن تبدل المعنى اللغوي إلى معنى شرعي في آخر وهو عبارة عن مطلق ما يكون مفسداً للصوم فيثبت ما يشبه الحقيقة متشرعية, على فرض كون الاستعمال حقيقياً.
نعم على فرض النقاش في كون الاطلاق حقيقياً واُدعي بأنه كان مجازياً, كما لو اطلق الشارع الافطار على غير الاكل والشرب مجازاً وحينئذ لا يتبدل المعنى اللغوي إلى معنى آخر, لكن هذا الأمر لا يؤثر على النتيجة لأن الشارع عند استعماله كلمة الافطار في غير الاكل والشرب لابد أن يكون بعلقة أو مناسبة أو تشبيه أو تنزيل صحح هذا الاستعمال (التجوز) وحينئذ يمكن أن يقال أنه بمقتضى هذا التنزيل أو التشبيه أن الاثار التي تترتب على الاكل والشرب تترتب على غيرهما ومن هذه الاثار الكفارة, اذ لا اشكال في أن الكفارة تترتب على الاكل والشرب, وهذا مطلب آخر قد يؤيد فيه كلام السيد الخوئي (قد) .
وحينئذ يحمل عنوان (افطر) في رواية عبدالله بن سنان وفي غيرها على المعنى الشرعي (أي ما يكون مفسداً للصوم).
هذا الوجه الذي يذكره السيد الخوئي (قد) وهو في الجملة لا بأس به.
ويمكن أن يضاف إلى ذلك أنه لو سلمنا أن بعض الروايات لم يرد فيها عنوان الافطار لكنه ورد في بعضها النهي عن بعض الافعال وفي بعضها الاخر ورد الأمر بالقضاء وقد تقدم سابقاً أن الظاهر أن هذا (النهي عن شيء في اثناء الصوم _الامر بالقضاء عند صدور ذلك الشيء من الصائم) ارشاد إلى المفطرية, واذا كان كذلك فأن المفطرية تثبت بهذه الامور بلا حاجة إلى الاستدلال عليها بما تقدم.
وهذا ما يؤيد كلام السيد الخوئي (قد).