36/04/19


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, المفطر العاشر : تعمد القئ.

قال الماتن

(والمدار على الصدق العرفي، فخروج مثل النواة، أو الدود لا يعد منه)[1]وكذا خروج الاشياء التي تدخل المعدة ثم تخرج منها كالدرهم وامثال ذلك وهذا واضح, بأعتبار ان القيء لا يصدق على خروج مثل الدود والنواة والدرهم , وعلى فرض الشك في صدق القيء على امثال هذه الموارد فحينئذ نرجع الى البراءة , فعلى كل التقادير يحكم بصحة الصوم وعدم البطلان .

قال الماتن

مسألة 69 :( لو خرج بالتجشّؤ شيء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلاً ) [2]
هذا هو الفرع الاول من هذه المسألة والفرض فيه هو عدم وصول ما خرج بالتجشؤ الى فضاء الفم, ويفهم ذلك من قوله في الفرع الثاني (ولو وصل) وهو يعني انه فرض عدم الوصول في الفرض الاول حيث انه قال (ولو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختياراً بطل صومه وعليه القضاء والكفارة، بل تجب كفارة الجمع إذا كان حراماً من جهة خباثته أو غيرها) كما لو كان مغصوبا مثلا او حتى لو كان حراما من جهة كونه من الخبائث , وحينئذ يكون قد افطر على حرام ومن افطر على حرام فعليه كفارة الجمع .
اما الكلام في الفرع الاول ( ما لم يصل الى فضاء الفم ونزل الى المعدة مرة اخرى ) فقد ذكر (قد) بأنه لم يكن مفسدا للصوم والسر في ذلك هو ان المفروض في هذا المسألة هو عدم الاختيار في النزول الى المعدة , وحينئذ يكون عدم الفساد على القاعدة , فأن مع عدم الاختيار لا يفسد الصوم حتى مع افتراض صدق الاكل ,مع ان صدق الاكل عليه ممنوع وليس مسلما لعدم وصوله الى فضاء الفم .
ونفس الكلام يقال في الخروج _ لأنه قد يقال بأنه يصدق عليه القيء حينئذ _ فأنه لا يصدق القيء عليه وهو ممنوع ايضا لعدم خروج شيء من الجوف , ومع ذلك حتى على فرض صدق القيء فأن حكمه عدم الفساد لأن المفروض هو عدم الاختيار وهو يؤدي الى الالتزام بعدم الفساد حتى لو صدق الاكل على النزول وصدق القيء على الخروج .
ومضافا الى وضوح هذا المطلب وانه حكم على طبق القاعدة فأن هناك بعض الروايات التي يمكن ان تكون دالة على ذلك من قبيل
صحيحة محمد بن مسلم قال (: سئل أبوجعفر ( عليه السلام ) عن القلس، يفطر الصائم ؟ قال : لا . )[3]
والقلس يعني التجشؤ والرواية الثانية هي موثقة عمار بن موسى (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثم يرجع إلى جوفه وهو صائم ؟ قال : ليس بشيء .)[4]
وهي واضحة بأن القلس لم يصل الى فضاء الفم وانما الى الحلق ثم نزل والظاهر من هذا ان النزول نزولا قهريا وليس اختياريا فتدل على عدم البأس فيه وعدم كونه مفسدا وقلنا بأن هذا على القاعدة .
الفرع الثاني
ما اذا وصل الى فضاء الفم فبلعه اختيارا , والمعروف بين الفقهاء في هذا الفرع هو فساد الصوم ووجوب القضاء, وهذا المورد كأنه مورد اتفاقهم بل ادعي عليه الاجماع كما في الغنية , نعم اختلفوا في وجوب الكفارة وعدمه .
لكن الظاهر بل يتعين ان يكون هذا الحكم (فساد الصوم ووجوب القضاء ) مبني على دعوى صدق الاكل على انزاله الى المعدة مرة اخرى فإذا ابتلعه اختيارا فكأنه اكل متعمدا .
وصدق الاكل في محل الكلام مبني على مسألة تقدم البحث فيها وهي ان الاكل هل يختص بما يدخل الى المعدة عن طريق الفم من خارج الجسد او يشمل ما يدخل المعدة عن طريق الفم ولو كان من داخل الجسد كالبصاق, والتجشؤ الذي هو محل الكلام .
والذي يبدو ان هذا الاتفاق او الشهرة على بطلان الصوم ووجوب القضاء بذلك, مبني على افتراض صدق الاكل في محل الكلام, وان عنوان الاكل لا يشترط فيه الدخول من خارج الجسد وانما يصدق الاكل حتى على ما تولد داخل الجسد , وحينئذ تكون المسألة واضحة, فأن البطلان والقضاء يكون على طبق القاعدة, بل حتى وجوب الكفارة يكون كذلك .
والظاهر ان الفقهاء ادرجوا هذا المورد في تعمد الاكل ليكون من المفطرات بلا اشكال , وان هذا الحكم متوقف على ذلك والا فأن هناك رواية صحيحة معتبرة صريحة بأن ما يخرج من الفم ويزدرده فأنه لا يبطل الصوم , والفقهاء بالرغم من ذلك (وجود هذه الرواية) التزموا بالفساد ووجوب القضاء .
والرواية التي تعارض ما ذهب اليه المشهور هي صحيحة عبدالله بن سنان (قال : سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشيء من الطعام، أيفطره ذلك ؟ قال : لا، قلت : فان ازدرده بعد أن صار على لسانه، قال : لا يفطره ذلك)[5]
ومحل الشاهد في الرواية هو قوله (فان ازدرده بعد أن صار على لسانه، قال : لا يفطره ذلك) فأنه صريح في معارضة فتوى المشهور ومن هنا يقع الكلام في كيفية الجمع بين ما استند اليه المشهور في فتواه (ادلة مفطرية الاكل ) وبين هذه الصحيحة .
فأنه يقع التعارض بين هذه الادلة _ بعد فرض صدق الاكل في محل الكلام _ وبين هذه الصحيحة , لأن موردهما واحد, وهو ما يخرج من الطعام بالتجشؤ ويصل الى فضاء الفم ثم يزدرده الصائم عمدا وبأختياره , فأن تلك الادلة تقول بأن هذا اكل عمدي ويوجب البطلان, وهذه الصحيحة تقول بأنه لا بأس به .
الشيخ الطوسي حمل الازدراد في الرواية على الازدراد نسيانا , وحينئذ يصدق عليه الاكل الا انه نسيانا وليس عمديا , ويكون حكم الصحيحة بعدم البأس على القاعدة , وذكر بأن الموجب لحمل الرواية على النسيان هو ما تقدم من الادلة وكأنه يشير الى ادلة مفطرية الاكل عمدا .
وهناك حمل للصحيحة بأن المراد بالازدراد هو الازدراد القهري وهو يرفع التعارض بين الدليلين وذلك لأن المبطل هو الاكل العمدي الاختياري ,اما الاكل الصادر قهرا فهو لا يوجب البطلان , وقالوا بأن هذا هو الغالب في الازدراد ولو لأجل نفرة الطبع عن ابتلاع ما يخرج من الجوف بالتجشؤ , فتحمل الصحيحة على عدم الاختيار وبذلك يُجمع بين الدليلين .
وذكر بعضهم للجمع بين الدليلين أن نفسر اللسان في الصحيحة حيث تقول (أن صار على لسانه) بأصل اللسان المتصل بالحلق , وبعبارة اخرى أن الصحيحة تريد ان تقول بأن الطعام لم يصل الى فضاء الفم .
وهناك جمع اخر بين الدليلين ذُكر في بعض الكلمات وحاصله:-
ان يقال بأن التعارض يقع بين اطلاق الصحيحة, واطلاق ما دل على مفطرية الاكل عمدا _ وهذا كله بناء على صدق الاكل في محل الكلام _ والنسبة بين الاطلاقين هي العموم الخصوص من وجه , بأعتبار ان الصحيحة بأطلاقها تشمل محل الكلام (الازدراد العمدي الاختياري) ,ومورد افتراقها عن الادلة هو الازدراد غير الاختياري .
واما ما دل على مفطرية الاكل تعمدا فأنه يدل على شمول محل الكلام بالإطلاق ايضا , وله مورد افتراق وهو الاكل الذي يأتي من خارج الجسد وينزل الى الجوف .
ومن هنا يظهر ان محل الكلام (الازدراد الاختياري لما يخرج بالتجشؤ من داخل الجوف ) هو مادة الاجتماع لهذين الدليلين , فالصحيحة تدل على عدم المفطرية فيه, وما دل على مفطرية الاكل عمدا تدل على المفطرية, وحينئذ يقال بإمكان ترجيح ادلة المفطرية على الصحيحة بأعتبار انها موافقة للكتاب (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ)[6] مما تدل على عدم جواز الاكل بعد طلوع الفجر ( حيث ان المفروض ان ما يخرج بالتجشؤ اكل) .
وهذا الجمع يتوقف على اثبات امرين الاول؛ اطلاق الصحيحة وعدم اختصاصها بالازدراد الاختياري, والا لكانت النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق , وليس العموم والخصوص من وجه ؛ وثانيا؛ يتوقف على اطلاق ما دل على مفطرية الاكل عمدا , والا فإذا استشكلنا في شمول الاكل لمحل الكلام وقلنا بأختصاص الاكل مفهوما بما يدخل الى المعدة عن طريق الفم من خارج الجسد , فحينئذ لا تعارض بين تلك الرواية وبين الادلة .
لأن الصحيحة تقول لابأس بأبتلاع ما يخرج من المعدة بالتجشؤ عمدا , وتلك الروايات تقول ان الاكل عمدا يبطل الصوم , والمفروض ان المقصود بالأكل هو ما يدخل الى المعدة عن طريق الفم من خارج الجسد .
وبهذا يتبين ان المسألة متوقفة على تمامية الاطلاقين, والحال ان كل منهما قابل للتأمل , اما ان اطلاق الصحيحة قابل للتأمل فبأعتبار ان الظاهر منها هو الازدراد الاختياري فقوله (ازدرده) فعل؛ والظاهر منه كما هو الحال في سائر الافعال التي تنسب الى الاشخاص فأن الظاهر منها هو الاختيار , كما لو قلنا ( قام , قعد , جلس , غير ذلك ) فالظاهر منها هو صدور هذه الافعال من الفاعل بالاختيار , وكونه صدر منه قهرا يحتاج الى بيان , مضافا الى ذلك فأن الصحيحة تقول بأنه (صار على لسانه) وان مثل هذا المورد يكون الازدراد فيه اختياريا عادة , والازدراد القهري الذي يقال بأنه حالة غالبة في التجشؤ هو لما لم يصل الى لسانه (فضاء الفم )؛ وحينئذ لا يبعد ان تكون الصحيحة مختصة بالازدراد الاختياري فلا يتم هذا الوجه الذي ذُكر, لأنه يتوقف على افتراض الاطلاق في الصحيحة .
واما اطلاق ما دل على مفطرية الاكل عمدا فانه مبني على تحقيق ان الاكل ما ذا يراد به مفهوما؟ هل يختص بما يدخل الى المعدة من خارج الجسد ؟ او يشمل حتى ما يدخل اليها من داخل الجسد ؟
والذي نقوله هو عدم الوضوح في صدق الاكل في محل الكلام , مع امكان ان يقال بأن نفس الصحيحة يمكن ان يستأنس بها في هذا المطلب , فالظاهر انها عندما تقول (قال : لا يفطره ذلك) انها تريد ان تحكم على القاعدة ,وهذا لا يكون الا اذا قلنا بعدم صدق الاكل عليه , والا فإذا قلنا بصدق الاكل عليه فأن الرواية تكون مخصصة للقاعدة, ويكون الحكم على خلاف القاعدة حينئذ , والحقيقة انه لا يبعد ان يكون فحوى الرواية ولسانها هو انه ليس عليه شيء ولم يفعل شيئا ( أي ان عدم المفطرية على القاعدة) وهذا لا يصدق الا اذا قلنا بأنه لا يصدق الاكل في محل الكلام, والا فلو صدق الاكل تكون جميع الادلة السابقة شاملة له ودالة على مفطريته, فلا وضوح للأطلاق لهذه الرواية , ومن هنا يكون الجمع ايضا غير تام لهذين الدليلين ,
وقد تقدم الكلام عما يبقى في الاسنان من بقايا الطعام, لكنه خارج عن محل الكلام لأنه يعتبر من الاكل الذي يدخل المعدة من خارج الجسد, غاية الامر انه تأخر عن ابتلاعه , فلو قلنا بصدق الاكل هناك لا يُنقض علينا بأنه لابد ان يصدق هنا , وذلك لوجود الفرق بينهما.