السرقة وشروط الحد

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب الانحراف الاجتماعي واساليب العلاج ص 1 ـ ص 22


السرقة وشروط الحد

ـــــــــ

ولا شك ان الشطر الثاني من الجرائم المرتكبة ضد الملكية اشد ايلاماً على النظام الاجتماعي من الغصب ،الا وهي جرائم السرقة . ولذلك تعين الحد على السارق دون الغاصب . والسرقة هي ابتغاء أخذ الاموال من غير حلها ، وقد شددت فيها العقوبة ، كما ورد في قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) (1) .. ويتوقف اقامة الحد على السارق حسب نظر المسروق ، فاذا طلب الحد أقيم ، واذا لم يطلبه فلا يقام . وينتقل حق المطالبة الى الورثة ايضاً اذا مات المسروق قبل القبض على السارق . واذا اقيم الحد على السارق فلا بد له من اعادة المادة المسروقة ، حيث لا يسقط عنه بحال من الاحوال ، لقول الامام (ع) : ( السارق يتبع بسرقته ، وان قطعت يده ولا يترك ان يذهب بمال امرئ مسلم ) (2) . و « ان تلفت العين المسروقة اغرم السارق مثلها ، او قيمتها ان لم يكن لها مثل . وان نقصت ، فعليه ارش النقصان . ولو مات صاحبها ، دفعت الى ورثته . فان لم يكن له وارث فالى الامام » (3) . ويعتبر « اللص محارباً . فاذا هجم على انسان ، جاز للمهاجم ان يقاتله ويدفعه عن نفسه . فان ادى ذلك الى قتل اللص ، لم يكن على قاتله شيء من
____________
(1) المائدة : 38 .
(2) التهذيب ج10 ص106 .
(3) شرائع الاسلام ج4 ص178 .

( 110 )

قود ولا دية ، وكان دمه هدراً » (1) .
ونستلهم من كتب التاريخ عدالة النظرية الاسلامية في معاقبة المنحرفين . فقد روي ان امرأة من طبقة الاشراف سرقت ، فتشفع لدى رسول الله (ص) احد الصحابة ، فقال (ص) وخطب في الناس خطبة قوية قصيرة ، معلنا فيها مبدأ مساواة جميع الافراد امام الشريعة والقانون : ( ايها الناس ، انما ضل من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه ، واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ) (2) .

أ ـ الشروط :


لا يحد السارق الا مع توفر الشروط الشرعية ، وهي :
1 ـ البلوغ : فلا يحد الصبي حتى لو كرر السرقة لقاعدة : « رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ....» (3) ، بل يعرزه الحاكم بما يراه ، تأديباً .
2 ـ العقل : فلا يحد المجنون ، حسب القاعدة المذكورة في فقرة « البلوغ » .
3 ـ الاختيار وعدم الاضطرار . فلا يحد لو سرق شيئاً مأكولاً في سنة المجاعة ، لقوله (ع) : ( لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة يعني في المأكول دون غيره ) (4) . بمعنى ان « لا تكون الحاجة عذراً الا في سرقة الطعام في عام مجاعة فانه لا قطع حينئذ » (5) .
____________
(1) النهاية للشيخ الطوسي ص721 .
(2) البخاري : كتاب الحدود باب 12 .
(3) سفينة البحار ج1 ص530 .
(4) من لا يحضره الفقيه ج4 ص43 .
(5) ايضاح الفوائد لفخر المحققين ج4 ص519 .

( 111 )

4 ـ ارتفاع الشبه : ومع وجودها لا يقطع السارق لقوله (ع) : ( ادرأوا الحدود بالشبهات ) (1) . ومثال ذلك اذا توهم فرد اخذ المال ظاناً انه ملكه ، ثم تبين انه ملك الغير ، فانه لا يقطع بسبب وجود الشبهة .
5 ـ ان يكون المال المسروق في حرز ، والحرز هو ما تودع فيه الاموال المنافع تقفل كالبيوت والحوانيت ونحوها . وليست هناك حقيقة شرعية له ، بل كل ما يعده العرف حرزاً فهو حرز . فمن سرق قطة ذهبية مثلاً في حانوت مقفل يحد ، وترجع القطعة المسرقة الى صاحبها . اما اذا سرقها من محل عام ، فلا يحد بل يعزره الحاكم بما يراه ، لقوله (ع) : ( لا يقطع الا من نقب بيتا او كسر قفلا ) (2) ، وقوله ايضاً : ( كل مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه ) (3) . وعليه ، فانه « لا قطع على من سرق من الجيب او الكم الظاهرين ويقطع لو كانا باطنين » (4) .
6 ـ ان لا يكون السارق اباً ، فلا يقطع الوالد لمال ولده ، لقوله (ص) : ( أنت ومالك لابيك ) (5) . ويقطع الزوج اذا سرق من زوجته ما احرزته دونه ، والزوجة اذا سرقت من زوجها ما احرزه دونها بلا خلاف ولا اشكال . نعم ، لا بأس بسرقة الزوجة مقدار النفقة اذا منعها منها ، فان هنداً قالت للنبي (ص) : ان ابا سفيان رجل شحيح ، لا يعطيني وولدي الا ما أخذته سراً ؟ قال النبي (ص) : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . ويقطع الولد ان سرق
____________
(1) المقنع للشيخ الصدوق ص147 .
(2) تفسير العياشي ج1 ص319 .
(3) الكافي ج7 ص231 .
(4) ايضاح الفوائد ج4 ص530 .
(5) الكافي ج2 ص26 .

( 112 )

والده .
7 ـ ان تبلغ قيمة المسروق نصاب القطع وهو ربع دينار ذهباً خالصاً مسكوكاً بسكة المعاملة ، لقول الامام (ع) : ( يقطع السارق في ربع دينار ) (1) . و « لا فرق بين الثياب والطعام والفاكهة ... الضابط كل ما يملكه المسلم سواء كان اصله الاباحة او لم يكن » (2) .

ب ـ طرق الاثبات


ويثبت الحد عن طرق الاثبات التالية :
1 ـ يثبت الحد ( القطع ) والغرم ( رد المال المسروق ) اذا شهد رجلان عدلان بوقوع الانحراف بصورة تفصيلية . بمعنى ان الشهادة يجب ان تكون مفصلة من قبل البينة ، كأن يقول : « بأن فلاناً البالغ العاقل المختار غير المضطر قد هتك حرزاً ، واخذ مالاً بلغ النصاب » ، حتى ترتفع جميع الشبهات التي يدرأ بها الحد .
2 ـ يثبت الحد والغرم ، بالاقرار مرتين من قبل السارق العاقل البالغ المختار . ويثبت الغرم فقط ، بالاقرار مرة واحدة بالسرقة . واذا رجع بعد الاقرار مرتين ، واكذب نفسه ، ثبت الغرم دون الحد ، لقوله (ع) : ( لا يقطع السارق ، حتى يقر بالسرقة مرتين ، فان رجع ضمن السرقة ، ولم يقطع اذا لم يكن شهود ) (3) .
3 ـ يثبت الغرم فقط بشاهد ويمين ، او بشاهد وامرأتين ، لانه من الحقوق

____________
(1) المقنع للشيخ الصدوق 150 .
(2) القواعد للعلامة الحلي نقلاً عن الايضاح ج4 ص521
(3) الكافي ج7 ص219

( 113 )

المالية . اما الحد فلا يثبت الا بشهادة العدلين .

ج ـ طريقة القطع


1 ـ اذا ثبت ما يوجب الحد في السرقة الاولى ، تقطع اصابعه الاربع من اليد اليمنى فقط ، وتترك له الراحة والابهام ، « لخبر محمد بن مسلم عن ابي جعفر : أتي امير المؤمنين (ع) بقوم لصوص قد سرقوا فقطع ايديهم من نصف الكف وترك [ الراحة ] والابهام لم يقطعها » (1) ، ليعتمدوا عليها في العبادات ويغسلوا بهما وجوههم للصلاة .
2 ـ اذا قطع ، ثم سرق مرة أخرى ، تقطع رجله اليسرى من مفصل القدم . بمعنى ان ما تحت قبة القدم تقطع حتى يبقى له النصف منها ومقدار قليل ن محل المسح ، لقول الامام (ع) : ( القطع من وسط الكف ، ولا يقطع الابهام ، واذا قطعت الرجل ترك العقب [ الكاحل ] ، لم يقطع ) (2) .
3 ـ اذا سرق مرة ثالثة ، بعد قطع اليد والرجل ، يحبس مؤبداً حتى يموت . « بلا خلاف اجده في شيء من ذلك نصاً وفتوى . بل يمكن دعوى القطع به من النصوص . وفي بعضها عن ابي جعفر (ع) : ( قضى امير المؤمنين (ع) في السارق اذا سرق قطعت يمينه ، ثم اذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليسرى ، ثم اذا سرق مرة اخرى سجن وتركت رجله اليمنى يمشي عليها ، ويده اليسرى يأكل بها ، واني لا ستحي من الله ان اتركه لا ينتفع بشيء ، ولكن اسجنه حتى يموت في السجن ، وقال : ما قطع رسول الله (ص) من
____________
(1) الجواهر ج41 ص529 .
(2) التهذيب ج10 ص103 .

( 114 )

سارق بعد يده ورجله » (1) .
4 ـ اذا سرق وهو في السجن يقتل ، اجماعاً ونصاً . لقوله (ع) : ( اذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف ، فان عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فان عاد استودع في السجن ، فان سرق في السجن قتل ) (2) .
و « اذا تكررت منه السرقة فسرق مراراً من واحد ومن جماعة ولما قطع ، فالقطع مرة واحدة لانه حد من حدود الله ، فاذا ترادفت تداخلت كحد الزنا وشرب الخمر ، فاذا ثبت ان القطع واحد ينظر ، فان اجتمع المسروق منهم وطالبوه باجمعهم قطعناه وغرم لهم ، وان سبق واحد منهم فطالب بما سرق منه وكان نصابا غرم وقطع ، ثم كل من جاء بعده من القوم فطالب بما سرق منه غرمناه ولم نقطعه لانا قد قطعناه بالسرقة فلا يقطع قبل ان يسرق مرة اخرى » (3) .
ولكن على صعيد آخر ، اذا تاب السارق ، قبل ان تثبت عليه السرقة ، فلا حد عليه ، لقوله (ع) : ( اذا جاء من قبل نفسه تائباً الى الله سبحانه ، ترد سرقته الى صاحبها ولا قطع عليه ) (4) . واذا تاب بعد قيام البينة لا يسقط الحد ، وليس للحاكم العفو عنه ، لقول النبي (ص) لصفوان بن امية حين سرق رداؤه فقبض على السارق وقدمه الى النبي (ص) ، ثم وهبه : ( فهلا كان هذا قبل أن ترفعه الي ) (5) ، وقول الامام علي (ع) : ( اذا قامت
____________
(1) الجواهر ج4 ص534 .
(2) الكافي ج7 ص233 .
(3) المبسوط ج8 ص38 .
(4) الكاف ج7 ص220 .
(5) مستدرك الوسائل ج3 ص240 .

( 115 )

البينة فليس للأمام ان يعفو ) (1) .
وقبل ان نختم الحديث عن الغصب والسرقة ، لابد من استعراض بعض الروايات الواردة بهذا الخصوص :
1 ـ عن علي بن أبي رافع قال : كنت على بيت مال علي بن ابي طالب (ع) وكاتبه ، وكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان اصابه يوم البصرة ، قال : فارسلت الي بنت أمير المؤمنين (ع) فقالت لي : بلغني ان في بيت مال أمير المؤمنين (ع) عقد لؤلؤ وهو في يدك وانا احب ان تعيرينه أتجمل به في ايام عيد الاضحى فارسلت اليها : عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة ايام ، فدفعته اليها ، وان أمير المؤمنين (ع) رآه عليها فعرفه فقال لها : من اين صار اليك هذا العقد ؟ فقالت : استعرته من علي بن ابي رافع خازن بيت مال امير المؤمنين لا تزين به في العيد ثم ارده ، قال : فبعث الي أمير المؤمنين فجئته ، فقال لي : أتخون المسلمين يا ابن ابي رافع ؟ فقلت له : معاذ الله ان أخون المسلمين ، فقال : كيف اعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير اذني ورضاهم ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين انها ابنتك وسألتني ان اعيرها اياه تتزين به فاعرتها اياه عارية مضمونة مردودة ، فضمنته في مالي وعلي ان ارده سليماً الى موضعه ، قال : فرده من يومك واياك ان تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي ثم اولى لابنتي لو كانت اخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت اذن اول هاشمية قطعت يدها في السرقة (2) .
____________
(1) التهذيب ج10 ص129 .
(2) التهذيب ج10 ص151 .

( 116 )


2 ـ عن الحارث بن حضيرة ، قال : مررت بحبشي وهو يستقي بالمدينة فاذا هو اقطع ، فقلت له : من قطعك ؟ قال : قطعني خير الناس ، انا أخذنا في سرقة نحن ثماية نفر فذهب بنا الى علي بن ابي طالب (ع) فاقررنا بالسرقة فقال لنا : تعرفون انها حرام ؟ فقلنا : نعم ، فأمر بنا فقطعت اصبعنا من الراحة وخليت الابهام ، ثم امر بنا فحبسنا في بيت يطعمنا فيه السمن والعسل حتى برئت ايدينا ، ثم امر بنا فاخرجنا وكسانا فاحسن كسوتنا ثم قال لنا : ان تتوبوا وتصلحوا فهو خير لكم يلحقكم الله بايديكم في الجنة ، والا تفعل يلحقكم الله بايديكم في النار (1) .


____________
(1) الكافي ج7 ص264 .
( 117 )

الجناية على الحيوان

ـــــــــ

ويمكن اعتبار الجناية على الحيوان من باب الجناية على ما يتملكه الفرد ، لأنه « اتلاف لبعض منافع المالك فيضمن التالف ... والغرض ان ذوات القيم تضمن قيمتها . وهذا قول المفيد في المقنعة والشيخ في النهاية والقاضي . قال ابن ادريس بل يضمن الارش وهو التفاوت بين كونه حياً ومذبوحاً » (1) . وهي على اقسام :
1 ـ ما يؤكل لحمه عادة كالانعام الثلاثة ونحوها فمن اتلف منها شيء بالذكاة لزمه دفع ثمن التفاوت بين كون المجنى عليه حياً وبين كونه مذكى ، اي لو كان ثمن بقرة غير مذبوحة اربعين ديناراً ، واخرى مذبوحة ثلاثين ديناراً لزم الجاني دفع عشرة دنانير للمالك ، وهو مبلغ التفاوت . ولو اتلف الحيوان من غير تذكية لزمته قيمة الاتلاف الكلية .
2 ـ ما لا يؤكل لحمه لكن تقع عليه التذكية للاستفادة من جلدها وشعرها ونحوه ، كالدببة والثعالب ، فان اتلفت بالذكاة ضمن الارش ، وكذلك لو جرحها باي شكل من الاشكال ، وان اتلفها بغير ذكاة ضمن قيمتها حين وقوع التلف .
3 ـ ما لا تقع عليه الذكاة ، ككلاب الصيد وفيها دية شرعية مقدرة ، ففي كلب الصيد اربعون درهماً ، وكلب الغنم عشرون درهماً .
____________
(1) التنقيح الرائع ج4 ص521 ، والسرائر ص440 .
( 118 )

الاستنتاج

ـــــــــ

ومن اجل تحليل نظرية العقوبات الاسلامية المتعلقة بجرائم الملكية ، لابد لنا من وضع النقاط التالية :
اولاً : ان الاقرار باحكام اليد ودلالتها على الملكية ، تضع للمجتع الانساني الحدود العامة لانتقال الملكية ، ودوران المال بين افراد النظام الاجتماعي ، عيناً كان ذلك المال او نقداً ، منقولاً كان او غير منقول . ولولاها لاضطرب النظام الاقتصادي والاجتماعي ، وانعدم البيع والشراء الذي هو الاصل في سد حاجات الناس الاستهلاكية والكمالية . ولذلك فان اقرار الاسلام لهذا الاصل وربطه بالصدق العرفي ، ينسجم مع الطبيعة الفطرية للتعامل الاجتماعي وتنظيم سلوك الافراد .
ثانياً : ان حرمة الغصب تتعدى من مجرد الاثم الى وجوب الرد على الغاصب وضمانه تلف المادة المغصوبة . فالغاصب ، حسب النظرية الاسلامية ، يتحمل مسؤولية كاملة في ارجاع المادة المغصوبة سليمة من كل عيب ، بل يتعين عليه وجود الرد فوراً ودون تأخير . بينما لا يتحقق الضمان ولا الفورية في قانون العقوبات الرأسمالي .
ثالثاً : ان المباشرة او التسبيب او اجتماعهما في تلف المغصوب توجب الضمان باي حال من الاحوال ، باعتبار ان الخطابات الوضعية تشمل الجميع . وعليه فان الطفل والمجنون اذا اتلفا مال الغير ، تعين على وليهما دفع البدل ان كان لهما مالاً . والمسبب لتلف مال الغير يدفع للمالك بدل التالف من المثل والقيمة . والمستولي على مال الغير بغير اذن ونحوه يدخل في عهدته ، وعليه


( 119 )

مسؤولية تلفه اذا تلف . والنتيجة ان وجوب الضمان يحفظ اموال الافراد من الضياع والتلف ، ويصون الثروة الاجتماعية والانسانية من التبذير والهدر .
رابعاً : اذا نما المال وقت الغصب ، فعلى الغاصب ارجاع الاصل من النماء . فاذا اغتصب شجرة ذابلة مثلاً ، فسقاها حتى اينعت ، ثم هزلة مرة اخرى ، تعين على الغاصب ارجاعها الى المالك يانعة ، لأن الصفات تتبع العين عند المالك او عند غيره . ولذلك فان الصفات اذا تخلفت لدى الغاصب تعين عليه الضمان .
خامساً : وجوب تسلط الحاكم الشرعي على مال الغاصب بالقوة لاسترجاع الحق المغصوب ، ويطلق على هذه العملية اسم المقاصة . فاذا كان من جنس ماله تعين الاخذ بمقداره والا جاز الاخذ بمقدار قيمته . واذا تعذر كل ذلك وامكن بيعه ، جاز البيع واخذ مقدار قيمة المال المغصوب ورد الزائد .
سادساً : لابد للسارق من اعادة الشيء المسروق ( الغرم ) ، حيث لا يسقط عنه بحال من الاحوال ، حتى مع اقامة الحد ، وهذا الضمان لا تلتزم به النظرية الرأسمالية ، فاذا صرف السارق المال المسروق في المجتمع الرأسمالي ، فانه يعاقب بالسجن ولا يجبر على رد ما سرقه الى صاحبه .
سابعاً : ان السارق لا يحد الا بتوفر الشروط الشرعية ، وهي البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، وارتفاع الشبهة ، وكون المال المسروق في حرز ، وان تبلغ قيمة المسروق نصاب القطع وهو ربع دينار ذهباً . بمعنى ان المضطر الجائع لا يقطع اذا سرق ما يسد رمقه ورمق عائلته . ومع وجود الشبهة لا ينفذ الحد لقاعدة ( ادرأوا الحدود بالشبهات ) . واذا تمت السرقة في مكان عام


( 120 )

غير مقفل لان يقطع ايضاً ، لا القطع مختص بكون المال المسروق موضوع في حرز او نحوه . واذا طلب الفرد المسروق عدم معاقبة السارق بالحد ، يترك السارق لأن عقوبة السرقة تتعلق بالحقوق المالية للناس وليست من حقوق الله .
ثامناً : ان طريق القطع ، المراد منه تأديب المنحرفين وردعهم عن ارتكاب الجريمة ، لا تجعل الفرد معاقاً عن العمل الانتاجي . فالاصل في القطع ، هو الاصابع الاربع فقط من اليد اليمنى للمنحرف ، فتترك له الراحة والابهام . وهذا لا يعتبر تعطيلاً لانتاجية الفرد ، بل ان للفرد الحق بعد توبته الدخول في الحقل الانتاجي الاجتماعي ليكون عضوا نافعاً في مجتمعه الانساني ، علماً بأن عنصر ابداع الانسان في العمل والبناء يعتمد على الابهام وراحة اليد بالاصل . على عكس نظام العقوبات الرأسمالي ، الذي يجعل السجن محور العقوبات ، مما يسبب انخفاضاً في الانتاج واستهلاكاً لموارد وثروات المجتمع .
تاسعاً : ان النظرية الاسلامية تعاقب المجرم المحترف معاقبة صارمة . فتقطع يده اليمنى في السرقة الاولى ، ورجله اليسرى في السرقة الثانية ، ويحبس مؤبداً حتى يموت في السرقة الثالثة . ويقتل اذا سرق وهو في السجن . وهذا دليل على ان الاسلام يهدف من محاربته المجرمين المحترفين ، اجتثاث جذور الانحراف نهائياً من المجتمع الانساني .


( 121 )

3 ـ الجرائم الخلقية

ـــــــــ

وليس غريباً على رسالة السماء الاخلاقية ، التعامل بشدة مع الجرائم والانحرافات الخلقية ، لان القاعدة الاخلاقية بنظر الاسلام ، هي القاعدة الاساسية لضمان سلامة جميع اجهزة النظام الاجتماعي وتكاملها لبناء المجتمع السعيد . وعلى ضوء ذلك فقد اوجب الاسلام في الانحرافات المنافية للنظام الاخلاقي الذي جاء به ، كالزنى واللواط والسحق والقيادة والقذف وتناول المسكر ، اوجب فيها الحدود المقدرة شرعأً . ولا شك ان الحدود ، منحصرة بالعقوبات التي نص عليها الشارع لردع المحرمات . واسبابها تنحصر بالانحرافات الجنسية كالزنى واللواط والمساحقة والقيادة ، والانحرافات السلوكية كالقذف وشرب الخمر ، والانحرافات العقائدية كالارتداد ، والانحرافات المتعلقة بالملكية كالسرقة وقطع الطريق . وترك الاسلام ، للحاكم الشرعي تقدير العقوبة على الكبائر من فعل الحرام في غير ذلك ، وسمى تلك العقوبة المفوضة للحاكم الشرعي بالتعزير .


( 122 )

الزنى وشرط الحد

ـــــــــ

وبطبيعة الحال ، فان الشريعة التي جاءت بنظام اجتماعي يتكامل من خلاله سلوك الافراد ، حرمت اول ابواب الانحراف الخلقي وهو الانحراف الجنسي تحريماً ثابتاً بضرورة الدين . ولا شك ان الزنى يحتل اعلى قائمة الانحرافات الجنسية ، وتحريمه واضح بالنص الشريف : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) (1) ، وقوله تعالى في وصف المؤمنين : ( ولا يزنون من يفعل ذلك يلق آثاماً ) (2) ، وقوله ا يضاً : ( الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) (3) ، قوله ايضاً : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بها رافة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) (4) . وقد اشار الفقهاء الى ان من استحل هذا اللون من الانحراف الاخلاقي ، من غير شبهة تدرأ الحد ، فقد تلبس بالكفر ، ومن فعله متهاوناً ومستخفاً فقد ادان نفسه بالفسق والفجور . واتفقوا على ان المجب لحد الزنا هو « ايلاج الانسان ذكره في فرج امرأة محرمة ، من غير عقد ولا ملك ولا شبهة . و يشترط في تعلق الحد ، العلم بالتحريم والاختيار ، والبلوغ . وفي تعلق الرجم ـ مضافاً الى ذلك ـ
____________
(1) الاسراء : 32 .
(2) الفرقان : 68 .
(3) النور : 3 .
(4) النور : 2 .

( 123 )

الاحصان » (1) .

أ ـ شروط الحد :


ولا يتحقق مفهوم الزنى الموجب للحد الا بتوفر الشروط الشرعية وهي :
1 ـ البلوغ والعقل ، للنص النبوي الشريف : ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ ) (2) . ولكن يعزر غير البالغ اذا زنى ، لقوله (ع) عندما سئل عن غلام لم يدرك عشر سنين زنى بامرأة ؟ : ( يجلد الغلام دون الحد ، و تجلد المرأة الحد كاملاً . قيل : فان كانت محصنة : ؟ اجاب (ع) : لا ترجم ، لان الذي نكحها ليس بمدرك ، لو كان مدركاً رجمت ) (3) . اما المجنون فلا حد عليه .
2 ـ ادخال الحشفة ، بدليل النص : ( اذا التقى الختانان ، وجب المهر والعدة والغسل ) (4)
3 ـ العلم . وهو ان يقوم بالانحراف ، هو عالم بالحكم والموضوع . أما اذا كان جاهلا بهما فلا يقام عليه الحد لقاعدة : ( اداروا الحدود بالشبهات ) . فاذا عقد على اخته من الرضاع ، وهو جاهل بالحكم او الموضوع ، يسقط عنه الحد . لقول الامام الصادق (ع) : ( لو ان رجلاً دخل في الاسلام واقربه ، ثم شرب الخمر ، وزنى ، وأكل الربا ، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام لم أقم عليه
____________
(1) شرائع الاسلام ج4 ص149 .
(2) سفينة البحار ج1 ص530 .
(3) علل الشرائع ج2 ص221 .
(4) الكافي ج2 ص114 .

( 124 )

الحد اذا كان جاهلاً ، الا ان تقوم عليه البينة انه قرأ السورة التي فيها الزنى والخمر وأكل الربا ، واذا جهل ذلك اعلمته واخبرته ، فان ركبه بعد ذلك جلدته ، اقمت عليه الحد ) (1) . بل ان كل من يدعي الاشتباه والجهل يقبل منه دون بينة استناداً الى القاعدة السابقة . وعليه ، فان الحد يسقط في كل موضع يتوهم فيه الحل . بمعنى انه « يشترط في تعلق الحد بالزاني والزانية العلم بالتحريم عليه حين الفعل او ما يقوم مقامه من الاجتهاد والتقليد ، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه فضلاً عن محكيه ، مضافاً الى الاصل وخبر درء الحد بالشبهة وغير ذلك » (2) .
4 ـ الاختيار . فاذا أكرهت على الزنى سقط عنها الحد باجماع الفقهاء ، لقول الرسول (ص) : ( رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (3) ، وقول الامام (ع) : ( ليس على المستكرهة حد اذا قالت : انما استكرهت ) (4) وفي احدى الروايات ، ان امرأة جيء بها الى علي أمير المؤمنين (ع) مع رجل كان قد فجر بها ، فقالت : استكرهني والله يا أمير المؤمنين ، فدرأ عنها الحد (5) .

ب : طرق الاثبات :


ويثبت الزنا الموجب للحد بالطرق التالية
____________
(1) من لا يحضره الفقيه ج4 ص39 .
(2) الجواهر ج41 ص261 .
(3) الخصال ج2 ص184 .
(4) التهذيب ج10 ص18 .
(5) الكافي ج7 ص196 .