37/07/11


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

ثم إن الشيخ الأعظم(قده) تراجع عن نصرته لصاحب الجواهر(قده) وقال:- إنّ الاشكال يبقى حتى لو بنينا على ما ذكر - يعني أنّ المعاملة باطلة وليست حراماً والامام سكت عن الحرمة من باب أنها ليست حراماً تكليفاً أي نفس هذا التسابق - وهو أنّ المعاملة إذا كنت باطلة فالأكل من الشاة سوف يكون تصرّفاً في مال الغير فيكون محرّماً تكليفاً من هذه الناحية والامام عليه السلام لم ينبّه على ذلك.

إذن هذا الاشكال - وهو أنّ الامام لم ينبّه - يأتي على كلا التقديرين ، فإذا فرض أن أصل المعاملة كانت محرّمة تكليفاً يأتي هذا الاشكال بأنّ الإمام عليه السلام لماذا سكت ولم يبين الحرمة التكليفية لنفس المعاملة ، وكذلك يبقى الاشكال إذا لم تكن نفس المعاملة محرّمة تكليفاً وهو أنه لماذا لم ينبّه على أنّ الأكل من الشاة محرّم تكليفاً بعد بطلان المعاملة فإنه تصرّف في مال الغير من دون إذنه وهو لا يجوز تكليفاً ، فإذن هذا الاشكال ثابت على كلا التقديرين فنتراجع عن نصرة صاحب الجواهر(قده) ، ثم قال بعد ذلك ( فتأمل ) ، ونصّ عبارته:- ( لكن هذا وارد على تقدير القول بالبطلان وعدم التحريم لأنّ التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضاً فتأمل ).

ولعل الأمر بالتأمل إشارة إلى أنّ هذا قياس مع الفارق ، فإنه إذا كانت نفس المعاملة حرام تكليفاً فعلى الامام أن يبين لأنّ الذي سأله فهو قد سأله عن معاملةٍ من هذا القبيل والامام عليه السلام قال هي باطلة فلو كانت حراماً تكليفاً فمن المناسب أن يقول هذه المعاملة أيضاً هي محرّمة تكليفاً لأن السؤال سؤال عن المعاملة وأنّ هذه المعاملة ما هو حكمها الشرعي ، ولا معنى لأن يبين الإمام عليه السلام نصف الحكم وأما النصف الثاني فهو يسكت عنه فيقول هي باطلة ويسكت عن الحرمة التكليفية ، فمن المناسب له أن يبيّن كلا الحكمين بعدما كان السؤال عن حكم المعاملة ، وهذا بخلافه فيما فرضه الشيخ الأعظم(قده) ، يعني لو فرض أنّ المعاملة ليست حراماً تكليفاً وإنما هي باطلة فقط يعني لا يغرم هذا الذي لم يأكل الشاة بأجمعها مئة دينار لصاحبها فالإمام بين هذا الحكم وهو أنه لا توجد غرامة أما أنّ الأكل هل هو حرام بعد بطلان المعاملة فلم يكن السؤال عنه وإنما كان عن الغرامة وأنها موجودة أو لا فالغرامة ليست موجودة لأنها باطلة أمّا أنّ التصرّف بالأكل الذي هو شيءٌ آخر غير الغرامة يكون حراماً فهذا لم يسأل عنه الراوية ، بل لعلّ الامام عليه السلام سكت من باب وضوح القضية فإنه إذا كنت المعاملة باطلة فالتصرف يكون حينئذٍ حراماً لأنه تصرف في مال الغير من دون إذنه.

على أنّ الشاة قد أكلوها وانتهى فحينئذٍ لو أراد الامام عليه السلام أن يبيّن أن الأكل حرام أو ليس بحرام فهذا لا فائدة فيه بعد فرض أنّ القضية سالبة بانتفاء الموضوع ، وهذا بخلافه لو كانت نفس المعاملة محرّمة تكليفاً فإنه عند بيان بطلانها وضعاً يلزم بيان حرمة نفس المعاملة لو كانت محرّمة تكليفاً ، فكلاهما حكمان - الحرمة الوضعية والحرمة التكليفية - لنفس المعاملة فإذا بيّن أحد الحكمين يلزم أن يبيّن الحكم الثاني لو كان ثابتاً ، بينما لو كانت المعاملة في نفسها محلّلة تكليفاً ولكن لا تترتب غرامة - يعني باطلة وضعاً - فلا داعي إلى بيان أنّ الأكل يكون تصرّفاً في مال الغير فيكون حراماً فإنه لم يسأل عنه ولعلّه واضحٌ فلم يذكره الإمام ، بل لعله صار سالبة بانتفاء الموضوع لا داعي إلى بيانه ، ولعلّ الأمر بالتأمل إشارة إلى ما ذكر.

والمهم الذي نريد أن نبينه هو أنه يوجد إشكالان أو ثلاثة على الشيخ الأعظم( قده):-

الاشكال الاوّل:- إنّه قال إنّ المعاملة إذا كانت باطلة فالأكل سوف يكون محرّماً لأنّه تصّرف في مال الغير من دون إذنه.

ونحن نقول:- بل هو جائزٌ حتى على فرض بطلان المعاملة ، والوجه في ذلك هو أنّ صاحب الشاة قال لأصدقائه ( إنّ أكلتم الشاة بأجمعها والتزمتم لي بذلك فأنا آذن لكم في الأكل بلا مقابل ) وهم قد التزموا بذلك ، ومادام قد التزموا بالأكل فالإذن حينئذٍ يكون موجوداً ، فالأكل من الشاة يكون جائزاً لأنه قد أذن لهم حتى إذا فرض أنّ المعاملة كانت باطلة فإن بطلانها لا يزيل التزام الأصدقاء ، وهي نكتة ظريفة.

فبطلان المعاملة لا يوجب زوال التزامهم ، بل هم ملتزمون بأن يأكلوا الشاة بأجمعها و، ما داموا ملتزمين فالإذن موجودٌ من صاحب الشاة سواء كانت المعاملة صحيحة أم باطلة ، وبطلان المعاملة لا يؤثر على هذا الإذن على تقدير الالتزام ، فيكفي هذا على وجود وبقاء الإذن واستمراره ، فإذن الإذن موجودٌ ولا معنى لأن يقول الشيخ (قده) إذا كانت المعاملة باطلة فإذن التصرّف بالشاة بالأكل يكون حراماً وعلى الامام أن ينبّه على ذلك ، كلا بل هو حلال ولا حاجة إلى البيان.

إن قلت:- المفروض أنه لعهم لم يأكلوا الشاة بأجمعها وإذا لم يأكلوها بأجمعها فلا إِذْنَ ، وبالتالي صار الأكل حراماً ، فكان على الامام عليه السلام أن ينبه على أنّ الأكل حرام والمفروض أنه لم ينبه فيتمّ ما أفاده الشيخ الأعظم(قده).

قلت:- إنه حتى إذا لم يأكلوها بأجمعها يبقى الإذن من صاحب الشاة موجوداً ، لأنّ إذنه معلّق على الالتزام بأكلها بأجمعها وهم قد التزموا بذلك ، وإلا إذا لم يأكلوها كلها بالفعل خارجاً فذلك لا يعني أنّ الالتزام لم يكن موجوداً ، بل كان الالتزام موجوداً فكان الإذن ثابتاً ، نعم إذا لم تؤكل بأجمعها يترتب على ذلك الضمان - أي ضمان المئة دينا التي قال لهم مالم الشاة بأنهم يغرموها إذا لم يأكلوها بأجمعها - ، إذن لابد وأن نفرّق بن الالتزام بأكلها بأجمعها وبين الأكل الخارجي لها بأجمعها وعدم ذلك ، فإذا تمّ الالتزام بالأكل فالإِذْنُ موجودٌ.

والتفرقة بين هذا وبين أنهم لم يأكلوها بأجمعها فعدم الأكل بأجمعها خارجاً يترتّب عليه الضمان ، فالضمان مترتّبٌ على أكلها بأجمعها ، والإذن مترتٌّب على الالتزام وليس على أكلها بأجمعها ، فهنا لابد من التفرقة بين حكمين وبين موضوعين ، فحكم الإذْنِ مترتّب على الالتزام ، وحكم الضمان وعدمه مترتّب على الأكل لها خارجاً بأجمعها وعدم الأكل ، وحيث أنهم قد التزموا من البداية فيكفى ذلك في تحقق الإذن حتى لو تبيّن بعد ذلك أنهم لم يأكلوها بأجمعها وحتى لو تبين أنها باطلة ، فالالتزام موجودٌ ، وعلى هذا الأساس الإذن موجودٌ ، وما دام موجوداً فالأكل حينئذٍ يصير حلالاً ، ولا يرد حينئذٍ ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ، وهي نكتة ظريفة جداً.

إن قلت:- إنّ الإذن كان موجوداً ضمن المعاملة الصحيحة وأما إذا كانت المعاملة باطلة فالإذن يكون كالعدم ، وهذا من قبيل أن يذهب شخص إلى مكانٍ تباع فيه الغنم فيشتري شاةً فيقول له صاحب الشاة ( خذها وكُلْها ) فإذا تبّين بطلان المعاملة قبل ذبحها لسببٍ وآخر فهل يبقى الأكل جائزاً ؟ كلا ، حيث نقول:- إنّ الإذن هو موجود ضمن المعاملة الصحيحة فإذا تبين أنها باطلة زال الإذن ولا يجوز التصرّف.

وفي المقام أيضاً يلزم أن يكون الأمر كذلك ، فإن الإذن كان موجوداً بتخيّل أنّ المعاملة صحيحة فإذا حكم الامام عليه السلام ببطلانها فسوف يزول الإذن حينئذٍ ، فيكون التصرّف بالأكل حراماً ، وهذا اشكال سجّله السيد الخميني(قده) حيث قال:- ( فلو باع شاة في بيع فاسد وقال خذها وكلها فهل يمكن دفع[1] الغرامة بالإباحة المذكورة ؟ )[2] .

قلت:- هناك فرقٌ بين المقامين ، فإنّه في هذا المثال أنَّ صاحب الشاة يقول ( كلها ) من باب أنه يتصوّر أنه قد تحقّق البيع وصارت ملكاً للمشتري ومقصوده من ( كلها ) هو من باب أنك صرت مالكاً لها وإذا كنت مالكاً لها فلا مشكلة حينئذٍ في أكلها ، فـ( كلها ) يعني لأنك مالكٌ ، وهذا بخلافه في قمامنا فإنّ هذا الصديق ( صاحب الشاة ) قال لأصدقائه أنا آذن لكم في أكلها إذا التزمتم بأكلها بأجمعها وهي ليست ملكاً لهم وهذا الاتفاق لنفترض أنه باطل ولكن بالتالي هو أذنٌ لهم بالأكل حتى مع بطلان المعاملة وكأنه يقول ( أنا أريد أن آذن بمالي فإذا التزموا بأكملها فأنا آذن بذلك من دون أي عوض وهم قد التزموا ، فحينئذٍ يجوز لهم الأكل لوجود الإذن حتى إذا فرض أنّ المعاملة باطلة ، فبطلان المعاملة هنا لا يوثر على الإذن شيء ، فإذن قياس المقام على المثال المذكور هو قياس مع الفارق.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) - من أن المعاملة إذا كانت باطلة يلزم على الامام عليه السلام أن يبين لمن أكل الشاة أنهم قد أكلوها في معاملةٍ واتفاقٍ باطل فيحرم عليكم الأكل تكليفاً لأنه بلا إذن - قابل للمناقشة لما ذكرناه من أنه حتى إذا اكانت المعاملة باطلة فبطلانها لا يؤثر ولا يوجب حرمة الأكل لأنَّ مالك الشاة قد أذن على تقدير الالتزام ، وحيث أنهّم التزموا فالإذن ثابتٌ حتى على فرض بطلان المعاملة.


[1] أي رفع الغرامة أي هل يمكن أن نقول إن الغرامة مرتفعة مادام قد اذن لك صاحب الشاة ؟.