37/05/29


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

والمناسب أن يقال في مسالة الولاية عن الجائر إذا كانت لأجل الأمر بالمعروف:- إن الاستحباب يصعب اثباته كما أفتى بذلك المتقدمون ، فإن مدرك ذلك إن كان هناك مدرك فلابد وأن يكون هو الروايات الدالة على رجحان الولاية عن الجائر لمصالح العباد من قبيل ( إن لله أولياء مع السلطان يدفع بهم عن أوليائه ) وما كان من هذا اللسان أو من قبيله.

ولكن مثل هذا اللسان إمّا أن يكون ناظراً إلى التوسعة على العباد ورفع الكرب عنهم وما شاكل ذلك الذي هو ليس من الأمور الواجبة ن فهذه الروايات ناظرة إلى مصالح العابد التي تكون من قبيل المستحب وليس من قبيل الواجب ، أو نقول هي شاملة للواجب الذي هو من قبيل الأمر بالمعروف ولكن لسانها ليس لسان الرجحان بالمعنى الاخص - أي بمعنى الاستحباب - بل هو يلتئم مع المعنى الأعم الذي يصدق مع الوجوب ، فإنّ قوله عليه السلام ( إن لله مع السلطان أولياء ) مدحٌ وهو يلتئم مع الاستحباب والوجوب معاً.

فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نثبت الاستحباب للولاية في حالة وجوب ذي المقدّمة - وهو الأمر بالمعروف - من خلال هذه الروايات ، لأنها إمّا ليست ناظرة لحالات الوجوب كالأمر بالمعروف بل مثل حالات التفريج وما شاكل ذلك ، أو أنها حتى لو كانت ناظرة ولكن لا يستفاد منها الرجحان بالمعنى الأخص ، بل لسانها لسان عام فيلتئم مع الوجوب أيضاً ، فإثبات فتوى المتقدّمين بهذه الروايات شيءٌ مشكلٌ ، وعلينا إذن أن نلاحظ ما تقتضيه القاعدة.

والمناسب كون المورد من باب التزاحم على ما اتضح سابقاً ، فإنّ الولاية عن الجائر شيءٌ محرّم ، والأمر بالمعروف شيءٌ واجب ، وهما لا يجتمعان في مصداقٍ واحد ن فلا يوجد بينهما تعارض حتى بنحو العموم من وجه ، بل هناك تزاحم والتنافي بينهما في هو في عالم الامتثال وإلا ففي عالم التشريع فلا يوجد تزاحم لأنهما لا يجتمعان في مصداقٍ واحد ، وإذا كان الأمر كذلك فنلاحظ كلّ موردٍ في مورده ، فلعل بعض الموارد يكون الأمر بالمعروف هو الأهم لأنّ المعروف معروف مهم جداً فتكون الأهمية له ، وفي بعض الموارد الأخرى قد تكون بالعكس - يعني لا تكون هنا أهمية كبيرة للأمر المعروف ولكنها موجودة لحرمة الولاية - ، فالموارد تختلف ولعلّ في بعض الموارد لا أهمية لا من هذا الجانب ولا من ذاك فيحكم بالتخيير.

إذن حينما نقول إنَّ المورد هو من باب التزاحم فهذا معناه أنّ الفقيه لابدّ وأن يشخّص أين هو الملاك الأهم بنحو الجزم أو بنحو الاحتمال ، فتختلف الموارد.

وإن شئت قلت بعبارة أكثر فنّية:- إنّ دليل حرمة الولاية ودليل وجوب الأمر بالمعروف إمّا ان نفترض ثبوت الاطلاق لكل واحدٍ منهما بلحاظ الآخر ، أو نفترض أنّ لأحدهما اطلاقاً دون الآخر ، أو أنه ليس لهذا اطلاق ولا لذاك - يعني أنّ دليل حرمة الولاية غير ناظر إلى حالة الأمر بالمعروف كما أنّ دليل الأمر بالمعروف غير ناظر إلى حالة توقفه على الولاية فلا اطلاق من هذا الجانب ولا من ذاك - ، فالحالات الثبوتية ثلاث - وأما إثباتاً فهو يحتاج إلى مراجعة الأدلة وأنّه ماذا نستفيد منها -.

وفي الحالة الأولى:- المناسب ما أشرنا إليه من ثبوت التزاحم بعد فرض أنه لا يوجد تعارض بنحو العموم والخصوص المطلق لعدم صدقهما على مصداقٍ واحد ، وإنما التنافي في عالم الامتثال ، ويأتي ما أشرنا إليه من تقديم الأهم .. الخ.

وفي الحالة الثانية:- فنأخذ بالذي فيه اطلاق ونحكم على طبقه ونجري البراءة عن ذاك ، فإذا فرضنا أن دليل حرمة الولاية كان له إطلاق فنحكم آنذاك بحرمة الولاية ، وأمّا الأمر بالمعروف فحيث لا اطلاق لدليله فنشكّ بالوجوب فننفيه بالبراءة ، وإذا انعكس الأمر - يعني كان دليل الأمر بالمعروف يوجد له اطلاق - فالمناسب أن نحكم بوجوب الأمر بالمعروف ، وأما بالنسبة إلى حرمة الولاية فحيث لا يوجد لدليلها اطلاق في حالة توقّف الأمر بالمعروف عليها فنتمسّك بالبراءة من الحرمة.

وفي الحالة الثالثة:- فنجري البراءة من هذا والبراءة من ذاك ، والنتيجة عملاً سوف تصير هي التخيير .

والخلاصة:- إنه بعد فرض وجود إطلاقٍ في الدليلين يقع التزاحم بينهما والمناسب ملاحظة الأهم والحكم على طبقه.

تحقيق الحال في الحكم الثالث:-

وأما بالنسبة إلى الحكم الثالث - أعني جواز الولاية في حالة الإكراه كما إذا هدّده الظالم وقال إذا لم تقبل الولاية فسوف أحبسك شهراً مثلاً أو يلزم أن تدفع غرامة بمقدار كذا من المال أو ما شاكل ذلك فإنّ هذا يصدق عليه عنوان الإكراه يعني هو يوعدني إن لم أنفذ فسوف أصاب بالضرر في نفسي أو في مالي أو في أحدٍ ممن يرتبط بي بحيث يكون إيذاؤه إيذاءً لي كأخي أو ولدي أو ما شاكل ذلك - فالمناسب في مثل هذا المورد على ما ذكر صاحب الجواهر(قده):- ( هو الجواز بلا خلاف نصاً وفتوىً بل الاجماع بقسميه عليه )[1] .

واستدل الشيخ الأعظم(قده) لذلك بعموم نفي الإكراه - أي ( رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ) – فإنَّ هذا من مصاديقه ، أو بحديث الحرج فيما إذا بلغ المورد درجة الحرج ، أو بحديث نفي الاضطرار فيما إذا حصل الاضطرار ، وما شاكل ذلك من العمومات.

ونحن نقول:- وما أفاده(قده) شيءٌ وجيهٌ ، فإنه بعد أن صدق الإكراه بسبب الوعد بالحبس أو أخذ المال أو إيذاء الولد أو ما شاكل ذلك فالمورد يشمله حديث نفي الإكراه.

غير أنّ الذي أريد التنبيه عليه هو أنّ الشخص الذي يكره على الولاية تارةً يكون شخصاً عادياً ، وأخرى يكون شخصاً محترماً كأن يكون من الحوزة أو الشخصيات الدينية أو الاجتماعية المرموقة أو ما شاكل ذلك.

فإن كان شخصاً عادياً فيمكن أن نقول يشمله حديث نفي الإكراه من دون إشكالٍ في البين ، فتجوز له الولاية لأنه مكره والاكراه يجوّز له ارتكاب فعل الحرام لحديث ( رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ) ، فلو أكره الشخص على شرب القمر أو القمار أو ما شاكل ذلك فسوف ترتفع الحرمة بسبب الحديث ، وهنا كذلك ترتفع الحرمة بسبب الحديث.

وإن كان الشخص المكره شخصيّةً دينيةً محترمة بحيث لو صار والياً أو قاضياً أو مفتياً للظالم فهل نطبّق حديث نفي الضرر ونقول إذا ينفّذ ذلك فسوف يلزم عليه الضرر وعلى هذا الأساس يجوز له أن يرتكب ما أراد لعموم حديث نفي الضرر ؟!!

ومن واضح أنه لو خلّينا نحن ومقتضى القواعد الفنّية فالمناسب هو الجواز لأنه مكره وقد ورد أنّه ( رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ) ، ولكن في هذا المورد يلزم أن يلاحظ الفقيه الضرر الأكبر وهو ضرر الدين وسمعته وسمعة الحوزة وأهل العلم فمثل هذه القضايا لابد من أخذها في الحساب ، وما القضايا الفنّية فلا بأس بالسير وراءها ولكن لا ينبغي أن نسير وراءها من دون ملاحظة الجوانب الأخرى ، فلعل القضايا الفنّية أحياناً تنتهي بنا إلى شيءٍ لا يمكن الالتزام به كهذا المورد ، فالحكم بالجواز في مثل هذه الحالة يكون مشكلاً لعلمنا من الخارج بأنّ الحفاظ على سمعة الدين ورجال العلم مهمة جداً ومأخوذة بعين الاعتبار ، فلا يمكن تطبيق القواعد الفنّية في هذا المقام والحكم بالجواز.

ثم إنه في هذا المجال نذكر تنبيهين يرتبطان بالمقام:-

التنبيه الأوّل:- إذا أكره الشخص على الولاية وفرضنا أننا جوّزنا له ذلك لأجل أنّه يلحقه ضرر كبير وهو لم يكن من أهل العلم وما شاكله ولكن نحن نعرف أنّ هناك أشياء هي من لوازم الولاية من قبيل أن يأمره أن يحبس هذا أو ذاك ، أو أخذ كذا مقدار من الغرامة من هذا أو من ذاك ، أو أن يضرب هذا أو ذاك ، أو أن يقتل هذا أو ذاك ، فهل تجوز هذه الأشياء أيضاً أو أنها تحرم ؟

في هذا المجال توجد احتمالات ثلاثة:-

الاحتمال الأوّل:- ما صار إليه الشيخ الاعظم(قده) في المكاسب[2] ، وهو أنه يجوز له كلّ شيء إلا القتل.

إذن هو فصّل بين قتل البريء الذي لا يستحق القتل وبين غيره ، فالقتل لا يجوز وأما غيره فيجوز.

الاحتمال الثاني:- ما كان من حقوق الله عزّ وجلّ فيجوز ، وما كان من حقوق الناس فلا يجوز ، يعني إذا كانت القضية مثل شرب خمر - فهذا من حقوق الله عزّ وجلّ - فهذا يجوز ، أما ما كان من حقوق الناس بأن يضرب شخصاً أو يأخذ ماله فضلاً عن قتله فكلّ هذا لا يجوز ، فالمحرّم من حقوق الناس لا يجوز ارتكابه ، والمحرّم من حقوق الله يجوز ارتكابه.

الاحتمال الثالث:- ملاحظة أقل الضررين ، فالذي يكون ضرره أقل يجوز ارتكابه أما الآخر فلا يجوز ارتكابه.

أمّا بالنسبة إلى الاحتمال الأوّل فهو مركب من دعويين:-الدعوى الأولى:- إنه لا يجوز فعل ما كان ملازماً إذا كان قتلاً.

الدعوى الثانية:- يجوز فعل ما هو ملازم إذا لم يكن قتلاً