38/12/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/12/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة (38 ) ما لو دفع شخص مالاً لشخص آخر ليوزعه بين المؤمنين.

كان كلامنا في مسألة ما لو دفع شخص مالاً ليوزعه بين جماعة فهل يجوز له أن يأخذ أو لا وهل أنه يلزم أن يأخذ بمقدار ما يدفع إلى الآخرين ؟ وقد قلنا إن هذه المسألة لم يتعرض إليها الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب المحرمة ، بيد أنه تعرض إليها في أواخر كتاب البيع فهناك أخذ يذكر مختلفة من قبيل تلقي الركبان والأخبار الواردة في الحث على التفقه في التجارة وغير ذلك ومن جملة ذلك ذكر هذه المسألة[1] ، وتعرض السيد الخوئي(قده) إلى هذه المسألة في تنقيحه[2] .

وعلى أيّ حال نحن ذكرنا الروايات وحاولنا أن نوجهها بشكل تصلح أن تكون توجيها لما ذهب إليه السيد الخوئي(قده) من التفصيل ، ثم بعد أن ذكرنا هذا طرحنا تساؤلاً وهو أنه هناك طريق أسهل لتوجيه ما ذهب إليه السيد الخوئي(قده) غير ما أشرنا إليه وذلك بأن يقال إنه إذا كان للمال مصرف معين شرعاً مثل الزكاة فالدافع يريد ابراء الذمة والدفع حسب الموازين الشرعية ولا يهمه أن يأخذ الشخص الذي دفع إليه المال أو لا فحينئذٍ يجوز له الأخذ بلا حاجة إلى كسب الاذن كما هو رأي السيد الخوئي(قده) ، وأما إذا لم يكن له مصرف معين فحيث لا يعرف نظر الدافع فلابد آنذاك من كسب إذنه في أصل الأخذ وفي مقدار المال المأخوذ ، هكذا يمكن أن نوجه تفصيل السيد الخوئي(قده) بلا حاجة إلى التوجيه السابق وملاحظة الروايات فإنه هنا لا نحتاج إلى توجيه الروايات ؟

والجواب:- إنَّ هذا وإن كان له وجاهة ولكن لا يؤمن كامل ما أراده السيد الخوئي(قده) لأنه ذكر إذا كان للمال مصرف شرعي فهناك حكمان الأول هو أنه يجوز أن يأخذ بلا حاجة إلى إن وهذا لا كلام لنا فيه ، ولكن هناك حكماً ثانياً وهو أنه يأخذ بمقدار ما يعطي للفقراء وهذا الحكم الثاني لا يمكن أن يؤمن ويوجه بالبيان الذي اقترحناه ، لأنَّ البيان الذي اقترحناه أقصى ما ينفع هو براءة الذمة من النظرة الشرعية ولا يهمني من الذي أخذ ، فإذا كان هذا هو الذي يريده فحينئذٍ يجوز لي أن آخذ أكثر مما أدفع إلى الآخرين لأنه لا توجد فيه مشكلة من الوجهة الشرعية ، ولكن حينما ذكر أنه لا يجوز له أن يأخذ أكثر مما يعطي للآخرين فهذه قرينة على أنه لا يقصد هذا التوجيه الذي ذكرناه ثانياً بل هو قد استند إلى الروايات.

ثم إنَّ التوجيه الذي ذكرناه لما ذهب إليه لسيد الخوئي(قده) في المتن أولى من التوجيه الذي ذكره هو لنفسه ، فإنه في التنقيح[3] ذكر توجيهاً لهذا التفصيل فقال:- إن الروايات الموجودة عندنا خمس الثلاثة الأولى منها يمكن حملها على الاستحباب وقد قالت إنه يجوز أن يأخذ بلا حاجة إلى كسب الاذن ولكن بمقدار ما يدفع إلى الآخرين ، هذا بالنسبة إلى الروايات الأولى الثلاث التي تختص بباب الزكاة ، وأما بالنسبة إلى الروايتين الأخيريتين فقال هما محمولتان على المال الخاص كالتبرع للفقراء وهنا قالت الروايات لابد في أصل الأخذ من كسب الاذن ، فحينئذٍ توجيه هذا التفصيل سوف يصير هو هذا:- وهو أنه لو كان له مصرف شرعي فله أن يأخذ بلا اجة إلى كسب الاذن ولكن يأخذ بمقدار ما يعطي للآخرين وإما إذا لم يكن له مصرف شرعي فلا يجوز له أن يأخذ أصلاً إلا بعد كسب الاذن في أصل الأخذ وفي المقدار هذا لأجل الروايتين الأخيريتين ، فهو حمل الروايتين الأخيرتين على حالة ما إذا لم يوجد مصرف شرعي بينما الثلاث الأُوَل قال هي محملة على وجود المصرف الشرعي ، وما ذكرناه في التوجيه أولى مما ذكره ولنستذكر ، وأولاً نذكر التوجيه الذي ذكرناه ثم نبين وجه الأولوية:

أما التوجيه الذي ذكرناه:- فقد قلنا إنَّ الروايات الثلاثة الأُوَل لا يبعد نظرها إلى باب الزكاة ، وأما بالنسبة إلى الروايتين الأخيرتين فهو قال هما ناظرتان إلى حالة عدم المصرف ، وأما نحن فنقول هذه حيادية لا تعارض الروايات الثلاث ، فإذا كانت حيادية فإن كانتا رواية واحدة فحيث لا نعلم الصادر فتسقطان وإذا كانتا ثنتين فسوف تحصل المعارضة فتسقطان فعلى كلا التقديرين الروايتين لا نأخذ بهما إما لعدم معلومية الصادر وعلى الثاني لأجل أنهما روايتان فتحصل معارضة حينئذٍ فتبقى الروايات الثلاث الأُوَل بلا معارض ، وهذا في مورد الزكاة يعني في حالة وجود مصرف شرعي فيجوز أن يأخذ بلا حاجة إلى كسب الاذن لكن يأخذ كأحدهم وأما إذا لم يكن هناك مصرف شرعي فالروايتين ساقطتين فنرجع إلى القاعدة وهي تقتضي أنه لا يجوز التصرف في مال المسلم إلا بطيبة نفس منه ، فإذا كنّا لا نحرز طيب نفسه فلا بد كسب إذنه.

وهذا الذي ذكرناه أولى ، فإنه أكثر فنيّةً مما ذكره(قده) ، مضافاً إلى أنه ذكر أن الروايتان ناظرتان إلى غير باب الزكاة ، يعني أراد أن يجزم ، ونحن ليس واضحاً عندنا صحة هذا الجزم بل قلنا هما حياديتان وهذه الجملة ليس فيها تطرف ، فإذا كانتا حياديتين فحينئذٍ ما ذكرناه ليس فقط هو أكثر فنيّة بل أشد موضوعية لأنه لم نقل المقصود حتماً هو غير باب الزكاة كما قال هو(قده).

هذا بالنسبة إلى توجيه ما أفاده السيد الخوئي(قده).

ونذكر شيئاً جديداً:- وهو أنه لو أخذنا بالروايات كما أراد السيد الخوئي(قده) فنقول له يلزم أن يكون التفصيل ثلاثياً لا ثنائياً كما صنع ، فإن التفصيل الذي ذكره كان ثنائياً حيث قال إذا كان يوجد مصرف شرعي فلا يحتاج إلى كسب الاذن وإذا لم يكن له مصرف شرعي فلابد من كسب الاذن ، ونحن نقول: هذا يتم فيما إذا كان المالك هو الذي دفع المال إلى الوسيط والوسيط هو الذي قام بتوزيعه على الفقراء ، يعني عندنا شخصان الدافع والوسيط في التوزيع فيأتي هذا التفصيل فإذا كان زكاةً فالموزّع يأخذ كأحد الناس وإذا لم يكن زكاة فلابد من كسب إذنه ، ولكن هناك قسم ثالث وهو أن يأتي شخص يدفع المال لشخصٍ آخر وهذا الشخص الآخر يعطى المال إلى ثالث ليوزعه فهل هذا الشخص الثالث يكون مشمولاً للروايات أو لا ؟ فإذا كان مشمولاً للروايات فيجوز له أن يأخذ فإذا كانت زكاة فيجوز أن يأخذ بلا كسب الاذن وأما إذا لم تكن زكاة فلابد من كسب الاذن ، ولكنه لا تشمله الروايات فإنَّ الروايات ناظرة إلى المالك وشخصٌ آخر أما الشخص الثالث فهي ليست ناظرة إليه فيمكن في مثل هذه الحالة أن نتمسك بالقاعدة ، فندع النظر عن الروايات ونقول في مثل هذه الحالة إذا كان المال المدفوع زكاة جاز له أن يأخذ بلا حاجة إلى كسب الاذن لأنَّ الدافع يريد اعطائها حسب النظر الشرعي وهذا الثالث فقير فيجوز له الأخذ كما يجوز له أن يأخذ أكثر من الباقين وأما إذا لم يكن زكاة فلابد من أخذ إذن المالك.

فإذن ما أفاده السيد الخوئي(قده) يتم فيما لو كانت الأطراف ثنائية أما إذا كانت ثلاثية فليست مشمولة للروايات وإذا لم تكن ممولة للروايات فيلزم الرجوع إلى القاعدة وهي تقتضي ما أشرنا إليه وهي أنه في الزكاة يجوز الأخذ أما في غير الزكاة فلا يجوز الأخذ إلا بإذنه ، فإذن كان ينبغي للسيد الماتن(قده) أن يشير إلى هذه القضية.

ثم نلفت النظر إلى قضية أخرى:- وهي أن ما ذكره السيد الخوئي(قده) من التمسّك بالروايات مبني على أن نظرة الروايات نظرة تعبدية يعني الامام قال إنه في باب لزكاة لا يحتاج إلى إذن ولكنه يأخذ كأحدهم تعباً وشرعاً فهذه قضية توقيفية وإما إذا لم يكن باب الزكاة فلابد من كسب الاذن وهذه قضية تعبدية أيضاً ، والظاهر أن الفقهاء بشكل عام حملوا الرايات على النظرة التعبدية ولكني استبعد أن الامام حينما فصّل هو فصّل تعبداً ، ووجه الاستبعاد:- هو أنه لو فرض أن المال المدفوع كان زكاةً وفرض أن الدافع قال إذا أردت ان تأخذ أكثر فخذ فعلى طبق الروايات يلزم أنه لا يجوز له ذلك لأن الروايات قالت يأخذ كأحدهم ، أو افترض أنه لم يصرح ولكني أعلم أنه يقبل فيلزم أن لا آخذ إلا بمقدار ما أدفع إلى الأخرين لأنَّ هذه قضية تعبدية ، وهذا شيء بعيد ، فلا يبعد أن الامام حينما فصّل هو ناظر إلى تلك الفترة الزمنية وحسب ما يفهم في محيطه وعلى هذا الأساس هنا من مصاديق تأثير الزمان في الأحكام الشرعية فالإمام عليه السلام في هذه الروايات ناظر إلى تلك الفترة الزمنية فإنه كان يفهم من الدافعين هذا المعنى في باب الزكاة ويفهم في غير باب الزكاة كما أشير أما في زماننا حينئذٍ نقول المناسب أن ندع العبد الروايات ونقول إن كانت هناك قرينة يفهم منها مقصود الدافع ولو كانت تلك القرينة هي القرينة الحالية فأنا أعرف من حالته أعرف أنه كيف يريد التوزيع فنسير عليه والقرينة الحالية في زماننا أنه يريد أن تبر ئ ذمته بالشكل الشرعي فحينئذٍ يجوز أن يأخذ ويجوز أن يأخذ أكثر مما يعطي للغير ، وإذا لم تكن هناك قرينة وهذه حالة نادرة فحينئذٍ نقول لابد من كسب إذنه في أصل الأخذ وفي مقدار المال المأخوذ من دون فرق بين ما إذا كان هناك مصرف مقرر شرعاً وإذا لم يكن هناك مصرف شرعي مقرر فإنه في الاثنين يكون الحكم واحداً ، وعادة في زماننا القرينة الحالية النوعية وجودة والتي مضمونها أنه يردي أن يفرغ ذمته وأن عليك أن تصرف هذا لمال حسب ما يراه الشرع فحينئذٍ أوزعه أنا بالشكل الذي أراه كما يجوز التفاضل ولا مشكلة فيه من دون فرق بين أن يكون مصرفاً شرعياً أو لا ، وإذا لم تكن هناك قرينة نوعية ففي كليهما لابد من كسب الاذن من دون تفصيل بين ما إذا كان هناك مصرف شرعي أو لا ، ومن المناسب حينما نذكر هذا في الرسالة العملية نقول إذا اعطاك المال وكان قاصداً افراغ ذمته وصرفه بالشكل الشرعي فحينئذٍ يجوز الأخذ ويجوز أيضاً التفاضل ولا فرق بين الزكاة وبين غيرها ، ولا نذكر التفاصيل لأنَّ هذا يوجب التشويش.

بقي شيء:- وهو أنه ما هو الحكم في باب الوصية ؟ وهذا لم يشر إليه السيد الماتن ولا الفقهاء وكان من المناسب الاشارة إليه ، فلو أوصى الميت في صرف ثلثه في الخيرات فحينئذ هل يجوز لورثته أن يطبقوا عنوان الخيرات على أنفسهم أو لا فهل يجوز هذا أو لا ومن الواضح أنَّ هذا المال باقٍ على ملك الميت ولا يجوز الصرف به إلا بطيب نفسه ، فما هو الحكم في مثل هذه الحالة ؟

والجواب:- بادئ ذي بدء ربما يقال: إنه كيفما كان هو أراد الخيرات ونحن أولاده فلا مشكلة ، نعم لو كان الأولاد أغنياء فنجيب بأن نفس هذا قرينة على أنه لا يرضى ، ولذلك افرض نفسك مقام الميت فهل تقبل أن يطبّق أولادك الخيرات عليهم مع أنهم اغنياء ؟ كلا لا تقبل ، فنفس سعة مالهم قرينة على أنَّ الميت لا يقبل بذلك بل يريد توزيعه على الفقراء فعادةً الميت هكذا يكون مقصوده ، فإنَّ الكلام فيما إذا كانوا فقراء ففي مثل هذه الحالة هل يجوز تطبيق ذلك العنوان عليهم ؟

والجواب:- هناك احتمال الانصراف ، فإن الميت حينما قال أريد الخيرات فتوجد شبهة انصراف إلى غير الورثة ، فأنتم الورثة لكم التركة ، فالخيرات إذن إما أن تصرف في حسينية أو مستشفى أو تزويج المؤمنين أو في غير ذلك لا أنه يأخذها الورثة ، ولأجل شبهة الانصراف يحتاط الفقيه فيقول الأحوط عدم جواز ذلك ، أما لو قال فقيه يوجد انصراف حتماً فحينئذٍ يفتي بالحرمة ، وأما أذا قال فقيه لا يوجد انصراف حتماً فحينئذٍ يفتي بالجواز ، لكن نحن حينما نرى هناك احتمال الانصراف فنحتاط في مثل هذه القضية ، فلذلك الأحوط في مثل ذلك عدم تطبيق الورثة هذا العنوان عليهم.


[2] التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، تسسلسل37، ص502.
[3] التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، تسلسل37، ص508.