«ردا» على سؤال لـ«السفير»، اجاب مدير مكتب سماحة المرجع السيد علي السيستاني في لبنان الحاج حامد الخفاف على ما جاء في الحلقة التاسعة من مجريات حرب تموز حول موقف السيد السيستاني، وقدم الرواية الآتية:
- الأحد ۳٠ تموز، قصفت إسرائيل بلدة قانا، وحدثت المجزرة الشهيرة.
في حدود الساعة السابعة مساءً من ذلك اليوم، اتصل بي الرئيس نبيه بري وقال: يا حاج حامد أريد أن تبلغ سماحة السيد السيستاني رسالة مني! وهي: ان العالم بأجمعه الآن – بعد المجزرة – يطالب بوقف فوري لإطلاق النار حتى الأمم المتحدة، وفقط أميركا مصرة على عدم وقف إطلاق النار، وأعتقد أن موقفاً من سماحة السيد بالمطالبة بوقف إطلاق النار سيكون حاسماً ومؤثراً.
قلت للرئيس بري: يا دولة الرئيس أنت تعرف نحن لا توجد لدينا علاقات مع الأميركيين.
قال الرئيس بري: أنا أعرف ذلك ولكن أعرف أن هناك عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين في العراق، وصوت سماحة السيد يحسب له ألف حساب، أنا أقول أن يُصدر سماحة السيد بياناً في العلن يطلب فيه وقف إطلاق النار. ثم حدثني عن المأساة الجارية في الجنوب.
قلت: يا دولة الرئيس إن سماحة السيد أصدر قبل عشرة أيام بياناً حول الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وليس من منهجه إصدار بيان ثان في موضوع واحد خلال فترة وجيزة!
قال بري: أرجو إبلاغ رسالتي لسماحة السيد، وقل لسماحته: (هذا طلب من نبيه). قلت: سأبلغ الرسالة.
- اتصلت بالسيد محمد رضا (نجل الإمام السيستاني) في النجف الأشرف وأبلغته برسالة الرئيس بري. فقال: إن سماحة السيد أصدر بياناً قبل فترة وجيزة حول الأحداث الجارية، وأيّ تأثير لبيان آخر حول الموضوع نفسه؟ ما رأيك لو يبادر إلى إبلاغ موقف حازم من خلال رسالة شفهية للرئيس الأميركي جورج بوش عبر بعض المسؤولين العراقيين، لعل ذلك سيكون أكثر نفعاً لوقف المأساة الجارية.
قلت: هذا جيد، إذا وافق سماحة السيد على المقترح، سأبلغ الرئيس بري لمعرفة رأيه.
بعد اتصالات متكررة، أبلغني السيد محمد رضا أن سماحة السيد وافق على المقترح إذا كان الإخوان في لبنان يرون ذلك مفيداً لهم، برغم تحفظاته عليه من بعض الوجوه.
اتصلت بالرئيس بري، وأخبرته بالمقترح، فقال: هذا جيد جداً، وهو (عز الطلب)، ولكن أرجو أن يضاف لذلك إصدار بيان من سماحته يطالب بوقف إطلاق لأنه ضروري ومفيد جداً.
- ليلاً قرر سماحة السيد السيستاني( دام ظله) إصدار بيان حول مجزرة قانا، وكان بياناً شديد اللهجة تم توزيعه على الإعلام في تلك الليلة.
كما قرر إبلاغ الرئيس جورج بوش والقيادة الأميركية برسالة شفهية يبين فيها موقفه من الأحداث الجارية في لبنان، وتم اختيار الدكتور عادل عبد المهدي، نائب رئيس الجمهورية العراقية آنذاك لإبلاغ الموقف.
ونص الموقف هو الآتي:
(إن سماحة السيد السيستاني قلق جداً لما يجري في لبنان، وهو يرى أن هناك ضرورة قصوى لوقف إطلاق النار، وإن الشعوب الإسلامية لن تعذر الولايات المتحدة الأمريكية لو قصّرت في هذا الاتجاه).
ـ الاثنين ۳۱ تموز، أخبرنا الدكتور عادل عبد المهدي أنه أبلغ رسالة سماحة السيد هاتفيا» من بغداد مباشرة إلى أربع شخصيات أميركية هم: الرئيس جورج بوش، نائب الرئيس ديك تشيني، ووزيرة الخارجية كوندوليسا رايس، ومستشار الأمن القومي ستيف هادلي.
أبلغت الرئيس بري في الساعة ٦,٤٠ دقيقة بموضوع إبلاغ موقف سماحة السيد السيستاني للقيادة الأميركية، فشكرني جداً، وأشاد بسماحة السيد ورعايته.
- الجمعة ٤ آب، أبلغني السيد محمد رضا السيستاني، أن أحد نواب البرلمان العراقي زار مكتب سماحة السيد في النجف، وسلمه رسالة مكتوبة من الرئيس الأميركي جورج بوش علق فيها على الأحداث الجارية في لبنان وما وصله من موقف سماحة السيد. وحدثني عن مضمون الرسالة وقال: ليس من الوارد الإعلان عنها في وسائل الإعلام لحساسية المسألة، ولكن سأنقل لك نصها لتبلغ به الرئيس بري.
- الأحد ٦ آب، اتصل بي السيد محمد رضا السيستاني، وأملى عليّ نص رسالة الرئيس جورج بوش التي عبر فيها عن مشاركته لسماحة السيد الرغبة الشديدة لإنهاء الأزمة في لبنان وقد ورد فيها: (... أنه خلال هذا الأسبوع سنقوم بتركيز اهتمامنا على العمل مع مجلس الأمن من أجل إقرار تسوية شاملة لهذه الأزمة تشمل وقفاً لإطلاق النار، ووضع المبادئ السياسية التي تكفل التوصل لتسوية طويلة المدى، وإصدار تفويض لقوات دولية تدعم الجيش اللبناني وتساعده على حفظ السلام).
وأُرخت رسالة الرئيس بوش بتاريخ ۲/۸/۲٠٠٦ في واشنطن، ووصلت النجف مساء الجمعة ٤/۸/۲٠٠٦.
اتصلت بالرئيس بري الذي كان منشغلاً جداً بوصول وزراء الخارجية العرب إلى بيروت، واتفقت معه أن نلتقي في اليوم التالي (الاثنين ۷ آب ـ الساعة ۱۱,٤٥).
- التقيت الرئيس بري في الوقت المحدد، وشرحت له حيثيات وصول الرسالة وأشرت إلى منهج سماحة السيد بعدم الإجابة عن رسائل كهذه! وأعطيت له ما نقلته من الرسالة.
قرأ الرئيس بري الرسالة جيداً، ودقق بتاريخها، وقال لي: كل ما في هذا النص صحيح، ويجري الآن، ما عدا فقرة (وقفاً لإطلاق النار) لأن ما يحكى عنه من قبل الأميركيين الآن هو وقف للعمليات الحربية، وليس لإطلاق النار.
قلت له: هم أرسلوا نصاً أجنبياً ونصاً معرّباً بشكل رسمي. وعلى كل حال، فإن رأي سماحة السيد أن المؤامرة كبيرة ومتشعبة ومعقدة، ولكن قام بهذه المبادرة شعوراً منه بالمسؤولية تجاه لبنان وشعبه. فشكر بري سماحة السيد كثيراً. وشرح لي آخر أوضاع المفاوضات والمستجدات السياسية داخلياً وخارجياً، وبدا مطمئناً على الوضع القتالي وقال: «إنه جيد جداً».
المصدر: جریدة السفیر