36/05/12


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....)
يلاحظ على كلام السيد الخوئي (قد) المتقدم :-
اولاً: هناك روايات كثيرة يمكن التمسك بها لأثبات أن القضاء يترتب على نفس الفعل كما هو ظاهرها, ومن هذه الروايات:-
صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه)[1]
فإنه يفهم من هذه الرواية أن القضاء اثر شرعي مترتب على نفس الفعل, فإذا صدر هذا الفعل (التقيؤ)عن اكراه فأن حديث الرفع يرفعه, أي أنه لا يقع موضوعاً لحكم شرعي في عالم التشريع, وبالتالي رفع الحكم المترتب عليه لو صدر لا عن اكراه, فوجوب القضاء مترتب على هذا الفعل لو صدر لا عن اكره, فإذا صدر عن اكراه يكون وجوب القضاء منتفياً.
ومسعدة بن صدقة (عن أبي عبدالله، عن أبيه ( عليهما السلام ) أنه قال : من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الاعادة، فان شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، وقال : من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء)[2]
ورواية عبدالله بن بكير ( عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من تقيأ متعمدا وهو صائم قضى يوما مكانه)[3]
فحديث الرفع يقول إن هذا التقيؤ الذي اذا صدر عمداً يوجب القضاء ارفعه عندما يصدر عن اكراه.
رواية علي بن جعفرفي كتابه عن أخيه، (قال : سألته عن الرجل يستاك وهو صائم فيقيء، ما عليه ؟ قال : إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤه، وإن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شيء )[4].
ورواية سماعة ـ في حديث ـ قال : سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه ؟ قال : عليه قضاؤه، وإن كان في وضوء فلا بأس به)[5]
فالقضاء مترتب على دخول الماء في الحلق(أي على الفعل).
ورواية أبي بصير، (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم)[6]
فالقضاء مترتب على التواني.
صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) انه قال في رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال : يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه .)[7]
وهنا ايضاً ترتب وجوب القضاء على النوم متعمداً وهو محتلم أو اصاب من اهله حتى اصبح, فالقضاء ترتب على نفس الفعل, ولم يترتب على عنوان ترك الواجب أو على عنوان ترك المأمور به في وقته.
وصحيحة محمد بن مسلم (عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : يتم صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه.)[8]
وصحيحة ابن أبي نصر ـ (عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان، أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا ؟ قال : يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه )[9]
وموثقة سماعة(قال : سألته عن رجل صام في شهر رمضان فأكل وشرب ناسيا قال : يتم صومه وليس عليه قضاؤه)[10]
ويفهم من هذا الحديث أنه اذا اكل وشرب عامداً فعليه القضاء, فيكون وجوب القضاء مترتباً على نفس الفعل لا على عنوان آخر يكون ملازماً لنفس الفعل.
ورواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل صام في رمضان فأكل أو شرب ناسيا ؟ فقال : يتم صومه وليس عليه قضاء .)[11]
ويفهم من هذا الحديث ايضا أنه اذا اكل عامداً عليه القضاء, فيكون وجوب القضاء مترتباً على نفس الفعل (الاكل والشرب)
وما ورد عن علي بن جعفر في كتابه (عن أخيه موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان، ما عليه ؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فان لم يجد فليستغفر الله )[12] كذلك الكلام في هذا الحديث فأن القضاء ترتب على نفس الفعل(النكاح).

ورواية سماعة قال (سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا ؟ قال : عليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم .)[13]
وهنا ايضاً ترتب القضاء على اتيان الاهل في شهر رمضان متعمداً.
وبالنتيجة لا يمكن أن نقول بأن الحديث(حديث الرفع) لا يشمل محل الكلام ولا ينفي وجوب القضاء بأعتبار أن موضوع وجوب القضاء هو فوت الواجب أو ترك المأمور به في وقته أو ما شابه ذلك وليس نفس الفعل, فالظاهر أن هذه الروايات تثبت أن موضوع القضاء هو نفس الفعل.

ويلاحظ ايضاً
لو سلمنا أن موضوع القضاء هو عدم الاتيان بالمأمور به, أو أن موضوع القضاء هو فوت الواجب, لكن يمكن أن ندعي أن الاكراه تعلق به, لأن الاكراه على(الفعل) الاكل في شهر رمضان مثلا هو عبارة عن اكراه على ترك الواجب في وقته, واكراه على ترك المأمور به في وقته, إذ لا يعتبر في ذلك التفات المكِره إلى أن هذا صائم وهو يريد أن يكرهه على ترك الواجب.
فحتى لو سلمنا أن موضوع القضاء هو ترك المأمور به في وقته, نقول بأن الاكراه على الفعل هو اكراه على ترك المأمور به في وقته, فيكون موضوع القضاء هو ما تعلق به الاكراه, وحينئذ ينبغي أن يكون حديث الرفع شاملاً له.
وقد ذكر السيد الخوئي (قد) الفرق بين الكفارة والقضاء فيقول بأن الكفارة موضوعها الفعل, لكن القضاء ليس موضوعه الفعل على ما ذكرنا.
وهناك عدة روايات يظهر منها ترتب الكفارة على الفعل نفسه وذلك من قبيل :-

وما ورد عن علي بن جعفر في كتابه (عن أخيه موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان، ما عليه ؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فان لم يجد فليستغفر الله ) [14]
فالكفارة ترتبت على الفعل (النكاح) كما هو الحال بالنسبة للقضاء, وفي حديث آخر

سماعة (قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا، مد لكل مسكين )[15] وفي حديث آخر
سماعة قال : سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا ؟ قال : عليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم ) [16]
فالظاهر من هذه الادلة الشرعية أن كل من القضاء والكفارة تارة يترتب على نفس الفعل, واخرى على عنوان الافطار, فلماذا نقول إن الكفارة مترتبة على الفعل بينما القضاء ليس مترتباً على الفعل وإنما مترتب على عنوان الفوت وامثاله.
نعم الفرق بين القضاء والكفارة يكون في شيء آخر, وهو أن الكفارة لا مجال لأن يكون حديث الرفع شاملاً لها, لأنه لا يشمل الاثار التي هي في لسان دليلها مأخوذ فيها العمد, كالدية فأنها مأخوذ فيها العمد ولا حاجة لرفعها بالتمسك بحديث الرفع, لأن موضوعها العمد فإذا صدرت لا عن عمد وإنما عن اكراه أو عن اضطرار, فأنها ترتفع ذاتاً, ولذا قالوا بأن حديث الرفع يشمل الاثار التي ترتب على الفعل لا بقيد العمد ولا بقيد احد العناوين الاخرى, وإنما لابد أن يكون الاثر مترتباً على ذات الفعل.
وهذا هو الفرق بين وجوب القضاء ووجوب الكفارة على كلام سيأتي إن شاء الله في ذلك, إنما اشرنا اليه فقط.
هذا الكلام فيما لو قيل أن الحكم والاثر الذي يرتفع ويحكم بارتفاعه بصحة الصوم هو عبارة عن القضاء ووجوب القضاء, أما لو قلنا بأن الذي هو من اثار الفعل هو المفطرية والمانعية والذي ينتفي عند صدور الفعل عن اكراه هو المانعية والمفطرية, فقد اجابوا عن هذا الطرح بأن المانعية والمبطلية ليست هي من جعل الشارع, وإنما هي امور انتزاعية , فالمانعية تنتزع من نهي الصائم عن الاكل في شهر رمضان, فلا يشملها حديث الرفع , لأنها ليست مجعولة من الشارع.
لكن هذا الجواب غير مقنع وذلك بأعتبار أن غاية ما يلتزم به في حديث الرفع هو اننا نشترط في المرفوع أن يكون امراً بيد الشارع رفعه ووضعه, لأن الرفع صدر من الشارع بما هو شارع لا بما هو خالق وموجد لهذه الكائنات, وهذا الرفع الذي يصدر من الشارع بما هو شارع يقتضي أن نقيد المرفوع بأن يكون امراً بيد الشارع رفعه ووضعه وهذا الذي نلتزم به.
لكن من قال بأن المانعية ليس بيد الشارع رفعها ووضعها, بل بيده رفعها ووضعها برفع ووضع منشأ انتزاعها, لأننا نعترف بأنها منتزعة من نهي الصائم عن الاكل في شهر رمضان, والنهي بيد الشارع رفعه ووضعه بلا اشكال, وحينئذ يكون بيد الشارع_ الذي بيده رفع وضع منشأ انتزاع المانعية ورفعه_ رفع المانعية ووضعها, فكما هو وضع المانعية بالنهي عن الاكل والشرب في شهر رمضان بإمكانه أن يرفع المانعية بحديث الرفع, فيقول بأن النهي عن هذا الاكل الذي هو منشأ انتزاع المانعية اذا صدر عن اكراه يرتفع, وبالتالي ترتفع معه المانعية, وعليه فلا يمكن القول بأن المانعية ليس بيد الشارع رفعها ووضعها, بل الظاهر أنه بيده ذلك.
نعم الذي يمكن أن يناقش في هذا الرأي هو أن الحديث امتناني, وحينئذ لابد من افتراض أن المرفوع لابد أن يكون فيه( في وضعه) كلفة على المكلف لكي يكون رفعه امتنانياً.
فإذا طبقنا هذا في محل الكلام نجد فرقاً بين القضاء والمانعية , فالقضاء فيه كلفة على المكلف فيكون في رفعه امتنان, إما المانعية فليس فيها كلفة على المكلف, بل قد يقال أن الأمر بالعكس, أي أن ثبوت المانعية فيه تخفيف على المكلف, لأن ثبوتها يعني سقوط الأمر, فثبوت المانعية كثبوت الجزئية فيما لو ترك الجزء اكراهاً أو قهراً, فالالتزام في ثبوت الجزئية ليس فيه كلفة على المكلف, لأن معناها هو أن الأمر بالمركب يسقط, وبالتالي ليس فيه كلفة أو ثقل على المكلف, وهذا يعني أن الحديث لا يشمله, لأن الحديث لا يشمل الا ما كان المرفوع في وضعه كلفة على المكلف, والمانعية والشرطية والجزئية ليست كذلك.
والى هنا يتم الوجه الثاني _ على الاقل مع أن الكلام له تتمة_ لأثبات صحة الصوم مع الاكراه بحسب ما تقتضية الصناعة.