القسم الثالث

البريد الإلكتروني طباعة
كتاب الذنب ص 157 ـ ص 176

        القسم الثالث

الاعذار المختلفة للذنب ، معرفة حدود الذنب


والاشارة الى الاستثناءات والقيم

الاعذار لتبرير الذنب :


تبرير الذنب اكبر من الذنب . ونستطيع القول بأن ايجاد العذر للذنب نوع من الحيل الدينية .
نقرأ في الآيتين الشريفتين 14 و 15 من سورة القيامة :
( بل الأنسان على نفسه بصيرة ـ ولو ألقى معاذيره ) .
ومعناه ان محكمة الوجدان تحكم على ذلك الشخص بذي الوجهين والمكر .
ان تبرير الذنب يجعل الذنب بسيطاً ويشجع المجتمع على ارتكاب الذنوب ويكون عندها القبيح حسناً .
لاذنب أثقل من العذر للذنب . لان المذنب عندما يعترف بالذنب يفكر بالتوبة دائماً . ولكن اذا برر ذنوبه جعله غطاءاً على ما يقترفه من الذنوب . ولم يبتعد عن طريق التوبة فحسب بل تكون عنده الجرأة والعادة في اقتراف الذنوب .


(158)


إنّ أحد الامراض التي ابتلي بها المجتمع بصورة عامة هو تبرير الذنوب في صور مختلفة . حيث ينحرف بها الخاص والعام عن الطريق المستقيم . والأ خطر من ذلك هو غلق ابواب الصلاح امام المذنب واحياناً تغلق أبواب الحقيقة في نظره .
فمثلاً : يبرر خوفه ( بالاحتياط ) وضعف نفسه ( بالحياء ) وحرصه ( بواجب توفير مستلزمات الحياة ) وعجزه ( بعدم وضوح الموضوع ) وتقصيره بـ ( القضاء والقدر ) .
فأي معصية والم اكبر مما يلاقيه الانسان نتيجة تحريفه لمفاهيم الاسلام السامية واغلاق باب النجاة امامه ؟! إنّ تبرير الذنب هو اسدال الستار على الذنب حتى يشتغل بالذنوب بلا مانع ولا رادع ، فمثلاً يكتم الحق ويعتبر ( تقية ) ، او يعطي شخصاً ما رشوة ويسميها هدية من أجل الوصول الى هدفٍ سيء .
إنّ تبريره لذنبه يعتبر نوعاً من انواع الخداع لنفسه وللمسلمين كالذي ظاهره جميل وشرعي وباطنه قبيح وملوث . أو كبائع المواد الغذائية فلكي يجلب له الزبائن يجعل ظاهر المواد الغذائية جيداً للناظر في الوقت الذي يكون باطنها رديئاً .
قال الاما الباقر ( عليه السلام ) :
كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوماً في سوق المدينة فمر بطعام فقال لصاحبه : ما أرى طعامك إلاّ طيباً وسأله عن سعره ، فاوحى الله عز وجل اليه أن يدس يده في الطعام فاخرج طعاماً رديّاً ، فقال لصاحبه :


(159)


ما أراك إلاّ جمعت خيانةً وغشاً للمسلمين . (1)

الاعذار المختلفة :


ان الناس يبررون الذنوب بتبريرات مختلفة منها :
1 ـ التبريرات العقائدية .
2 ـ التبريرات السياسية .
3 ـ التبريرات الاجتماعية .
4 ـ التبريرات النفسية .
5 ـ التبريرات الثقافية .
6 ـ التبريرات الاقتصادية .
7 ـ التبريرات العسكرية .
وهناك تبريرات متفرقة أخرى .
____________
(1) وسائل الشيعة ج 12 ص 209 .


(160)

1 ـ التبريرات العقائدية

إنّ أحد التبريرات العقائدية هو مسألة ( الجبر والقضاء والقدر ) فعندما تقول للمذنب : لماذا أذنبت ؟ ولماذا تلوثت بالمسكرات ؟ يجبيب : هذا حظي من القضاء والقدر ، وماذا افعل وان آبائي كانوا هكذا وانا أصبحت مثلهم .
لا يلد الذئب الاّ الذئب ، ولم يقدّر لي ان اكون من المصلين ، وكثير من هذا القبيل نسمعه على ألسنة الناس . وبهذا اللحن من الكلام يكون لهم باب الفرار من المسؤولية والواجب . في الآية 148 من سورة الانعام نرى المشركين ولاجل ان يبرئوا أنفسهم من مسؤولية انحرافهم يقولون :
( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيءٍ ) .
وعلى هذا المنوال ينسبون ذنوبهم الى « الجبر » . وفي الآية 35 من سورة النمل والآية 20 من سورة الزخرف تأكيد على هذا المعنى :


(161)


( وقالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم ) ( الزخرف / 20 ) .
فيقول الله تعالى رداً عليهم : ( إنّ هم إلاّ يخرصون ) .

تبرير يزيد بن معاوية :


عندما جاؤا الى يزيد بالرأس المقدّس للامام الحسين ( عليه السلام ) انشأ شعراً ، وبعدها نظر الى الحاضرين وقال : يزعم صاحب هذا الرأس أنه أفضل مني في استلام الحكومة وكأنه لم يقرأ هذه الآية ( 26 من سورة آل عمران ) :
( قل اللّهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء ) .
انظروا الى يزيد شارب الخمر وسافك الدماء كيف اقترف أعظم الجرائم ويدعي أنّ ارادة الله كانت في عزتنا واذلال اعدائنا ، لتغطية جريمته النكراء ولتبرير عمله القبيح متوسلاً بسفسطة الجبر .

نظرة في الجبر والاختيار :


إنّ مسألة الجبر والاختيار هي أحدى المسائل القديمة والتي كتبت عنها ابحاث كثيرة . ولكن الذي نستطيع ان نقوله الآن هو أننا في وجداننا أحرار في الاختيار . فحركة اليد مع حركة القلب ليست متشابهة لان حركة القلب ليست باختيارنا ولكن حركة اليد اختيارية ، اذن نحن غير مسلوبي الارادة . فمثلاً : لو اخذنا بنظر الاعتبار انابيب


(162)


الماء التي تمتد من الشوارع التي عرضها 45 متراً الى الشارع التي عرضها ثلاثون متراً ثم تدخل الى شارع عرضه عشرة امتار بعدها الى زقاقٍ عرضه ستة امتار بعدها الى اربعة امتار ثم الى زقاق مغلق عرضه متران او متر واحد ثم يدخل البيت ثم يربط مع أنابيب الحوض ، فالانابيب الممتدة في الشوارع والأزقة ليست تحت ايدينا ولكن يمكننا التحكم في انبوب الحوض . وكذلك فان الغيوم والهواء والشمس والقمر والنجوم ليست تحت تصرفنا ، ولكن العيش والاكل في اختيارنا .
كما قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« فلا الجبر صحيح بان تقول : اننا مسلوبي الارادة ولا التفويض صحيح بان نقول : ان كل شيء مفوض الينا ، فطبقاً للمثال ليس جميع انابيب المياه تحت اختيارنا ولكن التحكم في انابيب البيت فقط هو تحت اختيارنا .

دلائل حرية الارادة :


1 ـ التردد : إنّ أحد الدلائل على حرية الارادة هو اننا اذا اردنا ان نعمل عملاً ما وحصل عندنا الشك فيه هل نعمله او لا .
2 ـ الندم : اذا ندمنا على عمل ما ، فهو دليل على حرية الاختيار
____________
(1) اصول الكافي ج 1 ص 155 « باب الجبر والقدر حديث 13 » .


(163)


والا لما ندمنا .
3 ـ التأدب : التأدب معناه قابلية الانسان للأدب ، وهذه القابلية دليل الحرية في الارادة .
4 ـ الانتقاد : ومعناه أن ينتقد احدنا الآخر في اعمالنا ، وهذا دليل الحرية في الارادة فنحن مثلاً لا ننتقد شجرة الجوز ، لانها فاقدة للحرية . وعلى هذا الاساس لا ينبغي ان نضع الذنب في عهدة الجبر لنفر من المسؤولية .


(164)

2 ـ التبريرات السياسية

التبريرات السياسية كثيرة ايضاً ، منها القول ان « مقام عالم الدين ارفع من ان يتدخل في السياسة ، » حيث يضعون هذا التبرير لاجل انزواء علماء الدين عن المجتمع للوصول الى اهدافهم في استمرار الفساد والتلوث .
في زمن الشاه مثلاً كان بعض المأمورين يقولون « المأمور معذور » ليغطي ذنوبه وبهذا التبرير يفعل ما يريد ، وآخر يقول في تبرير عمله غير اللائق : لو لم نجبر الناس للخضوع للطاغوت فاننا نرى اشكالاً شرعياً في ارزاقنا المعطاة لنا ، ويقولون لمنافق قاتل : لماذا قتلت آية الله أشرفي ؟ يقول : « ان المنظمة امرتني بذلك » ، وبهذه الجملة يبرر جريمته الشنيعة ، كما جاء في الآية 67 من سورة الاحزاب قوله تعالى :
( وقالوا ربّنا إنّا اطعنا ساداتنا وكبراءنا فاضلّونا السّبيلا ) .
ان هذه التبريرات لا تقبل عند الله سبحانه وتعالى ابداً . واحياناً


(165)


نسمع بان البعض يقولون : « ان طبيعة الثورة تقتضي ذلك » فيبررون بعض تقصيرهم المتعمد . صحيح ان طبيعة الثورة تواكبها بعض السلبيات ، لكن بهذه الدرجة بحيث ترددها الالسن .

تبرير المؤسسين لمسجد ضرار :


قال المفسرون في المجمع : إنّ بني عامر بن عوف اتخذوا مسجد قبا ، وبعثوا الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يأتيهم فأتاهم وصلى فيه ، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف فقالوا : نبني مسجداً فنصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد وكانوا اثني عشر رجلاً ، وقيل خمسة عشر رجلاً منهم ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ونبتل ابن الحارث فبنوا مسجداً الى جنب مسجد قبا .
فلما بنوه أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يتجهز الى تبوك فقالوا : يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية ، وانا نحب أن تأتينا فتصلي فيه لنا وتدعو بالبركة فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اني على جناح سفر ولو قدمنا أتيناكم انشاء الله فصلينا لكم فيه ، فلما انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من تبوك نزلت عليه الآية 107 من سورة التوبة في شأن المسجد :
( والذّين اتّخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى والله يشهد انّهم لكاذبون ) .


(166)


فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند قدومه جماعة لهدمه وحرقه (1) .
وجعل ارضه مركزاً لجمع نفايات المدينة وبذلك انتهت فتنة المنافقين الموجهين لاعمالهم .
نعم ، لقد ارادوا من توجيههم لبناء مسجد ضرار بانه للمرضى والعجزة ولكل من هو جار للمسجد في الليالي الممطرة وتحت هذا الستار الجميل أرادوا تحقيق اعظم جريمة وهي تفريق شمل المسلمين بل ارادوا القضاء على اساس الحكومة الاسلامية فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهدمه ، وكذلك فان يقظة المسلمين حالت دون ذلك ، ومسجد ضرار لقب بعنوان : مسجد الكفر والفتنة في التاريخ .

من علامات اهل الفتن :


من جملة كلام الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) : « من علائم اهل الفتنة انهم يستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والاهواء الساهية ، فيستحلون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية ، والربا بالبيع » (2) . فهذه التوجيهات الظاهرية لاجل ستر الذنوب الكبيرة التي يقترفونها .
____________
(1) اقتبست من تفاسير وبالخصوص مجمع البيان : ج 5 ص 72 و الميزان ج 9 ص 419 .
(2) نهج البلاغة : خطبة 156 .


(167)


الامام علي ( عليه السلام ) يقف أمام المبرر الكبير :


كان الاشعت بن قيس أحد القادة الحاقدين ومن المنافقين ، وبتفكيره البسيط أراد أن ينفذ الى جهاز حكومة امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فاخذ في منتصف ليلةٍ طبقاً مغطى في داخله حلوى الى بيت الامام علي ( عليه السلام ) على انها هدية متواضعة ، ولكنها في الحقيقة رشوة مغطاة بأسم الهدية . وعندما جاء بهذا الطبق قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أحسست ان الحلوى قد عجنت بريق حيةٍ أو قيئها .
فقلت له : « أصلة ام زكاة أم صدقة » ؟
فقال لي : « لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية » .
فقلت له : « هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني ؟ امختبط أنت أم ذو جنّةٍ أم تهجر » ؟
« والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرةٍ ما فعلته » (1) .
وهذا هو الموقف القوي الذي اتخذه امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أمام هذا الراشي المنافق الذي اخفى رشوته تحت ستار الهدية ، فطرده امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وارجع ما جاء به اليه .
____________
(1) نهج البلاغة خطبة 224 .


(168)


الجواب القاطع للمبرر المكّار :


كان عمار بن ياسر ذلك الصحابي الجليل من اعوان الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب صفين التي دارت بين اصحاب الامام علي ( عليه السلام ) واصحاب معاوية والتي استغرفت 18 شهراً ، وقد علم المسلمون باجمعهم بحديث الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعمار مخاطباً اياه ( تقتلك الفئة الباغية ) . واستشهد عمار في معركة صفين ، واثبت للشاكّين أحقيّة امير المؤمنين ( عليه السلام ) وبغي معاوية اذ هم الذين قتلوا عماراً .
فقام معاوية المحتال بتبرير قبح فعله وأعلن ان علياً ( عليه السلام ) قد قتل عمار بن ياسر اذ هو الذي ارسله لميدان القتال مما كان سبباً في قتله ، وبذلك قام بخداع جماعة واغفالهم . وعندما أدرك الامام علي ( عليه السلام ) هذه الحيلة تصدى للجواب قائلاً : ( اذا كان ما نطق به معاوية صحيحاً فان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الذي قتل حمزة ( عليه السلام ) بارساله الى ميدان المعركة ) .
وقد واجه عبد الله بن عمرو بن العاص معاوية بنفس جواب امير المؤمنين ( عليه السلام ) مما ادى الى غضب معاوية حيث التفت الى عمرو بن العاص قائلاً : ( أخرج ولدك الاحمق من المجلس ) .
فالبرغم من ان قتل عمار بن ياسر ادى الى انهيار معنويات جيش معاوية لانهم احسّوا بالخيبة والخجل لكن تبرير معاوية الخادع ادى الى غفلة جيشه ايضاً معلنين بصوت عال : ( ان عامر قد قتله


(169)


الذي ارسله الى ساحة القتال ) . (1)

تبرير سفاك التاريخ :


كان الاعتقاد السائد قديماً ( كزمن آدم ( عليه السلام ) مثلاً ) هو ان قبول القرابين التي كانوا يضعونها فوق قمم الجبال ، مرهون بنزول النار عليها واحراقها ، واذا لم تحترق فهو دليل على عدم قبول القربان .
كان الحجاج بن يوسف الثقفي وهو احد المتعطشين للدماء ، والياً لعبد الملك في العراق وهو أحد المجرمين الذين ليس لهم مثيل في التاريخ ، ولشدة ظلمه فقد التجأ معارضوه الى الكعبة المكرمة فنصب المنجنيق وهدم الكعبة ولم يهتم بحرمتها ، فعندها نزلت صاعقة من السماء واحرقت المنجنيق فخاف جيش الحجاج وتوقف عن الرمي نحو الكعبة ، فجائهم الحجاج وقال لهم : ان عملكم هذا مقبول بدليل ان النار نزلت من السماء فاحرقت المنجنيق كما كان سابقاً من قبول القرابين (2) .

التبرير الخائن لهارون الرشيد :


انّ احدى التبريرات السياسية على مر التاريخ والتي استفاد منها اغلب المجرمين الغاصبين هي كلمة ( حفظ الأمن ) كما ان امريكا الآن
____________
(1) أعيان الشيعة ج 42 ص 215 .
(2) مجمع البحرين كلمة الحج .


(170)


تحت اسم ( حفظ أمن المنطقة ) أخذت تكرّس وجودها في منطقة الشرق الاوسط وترتكب الجرائم البشعة والظلم . وفي كل مكان يقولون : أن حفظ الامن في المنطقة من الواجبات . وهارون الرشيد الطاغية العباسي الخامس ، ذهب من بغداد الى مكة المكرمة ومن مكة الى المدينة ، وقرر اعتقال وحبس الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) وعندما مر على قبر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) برر جرمه الكبير بالقول : يا رسول الله ، إني أعتذر اليك من شيء أريد ان أفعله ، أريد أن أحبس موسى ابن جعفر فانه يريد ان يشتت أمتك وأن يسفك دمائها . وبعدها ربط الامام ( عليه السلام ) بسلسلة فارسله الى بغداد ثم اودعه في سجن البصرة . <br< وبهذه الطريقة نرى ان هارون يبرر جريمته الكبيرة والباقية مدى الدهر باسم ( حفظ الأمن ) (1) .

تبرير شهادة الامام الحسين ( عليه السلام ) :

إن احدى التبريرات المعروفة عند الاعداء في مسألة استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام ) هي أن الامام الحسين ( عليه السلام ) قد خرج من دين جده وشق عصا المسلمين .
وكان عمر بن سعد قد برر حربه مع الحسين بانها من أجل الصلح ، لكنه ارتكب جريمة كبيرة وهي قتل سيد الشهداء ( عليه السلام ) .
ويذكر أنّ احد جنود عمر بن سعد في واقعة كربلاء بعد شهادة
____________
(1) الارشاد للشيخ المفيد ج 2 ص 231 .


(171)


الامام الحسين ( عليه السلام ) كان مشغولاً بنهب اموال البيت ( عليه السلام ) وهو في حالة بكاء ! فرأته طفلة من اطفال الامام الحسين ( عليه السلام ) فقالت له : لماذا تبكي ؟ فقال : ابكي لمظلوميتكم والجريمة التي ارتكب بحقكم ، فاجابته : ان كان هكذا فلماذا تسلبنا اذن ؟ فاجابها : أخاف ان ياخذها غيري (1)
نعم بهذا التبرير ارتكبوا اكبر الذنوب واعظمها .
____________
(1) مقتل الحسين للمقرّم ص 369 ـ الامالي للصدوق المجلس 31 .


(172)

3 ـ التبريرات الاجتماعية

يعتبر التبرير الاجتماعي أحد التبريرات للذنوب فمثلاً يقال للمذنب : لماذا ارتكبت الذنب الفلاني ؟! يقول : هذا عرف اجتماعي فاذا اردت ان لا تعاب من المجتمع فكن مثلهم . ( فضربوا ورقصنا ) . والكل يفعل ذلك ونحن معهم .
إنّ الانسان لا يستطيع ان ينعزل عن المجتمع ( والخيط لا يحاك لوحده ) وكثيراً ما نرى مثل هذه التبريرات في حياتنا .
ومثل هذه التبريرات كذلك كانت في السابق ايضاً ، حيث يذكر أن قوم شعيب ( عليه السلام ) كانوا يعبدون الاصنام وتعشعش فيهم الخرافات وينقصون الكيل ويأكلون الربا و ... فدعاهم شعيب ( عليه السلام ) الى عبادة الله سبحانه وتعالى وحذرهم من التلوث في الذنوب . فسخروا منه وقالوا له كما في الآية :
( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبائنا ) .
المذنبون من قوم شعيب ( عليه السلام ) كانوا يبررون ذنوبهم بانها عرف


(173)


وطريقة اجدادهم .
كان فرعون في اوج اقتداره وقد أوجد مجتمعاً يسوده التكتم عن الحقائق والاختناق وكان يحكم في جو ومحيط فاسد ، واكثر الناس كانوا يبررون طاعتهم لفرعون بان ( اذا اردت ان لا تعاب في المجتمع فكن مثلهم او منهم ) .
أما آسيا امرأة فرعون فلم يؤثر عليها ظلم فرعون ولا غطرسته ومنزلته الاجتماعية وحافظت على ايمانها بارادتها القوية ، على العكس من الضعفاء والمتخاذلين امثال امرأة نوح وابنه ، وكذلك امرأة لوط ، فأولئك تأثروا بالمجتمع السيء فصاروا منه ولم يؤمنوا بدعوة نوح ولوط ( عليهم السلام ) واتخذوهم سخريا (1) .
وبالرغم من كثرة اعداء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لكنهما لم يرافقا على الاخطاء السائدة في المجتمع ، ولم يقرا على ما يخالف حكم الله سبحانه بل جاهدا المجتمع الفاسد في اشد الظروف العصيبة . وعلى هذا الاساس يجب علينا ان لا نخاف من العرف والسنن والضغوط الاجتماعية والتحدي للفساد والقومية وجعل المحورية للمجتمع وألاّ نحيد تحت قناع هذه التبريرات عن طريق الحق الى الباطل .
____________
(1) في آية 10 و 11 من سورة التحريم جعل الله ( امرأة فرعون قدوة النساء المؤمنات وامرأة لوط قدوة النساء الكافرات ) .


(174)

4 ـ التبريرات النفسية

هناك بعض التبريرات لتغطية الذنوب وهي التبريرات النفسية ، ولها اشكال مختلفة :
1 ـ اليأس وقطع الأمل : ومثله أن ييأس الانسان من بلوغ هدف معيّن فيشبّه نفسه بالغريق الذي لا امل له في النجاة او مثل رجل كبير في السن لا يحسن القراءة في الصلاة فاذا قيل تعلم القراءة فيقول : فات الأوان وانا أمي ولا أستطيع التعلم .
2 ـ او اعتاد الذنب : فالمدمن علىالتدخين والترياك يقول : « لا استطيع ترك هذه العادة » فاذا اعطيته عن كل يومٍ يمتنع فيه عن التدخين ( الف دينار ) لمدة مائة يوم ، فانه سيترك التدخين . وهذا يدل على انه لو اراد التغلب على عادته تلك لتمكن . في حين انه يرى نفسه مسلوب الارادة ويبرر ذنوبه بالعادة على اقتراف الذنوب .
3 ـ او يقول : النهي عن المنكر واجب وتركه حرام . فيقال له : لماذا لم تنه فلاناً عن المنكر ؟ فيقول : أتصور انه ينزعج من ذلك .


(175)


4 ـ او يقال له : ادب طفلك ولا تدعه ضائعاً في التيه ، فيقول : أخاف ان اضغط عليه فيصاب بالعقدة النفسية .
5 ـ يسخر من الآخرين : والسخرية من الذنوب القبيحة . ولكن عندما يقال له لماذا تسخر من الآخرين ؟ يقول : اتمازح معهم وبهذه الطريقة يبرر ذنبه بالمزاح .
6 ـ نقول له : ان اباك او أخاك يتبعان طريق الكفر . فلا تصحبهما ، فيقول : هل يترك احد أباه اوأخاه .
ومن هذا القبيل نرى ونسمع الكثير من تبريرات الناس لذنوبهم . ولاجل ان تردّ على هذه التبريرات نقرأ ( الآية 24 من سورة التوبة ) :
( قل ان كان آباؤكم وأبناوكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ اليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .
7 ـ أحد التبريرات للمذنبين هي أنهم يجوزون ارتكاب الذنب ثم يقترفونه ، كأن يغتاب الانسان احداً بقوله « ارجو ان لا تكون غيبة » ، او يذكر شخصاً ما امام الناس حتى يوحي الى الآخرين بجواز غيبته .
ينقل عن المرحوم آية الله العظمى السيد محمد حجت ( صاحب مدرسة الحجتية في قم ) بانه قال : انا ابرىء ذمة كل من


(176)


استغابني الاّ بعض الطلبة فاني لا ابرئهم الذمة لانهم يفسّقون المرء ثم يغتابونه .
بمثل هذه التبريرات يريد الانسان المذنب ان يفتح الطريق امامه ولا يتحمل مسؤولية الذنب وبهذا ( الاشباع الكاذب ) ينقض القانون الالهي ويتبع هوى نفسه بكل ما يريد وبحرية مطلقة .
مثلاً : ان أحد العوامل التي تمنع الانسان من ارتكاب الذنب هو الاعتقاد بيوم المعاد والحساب والكتاب ويوم القيامة ، فالمبرر لذنوبه ولاجل ان يطلق لنفسه العنان لارتكاب الذنب ، يسعى لانكار المعاد ويقف بكل ما اوتي من قوة امام الدلائل القوية على المعاد .
كما ذكر ذلك في ( الآية 5 و 6 ) من سورة القيامة :
( بل يريد الانسان ليفجر أمامة ـ يسئال أيان يوم القيامة ) .
أحد التبريرات الاخرى هو تبرير الافشاء ، فأحياناً وتحت هذا الغطاء يقترف البعض ذنباً كبيراً بفضح الناس المحترمين . ان الافشاء في بعض اوقاته لا اشكال فيه للذين يشكلون خطراً في المجتمع والذين ينتظرون الفرص للفتن فيجب ان يفشى سرّهم ويفضحوا امام الناس لا إفشاء أمور الناس المحترمين واظهار عيوبهم وفضحهم .