38/12/03


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/12/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 37 ) حكم الضرائب – المكاسب المحرمة.

والجدير في مقام الجواب عن المعارضة أن يقال:- إذا نظرنا إلى الرواية الأولى أعني صحيحة أبي عبيدة وجدناها خاصة بباب الزكاة بينما الرواية الثانية أعني موثقة اسماعيل بن الفضل ناظرة إلى غير الزكاة فكل يؤخذ به في مورده بلا معارضة ، فانظر إلى صحيحة أبي عبيدة فهي تقول في السؤال الثاني ( قيل فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا ) فالامام أجاب وقال ( إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس ) فهو اشترط العزل في باب الزكاة ، أما تلك الرواية فقالت ( الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدري لعله ... ) فهي لم تذكر الزكاة ، فإذن كل واحدة نحملها على موردها ، وسوف تصير النتيجة هي أنه إذا فرض أنَّ المورد مورد الزكاة فيلزم العزل لصحيحة أبي عبيدة وإذا لم يكن من الزكاة فلا يلزم العزل لموثقة اسماعيل بن الفضل ، بل ذلك على طبق القاعدة ولا نحتاج إلى موثقة اسماعيل فإنَّ الاشتراط هو الذي يحتاج إلى دليل ، فعدم اشتراط العزل هو على طبق القاعدة ولكن توجد عندنا رواية تلد عليه وهي موثقة اسماعيل بن الفضل ، كما أنه بقطع النظر عنها أنَّ عدم اشتراط العزل هو على طبق القاعدة بلا حاجة إلى وراية ، فيفصّل هكذا.

ولكن هذا يتم إذا كنّا نحتمل التفصيل بين باب الزكاة وبين غير باب الزكاة ، أما إذا لم نحتمل التفصيل بمعنى أنَّ الفقهاء لم يفصّلوا بين باب الزكاة وبين غيره فهذا الاحتمال يكون احتمالاً علمياً لكنه بعيد عن الواقع إذ الفقهاء لم يفصّلوا ، فإذا لم يفصّلوا فيمكن أن نجيب بأنَّ صحيحة أبي عبيدة ظاهرة في وجوب العزل كما قيل ونقبل بهذا من دون خصوصية للزكاة ، بينما موثقة اسماعيل بن الفضل هي أظهر في عدم اشتراط العزل ، فنطبّق قاعدة كلّ ما اجتمع ظاهر وأظهر وكانا متنافيين فيؤول الظاهر لحساب الأظهر أو لحساب النصّ ، وهذه قاعدة عرفية قياساتها معها.

وهذه الكبرى واضحة ولكن كيف نطبقها على المورد ؟

أما أنَّ صحيحة أبي عبيدة في سؤالها الثاني والتي اشترطت العزل إما أنها ظاهرة في اعتبار العزل فهذا شيء واضح حيث قالت ( إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس ) ومفهومه ( إن لم يعزلها ففيه بأس ) وظاهر البأس عدم الجواز وهذا مسلّم ولا كلام لنا فيه فهذا ظاهر في الشرطية أي في اشتراط العزل في صحة المعاملة ، أما أنَّ موثقة اسماعيل أظهر في عدم اعتبار العزل فلأنها قالت هكذا ( إذا علمت أن من ذلك شيئاً واحداً أنه قد ادرك فاشتره وتقبل به ) حيث جعلت الملاك والمدار على الادراك حيث قالت ( إذا أدرك فاشتره ) ولم تقل ( إذا ادرك وعزلته ) فهي جعلت المدر على الادراك وهي واضحة في كفاية الادراك بلا حاجة إلى عزل ، فبذلك نتصرّف في ظاهر الأولى بحملها على الاستحباب ، فنرفع اليد عن اللزوم ونحمل ذلك على الاستحباب بقرينة هذه الرواية المعارضة التي هي أظهر في عدم شرطية العزل.

إن قلت:- إنه كما يحتمل حمل صحيحة أبي عبيدة التي هي ظاهرة بالوجوب على الاستحباب بقرينة موثقة اسماعيل بن الفضل الهاشمي أيضاً يحتمل وجه آخر وهو التقييد فإنَّ الثانية - أعني وموثقة الهاشمي - قالت ( إذا علمت من ذلك أن شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره واقبل به ) وهذه مطلقة فنقيدها بالعزل بقرينة الأولى ، فإذن كما أنه يمكن حمل الأولى على الاستحباب بقرينة الثانية كذلك يمكن أن نقيّد الثانية بالعزل بقرينة الأولى فإنه يوجد وجهان ولا مرجح للوجه الأوّل يعني حمل الأولى على استحباب العزل ؟

قلت:- إذا قيدنا موثقة الهاشمي بالعزل وصار التقدير ( إن أدرك وعزل فآنذاك يجوز التقبل الشراء ) فهذا لازمه إلغاء عنوان الادراك عن الاعتبار ، وظاهر الرواية حينما أخذت وصف الادراك أنَّ له مدخلية بينما على التقييد يلزم الغاء هذا التقييد ، والوجه في ذلك هو أن العزل إذا كان يتحقق مع الادراك في زمانٍ واحدٍ - أي كلا القيدين وكلا الوصفين يمكن تحققهما في زمان واحد - فهنا عملية التقييد وجيهة ، أما إذا فرض أنَّ أحد الوصفين يتأخر عن الثاني كما في المقام فإنَّ العزل يكون بعد الادراك بفترة ، فهو حينما يدرك بعد ذلك يلزم أن تمضي فترة حتى ينضج فإذا نضج أو حان وقت حصاده فآنذاك يتحقق العزل ، يعني بعد الادراك وبين العزل فاصلٌ طويل ، فإذا اعتبر العزل فلازمه أنا ألغيا قيد الادراك عن الاعتبار وأنه لا مدخلية له بل كلّ المدخلية سوف تصير للعزل والحال أنَّ الرواية قد أخذت وصف الادراك وسلّطت الأضواء عليه ، فحينئذٍ هي أظهر في اعتبار هذا الوصف ، هذا هو سبب الأظهرية في عدم اعتبار العزل ، فتصير قرينة على حمل الأولى التي اشترطت العزل على الاستحباب.

إذن اتضح أننا نطبّق قاعدة ( كلّما اجتمع ظاهر وأظهر فيؤول الظاهر بقرينة الأظهر ) ، وفي المقام ظاهر صحيحة أبي عبيدة اعتبار العزل ، بينما موثقة الهاشمي أظهر في اعتبار الادراك فقط من دون شرطية العزل ، فتؤول الأولى بالحمل على الاستحباب ، فنحن نبقي العزل ويكون معتبراً ولكن اعتباره على مستوى الاستحباب.

وبهذا نفرغ عن الحكم الثالث.

بيان الحكم الرابع:- وهو أنَّ ما أشرنا إليه من تحقق براءة ذمة المالك بالدفع إلى الظالم وجاز الأخذ من الظالم يعمّ جميع أنحاء الظالم.

وتوضيحه:- إنَّ الظالم له اشكال مختلفة ، والقدر التيقن من الروايات وكلمات الأصحاب هو المسلم المخالف الذي يدّعي أنه الخليفة بالخلافة العامة كبني مروان وبني أمية ، إنما الكلام في شموله للمؤالف الذي يدّعي الخلافة العامة كما لعلّه ادعاه القاجارية أو الصفوية أو غيرهم - ومن الواضح أنهَّ هذا المعنى لم يتحقق في زمان المعصوم عليه السلام عادة وإنما ربما حصل ذلك بعد ذلك - ، فهل يعمهم وهل يعمّ المخالف الذي لا يدّعي الخلافة العامة وإنما هو أنشأ دولةً في منطقةٍ خاصةٍ وادّعى الخلافة هناك فهو مسلمٌ مخالفٌ ولكنه من دون أن يدّعي دعوى الخلافة العامة فهل يعمه هذا الحكم أو لا يعمه ؟ ، والثالث هو الكافر ، فإذا فرض أنَّ السلطان كافر ولم يكن مسلماً وفرضنا أنه كان يأخذ الخراج أو غيره فيأتي الكلام أنه هل تبرأ الذمة بأخذه إذا أخذ وهل يجوز الأخذ منه أو لا ؟

وفي هذا المجال ربما يقال نعم الحكم يعم هؤلاء الثلاثة أيضاً ، وذلك لوجهين:-

الوجه الأوّل:- التمسّك بإطلاق بعض الروايات ، فإن بعض الروايات تشتمل على اطلاق وهي تعم جميع الأنحاء الأربعة ، من قبيل صحيحة الحلبي:- ( لا بأس أن يتقبل الأرض وأهلها من السلطان )[1] ، وفاعل يتقبل هو المكلف يعني أنا وأنت ، وعبارة ( من السلطان ) مطلقة فتعمّ الأنحاء الأربعة.

الدليل الثاني:- قاعدة نفي الحرج ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ، فعدم براءة الذمة يلزم منه الحرج إذا دفع مرة ثانية.

ولكن هذه القاعدة تنفعنا بالنسبة إلى براءة الذمة ، أما بالنسبة إلى جوزا الشراء أو الأخذ منه فربما يقال: إنه إذا لم يجز لي الأخذ فأيضاً ذلك يسبب لي الحرج ، فإنه في بعض الحالات يتسبب الحرج فليس من البعيد ذلك.

والجواب عنهما واضح:-

أما بالنسبة إلى الاطلاق:- فلأجل أنه ليس هو بتام على مبنانا في باب الاطلاق ، فإنه بالتالي إذا لم يقيد الامام عليه السلام وكان مقصوده هو المقيّد لا يستهجن منه لأنَّ الحالة العامة في زمانه هي السلطان المخالف المدّعي للخلافة العامة أما الثلاث البقيّة فليست حالة موجودة في زمانه وإذا كانت موجودة فهي حالة نادرة فالامام عليه السلام عبّر بالسلطان اتكالاً على هذا.

فإذن إما أن تدّعي الانصراف ، وإذا شكك شخص في الانصراف فحينئذٍ نتمسّك بمبنانا ونقول إنه لا يستهجن الاطلاق من الامام عليه السلام رغم أنَّ مراده المقيّد - يعني السلطان المخالف الدعي للخلافة العامة - لأنه إذا سألنا الامام عليه السلام وقلنا له لماذا أطلقت مع أنَّ مرادك هو المقيد ؟ فيجيب ويقول: ولماذا أقيد مادامت الحالة العامة هي السلطان المخالف المدّعي للخلافة العامة.

فإذن الاطلاق لا يمكن التمسّك به لعدم تحقّقه.