36/06/29


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل يكره للصائم امور .....)
قال الماتن (الثاني : الاكتحال بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما مما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق، وكذا ذر مثل ذلك في العين)[1]
والظاهر أن كون الاكتحال_ ويلحق به ما يسمى بالذرور وهو أن يذر شيء في العين لغرض ما _ من المكروهات من الامور المتفق عليها في الجملة فهناك اتفاق أو شهرة على عدم حرمته بالنسبة إلى الصائم, وعلى كل حال فالكلام في الروايات الواردة فيه وهي كثيرة ويمكن تقسيمها إلى ثلاث طوائف كما صنع الفقهاء.
الطائفة الاولى: ما تتضمن النهي عن الاكتحال مطلقاً ( والاطلاق بلحاظ التفصيل الاتي).ومنها :

صحيحة سعد بن سعد الاشعري (عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : سألته عمن يصيبه الرمد في شهر رمضان، هل يذر عينه بالنهار وهو صائم ؟ قال : يذرها إذا أفطر ولا يذرها وهو صائم)[2]
وهي مانعة وتنهى عن الذرور للصائم في نهار شهر رمضان.
صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن الرجل يكتحل وهو صائم ؟ فقال : لا إني أتخوف أن يدخل رأسه)[3]
روية الحسن بن علي(قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن الصائم إذا اشتكى عينه، يكتحل بالذرور وما أشبهه أم لا يسوغ له ذلك ؟ فقال : لا يكتحل)[4] والظاهر أن المراد بالحسن بن علي في هذه الرواية هو الحسن بن علي الوشاء الثقة أو الحسن بن علي بن النعمان الذي هو ثقة ايضاً, نعم هناك الحسن بن علي غيرهما في نفس الطبقة لكن الظاهر أنه يدور بين هذين الثقتين.
الطائفة الثانية: ما تتضمن الترخيص مطلقاً ومنها:
صحيحة محمد بن مسلم ( عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في الصائم يكتحل قال : لا بأس به، ليس بطعام ولا شراب)[5]
وهذا التعليل مهم جداً
صحيحة عبدالحميد بن أبي العلاء، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لا بأس بالكحل للصائم)[6]
صحيحة ابن أبي يعفور( قال : سألت ابا عبدالله ( عليه السلام ) عنالكحل للصائم ؟ فقال : لا بأس به، إنه ليس بطعام يؤكل)[7]
وهذا التعليل نفس المذكور في الرواية السابقة.
صحيحة عبدالله بن ميمون (عن أبي عبدالله، عن أبيه ( عليهما السلام ) ـ في حديث ـ أنه كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم)[8]
رواية الحسين بن أبي غندر( قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : أكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم ؟ فقال : لا بأس به )[9]
والظاهر أن هذه الرواية معتبرة سنداً, لأن الحسين بن ابي غندر وان كان مجهولاً الا أنه روى عنه المشايخ الثلاثة, كما في هذه الرواية حيث روى عنه صفوان بن يحيى مباشرة, وكذلك في الرواية السابقة (صحيحة ابن ابي يعفور) حيث رواها صفوان عن الحسين بن ابي غندر عن ابن ابي يعفور فتثبت رواية صفوان عنه في هاتين الروايتين, والظاهر أن هذا يكفي لأثبات كونه ثقة يمكن الاعتماد عليه.
وهذه الرواية تجوّز الاكتحال بما فيه مسك وهو محل الخلاف الاتي _وهناك روايات تنهى عن الاكتحال به_ وحينئذ يقال بأن هذه الرواية تجوّز الاكتحال بما ليس فيه مسك من باب اولى.
الطائفة الثالثة: وهي الطائفة المفصلة:
صحيحة محمد ( بن مسلم ) ( عن أحدهما ( عليهما السلام ) أنه سئل عن المرأة، تكتحل وهي صائمة ؟ فقال : إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس)[10]
ومفهوم هذه الرواية انها اذا وجدت طعماً في حلقها فأنه يكون فيه بأس, فالرواية تفصّل بين ما اذا وجد طعماً في حلقها وبين ما اذا لم يوجد ذلك.
موثقة سماعة بن مهران (قال : سألته عن الكحل للصائم ؟ فقال : إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق ( فلا بأس به)[11]
ومفهومها أنه اذا كان فيه مسك ففيه بأس وكذا اذا كان له طعم في الحلق, فهي ايضاً تدل على التفصيل.
رواية الحسين بن علوان (عن جعفر، عن أبيه أن علياً ( عليه السلام ) كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه)[12]
والظاهر أن السند تام في هذه الرواية.
والمفهوم منها ايضاً إنه اذا وجد فيه طعم ففيه بأس.
والقاعدة الاولية في تعارض الروايات بهذا الشكل تقتضي _ بقطع النظر عما يوجب تغييرها _الالتزام بحرمة الكحل الذي فيه مسك أو كان فيه طعم في الحلق وحلّية ما عداه, لأن الموجود في المقام ادلة مجوزة واخرى ناهية وثالثة تفصّل, وحينئذ يجمع بين الادلة المانعة والادلة المرخصة مطلقاً بقرينة الطائفة الثالثة, فتحمل المانعة مطلقاً على ما كان فيه طعم أو مسك, والمجوزة على ما اذا لم يكن كذلك, فيكون حلالاً وتنتفي عنه حتى الكرهة, هذا مقتضى الجمع بحسب القاعدة الاولية ولكن في معتبرة الحسين بن ابي غندر(أكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم ؟ فقال : لا بأس به) وهذا نص في جواز الاكتحال بكحل فيه مسك, وهذا النص يجبرنا على حمل الرواية التي تقول أن الكحل الذي فيه مسك فيه بأس على الكراهة, حسب قواعد الجمع العرفي فأن الموجود رواية تنهى عن الكحل الذي فيه مسك وهي موثقة سماعة (إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق ( فلا بأس به), وهذا يعني أنه اذا كان فيه مسك ففيه بأس فهي مانعة, ومعتبرة الحسين بن ابي غندر صريحة أو اظهر في الجواز فتقدم على موثقة سماعة المانعة وتوجب حملها على الكراهة.
أما الاكتحال بما فيه طعم في الحلق فيلتزم بالحرمة بحسب القاعدة الاولية ايضاً _للروايات الناهية_ وقد خرجنا عن هذه القاعدة فيما فيه مسك لدلالة الدليل على الجواز, لكن بالرغم من ذلك لم يلتزموا بالتحريم لا فيه _ فيما فيه طعم_ ولا في غيره, بل اتفقوا على عدم ا لتحريم وهذا الاتفاق(الاجماع) ادعي من قبل اكثر من واحد, مضافاً إلى ما تقدم من تعليل في بعض الروايات (لا بأس به، ليس بطعام ولا شراب_ لا بأس به، إنه ليس بطعام يؤكل) وهو يؤيد الالتزام بعدم الحرمة لأنه كما يجري في الكحل الذي لا يجد طعمه في حلقه يجري في الكحل الذي يجد طعمه في حلقه ايضاً, لأنه نستطيع القول بأنه لا طعام ولا شراب حتى وان وجد الطعم في حلقه فأن الطعم ليس من المفطرات وليس بطعام ولا شراب, فالمناسب لهذا التعليل هو أن الترخيص في تلك الروايات لا يختص بما ليس فيه طعم في الحلق, بل يظهر من الفقهاء كصاحب الرياض وصاحب الحدائق وغيرهما انهم استندوا إلى هذه الروايات التي ورد فيها التعليل لنفي الحرمة عن الاكتحال مطلقاً.
والنتيجة هي الالتزام بكراهة الاكتحال بما فيه مسك أو كان له طعم في الحلق, ويلتزم بالجواز والحلية بلا كراهة في الباقي, ومن هنا لا يصح أن نقول بأن الاكتحال مكروه مطلقاً, لأنه مبدئياً يكون حراماً بناءً على الرواية التي تقول بأنه فيه بأس _بحسب الظهور الاولي_ لكن رفعنا اليد عن هذا الظهور بالنسبة إلى الكحل الذي فيه مسك لرواية تصرح بالجواز بالاكتحال به, ورفعنا اليد عن الظهور الاولي في التحريم للإجماع والاتفاق والتعليل في الصحيحتين المتقدمتين لكن تبقى الكراهة ويحمل البأس عليها.
وهناك جمع آخر يسمح لنا القول بذلك_ الكراهة مطلقاً_ وهو أن نقول أن الاخبار المرخصة تحمل على الجواز بالمعنى الاعم الذي لا ينافي الكراهة ونحمل الروايات المانعة والناهية على الكراهة وتحمل الروايات المفصلة على شدة الكراهة.
فتكون النتيجة هي أن الروايات المفصلة تقول حيث يكون في الكحل مسك أو يكون فيه طعم يكون فيه كراهة شديدة وما عداه يكون فيه كراهة, والمجوزة لا تأبي من ذلك لحملها على الجواز بالمعنى الاعم, فتكون النتيجة هي الحمل على الكراهة مطلقاً وتشتد فيما اذا كان فيه مسك أو طعم في الحلق, وهذا الجمع منسوب إلى اكثر الاصحاب كما في الرياض هو الجمع الاول, والظاهر أن الصحيح هو الحمل الاول وحينئذ تختص الكراهة بما فيه مسك أو يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق.

قال الماتن
(الثالث : دخول الحمام إذا خشي منه الضعف)
وهناك روايات تدل عليه من قبيل:
صحيحة محمد بن مسلم (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه سئل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ؟ فقال : لا بأس ما لم يخش ضعفا)[13]
رواية أبي بصير( قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل، يدخل الحمام وهو صائم ؟ قال : لا بأس )[14]
وهي تامة سنداً في نظرنا, ومطلقة في الجواز, والكلام في هاتين الروايتين_ حيث قالت الاولى (لا بأس ما لم يخش ضعفا) ومفهومها وجود البأس مع خشية الضعف, بينما تقول هذه الرواية (لا بأس) مطلقاً_ هو أما أن نقيد الرواية الثانية بالأولى ونقول ليس عدم البأس مطلقاً, وإنما مع عدم خشية الضعف كما تقول الرواية الاولى, ويتحد مفادهما بعد التقييد فيكون دخول الحمال لابأس به ما لم يخشى الضعف, وما فيه بأس (مع خشية الضعف) أن استطعنا أن نلتزم بأن فيه بأس بالحرمة بالظهور الاولي فيكون التفصيل بين دخول الحمام الذي يخشى فيه الضعف فيكون حراماً ودخول الحمام الذي لا يخشى فيه الضعف يكون جائزاً, واذا لم نستطع الالتزام بالحرمة مع خشية الضعف _كما هو الظاهر_ فنلتزم بالكراهة فتكون النتيجة أن دخول الحمام مع خشية الضعف مكروه, ومع عدم الخشية جائز.

وأما أن تحمل الرواية الثانية على مطلق الرخصة وعلى الجواز بالمعنى الاعم فيكون قول (لا بأس) بمعنى عدم الحرمة فلا تنافي الرواية الاولى(الكراهة في حال خشية الضعف).
والظاهر أن النتيجة واحدة على كلا التقديرين, وهي الالتزام بالكراهة مع خشية الضعف وعدمها مع عدم الخشية, فإذا خشي الضعف تقول الرواية الاولى مكروه (هي تحرم لكن لعدم امكان الالتزام بذلك قلنا بالكراهة) أما مع عدم خشية الضعف فلا دليل على الكراهة, فالرواية الاولى وان كانت لا تثبت الجواز بالمعنى الاخص لكنها لا تدل على الكراهة فيكون جائزاً بلا كراهة ولو لعدم الدليل على الكراهة في دخول الحمام اذا لم يخشى ضعفاً.
قال الماتن
(الرابع : إخراج الدم المضعف بحجامة أو غيرها، وإذا علم بأدائه إلى الإغماء المبطل للصوم حرم، بل لا يبعد كراهة كل فعل يورث الضعف أو هيجان المرة)
وفيه روايات معظمهما وارد في خصوص الحجامة وهي روايات كثيرة, وهناك نص واحد ذُكر فيه اخراج الدم بنزع الضرس وادماء الفم:
موثقة عمار بن موسى(عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في الصائم، ينزع ضرسه ؟ قال : لا، ولا يدمي فاه، ولا يستاك بعود رطب)[15]
فالرواية تنهى عن الادماء بنزع الضرس _اذا كان ملازماً له_ وتنهى عن ادماء الفم, وبقية الروايات واردة في خصوص الحجامة لكن الفقهاء لم يخصوا الحكم بها وإنما عمموه لغيرها مما يوجب خروج الدم من الصائم بل اكثر من ذلك حيث عمموا الحكم لما يورث الضعف ولو بغير اخراج الدم, والوجه في هذا التعميم يستفاد من هذا الحديث اولاً لأنه لم يرد في الحجامة وهذا يعني عدم اختصاص الحكم بها, وثانياً للتعليل الوارد في روايات الحجامة الذي يقتضي الغاء خصوصيتها والتعدي إلى غيرها, ومن هذه النصوص:
صحيحة الحلبي( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الصائم أيحتجم ؟ فقال : إني أتخوف عليه، أما يتخوف على نفسه ؟ قلت : ماذا يتخوف عليه ؟ قال : الغشيان أو تثور به مرة، قلت : أرأيت إن قوى على ذلك ولم يخش شيئا ؟ قال: نعم إن شاء)[16]
وصحيحة الحسين بن أبي العلاء (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الحجامة للصائم ؟ قال: نعم إذا لم يخف ضعفا)[17]
حيث فهم من هذه الروايات التي تعلل المنع من الحجامة بهذه الامور _ يخشى ضعفاً أو الغشيان أو تثور به مرة وامثال ذلك_ أن هذه الامور هي العلة في المنع من الحجامة والعلة توجب الغاء خصوصية المعلل فيمكن التعدي إلى غير مورد النص اذا كان يشترك معها في العلة, فإذا كان اخراج الدم بقلع الضرس مثلاً يوجب الغشيان أو يخشى منه الضعف أو تثور به مرة وامثال ذلك, ينبغي الالتزام بثبوت نفس الحكم له سواء كان الحكم هو الحرمة أو الكراهة, فأن هذا كما في مثال لا تأكل الرمان لأنه حامض حيث يتعدى إلى غيره مما فيه حموضة_ ونقتصر على خصوص الرمان الحامض_ وهكذا في المقام نتعدى إلى غير الحجامة مما فيه ادماء بل إلى غيره_ مما يوجب الضعف أو الغشيان أو غير ذلك مما ورد (كعلة) في الروايات_ وان لم يكن فيه ادماء.