36/06/21


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل لا بأس للصائم بمص الخاتم أو الحصى، ولا بمضغ الطعام للصبي، ولا بزق الطائر، ولا بذوق المرق ونحو ذلك.....)
قال الماتن (ولا يبطل صومه إذا اتفق التعدي إذا كان من غير قصد ولا علم بأنه يتعدى قهرا أو نسيانا أما مع العلم بذلك من الأول فيدخل في الإفطار العمدي)[1]
أما عدم البطلان في صورة الدخول الاتفاقي فهو واضح على ضوء ما تقدم من اعتبار القصد والعمد في المفطرية وعدم تحققهما في هذه الصورة.
أما مع العلم بالتعدي قهراً أو نسياناً فأنه حكم بالبطلان بأعتبار كونه من الافطار العمدي.
وقد يستشكل في الحكم بالصحة في الصورة الاولى (النزول الاتفاقي من غير علم ولا قصد) وذلك من باب قياس ما نحن فيه على مسألة المضمضة, حيث فصلت فيها الروايات وفتاوى العلماء بين ما اذا كانت المضمضة للوضوء فأتفق دخول شيء من الماء في جوفه فحكموا بصحة الصوم, وبين ما اذا كان المضمضة لغرض آخر كالتبريد, فحكموا بفساد الصوم عند دخول شيء من الماء اتفاقاً من دون قصد ولا علم.
وصاحب الاشكال _كما هو منقول عن العلامة في بعض كتبه_ قاس ما نحن فيه على تلك المسألة, فقال اذا كان في محل كلامنا هناك غرض صحيح للإتيان بهذه الافعال, واتفق نزول الطعام إلى جوفه بلا علم ولا قصد فأنه يحكم بالصحة قياساً على المضمضة حال الوضوء, وأما اذا لم يكن هناك غرض صحيح كما لو اشتهى أن يتذوق المرق فأن يحكم بالبطلان قياساً على المضمضة للتبريد مثلاً.
وقد ناقش علماءنا هذا الكلام بأنه قياس محض, ولا يمكن جعله دليلاً على الحكم الشرعي في محل الكلام, بل مقتضى القاعدة هو الحكم بالصحة, نعم دل دليل خاص على الحكم في صورة المضمضة فيما لو كانت للتبريد في أن سبق الماء من دون علم ولا قصد يكون مفسداً للصوم, فنلتزم بهذا الدليل في مورده ولا نتعدى منه إلى محل الكلام.
هذا تمام الكلام في هذه العناوين, ثم يقول السيد الماتن(وكذا لا بأس بمضغ العلك ولا ببلع ريقه بعده وإن وجد له طعما فيه ما لم يكن ذلك بتفتت أجزاء منه بل كان لأجل المجاورة)
وما ذكره السيد الماتن _من عدم البأس بمضغ العلك_ هو المعروف والمشهور بين الفقهاء, وخالف الشيخ في النهاية ظاهراً فذكر (ولا يجوز للصائم مضغ العلك)[2] ونُقل عن الاسكافي (أن مضغ العلك يوجب فساد الصوم) وهي صريحة في الفساد, أما عبارة الشيخ فهي وان كان قد صاغها بشكلِ حكم تكليفي, لكن ظاهر هذه العبارات في الروايات وكلمات الفقهاء الفساد وكونها في الحكم الوضعي.
وهناك ثلاث روايات نقلها الشيخ صاحب الوسائل
صحيحة محمد بن مسلم (قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : يا محمد، إياك أن تمضغ علكا، فإني مضغت اليوم علكا وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا)[3]
صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت : الصائم يمضغ العلك ؟ قال لا)[4]
معتبرة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الصائم يمضغ العلك ؟ قال : نعم، إن شاء)[5]
والظاهر أن هذه الروايات تامة سنداً _وان قالوا أن الرواية الثالثة غير تامة_ وقد عبر الفقهاء عن الاولى والثانية بالصحيحتين, وكل من في سندهما من الثقات الاجلاء, والرواية الثالثة الظاهر انها تامة سنداً لأن الشيخ الطوسي يرويها بأسناده عن أحمد، عن الحسين، عن القاسم، عن علي، عن أبي بصير.
(واحمد) لا يخلو إما أن يكون احمد بن محمد بن عيسى أو احمد بن محمد بن خالد البرقي, وكلاهما ثقة وكل منهما للشيخ الطوسي طريق صحيح اليه, فلا مشكلة في سند الشيخ اليهما ولا في كل منهما اذا كان المقصود احدهما.
(عن الحسين) والمراد به الحسين بن سعيد الاهوازي الثقة المعروف صاحب الكتب المشهورة.
(عن القاسم) والظاهر أنه يتردد بين شخصين القاسم بن عروة والقاسم بن محمد الجوهري, نعم روى الحسين بن سعيد عن غيرهما بعنوان القاسم, كما روى عن القاسم بن سليمان والقاسم بن حبيب, لكنها روايات قليلة جداً وقد اكثر الرواية عن القاسم بن محمد الجوهري حتى أن السيد الخوئي يقول بأنه روى عنه (280) رواية وروى عن القاسم بن عروة (60) رواية وبهذه القرينة يمكن أن نقول بأن القاسم في محل كلامنا مردد بين هذين الشخصين ولو بحساب الاحتمالات, خصوصاً أن اطلاق القاسم كأنه يريد أن يقول بأن هذا الشخص معروف, والمعروف هو احد الذين اكثر عنهما الرواية.
والقاسم بن عروة وكذلك القاسم بن محمد الجوهري لا يوجد نص في وثاقة كل منهما, لكنه يمكن اثبات وثاقتهما برواية بعض المشايخ عنهما بسند صحيح فكل منهما روى عنه ابن ابي عمير مباشرة بسند صحيح, وقد روى عن القاسم بن عروة[6] وعن القاسم بن محمد الجوهري[7] بطرق صحيحة كلها ويثبت بها رواية ابن ابي عمير عنهما, وهذا يكفي بناءً على قبول أن هؤلاء المشايخ لا يروون ولا يرسلون الا عن ثقة كما هو الصحيح.
(عن علي) والمقصود به علي بن ابي حمزة البطائني (قائد ابي بصير يحيى بن القاسم) وذكرنا بأن هذا الرجل كان ثقة قبل انحرافه روى عنه ابن ابي عمير وصفوان بأسانيد صحيحة, وذكرنا في محله المؤيدات التي تدل على وثاقته قبل انحرافه, وقد سلبت منه الوثاقة بعد انحرافه لعدم امكان الاعتماد على شخص باع دينه مقابل الاموال في نقل الاحكام الشرعية, ولذا نحن نفصل _تبعاً للشيخ الطوسي وامثاله_ بين حالة ما قبل انحرافه وبين حالة بعد انحرافه, ويمكن اثبات كون الرواية في _محل الكلام_ قبل انحرافه لا بعده, بأن الذي روى _ القاسم بن عروة أو القاسم بن محمد الجوهري_ عنه من الرواة المعروفين المشهورين _ وان لم يكن هناك نص في توثيقهم_ كما أن اثبات الحسين بن سعيد لها في كتابه لا يخلو من قرينة على انها مأخوذة منه قبل انحرافه, بل المضنون قوياً أنه بعد انحرافه وصدور اللعن والطرد في حقه من قبل الائمة عليهم السلام أن الشيعة كانوا يتجنبونه, كما هي الحالة الطبيعية في كل شخص يشدد الامام على طرده وابعاده, نعم قلنا نتوقف في ما لو كان الرواة عنه كلهم ممن شاكله في انحرافه, لكن الرواية في محل الكلام ليست كذلك.
(عن ابي بصير) يحيى بن القاسم وهو ثقة بلا اشكال, ومن هنا يمكن الاعتماد على هذه الرواية.
وأما الكلام في هذه الروايات من حيث الدلالة
فهناك تعارض اولي بينها, فأن صحيحة الحلبي تنهى (قال لا) بينما رواية ابي بصير تقول (قال : نعم), وأما صحيحة محمد بن مسلم فقالوا بأنها من ادلة الجواز, لأن الامام عليه السلام قال (فإني مضغت اليوم علكا وأنا صائم)وهو لا يصدر منه الحرام, أما قوله عليه السلام (فوجدت في نفسي منه شيئا) فأنه نوع من التنزه ولذلك حملوا قوله (إياك أن تمضغ علكا) على التنزه والكراهة, بل قالوا بأن مقتضى الجمع بين الرواية الدالة على الجواز وبين الرواية الدالة على المنع, هو أن تحمل الرواية المانعة على الكراهة, كما هو ديدنهم في امثال هذا ا لمقام, لأن دليل الجواز صريح فيه (سألته عن الصائم يمضغ العلك ؟ قال : نعم) بل اعتبروا أن صحيحة محمد بن مسلم صريحة في الجواز ايضاً لأن الامام لا يمكن أن يفعل ما هو حرام, وعليه يكون لدينا دليلان على الجواز في مقابل صحيحة الحلبي الظاهرة في الحرمة والمنع, فيمكن أن تحمل على الكراهة فجمعوا بين هذه الروايات بهذا الجمع وانتهوا بنتيجة أنه لا بأس بمضغ العلك وان كان هذا على نحو الكراهة والحزازة.
ذكر بعضهم وجهاً للجمع غير هذا الوجه, وهو أنه يمكن حمل الروايات على التفصيل بين ما اذا وجد طعمه في ريقه وبين ما لو لم يجده فعلى الاول لا يجوز ويكون مفسداً للصوم, وعلى الثاني يكون جائزاً وغير مفسدٍ, وجعل صحيحة محمد بن مسلم شاهداً على هذا الجمع وذكر بأن الامام عليه السلام مضغ علكاً بأعتقاد إنه لا يجد طعماً ثم وجد له طعماً فقال(فوجدت في نفسي منه شيئا) ونهاه على اثر ذلك بقوله (إياك أن تمضغ علكا) , وحينئذ تحمل صحيحة الحلبي على ما لو وجد طعماً في ريقه وتحمل معتبرة ابي بصير على ما لو لم يجد طعماً في ريقه, وهذه النتيجة تختلف عن النتيجة الاولى حيث أن الاولى تقول بأنه حتى لو وجد طعماً في ريقه فهو جائز على كراهة.


[6]الوسائل في الباب 28 من ابواب اقسام الطلاق واحكامه ح1.
الوسائل في الباب 27 من ابواب الاحتضار ح7
الكافي كتاب الحجة باب مولد امير المؤمنين ح6
[7]الوسائل في الباب 24 من ابواب مقدمات العبادات ح1.
وفي الباب السادس عشر من ابواب مواقيت الصلاة ح1,ح7..