34-03-24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 371 ) / الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:- أما بالنسبة إلى أصل الفكرة التي ذكرت بقطع النظر عن الشواهد التاريخية وغيرها - وأقصد بأصل الفكرة هو أن الموقف من الهلال في تلك الفترة الزمنية كان موقف تشدد وتثبت وليس كما هو الحال في زماننا - فنحن نقول سلمنا ما ذكر ولكن يرد:-
 أولاً:- إن هذا التثبت والتشدد قد يؤدي إلى قضية عكسية بمعنى أنه نتيجة للتشدد فالهلال سوف يتأخر ثبوته كما توحي بذلك قضيّة السّفاح مع الإمام الصادق عليه السلام فإن الإمام كان يرى أن هذا اليوم من شهر رمضان ولكن السفاح نتيجة تشدد المسؤولين عن مسألة الهلال لم يثبت عندهم أن هذا اليوم من شهر رمضان بل من شعبان . إذن هذا التشدد أدى إلى نتيجة عكسية ، وإذا قبلنا أنه يؤدي إلى نتيجة عكسية أحياناً ومع ذلك لم ينقل أن بعض الأصحاب أو الأئمة احتاطوا أو وقفوا قبل الموقف الرسمي فإذا قبلنا بهذا في صورة احتمال التأخّر فلنقبله في صورة احتمال التقدّم إذ لا نحتمل الفرق من هذه الناحية فإنه إذا كان المطلوب شرعاً الوقوف وفق الهلال الواقعي فكما أن التقدم يضرّ يلزم أن يكون التأخر مضراً أيضاً إذ هما ليس موقفا بلحاظ الواقع وإذا كانا لا يضرّان فمعاً هما لا يضران فاحتمال الفرق من هذه الناحية ليس بموجود.
 وثانياً:- سلمنا أنه لا يوجد تشدّد يؤدي إلى التأخّر وإنما كان هناك إن صح التعبير تثبت وتريث في مسألة الهلال في تلك الفترة الزمنية ولكن نقول إن حالة التريث لا تعني أنه سوف لا يقع خلاف في أجواء المسلمين بل يمكن أن نفترض أن الجميع متريثون ولكن رغم ذلك تحصل اختلافات وقد عاصرنا هذا المعنى قديماً فكان يثبت عند بعض المراجع ولا يثبت عند البعض الآخر ، نعم في زماننا هذا لعل هناك منشأ آخر للاختلاف وهي قضية العين المسلحة التي كانت مفقودة في تلك الفترة الزمنية ولكن قبل أربعين أو خمسين سنة لم يكن للعين المسلحة وجود أو كان هناك وجود ولكن لم يكن هناك اعتماد على ذلك ورغم هذا نجد الخلاف بين المراجع في هذه القضية.
 وعلى هذا الأساس فمن البعيد أن احتمال الخلاف على فترة قرنين لم يكن موجوداً وكان جزماً بالوفاق . إذن مادامت هذه قضية طبيعية ومن البعيد حصول الجزم بالوفاق طيلة هذه الفترة فلا محذور في التمسك بهذه السيرة حتى لو سلمنا الأصول الموضوعية أو الأمور التي ذكرت فيها.
 والآن نأتي ونناقش الأمور التي ذكرت فيها:-
 أما بالنسبة إلى قضية سالم:- فلم يُذكّر في التاريخ أو في المحلّى أن شهادة سالم مع النفر رُدَّت لأجل التثبت والتشدد في أمر الهلال لدى أمير الحاج بل لعل ردّ الشهادة كان موقفا سياسياً أو خاصّاً بين سالم وأمير الحاج فلم ينقل في كتب الحديث أو التاريخ أن ردَّ الشهادة كان لأجل التشدد والتثبت . إذن كيف نجعل هذا شاهداً على المطلب ؟!
 وأما بالنسبة إلى قضية أبي يوسف:- فصحيح أن رأيه إذا كان الجو صاحياً فيعتبر خمسن شاهداً ولكن الكلام ليس في عالم الفتوى بل في مقام العمل والتطبيق ونحن لابد وأن نذكر شاهداً بأنه كان في مقام العمل متثبتاً في أمر الهلال ومجرد أن فتواه كانت متشددة فهذا لا يعني أن عمله كذلك وما أكثر أن يحصل الاختلاف بين العمل والفتوى . إذن هذا لا يمكن تسجيله شاهداً على المطلب.
 وأما بالنسبة إلى قضية السفاح:- وأن الإمام عليه السلام كان متقدّماً في شهر رمضان أي ثبت عنده أن هذا هو أول يوم من شهر رمضان بينما السفاح والسلطة لم يثبت عندهم ذلك - إن هذا أول الكلام فالرواية كما تحتمل هذا تحتمل ذاك أيضاً ، يعني هي إنما تصلح شاهداً فيما إذا فرضنا أن الاختلاف بين الإمام وبين السفاح كان في بداية الشهر فالإمام ثبت عنده البداية ولكن السلطة لم تثبت عندها البداية فهذا يدل على تشدد السلطة في أمر الهلال ولكن يحتمل في الرواية أنها ناظرة إلى آخر الشهر - يعني أن الإمام كان صائماً لأنه لم يثبت عنده أن هذا اليوم هو من شوال بل كان الثابت عنده أنه من شهر رمضان ولكن السلطة قد ثبت عندها أنه من شوال - إنه بناءً على هذا الاحتمال تصير الرواية شاهداً على العكس - أي على تساهل السلطة وتسامحها - فلنقرأ الرواية ولنلاحظ هل هي ملتئمة مع الأمرين معا أو هي ملتئمة مع الأول فقط ؟ فان الوارد فيها هكذا:- ( إني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم ) وهذه العبارة حيادية فالمقصود أنهم شكوا في الصوم أما أن شكهم كان في البداية فلا بل يلتئم مع النهاية أيضاً ، ( وهو والله من شهر رمضان ) وهذا أيضاً يلتئم مع الاثنين معاً ، ( فسلمت عليه فقال يا أبا عبد الله أصمت اليوم ؟ فقلت:- لا والمائدة بين يديه ، قال:- فادن فكل ، فدنوت فأكلت وقلت:- الصوم معك والفطر معك ) فـ( لم أصم ) كما يلتئم مع البداية يلتئم مع النهاية ( فقال الرجل لأبي عبد الله:- تفطر يوماً من شهر رمضان ؟ فقال:- لإن أفطر يوماً فأقضيه أحب إليَّ من أن يضرب عنقي ) وهذا أيضاً يلتئم مع البداية ومع النهاية ، وعلى أي حال هذه الرواية حياديّة من هذه الناحية.
 وأما ما ذكر من أن الأصحاب لم يسالوا الإمام عليه السلام عن حالة احتمال المخالفة الأمر الذي يدل على أنهم كانوا يعيشون حالة الموافقة الجزمية:- ففيه:- إن عدم سؤال الأصحاب كما يلتئم مع هذا يلتئم مع افتراض أن احتمال المخالفة موجود ولكن حيث أن نفس الأئمة كانوا يقفون طبقاً لما عليه السلطة ورأى الأصحاب جوّاً واضحاً في هذا المعنى فما الداعي آنذاك إلى السؤال بعد لمسهم هذا الجو الواضح والموقف العملي من قبل نفس الأئمة عليهم السلام.
 وأما ما ذكر من أن الأعلام لم يتعرضوا إلى هذه المسألة وإنما تعرض إليها المتأخرون الأمر الذي يدل على أن السلطة كانت متثبتة طيلة هذه الفترة:- فيمكن أن يقال:- إن عدم تعرض الفقهاء لذلك من المحتمل أن يكون من جهة أن الجميع كان واضحاً عندهم أن الوقوف اللازم لابد وأن يكون على طبق ما عليه السلطة فكانت هناك أجواء واضحة في هذا المعنى فلم تكن هناك حاجة إلى تعرض الفقهاء إلى ذلك.
 وإذا سألتني:- كيف حصل هذا التغيب ؟ أي تعرض لها فقهاءنا المتأخرون مثلاً في زمن صاحب الجواهر ؟
 نقول:- يحتمل أن هذا نشأ من تدقيقات المتأخرين فإن لهم تدقيقات أكثر من المتقدمين وهذا شيء لا ينبغي أن يُنكر ، أو نقول:- إنه في الفترة المتأخرة حصل من بعضٍ محاولة للوقوف أمام التقية وأنه لا مجال لاتباع خط التقية وهذا ما يحدثنا به التاريخ [1] .
 والخلاصة:- يمكن أن تكون الأجواء في تلك هادئة والشيعة نتيجة سيرة أئمتهم كانوا يتّبعون الموافق الرسميّة وبعد ذلك على أثرت هذه الأحداث التاريخية فحصل حينئذ هذا الكلام وأنه في موارد الخلاف ماذا نصنع هل نقف معهم أو لا ؟
 إذن هذا لا يمكن تفسيره على أساس ما ذكر سابقاً من أنه حتماً طيلة هذه الفترة يوجد جزم بالموافقة ، كلا بل لعله لم يوجد جزم بالموافقة ولكن موقف الأئمة عليهم السلام كان هو الموقف المسيطر على الساحة إلى هذه الفترة الزمنية التي حدث فيها ما حدث.
 والخلاصة من كل هذا:- يتضح أن السيرة يمكن التمسك بها لإثبات الاجتزاء بالوقوف طبق الموقف الرسمي للسلطة غايته أن القدر المتيقن في حديثنا الآن هو في حالة احتمال المخالفة والموافقة ولنسكت عن حالة الجزم بالمخالفة فنتمسك بالسيرة لهذا المقدار.
 الدليل الثالث:- رواية أبي الجارود - أو صحيحته على كلام - ( سألت أبا جعفر عليه السلام:- أنا شككنا في عام من تلك الأعوام في الأضحى فلما دخلت على أبي جعفر عليه السلام وكان بعض أصحابنا يضحّي فقال:- الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحِّي الناس والصوم يوم يصوم الناس ) [2] ، بتقريب:- أن الإمام عليه السلام أراد من أتباعه أن يكونوا مع الناس فالمدار على ما عليه الطابع العام في الفطر وفي الأضحى وفي الصوم وهو قد ابتدأ بذلك قبل أن يسأله أبو الجارود عن هذه المسألة فيظهر من الإمام عليه السلام أنه كان حريصاً على أن يكون موقف الشيعة وتصرّفهم على طبق ما عليه السلطة أو الطابع العام للناس وهم يمثلون الطابع العام للناس.


[1] فليراجع تاريخ علي الوردي ج1 ص 143 ط جديدة ، كتاب ( تحفة العالم في شرح خطبة المعالم ) للسيد جعفر بحر العلوم ج1 ص545.
[2] الوسائل ج10 ص133 ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح7.