38/04/12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات المكاسب المحرمة.

وفي هذا المجال نذكر رواية أخرى: وهي الرواية التي ينقلها النجاشي في ترجمة صفوان بن يحيى بياع السابري حيث قال: ( كان شريكاً لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان وروي أنهم تعاقدوا في بيت الله الحرام أنه من مات منهم صلّى من بقي صلاته وصام عنه صيامه وزكّى عنه زكاته فماتا وبقي صفوان فكان يصلّي في كل يوم مئة وخمسين ركعة ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويزكّي زكاته ثلاث دفعات وكل ما يتبرع به عن نفسه عمّا عدى ما ذكرناه تبرع عنهما مثله )[1] ، ونقل الشيخ الطوسي(قده) في فهرسته[2] في ترجمة صفوان نفس هذه القضية وإذا كان هناك اختلاف فهو يسير.

هذه القصّة قد يستشهد بها أيضاً في مقامنا فإنَّ هؤلاء ثلاثة من أصحاب الامام الصادق عليه السلام وكانوا قد صنعوا هكذا وهذا يدلّ على أنَّ الميت ينتفع بعمل الحي ، هكذا ربما يتمسّك بالرواية المذكورة.

ولكن يرد:

أوّلاً: هذا ليس فعلاً لمعصومٍ حتى يكون حجّة ، ولعلّهم فعلوا ذلك من باب رجاء المطلوبية ، فإذن لا نتمكن أن نقول إنَّ هذه الرواية من حيث المضمون هي حجّة لأنها ليست عن المعصوم ولعلّه قد فعلها هؤلاء الثلاثة الأعاظم من باب رجاء المطلوبية.

ثانياً: إنَّ أصل السند ضعيف.

إن قلت: هذا ورد في كتاب النجاشي وهل تريد أن تشكك فيما ينقله النجاشي ؟

قلت: فرقٌ بين توثيقاته فنقبلها من باب شهادة أهل الخبرة أو غير ذلك ، وهذه قضيّة لابد وأن تبحث في علم الرجال وهي أنه ما هو منشأ حجّية قول الرجالي ، فتوثيقاته نقبلها أما أنه ينقل رواية بلا سند فهذا يصير مرسلاً لا أنَّ كلّ شيء وجدناه في رجاله نأخذ به ويكون حجّة ، كلا بل لابد وأن يكون عن سندٍ ، وهذه الرواية لم يذكر سندها خصوصاً أنه قال ( وروي ) فهذا يكون ارسالاً.

عود إلى صلب الموضوع: إنَّ المطلوب اثباته هو أنَّ الميت ينتفع بعمل الحي لا يتوقف على هذه الرواية بل هناك روايات كثيرة أحدها صحيحة معاوية المتقدّمة ، وإلا فقد جمع السيد ابن طاووس في كتابة ( غياث سلطان الورى لسكان الثرى ) روايات كثيرة وقد نقلت عنه في الذكرى[3] والبحار[4] ، والحدائق[5] ووسائل الشيعة[6] .

إذن توجد روايات كثيرة في هذا المجال ، وادعى في الجواهر[7] تواتر الأخبار بذلك وأنه من ضروريات المذهب.

بيد أنه يظهر من العامة أنهم لا يقولون بأنَّ عمل الحي ينفع الميت ، وهذا من موارد الاختلاف بيننا وبينهم ، فنحن نقول إنَّ من مات وعليه صلاة أو صوم يقضي عنه وليّه ، أما هم فليس عندهم ذلك ، واستدلوا في مقابل مدرسة أهل البيت بدليلين:

الأوّل: من الكتاب الكريم ، وهو قوله تعالى ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾[8] ، وهذه الآية الكريمة واضحة في أنه ليس للإنسان إلا ما سعى أي ما عمله أمّا عمل غيره لك فلا ينفع.

الثاني: الرواية الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه الرواية واردة عندنا وعندهم لكن يوجد اختلاف في النقل ، فهم يروونها في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هكذا: ( إذا مات الانسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء من صدقة جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له )[9] ، وهي تدل على أنَّ الذي ينفع هي هذه الأمور الثلاثة وقضاء الولي للصلاة أو الصوم ليس واحداً منها.

هكذا وجّه الاشكال إلى الامامية.

وحاول السيد المرتضى في كتابه الانتصار الدفاع عمّا نسب إلى الامامية الانفراد به ، وأحد هذه الموارد مقامنا فقد ذكره السيد المرتضى وأجاب عنه: بأنا لا نقول بأن الميت لا يناله شيء من الثواب وإنما الثواب كلّه للولي الذي يقضي ، فما يقوله الامامية لا يكون منافياً للآية الكريمة ، فلآية الكريمة تقول ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ والامامية أيضاً يقولون إنَّ الميت لا يحصل على الثواب ، نعم إنما يجب على الولي القضاء والثواب يناله الولي فقط.

فإن قلت: فكيف وردت الرواية وقالت إنه إذا مات الانسان وعليه صلاة وصوم يقضي عنه وليّه ، فكلمة ( عنه ) تدل على أه يقع للميت وينتفع الميت بذلك ؟

قلت: إنَّ هذا التعبير باعتبار أنه هو السبب لحصول هذا التكليف للولي الحي ، فباعتبار أنه هو السبب وهو المقصّر عبّر هكذا.

ونصّ عبارته: ( إنَّ الآية إنما تقتضي أن لا ثواب للإنسان إلا بسعيه نحن لا نقول إنَّ الميت يثاب بصوم الحي ، وتحقيق القول في هذا الموضع أن من مات وعليه صوم فقد جعل الله تعالى هذه الحال له سبباً في وجوب صومٍ على وليّه وسمّاه قضاءً لأن سبب التفريط المتقدّم والثواب على الحقيقة في هذا الفعل لفاعله دون الميت ، فإن قيل: فما معنى قولهم صام عنه إذا كان لا يلحقه وهو ميت ثوابٌ ولا حكم لأجل هذا العمل ؟ قلنا: معنى ذلك أنه صام وسبب صومه تفريط الميت ...... قيل عنه من حيث كان التفريط المتقدّم سبباً في لزوم هذا الصوم )[10] ، وهذا إذا كان جواباً غريباً فاغرب منه أنَّ العلامة في المختلف[11] ، وابن زهرة في الغنية[12] صارا إليه.

وفيه:

أوّلاً: يكفينا المؤنة في الردّ عليه صاحب الجواهر(قده)[13] حيث حمل عليه وقال: كيف تقول إنه لا ثواب له والحال أنه تواترت النصوص في وصول ثواب ما يفعله الحي عن الميت إلى الميت ، بل هو من ضروريات مذهب الشيعة.

ثانياً: إنَّ الروايات تقول ( صام عنه ) وبناءً على ما ذكره السيد المرتضى(قده) يصير التكليف تكليفاً للولي الحي من دون أن ترتبط نتيجة هذا العمل بالميت فـ( صام عنه ) سوف يكون لا معنى له أصلاً ، فإذن نفس ( صام عنه ) يدفع هذا الاحتمال الذي ذكره السيد المرتضى(قده).

يبقى شيء: وهو أنه كيف نعالج الآية الكريمة وإلا فالحديث قد روي في طرقنا فيه إضافة على أنَّ الميت ينتفع بعمل ولده ، لكن المشكلة في الآية الكريمة فهي تقول ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ ، فماذا نجيب ؟

إن قلنا هي قابلة للتخصيص فإنه إذا جاء في الكلام حصرٌ مثل ( لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتب خمس خصال ) فهل هذا الحصر قابل للتخصيص أو لا ؟ ، وهنا أيضاً يوجد حصرٌ في الآية الكريمة فهل مفهوم الحصر بـ( إلا ) أو غير ذلك في مثل هذا المورد يقبل التقييد أو لا ؟ قال السيد الخوئي(قده): إنه يقبل التخصيص وكان يُجرِي ذلك ، ولكنّي أميل إلى خلاف ذلك ، فعرفاً أرى من الصعب أنَّ مفهوم الحصر قابلٌ للتقييد ، فإن قلنا إنَّ مفهوم الحصر قابلٌ للتقييد فنقيّد الآية الكريمة ، فهذه الروايات تصير مقيّدةً للآية الكريمة ولا مانع من أن تصير السنَّة الشريفة مقيّدة للكتاب الكريم.

وأما إذا قلنا إنَّ مفهوم الحصر ليس قابلاً للتقييد فيمكن أن نجيب ونقول مثلاً: إنَّ الميت مادام مات مؤمناً وسعى نحو الايمان فمن نتائج سعيه نحو الايمان أنَّ الولي يجب عليه القضاء عنه إذا فاته شيء من الصلاة أو الصوم ، فهو بالتالي سعيٌ من قبل الميت لأنه سعى نحو الايمان وهذه من لوازم الايمان وهي أنَّ الولي يلزمه القضاء ، فهنا لا يحصل تخصيص للآية الكريمة.

أو نقول: إنَّ الآية الكريمة ناظرة إلى قضية الاستحقاق ، فهي حينما قالت ﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ يعني لا يستحق كاستحقاق ، أما من باب التفضّل فالآية الكريمة ليست ناظرة إليه ، فحينئذٍ نقول قضاء الولي هو من باب التفضّل وليس من باب الاستحقاق ، فلا منافاة حينئذٍ بين هذه الأحاديث وبين ما دلّت عليه الآية الكريمة.

وإذ قلت: إنَّ كلا الجوابين يصعب الالتزام بهما ؟

قلت: إنه لابدّ وأن تصنع شيئاً إما هذا الذي ذكرته أو شيئاً آخر فإنه لا يمكن الأخذ بظاهر الآية الكريمة وإلا يلزم إبطال فكرة الشفاعة لأنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ وإن ليس للإنسان إلا ما سعى ﴾ يعني لا توجد شفاعة لا للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم ولا لأهل البيت عليهم السلام ، وأيضاً لا توجد مغفرة الله تعالى مع أنّه هو الغفور الرحيم لأنَّ الآية الكريمة تقول إنَّ الانسان لا ينفعه شيء إلا سعيه ولا ينفعه حتى جود الله عزّ وجلّ والحال أنه قد ورد في الحديث الصحيح: ( أنه إذا انتهى الله من حساب الخلائق يأمر بجماعة إلى النار فيلتفت هذا الانسان خلفه فيأتي النداء الالهي لماذا التفتّ ؟ فيقول: إلهي ما هكذا كان ظنّي بك ، فيأتي النداء الالهي يا ملائكتي هذا عبدي لم يظنّ بي ساعة في الدنيا خيراً ولكن أجيز له كذبه خذوه إلى الجنّة )[14] ، فالله تعالى هكذا فهو أجود الأجودين.


[3] الذكرى، الشهيد الأول، ج2، ص67.
[12] الغنية، ابن زهرة، ص100، ط اعتماد. الجوامع الفقهية، ص501.
[14] وهذا الحديث يرويه الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال.