38/03/13


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

والشيخ الأعظم(قده)[1] أجاب عن هذا بما يوحي أنه فهم من كلام كاشف الغطاء الاحتمال الثاني دون الاحتمال الأول:- يعني فهم من ( متعيّن له ) ليس معناه الوجوب عليه بل فهم أنَّ هذا الفعل مختص بالأجير ولا تنتقل الآثار إلى المستأجر فالمعاملة تكون سفهية مثلاً ، فأجاب هكذا حيث قال:- إنه يمكن أن نفترض أن يستفيد المستأجر بأن يحصل على الثواب ، فإنَّه إذا جهّز الأجير الميت فالمستأجِر سوف يحصل على الثواب وكفى بهذا فائدة ، وحينئذٍ تصير المعاملة صحيحة.

إنَّ هذا الجواب من الشيخ الأعظم(قده) يفهم منه أنَّ الشيخ الأعظم(قده) قد فهم من كلام كاشف الغطاء الاحتمال الثاني ، يعني كأنه فهم أنَّ الآثار تبقى كلّها للأجير والمستأجر سوف لا يحصل شيئاً ، فأجاب بأنه سوف يحصل بعض الآثار وهو الثواب.

إذن جواب الشيخ الأعظم(قده) عن الدليل الثاني لكاشف الغطاء قد يفهم منه أنَّ الشيخ الأعظم(قده) فهم من عبارة كاشف الغطاء في دليله الثاني الاحتمال الثاني دون الاحتمال الأوّل الذي فهمه السيد اليزدي ، وعلى أي حال هذا ليس بالشيء المهم.

والمهم هو أنَّ جواب الشيخ الأعظم(قده) هل هو تام أو لا ؟

نقول له:- هذا الأجير حينما يأتي بالعمل فهناك حالتان ، مرّة يأتي بالعمل نيابةً عن المستأجر وكانه حقّ للمستأجر وملكٌ للمستأجر لا لأنه يأتي به عن نفسه ، كما لو آجر عاملاً لبناء الدار بأجرة كذا ، فهنا العامل حينما يعمل فهو يعمل من باب أنَّ المستأجِر اسحقّ بالإجارة العمل من العامل والعامل يؤدي العمل الذي استحقه المستأجِر عليه ، ومرّة يأتي بالعمل لا من هذا الباب بل يأتي به عن نفسه لنفسه ، ومحلّ كلامنا هو في هذه الحالة ، فالنزاع هو في هذه الحالة ، كما لو استأجر شخصٌ شخصاً آخر بأن يصلّي على الجنازةٍ وهذا الأجير يصلّي صلاة الجنازة عن نفسه لا عن المستأجِر ، ففي مثل هذه الحالة لا معنى لأن يقال سوف ينتقل الثواب إلى المستأجِر لأنَّ الأجير أتى بالعمل عن نفسه لنفسه وليس عن المستأجِر ، فأنا لم أقل لشخصٍ زُر الحسين عليه السلام عنّي نيابةً وإنما قلت له زره عن نفسك ، وإذا قلت له زره عن نفسك فسوف يحصل الأجير على الثواب ، نعم أنا المستأجِر سوف أحصل على ثواب التسبيب إلى الزيارة لا أنَّ ثواب العمل سوف يصير لي.

فإذن ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) - من أنَّ الثواب سوف يحصل عليه - يتم في الحالة الأولى يعني إذا أتى الأجير بالعمل نيابةً عن المستأجِر ومن باب أنه عمل يستحقّه المستأجِر ، بينما محلّ كلامنا هي الحالة الثانية وهي أن يأتي الأجير بالعمل عن نفسه بنفسه وهنا كلّ ثواب العمل يكون للأجير وليس للمستأجِر ، نعم المستأجِر يحصل على ثواب التسبيب وهذه قضية ثانية . إذن يرد على جواب الشيخ ما ذكرناه.

ونلفت النظر إلى قضية:- وهي أنه بهذا الذي أشرنا إليه في ردِّ الشيخ الأعظم(قده) - وأنَّ محل الكلام في حالة ما إذا أتى الأجير بالعمل عن نفسه لنفسه - يتّضح اندفاع اشكال عن كاشف الغطاء إذ قد يخطر في الذهن في الاشكال على كاشف الغطاء:- بأنّ لازم دليلك الثاني أنَّ جميع الاجارات على الأعمال سوف تصير باطلة؛ إذ كلّ عملٍ حينما يأتي به الأجير سوف ينتسب للأجير وهو فعل الأجير ، فالأثر يختصّ به ، فيلزم أن تكون الاجارة في باب الاعمال باطلة لا خصوص الاجارة على الواجبات ، وهل تلتزم بهذا ؟!! ، ومن هذا يتجلّى أنَّ دليك باطل من الأساس وإلا يلزم بطلان جميع الاجارات في باب الأعمال.

وقد اتضح دفع هذا الاشكال بما ذكرنا إذ يمكن لكاشف الغطاء أن يقول:- كلا لا تبطل الاجارات في جميع الأعمال ، بل يبقى الأثر يمكن أن ينتقل إلى المستأجر ، كما لو أتى الأجير بالعمل للنيابة عن المستأجر أو لأجل أنّه حقّ للمستأجر كما في اجارتنا للبنّاء أو المهندس على أن يبني لنا البيت فإنه يأتي بالعمل لا عن نفسه بنفسه بل يأتي بالعمل من باب أنه عملٌ استحقه المستأجِر بالاجارة ، وهذا في الحقيقة فائدة وأثر وسوف يحصل المستأجِر بناء البيت.

فإذن هنا لا يأتي الاشكال وإنما يأتي فيما إذا أتى الأجير بالعمل الواجب وأتى به عن نفسه ، كما لو كان يصلّي على الميت عن نفسه أو يجهّز الميت عن نفسه لا نيابةً عن المستأجِر هنا نقول الآثار كلّها سوف تكون للأجير مادام أتى بالعمل عن نفسه لنفسه ولا يحصل المستأجِر على شيء فيلزم أن تكون المعاملة باطلة سفهية وما شاكل ذلك.

إذن بقي الدليل الثاني لكاشف الغطاء(قده) بلا جواب لأنَّ جواب الشيخ الأنصاري(قده) قد أشكلنا عليه فلابدّ وأن نتصدّى نحن للجواب عمّا أفاده.

ونحن نجيب بجوابين:-

الأوّل:- أن نقول:- إنه كفى فائدة في هذه الاجارة - حينما استأجر شخصاً للصلاة على الميت أو يدفنه أو يغسّله عن نفسه - سقوط الوجوب عن نفسي ، فهذه فائدة من الفوائد.

الثاني:- إنه بقطع النظر عن مسألة سقوط الوجوب عن نفسي نقول هناك فائدة أخرى ، وهي أنَّ المكلّف إذا أتى بالصلاة صار ممتثلاً وخرج عن حالة العصيان وأنا يهمّني هذا - فإنه كلّكم راعٍ ولكلّكم مسؤولٌ عن رعيته - وهو مدعاة لسروري وراحتي النفسية ، وحينئذٍ هذه فائدة تخرج بها الاجارة عن حالة السفهية ، بل بهذه الطريقة نصحّح حتى الاجارة على الواجبات العينية بأن أعطي أجرةً لولدي على أن يصلّي عن نفسه ، نعم يأتينا إشكال أنَّ هذا الولد هدفه المال ولكن هذا اشكال ثاني - إشكال الصنف الثاني - وهو أنه هناك منافاة بين قصد القربة وبين الاجارة ، ولكن هذا دعنا عنه الآن وسوف نحلّه من باب أنه داعي إلى الداعي أو غير ذلك ، ولكن نحن نريد أن ندفع الاشكال الأوّل وهو أنه على ماذا حصلت أيها الأب لأنَّ المعاملة سوف تصير غير سفهية بل تصير عقلائية ؟ فأقول له:- إنَّ ابني سوف يصلّي ويلتزم وهذا هدفٌ من أهدافي التي أسعى لتحقيقها ، وكلّ هؤلاء الناس هم اخوتي وأعزتي كوَلَدي ، فإذن كفى بهذا المقدار فائدةً ونصحّح الاجارة حتى يمكن أن نصحّحها حتى على الواجبات العينية.

هذا كلّه في الوجه الثاني لكاشف الغطاء

الوجه الثالث:- وهذا الوجه لم يذكره الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ، ولعلّي قلت سوف أذكر وجهين أيضاً ولكني اتراجع وأقول سوف أذكر أكثر من ذلك لكي نطّلع على تلك الوجوه ، والوجه الثالث:- هو أنه قال إنَّ الاجارة تستدعي جواز الاقالة ، فمن حقّ المستأجِر أن يقيل الأجير ، فإذا ندم الأجير على هذه الاجارة وأراد الاقالة فيستطيع المستأجر أن يقيله فإنه له الحقّ في ذلك ، لأنَّ الاجارة لازمة فإذا لم نجعل الخيار فلا تنفسخ إلا بالإقالة ، أو من دون إقالة وإنما أُبرِؤه ، فهذه يجوز فيها الإقالة ويجوز فيها الابراء ويجوز فيها التأجيل فالعمل لوكان مطلوباً منه فوراً فيجوز للمستأجِر أن يقول له يمكنك أن تؤجّل العمل إلى يوم أو يومين شهر فهذا جائز أيضاً وما شاكل ذلك وهذا من لوازم الاجارة.

وحينئذٍ نقول:- إذا كانت الاجارة على الواجب فلا يمكن حينئذٍ الابراء ، لأنَّ الابراء عن الواجب شيءٌ غير ممكن ، فالواجب مادام هو واجب شرعي على الأجير من قبل الله عزّ وجلّ كتجهيز الميت فلا معنى للمستأجِر أن يقيله أو يبرئ ذمته أو يؤجله فإنَّ كل هذا يتنافى مع الوجوب.

إذن لوازم الاجارة لا يمكن أن تعمّ حالة الاجارة على الواجب ، ومادام لا يمكن أن تعمّ باب الاجارة على الواجب فيتّضح أنَّ الاجارة لا يمكن أن تتحقّق في باب الواجبات؛ إذ لا يمكن تحقّق ابراء ولا يمكن تحقّق تأجيل ولا يمكن تحقّق إقالة وهذا معناه أنَّ الاجارة باطلة ، ونصّ عبارته كما نقلها صاحب الجواهر(قده):- ( ولأنَّ الاجارة لو تعلقت به كان للمستأجِر سلطان عليه في الايجاد والعدم على نحو سلطان الملاك وكان له الابراء والاقالة والتأجيل)[2] .

أنا أرى أنَّ هذا الدليل لا يناسب كاشف الغطاء(قده) فإنَّ جوابه واضح فنقول:- إنَّه توجد حيثيتان ، فمن باب حيثية الاجارة يجوز كلّ هذه الأمور لكن إذا لم يكن مانعٌ من جهةٍ أخرى ، أما إذا وجد مانع من جهةٍ أخرى وهو أنَّ متعلّق الاجارة لا يقبل التأجيل ولا يقبل الابراء فهذا شيءٌ آخر لا أنَّ الاجارة صارت تقتضي عدم جواز الاقالة أو تقتضي عدم جواز الابراء حتى يقال نستكشف من ذلك أنَّ الاجارة باطلة.

فإذن توجد حيثيتان لابدّ من التفكيك بينهما.