38/07/11


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تغيير الجنس– المكاسب المحرمة.

إنما الكلام هل يوجد عندنا دليل على التحريم حتى نرفع اليد عن الأصل الأولي وهو المقتضي للجواز:- وفي هذا المجال ربما يذكر ثلاثة وجوه:-

الوجه الأوّل:- التمسك بالآية الكريمة ﴿ إن يدعون من دونه إلا اناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً وقال لأتخذنَّ من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنّهم فليبتكُنَّ آذان الانعام ولآمرنهم فليغرُنَّ خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً ﴾[1] ، وموضع الشاهد كما قلنا هو أنَّ الشيطان يأمر ( فليغيرُنَّ خلق الله ... ) ثم الآية تحذر من ذلك ، وحينئذٍ نقول إنَّ الآية الكريمة تدل على تغيير خلق الله هو من فعل الشيطان وأمر الشيطان وكل ما يأمر به الشيطان فهو حرام وموردنا من أوضح مصاديق تغيير خلق الله فهذا كون محرّماً.

وقد يقول قائل:- إنَّ الآية ناظرة إلى الطبيب فالذي يغير خلق الله هو الطبيب وليس الشخص الذي يغير جنس نفسه فهذه الآية الكريمة تشمل الطبيب ولا تشمل نفس الشخص فنفس الشخص لا توجد حرمة في حقه.

وجوابه:- بالتالي ثبتت الحرمة في الجملة ولو للطبيب الذي يقوم بهذا العمل ، على أنه من هذه الزاوية يمكن أن يقال بإلغاء الخصوصية ، يعني يفهم أنَّ هذا إذا كان حراماً أن يقوم به الطبيب فتقديم النفس والاستسلام إلى العمل هو بالتالي يصير حراماً ، لأنَّ نفس دليل حرمة الحرام يدل بالدلالة الالتزامية على حرمة الاستسلام للحرام ، أو أنَّ دليل النهي عن المنكر يدل بالالتزام على عدم جواز تهيئة أجواء المنكر.

ولعل البعض يقول:- إنَّ أدلة النهي عن المنكر تدل على أنه إذا وقع المنكر وجب النهي عنه فهنا نهي عن المنكر ﴿ فلتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون عن المعروف وينهون عن المنكر ﴾ يعني بعد أن يقع المنكر فعليك أن تنهى عنه أما إذا لم يقع المنكر بَعدُ فهذه الآية لا تدل على النهي عنه.

ونحن نجيب ونقول:- إنه توجد دلالة عرفية التزامية على أنه إذا كان النهي عن المنكر لازم فالاستسلام للمنكر وتهيئة الأجواء للمنكر بالدلالة الالتزامية العرفية يثبت أنه لا يجوز.

إذن هذه الآية الكريمة قد يتمسّك بها على حرمة تغيير الجنس.

وفيه:-

أوّلاً:- من أين نثبت أنَّ الآية الكريمة تثبت أنَّ تغيير خلق الله حرام ؟!! بل أقصى ما هناك أنَّ الشيطان يأمر والشيطان كما يأمر بالمحرّمات يأمر بالمكروهات أيضاً ، فلا توجد ملازمة بين أمر الشيطان وبين أن يكون متعلّق أمر الشيطان حراماً فإنَّ هذا ليس بثابت.

وقد تقول:- نحن نثبت الحرمة من خلال قوله تعالى ﴿ ومن يتخذ الشيطان ولياً فقد خسر خسراناً مبيناً ﴾.

والجواب:- إنَّ هذا لا يفهم منه الحرمة فإنه بلا إشكال الشيطان كما يجرّني إلى المحرمات يجرّني إلى المكروهات ومن يتبع الشيطان حتى في مجال المكروهات فقد خسر ، فإذن هذا لا توجد فيه دلالة أيضاً.

إن قلت:- إنَّ جوّ الآية الكريمة يفهم منه الحرمة.

قلت:- كلا بل جوّ الآية الكريمة يفهم منه الذمّ ، فإنَّ هذا عمل مذموم وغير مرغوب فيه شرعاً أما أنه يفهم من أجواء الآية الكريمة أن تغيير الجنس حرام فهذا صعب.

فإذن استفادة الحرمة من الآية الكريمة شيء مشكل.

ثانياً:- إنَّ الوارد في الآية الكريمة ﴿ ولآمرنهم فليغيرُنَّ خلق الله ﴾ وكيف يكون تغيير خلق الله ؟ أنت تفسره بالتغيير الحسّي المادّي الظاهري الخارجي الذي هو مثلاً تقطيع آذان الأنعام أو أنَّ الرجل يتحوّل إلى امرأة أو بالعكس وكل هذه تغييرات خارجية ، ولكن نقول من المحتمل أن تكون الآية الكريمة ناظرة إلى التغيير المعنوي دون التغيير الحسّي ، والمقصود من التغيير المعنوي يعني تغيير الانسان من داخل ، كبعض الناس الذين تغيرهم شبهات الإلحاد من داخل فالله تعالى خلق الانسان مؤمناً طيباً ﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها ذلك الدين القيّم ﴾ فيأتي الشيطان فيغير خلق الله عن هذه الفطرة السليمة ، وكما أشير إلى ذلك في الحديث الشريف:- ( كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصّرانه ) ، هذا تغيير لخلق الله وهو تغيير معنوي وهو تغيير مهم ، وأنا لا أريد أن أقول إنَّ الآية الكريمة ناظرة إلى هذا حتماً لأني غنيّ عن دعوى الظهور وأنَّ الآية الكريمة ظاهرة في ذلك بل يكفيني الاحتمال الوجيه ، فتصير الآية الكريمة مجملة ، فكما يحتمل ارادة التغيير الحسّي يحتمل ارادة التغيير المعنوي فتصير الآية الكريمة مجملة من هذه الناحية فلا يمكن التمسّك بها لإثبات حرمة التغيير الحسّي الذي هو في موردنا تغيير الجنس.

الوجه الثاني:- أنه يلزم التشابه بين البشر كما ربما يقال بذلك في مسألة الاستنساخ فالآن يقال إنَّ فكرة الاستنساخ في عالم الحيوان قد نجحت يعني تؤخذ خلية من شاة مثلاً وعلى طبقها تحصل عملية التكثير والذي يخرج بالاستنساخ كله مشابه للأوّل من جميع الخصوصيات ، فإذا كان يوجد انسان فيه خصوصيات كأن كان ذكياً وجميلاً وغير ذلك فأنت تعال وكثّر من أمثاله لا أنك تكثّر من المجرمين بل كثّر من هؤلاء الذين تنتفع منهم البشرية فنخلق من هذا الانسان المؤمن الطيّب نظائر وأشباه مشابهة له ، فهل يجوز ذلك أو لا يجوز ؟

ربما يخطر إلى الذهن:- إنه لا يجوز .

ولكن نقول:- لماذا لا يجوز فهل هو زنا ؟ كلا ، وهل هو أخو الزنا ؟ كلا.

وربما يخطر إلى الذهن:- إنه سوف يلزم تشابه واختلال نظام البشرية ، لأنه سوف لا يحصل تمييز بين الأشخاص ولا نعلم مع من نتعامل ومع من نذهب ومع من نأتي ، فلوكان الكل متشابهين فسوف لا أعرف ابني ولا أعرف زوجتي .... ، فعلى أي حال هذا الاستنساخ يلزم منه التشابه وهذا التشابه لازمه اختلال نظام البشرية فعلى هذا الأساس لا يجوز لهذا المحذور ، فهنا أيضاً نقول يلزم من ذلك التشابه وبالتالي يختل نظام البشرية.

وجوابه واضح:- إنه هنا سوف لا يصير تشابهاً بل هو واحد ولم تصِر نسخة ثانية له ، فهذا الواحد لم تكن له لحية والآن صارت له لحية أو بالعكس كان له لحية فحينما حوّل نفسه إلى أنثى صار من دون لحية ، فهو لا يصير نسختين حتى يصير تشابه تام ، ثم إنَّ التشابه التام يصير في عملية الاستنساخ وليس هنا حتى يلزم التشابه واختلال نظام البشرية ، بل يبقى هو الواحد غايته قد تغيرت بعض ملامحه كما ذكرنا وعليه فسوف لا تلزم فكرة التشابه واختلال نظام البشرية.

الوجه الثالث[2] :- إنَّ تغيير الشخص نفسه بالشكل المذكور نحو اعتراض على القضاء الإلهي والارادة الالهية ، فالله عزّ وجلّ اراده أن يكون رجلاً فهو يقف أمام القضاء الإلهي ويكون أنثى وليس برجلٍ ، والوقوف أمام القضاء الإلهي والاعتراض عليه لا يجوز.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ الوقوف والوقوف أمام القضاء الإلهي فرع القصد والمفروض أنَّ المكلف لم يقصد هذا ، فإنَّ الاعتراض المبغوض والمحرّم هو ما كان عن قصدٍ ، أما أن يأتي بالشيء من دون أن يقصد الاعتراض فهذا لا موجب لتحريمه.

ثانياً:- إنَّ صدق الاعتراض فرع عدم الجواز فإذا كان لا يجوز هذا شرعاً فهذا اعتراض ووقوف أما القضاء الإلهي ، أما إذا كان الشرع قد جوّز له ذلك ولا يوجد مانع فهذا لا يصير نحواً من الردّ على القضاء الإلهي ، فعلى أيّ حال هذا الوجه ضعيفٌ جداً[3] .

إذن النتيجة إلى الآن:- هي أنه لا دليل على التحريم في حدّ ذاته.

نعم يمكن أن يقال:- إنَّ عملية تغيير الجنس تحتاج إلى كشف العورة وهو لا يجوز ، أو يقال: إنَّ هذا فيه قطع لبعض الأعضاء وهل يجوز لشخص أن يقطع يده مثلاً أو لا ؟ إنه إذا قلنا بأن هذا لا يجوز ، لأنَّ تحصيل دليل على حرمة قطع اليد صعب ولا أريد أن أقول هو مالك بل الملكية هنا ليست موجودة حتى نقول إنَّ المالك له حقّ التصرّف كيفما يشاء ، فمثلاً هو يريد أن يتبرع بكليته أو يقطع أصبعه ، فالمقصود أنا أردت أن أعطيك إشارة إلى أنَّ هذه القضية قابلة للبحث والأخذ والعطاء وقد كان السيد الخوئي(قده) يقول نعم يمكن أن يقال بأنَّ قطع الأعضاء الرئيسية كيديه ورجليه حرام من باب أنَّ هذا غير مرغوب في الشريعة جزماً ، يعني نُخرِّج الحرمة ليس من نصٍّ خاص وإنما من الارتكاز وغير ذل.

فإذا بنينا على الحرمة فحينئذٍ يقال إنك تقطع عضواً وقطع العضو بلا مبرر فلا يجوز ، ولكن هذا سوف يصير كلّه حرام بالعنوان الثانوي ، إما بعنوان نظر الطبيب أو بعنوان الضرر فإنَّ هذا ضرر وكل ضرر لا يجوز مثلاً.

ولكن هذا يمكن تداركه أحياناً ، كما لو فرض أنَّ الشخص كان من الضروري أن تجرى له عملية التبديل لأجل أنه نفسياً يقع في الحرج ، فإذا كان محرجاً نفسياً فقاعدة الحرج سوف تشمله لأنه يقول إني أعيش في حرج لو فرضنا ذلك - وأنا أريد بيان مصداق علمي أما أنَّ له مصداقاً أو لا فهذا غير مهم - ، فلو فرضنا أنه يعيش الحرج فحينئذٍ مسألة كشف العورة أمام الطبيب يصير جائزاً من ناحيته لأجل أنه عليه حرج.

نعم قد تقول:- صحيحٌ أنه عليه حرج فإنَّ قاعدة لا حرج تقول له أنت تستطيع أن تكشف العورة ولكن الطبيب من أين يجوز له النظر فإنَّ قاعدة لا حرج لا تشمله.

قلت:- إنَّ هذا لا يرتبط بالشخص الذي يجري العملية وإنما الطبيب غير مبالٍ كأن كان يهودياً أو نصرانياً ، فأنت لا تهمّك مشكلة الطبيب وإنما الكلام في أنَّ هذا الشخص تشمله قاعدة لا حرج فيجوز الكشف ، كما أنَّ قطع العضو يجوز أيضاً لو فرضنا وجود الحرج ، فحينئذٍ ترتفع الحرمة حتى بالعنوان الثانوي ، وهذا مجرّد فرض ولكني أردت أن أنبهك على النكات العلمية وأنه إذا كانت توجد قاعدة حرج أو ما شاكل ذلك فيمكن التغلّب على المشكلة من هذه الناحية.

وهذا شبيه مسألة وضع اللولب:- فإنه يحتاج إلى كشف العورة ، فإذا كان الزوج هو الطبيب فسوف تنحلّ المشكلة ، أما إذا لم يكن الزوج طبيباً فكيف تكشف المرأة عورتها أمام الطبيب ؟

ولو قال شخص:- إنها تذهب إلى الطبيبة.

فنقول:- إنَّ الحكم هو الحرمة أيضاً ، فمن حيث الحرمة لا فرق بين ما إذا كان الطبيب رجلاً أو كان امرأة ، نعم قل هي تخجل أكثر لو كشفتها أمام الطبيب الرجل فهذه قضية اجتماعية ثانية ، فالمقصود إذا كانت المرأة تريد أن تضع اللولب فنقول لها لا يجوز ذلك مع فرض أنه في حدّ نفسه يزحلق البويضة قبل أن تتخصّب فإنَّ هذا لا مشكلة فيه ، نعم بعد أن تخصّبت ربما يقال فيه مشكلة ، فإذا كان قبل أن تتخصّب البويضة فليس فيه مشكلة لكن المشكلة هي في وضع اللولب من قبل الطبيبة فكيف يصير كشف العورة أما الطبيبة فإنه لا يجوز ؟! فإذا فرضنا أنَّ هذه المرأة يصيبها الحرج لأنها حينما تصير حاملاً فسوف تتأذّى ، فإذا كان يوجد حرج في حقها فحينئذٍ يجوز لها أن تكشف أمام الطبيبة ولا مانع من ذلك.

ولو سألت وقلت:- ما هو حكم الطبيبة ؟

فأقول:- إنا أجيبك الآن عن حكم هذه المرأة المؤمنة فنقول لها لا بأس بالكشف أمام الطبيبة لأجل أنك في حرج فقاعدة لا حرج ترفع الحرمة في حقك ، وتبقى الطبيبة فهي إما أنها لا تبالي أو أنها ليست ملتفتة للنكات وتعتقد أنها مادامت طبيبة فيجوز لها النظر مطلقاً.

والخلاصة:- إذن لا توجد حرمة لتغيير الجنس بالعنوان الثانوي ، وإن كانت هناك حرمة فهي من جهة النظر أو من جهة الضرر ، وإذا تمكنا من التغلّب على المشكلة من هاتين الناحيتين فسوف ترتفع الحرمة الثانوية أيضاً.


[1] سورة المساء، الآية117- 119.
[2] هذا ما استدركه سماحة الشيخ الاستاذ في المحاضرة التالية / المقرر.
[3] الى هنا انتهى الاستدراك / المقرر.