1440/08/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، حيثيات حجية الخبر الواحد و منظومية الحجج

كان الكلام في تحليل حجية الخبر الواحد لكي يتضح أن منظومة حجية الخبر الواحد أو الحجج الأخرى الإجتهادية، هي منضمة بعضها إلی البعض، لان هذا النسق أو هذا الترتيب في هذه الحجج يؤثر علی مثار بحث التعارض و تعريف التعارض و أحكام التعارض إلی ما شاء الله و ذكرنا أنها المؤاخذة الكبيرة علی منهج الأخباري الذي هو رائج باسم المنهج الأصولي، أن الصدور هو ركن الأركان في الحجية. هذا مبنی أخباري بامتياز و إن سمي أصوليا بامتياز و تبين أن هذه غفلة واشتباه والتباس.

المهم الإلتفات إلی حقيقة الفرق بين المنهجين: الفرق هو أن الأخباري سمي أخباريا لأن الحجية عنده حجية الراوي و الراوي الذي وظيفته الإخبار و الإنباء، أما وظيفة الفقيه هو الفهم يعني بنيان الدلالة الإستعمالية والتفهيمية والجدية ومر بنا أن جملة من الآيات تؤكد علی أن هناك وظيفتين، وظيفة الإنباء «إن جاءكم فاسق بنبإ» هذا الإنباء وظيفة حتی لو كان فاسقا، بينما الفقيه لايهتم بأن المنبأ من هو؟ له دور الانباء والوصول، أما الإيصال يعتمد عليه أو لايعتمد عليه بحث آخر. أصلا إيصال شيء تكويني و وصول أو لاوصول بحث آخر، حتی في العادل ليس بالضروري أن يكون هناك وصول تكويني، قد يشتبه أو يتوهم و غيره من الإحتمالات لكن هذا الوصول التكويني سواء كان مزيفا أو حقيقيا دور الفقيه هنا أن يتبين، نص الآية الكريمة هو التبين و التبين نفس «ليتفقهوا» «لولا نفر» يعني ينبؤوا ويرووا «لولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين» يعني بعد ما رووا، العمدة و الغاية هي التفقه و الفهم المستند إلی الرواية، فدور منهج الأصولي هو الأجتهاد والأجتهاد يعني الفهم لا إجتهاد المخالفين بمعني الرأي و التخلص و الإستحسان و إنشاء الحكم علی وفق الميول، هذا ليس اجتهادا لفقهاء الامامية.

الاجتهاد في علماء الإمامية يعني الفهم من نفس قوالب معنی الأدلة، طبعا فهم غير المعصوم قد يخطأ و قد يصيب، حتی الراوي أيضا قد يخطأ و قد يصيب و لكن سفينة الفهم و الخبروية تعتمد علی الفقاهة و الملكة العلمية بالنص المتواتر عن سيد الأنبياء و عترته الطاهرين أن الفقاهة درجات و الفهم درجات.

لذلك الصدور كما مر بنا و اعتبار الصدور هذا في الحقيقة دور الراوي ودور المخبر و الأخباري و هو الراوي، حقيقة منهج الأخباري ليس منهجا نكفر به بل ضروري لان دوره دور الرواة و المحدثين و ما أحد ينكره لكنه ليس نهاية المطاف بل بداية المطاف لكن نهاية المطاف «فتبينوا» لان حقيقة الدين في القرآن و الروايات ليس في لفظ التنزيل كما يشير إليه سيد الأنبياء «حبل ممدود» يعني لامتناهي و ممتد وغير منقطع، «طرف منه عند الله». «لايعلم تأويله» له بطن و لبطنه بطن هذا البطن لايدركه الراوي أو الأخباري و الإنباءي، إنما هذا طرف الساحل و يدركه سفينة الفهم و الفقاهة والمقصود من الفقاهة ليس فقه الفروع بل كل فهم الدين وسواء فقه الكلام أو فقه التفسير أو فقه الفروع أو فقه الاخلاق و هذا لامتناهي يغوص فيه كل بقابليته.

هذه الجهات لازم أن يلتفت اليه، حجية الدلالة والظهور مرتبطة بالفقيه و الفهيم و المتبين و ليس بالأخباري . يجيئك في عبارة خمس إعرابات و كلها صحيح وجوه صرفي في التفهيم وجوه بلاغية عديدة أو يأتيك بقرائن من العلوم القانونية نفس قواعد الفقه أو قواعد الشرع عشرات و مآة قرائن، هذا ليس شأن المحدث والراوي و المخبر.

إذا كان البحث الفقهي يركز علی حجية الراوي الراوي، فهذا ليس بحثا فقهيا بل هذا بحث الحديث و علم الرجال أما علم الفقه هنا -و غاص فيه صاحب الجواهر و كشف اللثام و صاحب الرياض و هلم جرا- التركيز علی جانب الدلالة الإستعمالية ثم التفهيمية ثم القانونية و القانونية بحر لاينفد بحسب قوانين الشرع و إشتباك القواعد فيما بين بعضها البعض و كلما كان أكثر إحاطة التضلع يلتفت إلی بنيان الظهور، إذاً حجية الظهور واضح مرتبطة بالدلالة الإستعمالية و التفهيمية و شيء من الجدية.

لعلمكم ان الدلالة الجدية ليست دلالة واحدة بل إلی ما لايتناهی من الدلالات، الدلالة الجدية المطابقية والدلالة الجدية الإلتزامية و التضمنية وهلم جرا و هذا مستفيض من كلامهم عليهم السلام، إن لكلامنا بطن إلی سبعين بطنا كالقرآن، يعني نظام الكلام و التكلم عندهم عليهم السلام بهذا النمط. إذاً هنا دور الفقهيه و و الأفقه ثم الأفقه و هلم جرا، رب حامل فقه إلی من هو أفقه منه. ليس يعني درجة واحدة من الفقه بل هذا تسلسل لايتناهي، ليس المقصود ان الفقه درجة أو درجتين بل المقصود ان هذه المعادلة تتكرر جيلا بعد جيل.

إذاً دور حجية الظهور صار واضحا و حجية الصدور أيضا صار واضحا. أمس مر بنا حجية الصدور فيها خمس حيثيات، حجية الظهور أيضا مر بنا اليوم ليس ثلاثا أو خمسا بل أكثر و الله يعلم، حجية الظهور الإستعمالي والتفهيمي سيما علی ما هو الصحيح و بنی عليه السيد الخويي رحمه الله، أن الدلالة الإستعمالية تتعدد في عرض واحد و في طول و كلها صحيحة و شرطها أن تكون علی الموازين والتفهيمية تتعدد أيضا إلی ما شاءالله. ثم الجدية تتعدد إلی ما شاء الله طولا و عرضا، عرضا الإلتزامية و التضمنية و طولا جدي و وراء الجدي وهلم جرا، فإذاً حجية الظهور بنيان يتكفله الفقيه إذا يركز علی الفقاهة فهذه خبروية الفقاهة، أما إذا يركز علی الصدور هذا بحث أخباري و منهج أخباري.

ماذا عن حجية جهة الصدور؟ حجية جهة الصدور هي آخر رتبة و ليست ثاني رتبة و إن كان لغطا و صراعا علميا بين الأعلام و ذكرناها في بداية بحث التعارض ونذكرها في نهاية باب التعارض، قضية الترتيب بين المرجحات و بين الأعلام معركة شديدة أنها مراتب و الحجية كيف تتراتب وتترتب؟ بين الشيخ الأنصاري و الميرزا حبيب الله رشتي و الآخوند و الآغاضياء و هلم جرا. آراء الأعلام في ترتيب المرجحات مختلفة و سببه يكمن هنا، أن الحجية لها مراتب أم لا؟ الصحيح أن جهة الصدور هي آخر جهة و المقصود من جهة الصدور أنه في مقام بيان الواقع في مقابل التقية أو غيرها وليست فقط التقية بل يكون غيرها، الآن تحقيقات صاحب الحدائق أو الآخرين أن التقية لها أنواع مطابقة العامة و إبهام و لها دواع كثيرة و كلها في مقابل بيان الواقع، حجية جهة الصدور يعني أنه في مقام بيان الواقع يعني إرادة جدية بعد الإستعمالية و بعد الإرادة التفهيمية. إذاً جهة الصدور و حجية الصدور واضحا أنها جهة نهائية. و تبين أن حجية الصدور دورها تصوري، لذلك مشهور قاطبة علماء الإمامية لايعطون حجية الصدور تلك الخطورة لأن الصدور هو الوصول عمدتا لاإعتبار الوصول لإن إعتبار الوصول يمكن الإستحاذة عنه بأشياء كثيرة، نفس الوصول شيء آخر و يختلف عن الصدور و الصدور التفصيلي يختلف عن الصدور الإجمالي و أصل وجود الشيء وإن لم يصدر شيء آخر خمس حيثيات في الصدور و كلها معقدة و لم يبلورها الأصوليون إلا في زوايا خفية في علم الأصول. أحد الموارد التي بحثوا فيه هو قاعدة كلما حكم به العقل حكم به الشرع، الشيخ الأنصاري و من أتی بعد الشيخ الأنصاري بحثه في تنبيهات القطع بينما المظفر بحثه في مكان آخر. في الانسداد أيضا بحثوه، إذاً الفقهاء هم الذين لايتقيدون باعتبار الصدور من نمط واحد لاالأخباريون فإنهم يتقيدون إما معتبر أو غير معتبر، لذلك احد إشكالات الأخباريين علی الأصوليين هو قطعية الصدور و إلا اذا كانت ظنية الصدور لانقبلها و لابد من قطع الصدور لأنا لابد أن نعمل بالعلم و الظن باطل العمل به هذا منهج الاخباريين. لذلك هم يتشددون بالصدور عكس الأصوليين.

لاصوليون يقولون لايحتاج إلی القطع و الظن المعتبر موجود ويمكن الاستعاذة بالعدالة و الوثوق بالصدور بالقرائن و غيرها و هذا منهج الأصولي و الحصرية إلی وثاقة الراوي في الاخبار هذا منهج الأخباري و بالعكس منهج الأصوليين هو التوسعة لاسيما منهج الإنسداديين كما ذكرت لكم مرارا و هم يقولون كل الأخبار معتبرة الصدور لكنهم لايعملون بها عمی بل يقولون فيه قواعد والأصول و منظومة الترجيح و فيه أرجح و مرجوح و حاكم و محكوم. فالاصولي العمده عنده العمل بمنظومة الفقاهة.

هناك حكم مسلم عند الأخباريين و الأصوليين و هو حرمة رد الخبر الضعيف والروايات مستفيضة فيه. ماذا يعني حرمة الرد صناعيا كصناعة أصولية؟ خبر غير معتبر لكن يحرم رده. فسروه تفسيرا مجملا بأنه يعني لاينكروه، لعله في الواقع كلام الإمام عليه السلام. هذا تفسير مجمل و لاترد عليه بالبطلان. و موجود في الروايات أما بالدقة معنی حرمة الرد يعني إكترس به تصورا مثل المفاد المطابقي لآية النبأ «إن جاءكم فاسق بنبأ» لم يأذن الله بأن ترده بل لازم أن تبين في حين لاتعتمد عليه، لكنه اقل ثمرة فيه هو أن يكون منبها للفحص و التدبر، أصلا دور الخبر المعتبر التفصيلي دوره المنبهية حسب روايات اهل البيت عليهم السلام، لاالتعبد و التعبد يأخذ به الأخباري بينما الفقيه يأخذه منبها لأن هذا المفاد من الرواية يفهم من الأدلة الأخرى تناسبه و تطابقه و تصادقه مع مجموع الأدلة التي بيده و هذا هو تشدد الشيخ المفيد و السيد المرتضی و ابن ادريس بأنه من دون شاهد من الكتاب و السنة القطعية لايحل العمل الخبر الواحد الصحيح و هذا معروف منهم أن الخبر الواحد بمفرده ليس بحجة. إبن إدريس مبناه عين مبنی الشيخ المفيد لانهم لاينغرون بصحة الصدور بل حجية الصدور حجيتها تمهيدية و معدة والإعداد و العمدة حجية الظهور.

هذا إجمال مراتب الحجية علی ضوء هذه المنظومة و هذه خريطة المنظومة لحجية الآية و الخبر و كل الحجج الإجتهادية.

دور التواتر ما هو؟ دور التواتر فقط الإيصال و الوصول و بعدها دور الفقاهة، أجمع المسلمون علی أن عموم الكتاب يخصص -إلا من شذ- بالخبر الواحد الصحيح. كيف يصير الخبر الواحد الظني يخصص عموم الكتاب؟ المدار ليس علی الصدور و إذا كان المدار علی الصدور مثل الاخباريين يكلفون علی هذا الجواب، أن الأخبار عندنا قطعية الصدور و الأخباريون دعواهم ليس واحدا البعض يقولون الأخبار قطعية الصدور و البعض يقولون معتبر الصدور و إذا كان ظني الصدور كيف يخصص الآية الكريمة القطعية الصدور بشيء ظني الصدور؟ هذا مما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ من الفريقين، هذا شاهد علی أن الصدور ليس محورا و الصدور دورها إعداد. نعم دلالة الآية ظنية لكن صدورها قطعية. مما أجمع عليه علماء المسلمين . كيف يمكن الخبر الظني يقدم علی الآية القطعية؟ هذا مما يدل علی أن الصدور لايكترسون به و العمدة الدلالة والظهور و منظومة الدلالة و هذا شاهد علی أن حجية الفقاهة أعظم عندهم من حجية الرواية و إلا القرآن صدوره قطعي أو الخبر المتواتر من الائمة يخصص بالخبر الظني حتی الخبر الظني الموثق أو الحسن أو حجية الخبر القوي يعني خبر لامن عادل و لامن أهل الإيمان لكنه ممدوح و ليس موثقا هذا الخبر يخصص به عموم القرآن القطعي الصدور. هذا شاهد علی أن الصدور ليس للعلم بل الصدور مجرد التهيئة و مر بنا أن الخبر المتواتر ليس حجة مستقلة بل مجموعة أدلة الدين حجة و الكتاب بمفرده ليس حجة مستقلة و هذا ليس نقصا بالكتاب، لكن ما عندنا أن نأخذ من الكتاب كل شيء و يجب أن نستعين بمعلم إلهي و النقص في القابل ونحن. كذلك سيد الأنبياء وسيد كل شيء ليس عندنا قابلية أن نتلقی من النيي كل شيء فلذلك نحتاج إلی الوصي و إلی فاطمة الزهرا و المعصومين و بقيةالانبياء عليهم السلام و الصلوة. «من أراد المدينة فليأتها من بابها» «فلما تجلي ربه للجبل خر موسی صعقا» و في الروايات خر موسی ميتا و مات النبي موسی لا أنه أغمي عليه و أحياه الله مرة أخری. مثل السبعين الذين مع النبي موسی، إذاً قابلية التحمل ما عندهم. فالمقصود أن الحجج منظومية، نعم منهج الرواة و الأخباري التشديد عندهم علی الرواية مع أنه روي عن النبي «رب حامل فقه إلی من هو افقه منه» و هذا الكلام يدل علی أن الرواية لايكفي. «حديث تدريه خير في رواية عشر و في رواية الف حديث ترويه» يعني بحسب فهمك و درايتك من الحديث و هذه ليست مبالغة بل يقولون ألف لأنك إذا عرفت حديثا بشبكة منظومية تعرف ألف حديث يعني منظومة و علی كل هذه خارطة حجية الخبر الواحد.

ماذا ربط هذا المطلب بتعارض الأخبار و ماذا ربطه بالقواعد الأخرى التي نلتزم بها مثل قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح و قواعد كثيرة كلها مبتن علی هذه الخارطة ؟