38/08/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 35 ) حرمة الكذب – المكاسب المحرمة.

وفيه:- نحن لا نسلّم الحمل على لزوم الحمل على الفرد النادر ، فإنَّ الانسان قد يصاب بالدهشة أحياناً ، فإذا قال له الظالم احلف بأن هذا المال ليس لك أو ليس لفلان فقد تحصل له الدهشة وحينئذٍ لا يتمكن أن يورّي بالشكل المناسب فإنَّ التورية تحتاج إلى فترة زمنية حتى يلتفت كيف يورّي هذا بالنسبة إلى أمثالنا نحن أهل العلم أمّا عامّة الناس فغالباً لا يعرفون كيف يورّون حتى في الحالات الطبيعية ، فحالة عدم التمكن ليست هي حالة نادرة بل ربما تكون هي الحالة الشائعة.

إن قلت:- إذا صارت هي الحالة الشائعة فتحمل الطائفة الأولى حينئذٍ وإن لم تقيد بالاضطرار يحمل اطلاقها على الحالة الشائعة فالامام لم يقيد بالاضطرار لأنَّ الحالة الشائعة هي عدم التمكن من التورية فإذن الطائفة الأولى محمولة على حالة عدم التمكن من التورية لا من باب تقييدها بالاضطرار كلا وإنما من باب أنه حسب اعترافنا ذكرنا أنَّ حالة عدم التمكن من التورية حالة شائعة ومادامت شائعة فالطائفة الأولى تكون ناظرة إلى الحالة الشائعة فإنَّ النصّ والرواية تحملان على الحالة الشائعة.

قلت:- إنَّ الاطلاق لا يمكن أن يختص أو الدليل المطلق لا يمكن أن يختص بالحالة النادرة لا أنه لا يمكن أن يشمل ضمن شموله للحالة الشائعة يشمل الحالة النادرة فإنه لا محذور في ذلك فهو يشمل الاثنين معاً فإنَّ الدليل لا يمكن أن يختص بالحالة النادرة فإنه مستهجن لا أنه لا يمكن أن يعم الحالة النادرة فإذن الطائفة الأولى شاملة باطلاقها شاملة للحالة الشائعة وهي حالة عدم التمكن من التورية ولحالة التمكن من التورية التي هي الحالة النادرة فإنَّ الاطلاق لا يختصّ بالحالة النادرة لا أنه لا يعمها.

الاعتراض الرابع:- ما أفاده السيد الخوئي(قده) أيضاً في المحاضرات[1] وحاصل ما ذكره: إنَّ الطائفة الأولى هي المقدّمة لا من باب أنه لو أخذنا بالطائفة الثانية يلزم إلغاء العنوان المأخوذ في الطائفة الأولى ، كلا بل نقول يلزم الأخذ بالطائفة الأولى - التي لم تعتبر قيد الاضطرار - وذلك باعتبار أنه لا يمكن تقييد الطائفة الأولى بالقيد المذكور في الطائفة الثانية - يعني قيد الاضطرار - وذلك لنكتة أخرى ، والوجه في ذلك هو أنَّ الاضطرار لا يصدق إذا خاف الانسان على مال غيره فإنَّ حفظ مال الغير ليس بواجب ، ومادام ليس واجباً فكيف يتصور أني مضطر إلى حفظه والحلف كاذباً لأجل التحفّظ عليه فإنَّ هذا ليس متصوّراً أصلاً إذ لا معنى له ، نعم الاضطرار يتصوّر في الحلف على حفظ النفس سواء كان نفس الإنسان الحالف أم نفس شخص آخر فإنَّ حفظ النفوس ولو نفوس الآخرين واجب في الاسلام ومادام واجباً فيتصوّر آنذاك الاضطرار في حفظ النفس أعم من كون النفس نفس شخص الحالف أو نفس إنسان آخر ، وهذا بخلاف حفظ أموال الآخرين فإنه لا يلزم حفظها ، ومادام ليس لازماً فكيف يتصوّر الاضطرار بالنسبة إلى حفظ أموال الآخرين ؟!! ، نعم لو كانت الطائفة الأولى مختصّة بالنفوس فهذا صحيح فإنَّ حفظ النفوس أعم من نفسي أو نفس الغير شيء واجب فالاضطرار يكون متصوراً ولكن حفظ أموال الآخرين ليس بواجب فلا يتصور الاضطرار والمفروض أنَّ روايات الطائفة الأولى تشتمل على مال الآخرين فإذا خفت على مال غيرك فاحلف فإنه أحلى من الزبد ، فالمقصود أنَّ الامام عليه السلام جوّز الحلف على أموال الآخرين ، فالروايات تشتمل على أموال الآخرين مادامت تشتمل على أموال الآخرين لا يمكن تقييدها بالاضطرار لأنَّ حفظ أموال الآخرين ليس بلازم.

اللهم - وهذا من عندي- إلا أن يقول قائل:- فلنقيد بعض الرواية يعني من زاوية حفظ مال الآخرين لا نقيدها بالاضطرار لكن من زاوية حفظ النفس نقيدها بالاضطرار.

ولكن هذا الاحتمال باطل:- فإنَّ الرواية إما أن نقيّدها بجميع شقوقها أو نرفض التقييد بلحاظ جميع شقوقها ، أما أن نقيدها بلحاظ بعض الشقوق دون الأخرى فهذا موهون ومرفوض عرفاً ، ولعلّ السيد الخوئي(قده) لم يذكره لشدّة وهنه.

إذن يلزمنا أن نأخذ بإطلاق الطائفة الأولى من دون تقييدٍ لها بالاضطرار ، وهذه هي النتيجة التي يريد أن يصل إليها ، فهو يريد أن يصل إلى أنه يجوز الحلف على أموال الآخرين من دون تقييدٍ بالاضطرار وقد وصل إلى ذلك بهذا البيان الذي أشرنا إليه.

وفيه:- إنه جعل عنوان الاضطرار يدور مدار الوجوب الشرعي ، يعني متى ما كان هناك وجوباً شرعياً للحفظ يصير هناك اضطرار وإذا فرضنا أنه لا يوجد وجوب شرعي للحفظ فلا يتصوّر الاضطرار ، ولكننا نرفض هذا المطلب ، بل الصحيح أنَّ الاضطرار لا يدور مدار الوجوب ، فقد يتحقق الاضطرار من دون وجوب ، كما لو فرض أنَّ الأموال كانت أموالي فإنَّ وجوب حفظها ليس موجوداً بل يجب عليَّ حفظ نفسي أما أموالي فلا فإذا أراد أن يأخذها الظالم فلا يجب عليَّ حفظها ، نعم لا يجوز تبذيرها أما لو جاء السارق وأراد سرقتها فهل يجب عليّ حفظها ؟ كلا لا يجب ذلك ، فإذن أموالي أيضاً لا يجب حفظها ، ولكن رغم ذلك يصدق عنوان الاضطرار ، وبأيّ نكتة يصدق الاضطرار والحال أنه لا وجوب ؟ يصدق الاضطرار من أنَّ هذا يضرّني نفسياً فإنَّ هذه الأموال أحبّها ومرتبطٌ بها بشدّة ، فشدّة الارتباط هو ملاك الاضطرار لا مسألة الوجوب الشرعي ، ونفس هذا الكلام يأتي بالنسبة إلى أموال الآخرين فربّ أموال للآخرين كانت معي وأريد إيصالها إلى أصحابها فحينئذٍ حفظها ليس بواجب عليَّ وإنما المطلوب هو المحافظة عليها بالمقدار الممكن أما الزائد فليس بلازم لكن رغم ذلك نتمكّن أن نقول هناك اضطرار إلى حفظها من باب قضايا عرفية لا شرعية ، فحتى لو فرض أنَّ صاحب الأموال قال لي لا يهمك إن تلفت أو سرقت ولكن إن أمكنك إيصالها بلا مؤونة فافعل ولكن يبقى أني نفسياً لا ارتاح وأنه كيف لا أوصل هذه الأموال إلى أصحابها ، فالقضايا النفسية هي التي توجب صدق الاضطرار ، بل لعلّ مال الغير ليس عندي وإنما أنت أخي المؤمن وأنا لا يلزمني أن أحافظ على أموالك ولكنه مع ذلك قد يصدق عنوان الاضطرار كما لو كانت علاقتنا قويّة جداً بحيث إذا ضاعت أموالك أو تلفت فسوف أتأذى كثيراً فيصدق حينئذٍ الاضطرار ، فإذا قال لي العشّار احلف فيصدق أني مضطر.

إذن الاضطرار ليس ملاكه الوجوب الشرعي وإنما ملاكه قضايا نفسية بالشكل الذي أوضحناه ، وعلى هذا الأساس تبقى الطائفة الأولى قابلة للتقييد بالاضطرار رغم اشتمالها على أموال الآخرين ، فمن هذه الناحية لا مشكلة في التقييد فإنَّ عنوان الاضطرار لا يدور مدار الوجوب الشرعي بل يدور مدار قضايا نفسيّة أو غير ذلك.


[1] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج1، ص488.