تفسيره (ع)

البريد الإلكتروني طباعة

تفسير الامام العسكري (عليه السلام)

1 ـ لقد شغلت الحروف المقطّعة بال المفسّرين فضربوا يميناً وشمالاً، وقد أنهى الرازي أقوالهم فيها في أوائل تفسيره الكبير إلى قرابة عشرين قولاً، ولكن الإمام(ع) عالج تلك المعضلة بأحسن الوجوه وأقصرها،إذ قال: « كذبت قريش واليهود بالقرآن، وقالوا سحر مبين تقوّله. فقال الله ((ألم ذلك الكتاب)) أي: يا محمّد، هذا الكتاب الذي نزّلناه عليك هو الحروف المقطّعة التي منها (ألف)، (لام)، (ميم) وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثم بيّن أنهم لا يقدرون عليه بقوله: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)). وقد روي هذا المعنى عن أبيه الإمام الهادي(ع). 2 ـ كان أهل الشغب والجدل يلقون حبال الشكّ في طريق المسلمين فيقولون: إنكم تقولون في صلواتكم: ((إهدنا الصراط المستقيم)) أو لستم فيه؟ فما معنى هذه الدعوة؟ او إنكم متنكّبون عنه فتدعون ليهديكم إليه؟ ففسّرالإمام الآية قاطعاً لشغبهم فقال: «أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمالنا». ثم فسّر الصراط بقوله: «الصراط المستقيم هو: صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، أما الأول فهو ما قصرعن الغلوّ وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، وأما الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم، لا يعدلون عن الجنة إلى النار ولا إلى غير النار سوى الجنة». وكان قد استفحل أمر الغلاة في عصر الإمام العسكري ونسبوا إلى الأئمّة الهداة أموراً هم عنها براء، ولأجل ذلك يركّز الإمام عليّ(ع) على أن الصراط المستقيم لكل مسلم هو التجنّب عن الغلوّ والتقصير. 3 ـ ربما يغترّ الغافل بظاهر قوله سبحانه: ((صراط الذين أنعمت عليهم))، ويتصوّر أن المراد من النعمة هو المال والأولاد وصحّة البدن، وإن كان كل هذا نعمة من الله، ولكن المراد من الآية بقرينة قوله: ((غيرالمغضوب عليهم ولا الضالّين)) هو نعمة التوفيق والهداية. ولأجل ذلك نرى أن الإمام يفسّر هذا المعنى بقوله: «قولوا إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ: ((ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً))»، ثم قال: «ليس هؤلاء المنعَم عليهم بالمال وصحّة البدن وإن كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة». 4 ـ لقد تفشّت آنذاك فكرة عدم علمه سبحانه بالأشياء قبل أن تُخلق، تأثراً بتصوّرات بعض المدارس الفكرية الفلسفية الموروثة عن اليونان، فسأله محمّد بن صالح عن قول الله: (( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب))، فقال: «هل يمحو إلاّ ما كان، وهل يثبت إلا ما لم يكن»؟ فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقوله هشام الفوطيّ: إنه لا يعلم الشيء حتى يكون، فنظر إليّ شزراً، وقال: «تعالى الله الجبّار العالم بالشيء قبل كونه، الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه».