أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية الـذنـب اسبابه وعلاجه 5 ـ الارضية النفسية للذنب
 
 


5 ـ الارضية النفسية للذنب

البريد الإلكتروني طباعة
كتاب الذنب ص 142 ـ ص 156

5 ـ الارضية النفسية للذنب

إنّ احدى الاسباب التي تهيىء الارضية للذنب ، هي الارضية النفسية التي توجد عند الانسان على اثر الضغط والهموم الكاذبة ، او على اثر العقائد الخاطئة ، او الحالات الروحية السيئة ، وكل هذه العوامل النفسية سبب في اقتراف انواع مختلفة من الذنوب . والتعصب في غير محله ، والضغوط غير الصحيحة ، والخضوع والذلة او الاستخفاف بالاشخاص وتحقيرهم وامور اخرى كلها تنشيء العقدة النفسية عند الانسان وحينئذ يكون مستعداً لاقتراف الذنوب الكبيرة والخطيرة .
ولاجل ان نوضح اكثر يجب الانتباه الى الامور التالية :
أ ـ الشخصية وعزة النفس .
ب ـ احتقار وتحطيم شخصية الانسان .
ج ـ الضغوط الاقتصادية وتحطيم الغرائز .
د ـ الآمال والامنيات الكاذبة والتافهة .



(143)


أ ـ الشخصية وعزة النفس :


خلق الله سبحانه وتعالى الانسان وجعله سيد مخلوقاته وجعل فيه خصائص وكفاءات تميزه عن جميع ما خلق ، فمن ناحية الجسم اودع فيه الباري جل وعلا محاسن كثيرة ، ومن ناحية الروح وهبه استعدادات وقدرة لا حد لها .
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الاسراء (70) .
( ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البّر والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً ) .
ويمتلك الانسان نوعين من الكرامة :

1 ـ الكرامة الذاتية :
والتي ذكرت في الآية السابقة ، حيث ان الانسان له درجة التفضيل على كل ما خلق الله سبحانه وتعالى لما وهبه من الاستعدادات الروحية التي لا توجد عند موجود آخر .

2 ـ الكرامة الاكتسابية :
وهذه الكرامة لها علاقة بالاعمال الصالحة ومقدار التقوى عند الانسان حيث يقول الله تعالى .
( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) . ( سورة الحجرات الآية 13 ) .


(144)


ان قادسة الانسان وصلت الى درجة أن الله سبحانه وتعالى أمر الملائكة ان يسجدوا لآدم ، وهذا السجود في الحقيقة سجود شكرٍ لله جل وعلا لخلقه هذا الموجود العالي (1) .
ومن هنا يظهر لنا أن التربية والهداية واعطاء الشخصية للانسان هي عامل مهم في الهداية ، وتصغير الانسان وتحقيره من عوامل انحرافه .

نماذج من الروايات حول التربية والهداية :


1 ـ قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« إنه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنة فلا تبيعوها الاّ بها » . (2)
وقال ( عليه السلام ) في كلامٍ آخر :

وتحســـب انك جـــرم صغيــر * وفيك انـطــوى العالــم الاكبـــر

2 ـ وقال ( عليه السلام ) أيضاً :
« هلك امرؤّ لم يعرف قدره » . (3)
3 ـ كما قال ( عليه السلام ) :
« العالم من عرف قدره ، وكفى بالمرء جهلاً ألاّ يعرف
____________
(1) ورد الامر بالسجود في سورة البقرة / 34 ) و ( الاسراء / 61 ) و ( طه / 116 ) .
(2) نهج البلاغة حكمة 456 .
(3) نهج البلاغة حكمة 149 .


(145)


قدره » . (1)
4 ـ وقال ( عليه السلام ) ايضاً :
« نعم العبد أن يعرف قدره ولا يتجاوز حدّه » . (2)

ب ـ احتقار وتحطيم شخصية الانسان ( الاحساس بالحقارة والذلة ) :


لقد ذكرنا سابقاً عند تحليل الارضية العائلية ان احد العوامل في تهيئة الارضية للذنب هو تحقير وتحطيم شخصية الانسان ، وهنا نكتفي بالقدر القليل لتوضيح المطلب .
أذا عرف الانسان شخصيته وقدره فمن المستحيل ان يسلك الطرق المنحرفة . فمثلاً لو ملك الانسان قطعة من الذهب فمحال أن يبدلها بحفنة تراب .
قال الامام السجاد ( عليه السلام ) :
« من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا » . (3)
من هذه العبارة يظهر ان تدمير الشخصية اساس حب الدنيا والانحراف ، ولكن حفظ الشخصية والاهتمام بها لاتجعل الانسان اسيراً للأمور الوضيعة ، فالاحساس ، بالحقارة والعقد النفسية الناتج من
____________
(1) نهج البلاغة 103 ـ كما وردت الجملة الثانية في الخطبة 16 ايضاً .
(2) غرر الحكم ج 2 ص 777 .
(3) تحف العقول ص 318 .


(146)


الاحتقار وعدم العلم بشخصية الانسان ، يدفع الانسان نحو الذنوب وكل الاعمال الوضيعة بطبيعة الحال .
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« نفاق المرء من ذلٍ يجده في نفسه » . (1)
وقال الرسول الاكرم ( صلىالله عليه وآله وسلم ) :
« لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه » . (2)
وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« ما من أحدٍ تكبّر أو تجبّر الا من ذلّةٍ وجدها في نفسه » . (3)
وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) أيضاً :
« ان الله عز وجل فوّض الى المؤمن اموره كلها ولم يفوض اليه ان يذّل نفسه ألم ير قول الله عز وجل ههنا : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ( المنافقون / 8 ) . ثم قال ( عليه السلام ) : والمؤمن ينبغي ان يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً » . (4)

ج ـ الضغوط الاقتصادية وتحطيم الغرائز :


احدى العوامل التي تنشىء ظاهرة التعقيد والشعور بالنقص لدى الانسان هي الضغوط الاقتصادية والهموم الكاذبة وتحطيم الغرائز
____________
(1) غرر الحكم ج 2 ص 777 .
(2) بحار ج 72 ص 249 .
(3) اصول الكافي ج 2 ص 312 .
(4) فروع الكافي ج 5 ص 64 .


(147)


وعدم اشباعها على الوجه الصحيح والمحدد لها .
بلا شك يجب على الانسان ان يشبع غرائزه على الوجه المتعادل ، لان الافراط والتفريط هنا يتسببان في طفح الكيل في الغرائز او خمولها فتكون عنده ارضية مناسبة لاقتراف الذنوب في كلتا الحالتين .
فمثلاً الضغط على شيء حلزوني الشكل ـ كالرفاس ـ يحدث رد فعل قوي . كالذي لم يأكل مدة من الزمن فعند رؤيته للأكل يأكل بشراهة .
قال الامام الخميني ( قدس سره ) ناصحاً لطلبته نقلاً عن آية الله المحمدي الگيلاني انه قال :
« ليكن عيشكم طبيعياً ، ولا تحملوا انفسكم اكثر من طاقتها . لان التحمل للطلبة لايخلو من مخاطرٍ ، ولربما تتوقعون من الناس اكثر من الممكن » .
وعلى اية حال ، فلابد ان تسير الحياة بشكل طبيعي ، وان لا تكبح جماح الغرائز الانسانية المشروعة .
فمثلاً : من وجهة نظر الاسلام أن القاضي بالشريعة يجب ان يعيش عيشة طبيعية يؤمنها من اموال بيت المال ؛ لئلا يحس بالحاجة فيتبع الرشوة ويتلوث بأكل الحرام .
في الآية 32 من سورة الاعراف نقرأ :
( قل من حرّم زينة الله الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من


(148)


الرزق ) .
« بعث امير المؤمنين ( عليه السلام ) عبد الله بن العباس الى ابن الكواء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحلّة فلمّا نظروا اليه قالوا : يا ابن عباس أنت خيرنا في انفسنا وانت تلبس هذا اللباس ؟ فقال : وهذا أول ما اخاصمكم فيه قال تعالى : ( قل من حرّم زينة الله الّتي أخرج لعباده والطّيبات من الّرزق ) ، وقال تعالى : ( خذوا زينتكم عند كلّ مسجدٍ ) » ( الاعراف / 31 ) . (1)
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« إن الله جميل يحب الجمال ويحبّ أن يرى أثر النعمة على عبده » . (2)

قراءة في روايات اخرى :


1 ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« ليس منا من وسّع عليه ثم فتّر على عياله » . (3)
2 ـ وقال الامام الرضا ( عليه السلام ) :
« ينبغي للرجل أن يوسع على عيالة لئلا يتمنّوا موته » . (4)
وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
____________
(1) فروع الكافي ج 6 ص 442 .
(2) فروع الكافي ج 6 ص 438 .
(3) وسائل الشيعة ج 5 ص 135 .
(4) نفس المصدر السابق ص 135 .


(149)


« ينبغي ان يكون للعاقل أربع ساعات .... ساعة مناجاته مع ربه ، وساعة يحاسب بها نفسه ، وساعة التفكر في مخلوقات الله سبحانه ، وساعة يصرفها في تهيئة المأكل والملبس له ولعياله » . (1)
4 ـ وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« إن هذه القلوب تمل كما تمل الابدان فابتغوا لها طرائف الحكم » . (2)
اجمالا يمكن القول بضرورة اشباع متطلبات الروح الانسانية بشكل مشروع ، واعادة النظر في الكثير من التعقيدات المهيمنة على جوانب الحياة كالمأكل والملبس وتعديلها ، وعدم سلوك سبيل الجهلة ( سبيل الافراط والتفريط ) ، لان تعطيل الغرائز يتسب في فتورها ويالتالي تظهر العقد والانحراف النفسية .

د ـ الآمال والامنيات الكاذبة والتافهة :


الأمنيات الكاذبة والتافهة أحد الاسباب الاخرى التي تهيىء الارضية النفسية للذنب . حيث ان الانسان يطلب السعادة والرقي بدون حركة او عمل ما . ويظل سارحاً في الخيال مرتكباً الآثام والذنوب ، ويقول بان الله جل وعلا : ( أرحمّ الراحمين ) .
ان هذا الأمل ليس نقصاً في طريق التكامل فحسب بل ارض
____________
(1) اخلاق شبر ص 285 .
(2) غرر الحكم ج 1 ص 234 .


(150)


مهيئة لانبات بذور الذنب في نفسية الانسان .

القرآن والأمل :


جاء في الآية 218 من سورة البقرة قوله تعالى :
( إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم ) .
في جانب الامل في هذه الآية الكريمة هنالك الايمان والهجرة والجهاد ، وفي المثل القائل في الأسواق : ان المفلس لا يعطى ديناً ولا قرضاً فيجب ان يكون عنده مقدار من المكانة والمال ليطمئن المقابل اليه .

قصة مروّعة :


« قال طاووس اليماني : رأيت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب وهو يدعو ويبكي في دعائه فجئته حيث فرغ من الصلاة ، فاذا هو علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فقلت له : يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا ، ولك ثلاثة ارجو أن تؤمنك من الخوف ، احدها انك ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والثانية شفاعة جدك والثالث رحمة الله .
فقال : يا طاووس أما اني ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلا يؤمنني ، وقد سمعت الله تعالى يقول :
( فلا أنساب بينهم يؤمئذٍ ولا يتساءلون )


(151)


( المؤمنون / 101 ) .
وأما شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول :
( ولا يشفعون الاّ لمن ارتضى ) ( الانبياء / 28 ) .
وأما رحمة الله فان الله يقول :
( إنّ رحمت الله قريب من المحسنين ) ( الاعراف / 56 ) ولا أعلم أني محسن . (1)
فالنتيجة لابد ان يكون مع الامل الايمان والعمل الصالح والا فقولنا الحلويات لفظاً لا يجعلنا نتذوقها طعماً .
____________
(1) بحار الانوار ج 46 ص 89 عوالم ج 18 ص 120 .


(152)

6 ـ الأرضية السياسية للذنب

إنّ أحدى العوامل التي تهيىء الارضية لمختلف الذنوب وحتى الكبيرة احياناً هي الارضية السياسية . وتتعلق هذه الارضية على الخصوص بالحكام والمسؤولين .

102

الانذارات القرآنية :


1 ـ في الآية 205 و 206 من سورة البقرة نقرأ :
( واذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل والله لا يحب الفساد * واذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة بالأثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد ) . (1)
هذه الآية تبين ان غير المؤمن الذي يكون اسير رغباته ، لو اخذ
____________
(1) وردت لفظة « تولي » بمعنى الاعراض عن الشيء وكذلك بمعنى الرئاسة والحاكمية ( مجمع البيان ج 1 ) .


(153)


بزمام الامور ومقاليد الحكم لانتهى به الامر الى افساد المجتمع ودماوه واهلاك الحرث والنسل .
2 ـ في الآية 34 من سورة النحل نقرأ ايضاً :
( انّ الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون ) .
ان هذا الكلام وان نقل عن لسان ( بلقيس ) ملكة سبأ ، فهو كلام معقول وثبت بالتجربة أن حكومة الحكام الظالمين عامل في ايجاد ارضية الفساد والذنب .
3 ـ ان نبي الله يوسف ( عليه السلام ) أحد الانبياء المعروفين ، عاش الجفاء من اخوته حتى القوة في ( غيابت الجب ) ثم نجاه الله جل وعلا ودخل قصر عزيز مصر وصار حاكماً لمصر .
ان هذا الملك في دنيا فانية لايساوي شيئاً عند يوسف ( عليه السلام ) ، فكان دعائه دائماً حتى بعد ان اصبح اميناً على خزائن مصر : ( .... توفّني مسلماً ) ( يوسف 101 ) .
نعم : ان الملك والرئاسة أمر خطير للغاية . ولربما تزل حتى قدم يوسف ( عليه السلام ) ، فيه لذلك استعان بالله جل وعلا ان يثبت قدمه على الحق . بالرغم من انه لايراوده الشك في ان موته في مشيئة الامر الالهي ، ولكن وسوسة الرئاسة وزخرفها وبريقها أمر خطير فلذا يجب أن نطلب النجاة من الله تعالى للصمود في مقابل خطر الرئاسة


(154)


وأهوائها (1) .
4 ـ في الآية 83 من سورة القصص نقرأ :
( تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقّين ) .
العلو في الدنيا احد فروع طلب الرئاسة ، وهذه الآية تحكي عن اولئك الذين يطلبون الرئاسة في الدنيا وانها هدفهم الاسمى فهؤلاء لا خلاق لهم في الآخرة ولا نصيب .
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله اجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها » . (2)

الرئاسة في الروايات :


الرئاسة على نوعين :
1 ـ الممدوحة .
المذمومة .

ارئاسة الممدوحة هي تلك التي تتخذ كوسيلة لاحقاق الحق وابطال الباطل ، أما الرئاسة المذمومة فهي تلك التي تتخذ كهدف وجسرٍ لهوى النفس والانحراف .
____________
(1) وقد تقدمت مباحث حول هذا الموضوع تحت عنوان « قادة الضلال » .
(2) تفسير جوامع الجامع ، تفسير الاية .


(155)


والذي تعرض للذم في الروايات هو « حب الرئاسة » اي الشغف بحب الرئاسة وطلبها لاجل مكانتها ، ولمزيد من البيان تأمل في الروايات ادناه :
1 ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« لكل شيء آفة تفسده وآفة الدين ولاة السوء » . (1)
2 ـ كتب أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) لأحد ولاته على آذربايجان وهو ( الاشعت بن قيس ) :
« وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانة » . (2)
3 ـ وجاء في كلام المعصوم ( عليه السلام ) حول شخص يحب الرئاسة :
« ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر من دين المسلم من طلب الرئاسة » . (3)

البهلول فقيه مجاهد وتابع للحق :


روي ان هارون الرشيد أراد ان يولّي احداً قضاء بغداد فشاور أصحابه فقالوا : لايصلح لذلك الا البهلول ( وهب بن عمرو ) فاستدعاه وقال : يا ايها الشيخ الفقيه اعنّا على عملنا هذا ، قال : بأي شيء اعينك : بعمل القضاء ، قال : أنا لا أصلح لذلك ، قال : أطبق اهل
____________
(1) نهج البلاغة الرسالة 5 .
(2) نهج البلاغة الرسالة 5 .
(3) سفينة البحار ج 1 ص 492 .


(156)


بغداد أنك صالح لهذا العمل ، قال : يا سبحان الله إني اعرف بنفسي منهم ، ثم اني في إخباري عن نفسي بأني لا أصلح للقضاء لا يخلو أمري من وجهين : إما ان اكون صادقاً فهو ما أقول ، وان كنت كاذباً فالكاذب لايصلح لهذا العمل فألحّوا عليه وشددوا وقالوا : لاندعك أو تقبل هذا العمل ، قال : إن كان ولابد فاملهوني الليلة حتى افكر في أمري ، فامهلوه ، فخرج من عندهم ، فلمّا أصبح في اليوم الثاني تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول : طرّقوا خلّلوا الطريق لايطأكم فرسي ، فقال الناس : جنّ البهلول ، فقيل ذلك لهارون فقال : ما جنّ ولكن فرّ بدينه منّا ، وبقى على ذلك الى أن مات وكان عن عقلاء المجانين . (1)
____________
(1) بهجة الآمال ج 2 ص 435 و 436 ، روضات الجنات ج 2 ص 146 .