1440/07/11


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

40/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خاتمة في تقديم الامارات على الأصول

كان الكلام في ان التقديم على أساس الحكومة او الورود هل يختص بصورة التخالف وعدم الموافقة او انه يشمل حتى صورة الموافقة بين الامارات والأصول ، والاثر العملي انه في صورة الموافقة اذا قلنا بالتقديم فان معناه ان الأصل العملي يسقط مع وجود الامارة واما اذا قلنا بعدم التقديم في صورة الموافقة فان الأصل العملي يبقى على حاله ، وقد ذهب المشهور الى عدم الاختصاص ويستدل على ذلك بما ذكرناه من ان الامارة ترفع موضوع الأصل فهي ترفع الشك ومع عدم الشك لا يجري الأصل

والملاحظة الأولى: عليه انه مبني على ان التقديم على أساس الحكومة او الورود ، واما اذا قلنا بان التقديم على أساس التخصيص فحينئذ يقال بان التخصيص فرع التعارض والتنافي بين الدليلين ومن الواضح بان التنافي بين المدلولين يختص بصورة المخالفة

الملاحظة الثانية : لو سلمنا بان التقديم على أساس الحكومة او الورود يمكن ان يقال بان الملحوظ في ادلة الأصول هو ان الغاية التي جعلت لها هو العلم بالخلاف كما في قوله ( عليه السلام) ((كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر )) بل حتى اليقين الماخوذ في دليل الاستصحاب ، فالمقصود باليقين الاخر الذي ينقض اليقين الأول هو اليقين بالخلاف

فالامارة اذا كانت مخالفة للاصل العملي فباعتبارها علما تعبدا تحقق الغاية للأصول العملية وهي العلم بالخلاف فيرتفع موضوع الأصل العملي فتكون واردة او حاكمة عليها ، واما اذا فرضنا بان الامارة موافقة للاصل العملي فانها لا تحقق الغاية الماخوذة في لسان دليل الأصل العملي والتي ينتهي عندها الأصل العملي ، وهذا يجبرنا ان نلتزم بان التقديم مختص بالامارة المخالفة للاصل العملي

ويوجد اعتراض على هذه الملاحظة وحاصله كيف نقول ان الغاية في الاصول العملية هو خصوص العلم بالخلاف بل لابد ان نقول هو مطلق العلم وان كان بالوفاق ، لان الدليل اللبي يقول يستحيل جعل الحكم الظاهري في صورة العلم وانما يعقل جعله في صورة الشك وعدم العلم وهذا برهان عقلي يقتضي بان الأصول العملية مقيدة بعدم العلم وهذا البرهان لايفرق فيه بان يكون العلم علما بالخلاف او بالوفاق لان الحكم الظاهري لا يمكن ان يجعل بحق العالم وبناءا على هذا اذن لافرق بين الامارة الموافقة والامارة المخالفة

وجوابه ان الدليل على جعل العلم الموافق غاية للاصل العملي هو المخصص اللبي والاستحالة العقلية الا ان عدم العلم الموافق غير ماخوذ في لسان دليل الأصل العملي وانما الماخوذ فيه هو عدم العلم بالخلاف كما في قوله (عليه السلام) : (( كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر )) وقوله ( عليه السلام ) في دليل الاستصحاب (( بل انقضه بيقين اخر ))

نعم كون العلم بالوفاق غاية ثبت بالبرهان العقلي وليس ماخوذا في لسان دليل الأصل والبرهان العقلي قائم على ان الأصل العملي انما يمكن جعله في حق المكلف الذي يمكن جعل الحكم الظاهري بحقه لا انه قائم على اخذ عدم العلم قيدا في موضوع الاصل العملي فجعل الأصل العملي يختص بالمكلف الذي يمكن ان نعبده بالحكم الظاهري وهذا يعبر عنه بعدم العلم وبعبارة اخرى : ان البرهان العقلي ليس في لسانه اخذ عدم العلم في موضوع الأصل العملي ولا يستفاد منه ذلك فيبقى موضوع الأصل العملي لم يؤخذ في دليله عدم العلم والمجعول في لسان دليله هو ان العلم بالخلاف غاية له ، وعلى هذا الأساس يمكن ان يفرق بين الامارة المخالفة التي تكون حاكمة على الاصل العملي او واردة عليه بدليل اعتبارها لانها تحقق الغاية المقصودة في لسان الأصل العملي بينما في الامارة الموافقة لا نستطيع ان نقول هذا لان العلم بالوفاق ليس ماخوذا في لسان دليل الأصل العملي ، صحيح ان البرهان العقلي قام على هذا الشيء لكن لا بمعنى اخذ العلم بالوفاق غاية لجعل الأصل العمليونفس هذا الكلام تقدم سابقا حينما قلنا بان المارة حاكمة على الأصل دون العكس مع ان كل منهما بلحاظ البرهان العقلي مقيد بالشك وعدم العلم ، وجواب المشهور هناك ان هذا ثابت بالبرهان العقلي واما بلسان الدليل فان الشك ماخوذ في لسان دليل الأصل العملي دون الامارة

الامر الاخر الذي نتعرض له في ختام هذا المطلب : هو ان هذا كله بلحاظ الأصول الشرعية واما الأصول العقلية فمن الواضح ان تقديم الامارة عليها يكون بالورود لا غير فانها بدليل اعتبارها ترفع موضوع الأصل العملي حقيقة من دون فرق بين ان يكون الأصل هو البراءة العقلية التي مفادها التعذير او الاشتغال العقلي الذي مفاده التنجيز

لان العقل حينما يحكم بالبراءة والتعذير فواضح ان حكمه بالمعذرية مقيد بان لا يكون المكلف عالما بالواقع والا فلا معذرية وكذلك مقيد بعدم وجود ما يدل على اهتمام الشارع بالواقع المشكوك على تقدير وجوده ، والذي يبرز هذا الاهتمام هو دليل الحجية ، ولذا جعل الشارع الحجية للامارة الضنية فان هذا يعبر عن اهتمام الشارع بالواقع المشكوك ويريد من المكلف الاتيان به ومع ابراز اهتمام المولى فالعقل لا يحكم بالبراءة بعبارة أخرى ان العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان فموضوع الحكم هو عدم البيان الاعم من عدم البيان على الواقع وعدم البيان على الحجة الشرعية فاذا قام البيان على ان الشارع يجعل الحجية للامارة فالعقل لا يحكم بالبراءة ، ومن هنا يكون الدليل على حجية الامارة القائمة على الحكم الالزامي رافعا لموضوع البراءة حقيقة واما الحكم العقلي بالتنجيز في الاشتغال فان الامارة تكون رافعة لموضوعه حقيقة أيضا لانه مقيد بعدم العلم بالواقع وبعدم ابراز الشارع عدم اهتمامه بالواقع المشكوك على تقدير وجوده فاذا علم المكلف بان الحكم الواقعي حكم ترخيصي او علم بان الشارع يبرز عدم اهتمامه بالواقع المشكوك عن طريق جعل البراءة فالعقل لا يحكم بالتنجيز وبعبارة أخرى فان العقل انما يحكم بالتنجيز والتعذير مراعاة لشان الشارع واما مع ورود شيء من الشارع فالعقل لا يحكم بهما كما لو جعل الشارع الحجية للخبر الوارد على الحكم الالزامي او للدليل الدال على البراءة