04-11-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/11/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
النقطة الخامسة:- يعتبر في رمي الجمرات الثلاث المباشرة.
وقبل أن نبيّن مستند ذلك نشير إلى قضيّة فنيّة:- وهي أنّه كان من المناسب ذكر هذا الشرط - أي اشتراط المباشرة - في مسألة مستقلّة؛ لأنه إمّا أن نذكر جميع الشروط هنا - يعني في هذا الواجب الثالث عشر - من أنه يلزم الترتيب في رمي الجمرات مثلاً وعدد الحصيات المرميّة وغير ذلك فإمّا أن نذكر جميع الشرائط هنا أو أن نترك جميع الشرائط هنا ونذكرها في مسألة مستقلّة، هذا هو المناسب فنيّاً، أمّا أن نذكر شرطيّة  المباشرة هنا فقط دون بقيّة الشروط فهذا ليس شيئاً فنّياً.
هذا مضافاً إلى أنّه لو غضضنا النظر عن هذه القضيّة يمكن أن نبرز قضيّة أخرى وهي أنّ هذا الشرط ليس شرطاً خاصّاً برمي الجمرات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر بل هو شرطٌ لرمي جمرة العقبة في اليوم العاشر أيضاً، فلو أردنا ذكره فمن المناسب أن نذكره في رمي جمرة العقبة فهناك نذكر شرطيّة المباشرة ثم نشير هنا إلى ما ذكر هناك - يعني نقول  هنا ( كما ذكرنا في رمي جمرة العقبة حيث قلنا تشرط المباشرة فهنا تشترط أيضاً فنقول يعتبر في رمي الجمرات المباشرة ) -.
وعلى أيّ حال هنا مخالفتان فنيّتان وهذا ليس بمهم والمهم هو بيان المستند لشرطية المباشرة .
قد يذكر في هذا المجال الوجهان التاليان لاعتبار المباشرة في الرمي:-
الوجه الأوّل:- إنّ ظاهر كلّ أمرٍ هو اعتبار المباشرة، كما جاء التعبير بذلك في كلمات السيد الخوئي(قده) في المعتمد[1]، فالمباشرة هي ظاهر الأمر وجواز الاستنابة يحتاج إلى دليلٍ، هكذا قل.
أو قل:- إنّ ظاهر نسبة المادّة إلى الشخص المأمور بنحو النسبة الطلبيّة ظاهرٌ في اعتبار المباشرة، فحينما يقال كُلْ أو اجتهد أو ادرس أو سافر أو ما شاكل ذلك هنا نسبت المادة - أي المصدر أي الاكل والسفر - إلى الشخص المأمور وقيل له ( سافِرْ ) وهذه النسبة بنحو النسبة الطلبيّة ويكون ظاهر هذه النسبة هو اعتبار المباشرة ولذلك تفهم العرف من كلمة ( سافِرْ ) اعتبار المباشرة يعني لابد أن يسافر هو لا أن يوكّل شخصاً بالسفر، وحينما يقال له ( ادرس ) ظاهر في اعتبار المباشرة أيضاً ..... وهكذا.
ولك أيضاً أن تقول بعبارة أخرى:- إنّ الأصل في باب الأوامر هو اعتبار المباشرة، ومنشأ هذا الأصل هو هذا الظهور - يعني ظهور نسبة المادّة إلى الشخص المأمور في إرادة المباشرة - وقد جاءت الإشارة إلى هذا الوجه في كلمات صاحب الجواهر(قده):- ( ومنه علم أنّ المراد بما في ذيل الأخير وصدر غيره الطواف بنفسه وبغيره وإن كان ظاهر النسبة إليه المباشرة أو أنه مشروطٌ بالتعذر كما عن الشيخ والفاضل والمنتهى لأصالة المباشرة في العبادات )[2] . إذن له تعبيران التعبير الأوّل هو أنَّ ظاهر النسبة المباشرة، والتعبير الثاني هو الذي نقله عن الشيخ والعلامة هو أصالة المباشرة في العبادات.
والخلاصة:- الدليل الأوّل والذي ارتضاه السيد الخوئي(قده) هو أنّ ظاهر الأمر أو ظاهر النسبة هو اعتبار المباشرة.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّه يمكن أن يقال إنّ هذا الظهور ناشئٌ من نفس المادّة، فالمواد تختلف في حّد نفسها، فبعض المواد تقبل النيابة في حدّ نفسها وبعضها لا يقبل النيابة في حدّ نفسه لا أنّ ظاهر النسبة إلى المادة - أيّ مادةٍ كانت - يقتضي المباشرة، بل إنّ نفس المواد تختلف، فمادّة الأكل والشرب والاجتهاد والسفر والنوم مثلاً فهذه لا تقبل النيابة عرفاً، فلا معنى لأنه توكّل غيرك في أن يأكل عنك، فالأكل لا يمكن أن يتحقّق الّا منّي ولا ينتسب إليَّ بالتوكيل، وهكذا النوم والمطالعة وغيرهما، فهذه المادّة هي  لا تقبل النيابة في حدّ نفسها، بخلاف مادّة البيع والقبض فإن البيع لا تتوقف صحة النسبة فيه عرفاً على المباشرة، فلو طلبت من غيري ووكلته في أن يبيع داري فأنا الطالب يصدق عرفاً أنّي قد بعت داري ولا يتوقف ذلك على أن أتصدّى بنفسي لذلك، وهكذا بالنسبة إلى القبض فإذا أردت أن أقبض المبيع أو الثمن فيمكن أن أوكّل غيري في القبض ويصدق أنّي قد قبضت، فأقول لولدي أنت اقبض الثمن واجلبه لي فيصدق أنّي قد قبضته . إذن القبض والتمليك وهكذا بعض المواد الأخرى من هذا القبيل هي تقبل الوكالة في حدّ نفسها.
إذن فنيّاً يلزم أن نلاحظ المادّة ونقول إنَّ المواد تختلف كما أشرنا، وإذا لاحظنا المادّة في مقامنا - وهي الرمي - فهو لا يقبل النيابة عرفاً، فإذا فرض أنّ شخصاً قال لغيره إرمِ عني لا يصح عرفاً أن تقول أنا رميت ولذلك لو سئلت وقيل لي هل رميت ؟ فأقول لا أنا لم أتمكن منه بل وكلّت غيري في ذلك، وإذا عبّرت بأني قد رميت فالتعبير مبنيٌّ على المسامحة، بخلافه بالنسبة الى التمليك والقبض.
فإذن كان المناسب التعبير بأن مادّة الرمي هي في حدّ نفسها لا تقبل النيابة عرفاً لا أنه يعلّل بأنّ ظاهر الأمر أو ظاهر نسبة المادّة إلى الشخص المأمور اعتبار المباشرة، ولعلّ مقصود هؤلاء الأعلام ما أشرنا إليه وإن كان التعبير فيه شيءٌ من المسامحة.
وثانياً:- إنّ ما ذكر لو تمّ فهو يتمّ فيما إذا كان الدليل الدال على اعتبار الرمي دليلاً لفظياً بأن كان يعبر مثلاً بـــ ( ارمِ الجمرات في اليومين ) فحينئذٍ نتمسّك بالظهور، أمّا إذا فرض أنّ الدليل لم يكن لفظياً إنما كان لبيّاً كما انتهينا إليه سابقاً حيث إنّا ذكرنا جميع المستندات اللفظيّة وناقشنا في دلالتها على الوجوب وانتهينا إلى أنّ المدرك لبيٌّ وذلك بأن يقال إنّ سيرة المسلمين قد جرت على الرمي في الأيام المعهودة والاحتمالات ثلاثة فإما أنّهم كانوا يأتون بذلك بنحو الوجوب أو كانوا يأتون به بنحو الاستحباب أو البعض كان يأتي به بنحو الوجوب والبعض الآخر كان يأتي به بنحو الاستحباب، وحيث إنّ الأخيرين باطلان لبيانٍ قد تقدّم فيتعيّن بذلك الاحتمال الأوّل وهو أنّ هذه السيرة هي سيرةٌ على الرمي بنحو الوجوب فيثبت بذلك وجوب الرمي . إنّه بناءً على كون الوجه هو هذا وليس دليلاً لفظياً فلا يتمّ الوجه المذكور فإنه الوجه الذكور خاصٌّ بما إذا كان مستند الوجوب لفظيّاً لا ما إذا كان لبيّاً.
إذن اتضح أنّ الوجه الأوّل قابلٌ للمناقشة من جهتين.