39/01/16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

وحصّل القاعدة اليزدية:- هو أنه ( كلما اختلط الحلال بالحرام فهو لك حلال إلى أن تعرف الحرام بعينه ) ، يعني أنَّ هذه القاعدة تعمّ حتى الشبهة المحصورة ، فإذا كان عندك اناءان أحدهما نجس وقد اختلطا فبمقتضى هذه القاعدة تستطيع أن ترتكب أيّ واحد منهما.

وألفت النظر إلى أنَّ هذا الكلام ذكره في حاشيته على المكاسب ولكنه لم يأخذ بها في العروة الوثقى ، بل قال إنَّ العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة منجّز ، فلو كان عندك اناءان أحدهما مغصوب لزم تركهما معاً أو أنَّ أحدهما نجساً فيزم تركهما معاً ، ونصّ عبارته في العروة الوثقى ( مسألة 1:- إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور

كإناء في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع وإن استبه في غير المحصور كواحد في ألف مثلاً لا يجب الاجتناب عن شيء منه )[1] .

وما هو مستنده في هذه القاعدة ؟

والجواب:- ذكر أربعة أدلة رابعها التمسك بالأخبار والثلاثة الأولى منها هي من غير الأخبار:-

الدليل الأوّل:- إنَّ الشبهة في مثال جائز السلطان ليست محصورة بل هي غير محصورة ولعلم الاجمالي في غير المحصورة ليس بمنجّز والوجه في ذلك هو أني أعلم بوجود الحرام ليس في أموال السلطان الجائر فقط بل في أموال السلطان احتمال يوجد حرام وفي أموال العشّار حتماً يوجد حرام وكذلك رئيس الشرطة والشرطي كذلك وكذلك في أموال الغاصبين وهكذا ، فإذن شرائح متعددة من المجتمع نعلم اجمالاً بأنهم يوجد عندهم حرام ، فإذن أنا أعلم بوجود حرام في مجموع أموال هؤلاء الأشخاص لا في خصوص أموال هذا الشخص الظالم كلا بل هذا الشخص وغيره أعلم بوجود حرام في اموالهم وهؤلاء بمنزلة شخصٍ واحد ، فعلى هذا الأساس أنا أعلم بوجود الحرام في هذه الأطراف الكثيرة التي يصعب حصرها وحينئذٍ يكون المورد من الشبهة غير المحصورة.

إذن النكتة التي اعتمد عليها السيد اليزدي(قده) والعناية التي أعملها هو أنه لاحظ السلطان وغيره من بقية الناس - أما نحن فلاحظنا السلطان وحده - فأتمكن أن أقول هناك حرام في أموال هؤلاء وهؤلاء عددهم كثير وغير محصور فصارت الشبهة غير محصورة وهم بالنسبة لي بمثابة شخص واحد فأنا الشخص الواحد أعلم بوجود الحرام عند هؤلاء الجماعة الذين هم بمثابة الشخص الواحد ، هذا ما أفاده ، ونصّ عبارته:- ( وإلى امكان دعوى كون الشبهة من قبيل غير المحصور من جهة أن مجموع الأشخاص الذين يكون العلم حاصلاً بوجود الحرام في مالهم من السلطان وعماله والعشّارين والآكلين للربا والمانعين من الخمس والزكاة والغاصبين لأموال الناس والسارقين والتجار الذين غالب معاملاتهم باطلة من جهة الجهل بالمسائل والمعاملين مع أحد هؤلاء بمزلة شخصٍ واحد بالنسبة إلى هذا المكلّف ومن المعلوم أن أموالهم من حيث المجموع من غير المحصور . ولا يضر كون كل واحد واحدٍ من قبيل الشبهة المحصورة ، نعم يمكن دعوى أن الشبهة من قبيل الكثير في الكثير )[2] .

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنَّ ما ذكره يتم إذا فرضنا أنَّ الحكم كان واحداً ، أما إذا فرضنا أنه في كلّ شريحة يوجد حكم غير الحكم الموجود في الشريحة الثانية ، يعني هذه الشريحة الأولى وهي شريحة السلاطين الظلمة أعلم بحرمة شيء واحد عندها فهذا علم اجمالي والمعلوم بالإجمال حرمة واحد من أموالهم ، والشريحة الثانية وهم العمّال فالعمال أيضاً أعلم بأنَّ واحداً من أموالهم حرام وهذا سوف يصير علماً اجمالياً ثانياً لا ربط له بالعلم الاجمالي الأوّل ، ولو جئت إلى الشريحة الثالثة وهم الآكلون للربا أعلم بأنَّ بعض أموالهم حرام وهذا تكليف ثالث ..... وهكذا كل شريحة لها تكليف معلوم بالاجمال غير الشريحة الأخرى ، ومعه فلا معنى لأن نجمع كل هذه الشرائح ونعدّها بمنزلة شخص واحد فإن هذا الكلام غير مقبول ، إنما يتم هذا فيما إذا كان الحكم المعلوم بالاجمال واحداً ، أما إذا فرض أنه في كل دائرة صغيرة يوجد حكم معلوم بالاجمال فحينئذٍ سوف تتعدد الشبهات ولا تعدّ شبهة واحدة ، وميزان عدّ الشبهة واحدة أو متعددة هو إذا كان الحكم المعلوم بالاجمال واحداً فكل الأطراف نعدّها شبهة واحدة ، أما إذا فرض أنَّ المعلوم بالاجمال كان متعدداً فحينئذٍ تتعدد الشبهات بتعدد المعلوم بالإجمال ولا معنى لملاحظتها شبهةً واحدةً ، وهذا ينبغي أن يكون من الأمور الواضحة.

ثانياً:- لو تنزّلنا وقلنا إنَّ هذه الشبهة ليست محصورة ولكن العلم الاجمالي فيها يكون منجزاً لأن المعلوم بالاجمال كثير وليس واحداً والوجه في كون هذا العلم الاجمالي منجزاً رغم أنَّ الشبهة غير محصورة هو أنَّ العلم الاجمالي إنما يسقط عن المنجّزية في الشبهة غير المحصورة لضعف احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل طرف ، يعني كلّ طرف حينما آخذه فلو كانت الاطراف ألف طرف والمعلوم بالاجمال واحد فسوف صير احتمال انطبقا ذلك الواحد على طرف واحداً من ألف وهو ضعيف ولا يعتني له العقلاء وهذا ما بيّنه الشيخ الأنصاري في الرسائل - يعني أنَّ أحد الوجوه التي ذكرها لعدم تنجيز العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة هو هذا - وإذا كان هذا هو الوجه الذي الوجه الوجيه فنقول هذا يتم إذا كان المعلوم بالاجمال واحداً يعني النجس أو الحرام كان واحداً من ألف ، أما إذا فرض أنه كان من قبيل الكثير في الكثير يعني بعبارة أخرى أنَّ المعلوم بالاجمال كان عشرة في الألف فهنا احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل طرف لا يبقى واحداً من ألف وإنما يتصاعد الاحتمال فيمكن أن يقال إنَّ العلم الاجمالي هنا يصير منجّزاً رغم كون الشبهة غير محصورة ، والنكتة في عدم المنجّزية في حالة عدم حصر الأطراف هي ضعف احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل طرف ، وهذا يتم فيما إذا كان المعلوم بالاجمال واحداً دون ما إذا كان متعدداً ، فإذن يصعد الاحتمال فيمكن أن نقول بأنَّ العلم الاجمالي يكون منجّزاً رغم أنَّ الشبهة غير محصورة.