38/07/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تشبه الرجال بالنساء في اللباس وبالعكس – المكاسب المحرمة.

والفقرة الثانية التي لم أذكرها فهي ( إنَّ علي بن أبي طالب كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به )[1] فهذه الفقرة أيضاً لا يبعد أن يستفاد منها أنَّ المقصود ملاحظة الزمان والمكان الذي هو فيه لا ملاحظة جميع بقاع الأرض ، وقد فهم السيد اليزدي(قده) هذا حيث إنَّ له عبارة في العروة الوثقى في مسألة(42 ) من لباس المصلّي قال فيها ( يحرم لباس الشهرة بأن يلبس خلاف زيه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه أو من حيث وضعه وتفصيله وخياطته كأن يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس مثلاً .. )[2] ، إنَّ هذه العبارة واضحة في أنه فهم المعنى الأعم ولم يقيّد بأن يكون بلحاظ جميع الأمثلة ، بل الأمثلة التي ذكرها تتناسب مع المكان الخاص الذي هو فيه.

بيد أنَّ السيد الخوئي(قده) فسّر لباس الشهرة بأن يكون شهرة بلحاظ جميع بقاع الأرض وأنه أين ما ذهب فسوف يشار إليه بالبنان ، ومن الواضح أنَّ لباس الجندي إذا لبسه العالِم أو بالعكس وذهب الى بلدٍ آخر غير بلده لا يعرفونه فيه فسوف لا يشار إليه بالبنان لأنهم لا يعرفونه ، وهذا بخلاف ما إذا لبس العمامة الحمراء أو الفروة مقلوبة فإنَّ هذا الشخص أينما يذهب فسوف يشار إليه بالبنان.

فهو(قده) جعل المدار على ذلك ، يعني أنَّ لباس الشهرة هذا هو المقصود منه.

وما هو دليله ؟

الجواب:- لم يذكر دليلاً واضحاً على ذلك ، نعم مع هنٍ وهن ربما من عبارة التقرير يستفاد أمران في هذا المجال:-

الأوّل:- لا يصدق أنَّ هذا لباس شهرة إلا إذا كان في جميع البلاد كذلك كالعمامة الحمراء فإنَّ مثل هذا هو لباس شهرة وإلا فمثل لباس الجندي ليس لباس شهرة في حقّ من لا يعرفه الناس فإنه لا يشهَّر به بخلافه في مثال العمامة فإنه يشهَّر به ويشار إليه بالبنان.

ويردّه:- إنَّ هذا يتم لو أخذنا قيداً وهو قيد ( أن يشهَّر به في جميع البلدان ) وهذا القيد هو عين المتنازع فيه ، أما إذا قلنا بأنَّ المقصود من ( يشهَّر به ) يعني في أي مكان بلحاظ المكان الذي هو فيه فحينئذٍ يصدق على العالم إذا لبس لباس الجندي أو بالعكس يشهَّر به أيضاً بلحاظ بلده ومكانه الذي هو فيه.

إذن ما ذكره مبنيّ على أن يشهَّر به بلحاظ جميع بقاع الأرض وهذا القيد هو أوّل الكلام فإنَّ هذا قيدٌ لم يؤخذ في الروايات فلماذا نحمِّله عليها ، كلا بل أن يصدق أنه يشهَّر به ومن المعلوم أنَّ العالم إذا لبس لباس الجندي سوف يشهَّر به لكنه في مكانه فيكفي لصدق الروايات عليه.

ثانياً:- إنَّ صحيحة حماد بن عثمان المتقدّمة تتلاءم مع المعنى الثاني للشهرة والتشهير يعني بلحاظ جميع بقاع الأرض حيث قال إنَّ المستفاد منها أنَّ المذموم هو ما يوجب التشهير كمثل العمامة الحمراء لا كمثل لباس الجندي.

وفيه:- إنَّ الصحيحة لعلها تتلاءم أكثر مع المعنى الذي أشرنا إليه ، فالإمام عليه السلام علّل وقال كان أمير المؤمنين يلبس اللباس الخشن لأنَّ زمانه كان يساعد على ذلك ، والمقصود هو زمانه ومكانه وإلا فالزمان دون المكان لا معنى له ولكن هذا عطف حذف لوضوحه ، فزمانه ومكانه كان يساعد على ذلك فربما في مكان آخر لا يساعد كبلاد الروم فإنه لا ساعد أن يلبس الأمير اللباس الخشن لكن في الكوفة وفي البلدة الاسلامية كان هذا أمراً مقبولاً وفيه اعطاء معنويات للفقراء ، فإذن هذه العبارة تتلاءم مع ملاحظة المكان الذي كان فيه عليه السلام .

وهكذا العبارة الأخيرة التي تقول ( فخير لباس كل زمان لباس أهله ) يعني لباس أهل ذلك الزمان ، والمقصود ( ومكانه ) وهذا عطفٌ واضح وإلا فالزمان من دون المكان لا معنى له فلابد من الزمان مع المكان ، فالمعتبر المكان الذي هو فيه لا بلحاظ جميع بقاع الأرض ، وعلى أيّ حال المناسب ما أشرنا إليه.

ثم إنه لو لم نستظهر أحد المعنيين بخصوصه فماذا تقتضي القاعدة ؟

ربما يقال:- إنه يتشكّل علم اجمالي بحرمة أحد المعنيين فالحرام إما هذا أو ذاك ومقتضى منجزية العلم الاجمالي لزوم الاجتناب عنهما معاً.

ويردّه:- إنَّ العلم الاجمالي منحل انحلالاً حقيقاً ، باعتبار أنَّ المعنى اذلي ذكره السيد الخوئي متيقن الحرمة وما زاد عليه مشكوك فهذا العلم الاجمالي ليس بموجود وإنما هناك حرمة شيء وهو ما ذكره السيد الخوئي(قده) وكلّنا متفقون على أنه حرام ، فإذا كان مثل العمامة الحمراء بناءً على حرمة لباس الشهرة فهذا يصير الفرد المتيقّن فيكون حراماً بلا إشكال ، إنما الكلام فيما إذا كان لباس شهرة بلحاظ مكانه ولس بلحاظ جميع البلدان فالمورد من اليقين التفصيلي بحرمة شيءٍ والشك البدوي فيما زاد على ذلك فلا ينعقد علم اجمال.

ثم إنه هل المقصود في الروايات خصوص لباس الشهرة أو المقصود كل ما وجب الشهرة والتشهير سواء كان باللباس أو بغير اللباس ؟

ربما يقال:- إنَّ بعض الروايات قيّدت باللباس وبعضها أطلق ولعلّه يقال نطبق قانون الاطلاق والتقييد فتصير النتيجة التقييد بالتشبّه في الشهرة باللباس فقط.

ولكن لا يبعد أن يقال:- إنَّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي أنَّ اللباس ليس له خصوصية ، صحيح أنَّ موردها هو اللباس لكنه لا خصوصية للباس فنتعدّى لكل ما يوجب الشهرة والتشهير كما فهم السيد اليزدي(قده) حيث فهم هذا المعنى كأن يصنع شارباً طويلاً يرفعه إلى أذنيه ويسير في البلد فهذا أيضاً من الشهرة ويوجب التشهير ، فعلى هذا الأساس بناءً على الحرمة نقول هذا حرام أيضاً ، وهكذا لا يختص باللباس بل يعم حتى السيارة كما فهم السيد اليزدي(قده) كما لو ركب سيارة فاخرة جداً فهذا أيضا كذلك ، أو يركب سيارة فاخرة في بلدٍ فقير وكان مستواه ليس كذلك فربما يقال هذا محرّم أيضاً ، والأمر بيدك فإنه بناء على استفادة الحرمة ليس من البعيد أن نستفيدها في كل هذه المجالات.

ونلفت النظر أيضاً إلى قضة أخرى:- وهي أنَّ الشهرة والتشهير تكون فيما إذا كان أمام الملاء ، إما إذا فرض أنه في بيته لبس الفروة بالعكس أو يلبس عمامة حمراء أو غير ذلك فهذا لا إشكال فيه ، وهو ليس كلبس الذهب أو الحرير فإنَّ لبس الذهب أو الحرير سواء كان في بيته أو أمام الناس محرّم لأنه محرّم نفسي ، بينما هذا ليس محرّماً نفسياً وإنما هو محرّم من حيث الشهرة والاشتهار أمام الملاء فمن دون ذلك لا محذور فيه.

وهناك قضية أخرى لا بأس بالالتفات إليها أيضاً:- وهي أنه هل المحرّم هو الشهرة في الباس أو التشهير لأنَّ الروايات من هذه الناحية قد تكون مجملة ، فلاحظ الرواية الثانية مثلاً حيث قالت ( كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره ) فهل نقرأها ( يَشْهَرُهُ ) من الشهرة أو نقرأها ( يُشَهِّرُهُ ) من التشهير ؟ فحينئذٍ يوجد احتمالان ، والفارق بينهما أنَّ كلمة ( يُشَهِّرُهُ ) فيه نحو من المذمّة والمنقصة والسوء والحزازة ، أما ( يَشْهَرُهُ ) يعني يصير مشهوراً فإذا فرضنا أنه كان من دون منقضة فهذا شهرة وليس بتشهير ، كما أتذكر أنه كان يوجد أحد الطلبة من كبار السنِّ يأتي الى الصحن الشريف يلبس الملابس الجميلة فهذا شهرة وليس تشهيراً وهذا ليس مذموماً ، فعلى هذا الأساس أي معنى نأخذ به وكيف نقرأ العبارة ؟

لا يبعد أنَّ المناسب التشهير ولس الشهرة وإلا فالشهرة وحدها ربما لا تكون مذمومة ، والروايات ليس من البعيد أنها تريد أن تبيّن شيئاً مذموماً عند الناس ويشمئزون منه ولا يليق بالمؤمن أن يفعله أما الأناقة فهي مقبولة ولكن لا تتجاوز الحدّ فإذا تجاوزت الحدّ انقلبت إلى الضدّ ، بل نفترض أنها لم تنقلب إلى الضدّ فهذه شهرة من دون تشهير ، فإذن من المناسب أن نقرأها ( يُشَهِّرُهُ ) من التشهير كي يكون مذموماً وإلا فالممدوح لا مشكلة فيه.

ومن الواضح أنه إذا حصل علم اجمالي فإذا قال شخص أنا لا أقبل كلامكم هذا ، فنقول له: لك ذلك ، ولكن بالتالي سوف يصير هنا احتمالان لأنك لو قلت هذا علم اجمالي فهو منحل لأنَّ القدر المتيقن الذي هو محرّم هو الذي فيه تشهير أما الشهرة من دون تشهير فهو مشكوك الحرمة ، فذاك متيقن الحرمة دون هذا فإذن العلم الاجمالي أيضاً لا ينفعك ، فما ذكرناه هو المناسب ، مضافاً إلى أنه لو غضضنا النظر عنه فالقواعد الأولية أيضاً يقتضي الوصول إلى نفس النتيجة ، إذ العلم الاجمالي ليس بمنجّز في هذا المورد حيث يوجد فرد متيقن وهو ما يوجب التشهير ، وبهذا انتهينا من جواب السؤال الأوّل بما يشتمل عليه من ضمائم.