37/12/23


تحمیل

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/12/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خــتــام.

ذكر السيد الماتن (قدس الله نفسه): العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعا من ماله جاز وأجزأ عنه، ولا يجوز للمتبرع الرجوع عليه ، وأما إن طلب ولم يذكر التبرع فأداها عنه من ماله فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه لقاعدة احترام المال إلا إذا علم كونه متبرعا))[1] .

ذكرنا ان في هذه المسالة امور ، وتقدم الكلام في الامر الاول وهو بمثابة مقدمة لسائر الامر.

الامر الثاني:- توجد ثلاثة فروض.

الاول:- ان المالك يأمر غيره بان يؤدي زكاته من ماله تبرعا.

الثاني:- ان المالك يأمر غيره بان يؤدي زكاته من ماله بدون التقييد بالتبرع.

الثالث:- ان غير المالك يقوم بأداء زكاة المالك من ماله تبرعا ومجانا او مع الضمان.

وذكرنا ان تبديل الزكاة بغيرها من النقود او جنس آخر بحاجة الى ولاية على هذا التبديل والمالك له الولاية على هذا التبديل بمقتضى النصوص وكذا لوكيله باعتبار ان فعل الوكيل فعل الموكل وكذا لمن له ولاية على المالك وكذا للحاكم الشرعي الذي له ولاية على الفقير فله ان يقوم بهذا التبديل ، واما الشخص الاجنبي الذي هو ليس مالكا ولا وكيلا ولا وليا فليس له تبديل الزكاة بجنس اخر فان هذا معاملة وهذه المعاملة بحاجة الى ولاية من يقوم على هذه المعاملة ، والشخص الاجنبي لا ولاية له فليس له تبديل الزكاة بماله ودفع ماله للفقير ، ولا يكفي قبول الفقير بعنوان انه عوض ماله باعتبار ان الزكاة ليست ملكا لشخص هذا الفقير بل الزكاة ملك لطبيعي الفقير فلا اثر لقبول الفقير البدل لان المبدل ليس ملكا له بل المبدل ملكا لطبيعي الفقير ، ومن اجل ذلك لا يمكن للشخص الاجنبي تبديل الزكاة بماله ودفع ماله الى الفقير بعنوان البدل ، ومعنى البدل ان المبدل يقوم مقام البدل والبدل يقوم مقام المبدل كما في البيع والشراء فان الثمن يقوم مقام المبيع والمبيع يقوم مقام الثمن ، فالمبادلة بين المالين تستلزم المبادلة بين المالكين ايضا ، فان مالك المبيع صار مالكا للثمن ومالك الثمن صار مالكا للمبيع ، وفيما نحن فيه المبادلة تقتضي ان يكون مال المتبرع ملكا لفقير ومال الفقير صار ملكا للمتبرع وهذا هو معنى المبادلة ، وهذا المعنى لا يتحقق فان تحققه بحاجة الى ولاية الشخص الاجنبي على هذه المبادلة وليس له ولاية على هذه المبادلة.

ولكن قد يقال ـــ كما قيل ـــ ان أمر المالك غيره بان يؤدي زكاته من ماله تبرعا او مع الضمان هذا الامر يدل على التوكيل أي يدل على ان هذا الغير وكيل للمالك فان هذا الامر بمثابة التوكيل فاذا كان غيره وكيلا له فيصح له هذا التبديل وكالة فان فعل الوكيل فعل الموكل واداء الوكيل اداء الموكل واداء الغير اداء للمالك فحينئذ يصح التبديل وللغير ان يقوم بالتبديل باعتبار انه وكيل للمالك.

ولكن يمكن المناقشة في ذلك فان الامر لا يدل على ان غيره وكيلا له فان الوكيل معنى حرفي وفعله فعل الموكل ومستند الى الموكل حقيقة ، أما فعل المأمور ليس فعلا للمالك ولا يصح اسناده الى المالك فان الامر يكون داعٍ الى اداء غيره للزكاة واما اداء الزكاة فيكون فعل للغير مستقلا ، فالمأمور مستقل وليس معنى حرفي بل هو معنى اسمي ، وفعله ليس فعل المالك وأداءه ليس أداء المالك.

نـــعـــم هنا نكتة أخرى وهي ان أمر المالك غيره بان يؤدي زكاته من ماله هذا الامر بمنزلة اعطاء الولاية له على التبديل لا انه يدل على التوكيل ، بل يدل على منح الولاية لغيره على التبديل وللمالك ذلك كما اذا امر الحاكم الشرعي غيره بالتبديل فهذا معناه ان الحاكم الشرعي اعطى ولاية التبديل له او كما لو أمر أحد الائمة (عليهم السلام) غيره بالتبديل فهذا معناه انه اعطى له الولاية على التبديل ، وما نحن فيه كذلك فان امر المالك غيره بان يؤدي زكاته فهو يكون قد اعطى له ولاية التبديل وهذا غير بعيد ، اذن هذا الاشكال ينحل بذلك.

ولكن يبقى الاشكال في الفرض الثالث وهو ان غيره يقوم بأداء زكاته من ماله تبرعا او بدون تبرع بدون امر المالك فيبقى الاشكال فيه على حاله فانه ليس وكيلا من قبل المالك ولا وليا على هذا التبديل لأنه ليس مأمورا من قبل المالك بالتبديل فانه باختياره قام بأداء الزكاة من ماله مجانا او مع الضمان فعلى كلا التقديرين ليس له هذا التبديل لأنه ليس له ولاية على التبديل وليس هو وكيلا من قبل الولي ، اذن يبقى الاشكال في الفرض الثالث فقط.

الاشكال الآخر في المقام هو اعتبار قصد القربى فان الزكاة عبادة ويعتبر فيها قصد القربى ومعنى قصد القربى هو اتيان الفعل لله تعالى ، فاذا اتى بالفعل لله تعالى فقد قصد التقرب به ، ولكن اتيان الفعل لله تعالى يتوقف على ان يكون الفعل محبوبا اما اذا كان الفعل مباحا فهو غير قابل للتقرب فلابد ان يكون الفعل الذي اتى به لله تعالى محبوبا سواء أكانت محبوبيته بدرجة اللزوم ام كانت بدرجة الاستحباب فاذا كان الفعل محبوبا لله تعالى فهو قابل للتقرب به اليه تعالى وتقدس ، اذن معنى قصد القربى هو اتيان الفعل المحبوب لله تعالى فاذا اتى به لله فقد قصد التقرب لله تعالى هذا هو معنى القربى.

وبناءً على هذا فان دفع البدل الى الفقر في الفرض الاول والثاني محبوب وهو اذا قصد لله تعالى فقد قصد التقرب اليه تعالى بهذا العمل ، اذن لا اشكال في الفرض الاول باعتبار انه في الفرض الاول هو ولي على هذه المبادلة وكذا في الفرض الثاني هو ولي على المبادلة.

ولكن الاشكال انما هو في الفرض الثالث فان في الفرض الثالث هذه المبادلة غير صحيحة فاذا لم تكن المبادلة صحيحة فما دفع الى الفقير ليس بديلا عن الزكاة وان كان دَفْعُه الى الفقير محبوبا الا ان دفعه الى الفقير بعنوان بدل الزكاة ليس محبوبا حتى يمكن التقرب به فإشكال قصد القربى يبقى بالنسبة الى الفرض الثالث ، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى ان الامر يوجب الضمان فاذا امر غيره بان يؤدي زكاته من ماله بدون التقييد بالمجانية والتبرع فهذا الامر يوجب الضمان لبناء العقلاء على ذلك ، كما ان اتلاف مال الغير يوجب الضمان كذا الامر بإتلاف مال الغير يوجب الضمان او الامر بالعمل يوجب الضمان كما لو امر بخياطة ثوبه او ببناء داره او بكنس المسجد او بكنس داره او ما شاكل ذلك ، فانه اذا امر بهذا الامر فهو يوجب الضمان وهو ضامن لأجرة هذا العمل وليس هذا الضمان من باب قاعدة احترام مال المسلم او قاعدة احترام عمل المسلم فان قاعدة احترام مال المسلم لا تقتضي في نفسها الضمان فان معنى احترام مال المسلم هو انه لا يجوز التصرف في ماله بدون اذنه وكذا لا يجوز تتضيع عمله فانه ينافي احترام عمل المسلم ، اما الضمان فانه يتحقق بإتلاف مال المسلم او بأمر المسلم بإتلاف ماله او امر المسلم بالعمل بشيء فانه يوجب الضمان بالسيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا.

الامر الثالث:- ما اذا كانت الزكاة دينا في ذمة المالك او الخمس دينا في ذمة المالك فهل حال هذا الدين كالدين العرفي؟ فان الزكاة دين شرعي والخمس دين شرعي فهل هو كالدين العرفي او لا؟ يأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.