16-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 398 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا وقد يقال:- توجد بعض الروايات الدالة على أن الهدي المضمون إذا أصابه عطب فلابد من إبداله بهديٍ آخر وفُسّر المضمون في الرواية بما إذا كان نذراً أو يميناً أو جزاءً والجزاء يصدق على الكفارة فإنها جزاءٌ على ما صنع ، وفي هذا المجال نذكر صحيحة معاوية بن عمار:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- سألته عن رجل أهدى هدياً فانكسرت ، فقال:- إن كانت مضمونة فعليه مكانها والمضمون ما كان نذراً أو جزاءً أو يميناً وله أن يأكل منه فإن لم يكن مضموناً فليس عليه شيء ) [1] ، ولعله توجد بمضمونها روايات أخرى ، وتقريب الدلالة كما ذكرنا هو أن نتمسك بكلمة ( الجزاء ) وهو صادق على الكفارة فلو أصابه الكسر وجب إبداله وهذا يدل على أن السلامة من العيوب شرطٌ في باب الكفارات أيضاً.
 ويمكن أن يناقش ويقال:-
 أولاً:- إن هذه العبارة التي هي جملة معترضة - أي ( والمضمون ما كان نذراً أو جزاء أو يميناً ) والتي هي بيت القصيد - يحتمل وجيهاً أنها ليست من الإمام عليه السلام وإنما هي من غيره - أي من الناقل سواء كان ذلك الناقل هو الشيخ الطوسي أو من سبقه - ومعه تسقط عن الاعتبار.
 وبكلمة أخرى:- إن الامام عليه السلام لا يعبر هكذا عادةً وإنما هذه تعبيرات متداولة منّا فتُقحَم كتفسيرٍ للرواية ويحصل بعد ذلك اشتباهٌ ويتخيّل أنها جزء من الرواية.
 وقد يؤيد ذلك برواية الكليني:- فإنه نقل المضمون المذكور عن معاوية بن عمار وليس فيه هذه الزيادة ومن البعيد أن معاوية يسأل الإمام مرتين عن قضية واحدة ، مضافاً الى ذلك وجود بعض الرّكّة في نقل الشيخ الطوسي والتي ليست موجودة في نقل الشيخ الكليني فمثلاً في نقل الشيخ الطوسي هكذا ( سألته عن رجل أهدى هدياً فانكسرت ) فهي قد ذكر التأنيث وهذا تعبيرٌ ركيك ، وكذلك تعبير ( فقال إن كانت مضمونة ) فالمؤنث لمن يرجع ؟ ، مضافاً الى أنه قال فيما بعد ( هذا المضمون له أن يأكل منه ) وهذا كيف يصير إذ المناسب أن المضمون لا يأكل منه بل يدفعه الى مورده المقرر أما أنه يأكل منه فلا معنى له ، وهذا الضعف ليس موجوداً في رواية الكليني ونصّ روايته هكذا:- ( عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- سألته على الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ المنحر أيجزي عن صاحبه ؟ فقال:- إن كان تطوّعاً فلينحره وليأكل منه وقد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم يبلغ فليس عليه فداء وإن كان مضموناً فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ وعليه مكانه ) [2] ، إنه في هذا النقل لا نجد هذا التفسير كما لا نجد نقاط الضعف السابقة هنا . وعلى أي حال هذا يُقرّب أيضاً ولا أريد أن أجعله دليلاً.
 وثانياً:- مع التنزّل بأن هذا التفسير جزءاً من الرواية ولكن نقول إن كلمة ( الجزاء ) لعله يقصد منها جزاء الصيد لا كلّ جزاءٍ بنحوٍ يشمل الكفارة فإن كفارة الصيد يطلق عليها عنوان الجزاء فلاحظ الآية الكريمة حيث قالت:- ( فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم ) خصوصاً وأنه جاء في رواية حريز [3] ما نصّه:- ( وما كان من جزاء صيدٍ أو نذرٍ فعطب فعل مثل ذلك وعليه البدل ) ،إذن خُصّص الجزاء بجزاء الصيد فكلمة ( جزاء ) أشبه بالمشترك اللفظي فلها معنيان فقد تستعمل في جزاء الصيد وقد تستعمل في مطلق الجزاء ومعه كيف نتمسك بالاطلاق فالإطلاق فرع الاشتراك المعنوي دون الاشتراك اللفظي فإنه في حال الاشتراك اللفظي يحصل الإجمال فيقتصر على القدر المتيقن.
 وثالثاً:- إن الفقهاء لم يتعرضوا في باب الكفارات الى هذه المسألة - يعني أن الحيوان في باب الكفارات يلزم أن يكون كذا وكذا - وإنما تعرضوا في مسألة هدي الحج الى شرائطه وصاحب الوسائل(قده) أيضاً - والذي قلنا أنه ليس من البعيد أن يكون ناظراً الى الشرائع في عنونة الأبواب - لم يذكر باباً لما يشترط في حيوان الكفارات ، نعم هو قد تعرض لهذه الروايات في باب هدي الحج وهذا معناه أن الفقهاء لا يقولون في باب حيوان الكفارة بلزوم توفّر هذه الشرائط رغم أن المسالة ابتلائية وهذه الروايات منهم بمرأى وبمسمع وهذا معناه إما أنها مهجورة أو أنهم فهموا منها الورود في باب الحج ولا تشمل باب الكفارات .
 وفي نهاية حديثنا يبقى الاحتياط الذي أشار إليه السيد الخوئي(قده) من هذه الناحية شيئاً وجيهاً إن لم نُصعّد اللهجة أكثر.
 
 
 مسألة ( 399 ):- الذبح الواجب هدياً أو كفارة لا تعتبر المباشرة فيه بل يجوز ذلك بالاستنابة [4] في حال الاختيار أيضاً . ولابد أن تكون النيّة مستمرة من صاحب الهدي الى الذبح . ولا تشترط نيّة الذابح وإن كانت أحوط وأولى.
 ..........................................................................................................
 تشتمل المسالة على ثلاث نقاط:-
 النقطة الاولى:- لا يجب على الناسك الذبح بالمباشرة بل تجوز النيابة ولا يبعد أن المسالة لا خلاف فيها ، ولكن ما هو التخريج الفنّي لذلك فهل يتمسك بالروايات الواردة في النساء والضعفاء وأنهم يفيضون من المزدلفة بعد الوقوف قليلاً وإذا كان عليهم ذبحٌ يوكّلون أو يأمرون من يقوم بذلك من قبيل صحيحة أبي بصير:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- رخّص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمعٍ بليلٍ وأن يرموا الجمرة بليلٍ فإذا أرادوا أن يزورا البيت وكّلوا من يذبح عنهن ) [5] ، وفي رواية ابن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام:- ( أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلاً فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمضِ وليأمر من يذبح عنه ) [6] ، إن الوارد في تلك الرواية هو عبارة ( وكلوا ) وفي الرواية الثانية عبارة ( فليأمر ) وهذا واضح في جواز النيابة في مسألة الذبح ، هكذا قد يستدل.
 وفيه:- إن استفادة العميم شيءٌ مشكل فلعل لهؤلاء خصوصيّة من باب التعجيل لهم حتى يطوفوا قبل أن يحصل زحامٌ في البيت الحرام ومعه كيف نستفيد التعميم ؟!
 وقد يستدل بفعل النبي صلى الله عليه وآله:- حيث جاء في الرواية الشريفة أن النبي صلى الله عليه وآله ساق معه مائة بدنة وقد ذبح عن نفسه ستةً وستين وقد باشر النحر بيده المباركة وحينما قَدِم أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن فالباقي من المائة جعله النبي صلى الله عليه وآله له وتصدى النبي بيده المباركة للنحر والحال أنها لأمير المؤمنين وهذا معناه جواز النيابة في الذبح ونصّ الرواية هكذا:- ( كان النبي صلى الله عيه وآله ساق معه مائة بدنة فجعل لعلي عليه السلام منها أربعاً وثلاثين ولنفسه ستاً وستين ونحرها كلها بيده .... الى أن قال:- وكان عليّ عليه السلام يفتخر على الصحابة فقال [7] - ويقول - من فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول الله صلى الله عليه وآله هديه [8] بيده ) [9] .
 ولكن يمكن أن يقال:- إن هذه واردة في هدي القران فنحتاج الى الجزم بعدم الخصوصيّة من هذه الناحية ، مضافاً الى أنه هنا المُهدِي - أي صاحب الحيوان - هو الذي تصدى للذبح ولعل هذه هي خصوصيّة فالشخص بنفسه يلزم أن يذبح إلا أن يُهدَى له فالمُهدِي يجوز له أن يتصدى للذبح أما أنه يجوز مطلقاً فهذا يحتاج الى الجزم بعدم الخصوصيّة ، مضافاً الى أنه يمكن أن يكون لأمير المؤمنين عليه السلام خصوصية وكرامة لمكانته المباركة وأن النبي صلى الله عليه وآله قد نحر له بيده المباركة وهذا لا ستفاد منه أن كلّ أحدٍ يجوز له ذلك ، ولعل الأقرب الى قلبك هو الأخير.
 وقد يستدل لذلك بأن وجوب الهدي ثابت للجميع وليس حكماً لبعضٍ دون آخر ومن الواضح أن الجميع لا يمكنهم أن يذبحوا بأنفسهم فالشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض وغير ذلك لا يمكنهم أن يتصدوا أنفسهم للذبح بل إن بعض الناس لا يعرفون أن يذبحوا . إذن لا يمكن أن نقول إن المباشرة لازمة مع أن الكثير لا يمكنه ذلك ، هكذا قد يستدل بل استدل.
 وفيه:- إن هذا لا ينفي احتمال أن من أمكنه التصدي للذبح بنفسه لزمه ذلك ومن لم يمكنه جازت له النيابة فاستفادة الجواز المطلق شيءٌ صعب.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص131، ب25 من ابواب الذبح، ح2، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص132، ب25 من ابواب الذبح،ح3.آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص133، ب25 من ابواب الذبح،ح6، آل البيت.
[4] الانسب أن يقال لا تعتبر فيه المباشر بل تجوز النيابة ولا يقول ( الاستنابة ) لأنها مضمنة معنى الطلب ونحن لا نريد أن نبين الطلب.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص30، ب17 من ابواب الوقوف بالمشعر، ح6، آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص29، ب17 من ابواب الوقوف بالمشعر، ح4، آل البيت.
[7] هذا موجود في الفقيه.
[8] وفي الفقيه ( هديي ).
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص152، ب36 من أبواب الذبح، ح6، آل البيت.