لتنحر في مكة ؛ فلما تناهى الخبر إلى قريش فزعت، وظنت أنِّ محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد الهجوم عليها، فراحت تتدارس الموقف، وتعدّ نفسها لصدّه عن البيت الحرام . ولما بلغ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبار إعداد قريش، والتهيوء لقتاله، غيّر مسيره، وسلك طريقاً غير الطريق، الذي سلكته قوّات قريش، المتوجهة لقتاله، ثم استقرّ في وادي الحديبية، وارسل إليهم أحد افراد قبيلة خزاعة، ليبلغهم بالأهداف التي جاء من أجلها، أي أنّه جاء ليزور البيت، تقرباُ إلى الله عزّ وجل لتبليغ دعوته، فإن هم رفضوا، فسيقاتلهم حتى النصر. استجابت قريش لنداء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رأت قوته، وإصراره على ما يريد، وأدركت ما بها من ضعف، وعجز عن المقاومة، وبدأ الحوار وثُبتت مبادئ الصلح، ودعا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علياً (عليه السلام) لكتابة بنود الاتفاقية التي جاء فيها ما يأتي: أ ـ ايقاف الحرب بين الطرفين لمدة عشر سنين. ب ـ مَن أحبّ أن يدخل في عهد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فعل، ومَن أحبّ الدخول في عهد قريش فعل. ج ـ أن يكون الإسلام ظاهراً بمكة، لا يكره أحد على دينه، ولا يؤذى، ولا يُعيّر. د ـ أن يرجع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا العام، ثم يعود إلى مكة في العام القادم، بدون سلاح. تأثر بعض المسلمين، من الاتفاقية السالفة الذكر، واحسّوا بخيبة الامل، وأخذوا يُظهرون جزعهم وتساؤلهم؛ لكن النتائج جاءت، على خلاف تصوراتهم وأوهامهم، فقد بدأت نتائج الصلح، وآثاره الايجابيّة تظهر، وتتفاعل لتمهد إلى تحول كبير، وبدأ المسلمون يدركون قيمة هذه الإتفاقية ، التي شلت نشاط قريش المعادي، وفسحت المجال أمام الدعوة الإسلامية، لشقّ طريقها بين صفوف القبائل العربية، فأقبل الناس على الدخول في الإسلام، وأمِن المستخفون بإسلامهم فاعلنوا دينهم ، ومكّن الله نبيه من دخول مكة، واداء مراسم العمرة ، في العام القادم . وأخيراً فلقد وصف القرأن الكريم هذا الصلح بالفتح في بعض أياته لأنه كان حقاً الممهد للنصر الكبير وهو (فتح مكة) في سنة 8 هـ.