37/05/04


تحمیل

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد(المورد السابع).

الظاهر أن النسبة بين صحيحي زرارة وبين صحيحة سماعة وابي بصير هي التباين فيقع التعارض بينهما والسر في ذلك أن في صحيحة سماعة وابي بصير تعليلاً في ذيلها (لأنه أكل متعمدا) وهذا التعليل جاء به الامام عليه السلام لوجوب القضاء بعد أن حكم على كل من يأكل قبل دخول الليل بالقضاء وعلل ذلك بهذا التعليل, ونحن نعرف أن المقصود بالتعمد في الرواية تعمد الفعل لا تعمد الافطار, لأن مورد الرواية أن هذا اعتقد دخول الليل فعندما يأكل لا يأكل متعمداً للإفطار نعم يكون متعمداً للأكل, وعندما يقول الامام عليه السلام يجب عليه القضاء لأنه اكل متعمداً لابد من تفسيره بتعمد الفعل وكأن الرواية تقول بمقتضى عموم التعليل أن كل من اكل متعمداً للأكل قبل دخول الليل يجب عليه القضاء, وعموم التعليل يقتضي عموم الحكم بوجوب القضاء لغير مورد الرواية (الذي هو عبارة عما اذا كان في السماء سحاب أو غيم) لكل من اكل قبل دخول الليل متعمداً الاكل, ومن هنا يكون هناك تعارض بنحو التباين بين هذه الرواية وبين صحيحتي زرارة لأنهما تدلان على عدم القضاء مطلقاً وهذه الرواية ببركة عموم التعليل تدل على وجوب القضاء مطلقاً اذ لا موجب لتخصيصها بموردها, وحينئذ نأتي إلى المرحلة الثانية حيث أن التعارض مستقر فأي الطائفتين نقدم؟؟ والصحيح هو أن التقديم يكون لصحيحتي زرارة على صحيحة سماعة وابي بصير والسر في ذلك لأنهما مخالفتان للعامة بينما صحيحة سماعة وابي بصير موافقة لهم, وأحد المرجحات في باب التعارض هو موافقة العامة ومخالفة العامة, ويمكن اثبات أن صحيحة زرارة مخالفة للعامة وان صحيحة ابي بصير وسماعة موافقة للعامة بما ارسلوه ارسال المسلمات نقلاً عن العلامة من أن الجمهور يرى وجوب القضاء في محل الكلام فتكون صحيحة سماعة وابي بصير موافقة لجمهور العامة, وغير ذلك ما يذكره كتاب الفقه على المذاهب الاربعة الذي هو كتاب معتمد عادة فيما ينقل عن هذه المذاهب وتبين فيه أن جمهور العامة يذهبون إلى وجوب القضاء في محل الكلام وقد نقل في ج1 ص566 وما بعدها عن الحنابلة وجوب القضاء في ما اذا اكل وشرب في وقت يعتقده ليلاً فبان نهاراً ونقل عن المالكي أن كل من تناول مفطراً ولم تتحقق فيه شرائط وجوب الكفارة فعليه القضاء فقط ونقل عن الحنفية ما ظاهره ذلك (أي وجوب القضاء في محل الكلام) , فالظاهر أن صحيحة سماعة وابي بصير موافقة لجمهور العامة بينما صحيحتا زرارة مخالفتان لهم فتقدمان عليها على هذا الاساس.

وقد يُعترض على هذا بأن مقتضى عموم التعليل هو الغاء خصوصية الاعتقاد ايضاً لأن هذه الرواية تعبر بالظن وقلنا بأن المراد بالظن الاعتقاد الجازم فيمكن الغاء خصوصية الاعتقاد والتعدي إلى غيره وعموم التعليل يقتضي الغاء هذه الخصوصية لأنه يريد أن يقول أن موضوع وجوب القضاء هو الاكل متعمداً فلم يقل اكل متعمداً في رمضان أو مع جزمه ببقاء الليل, وبعبارة اخرى أن التعليل يعمم الحكم المعلل إلى غير مورد النص كما في لا تأكل الرمان لأنه حامض ولم يقل لأنه رمان حامض فيكون موضوع الحكم هو الحموضة سواء كانت موجودة في الرمان أم في غيره كما أنه يخصص فيخرج مثلاً الرمان الحلو, وفي المقام (لأنه اكل متعمداً) يكون موضوع الحكم بوجوب القضاء هو الاكل متعمداً ولا خصوصية لشهر مضان ولا لوجود الغيم والسحاب كما هو مورد الرواية ولا خصوصية للظن بمعنى الاعتقاد المذكور في الرواية, لكن الظاهر أن هذا لا يخل بالنتيجة التي وصلنا اليها لأن غاية ما يثبت بذلك هو أن هذه الصحيحة تكون عامة واسعة شاملة للاعتقاد وغيره اذا تم هذا المطلب فيكون مفاد الرواية نفس مفاد القاعدة التي اسسناها سابقاً وقلنا بأن مقتضى القاعدة هو الحكم بفساد الصوم ووجوب القضاء مطلقاً الا اذا دل دليل على الصحة وعدم القضاء, والروايات النافية مختصة بصورة الاعتقاد فهي تعبر بالظن وقد فسرناه بالاعتقاد الجازم بينما هذه الرواية التي توجب القضاء عامة فتكون النتيجة تخصيص هذه الصحيحة بالروايات السابقة ولابد من الالتزام بالتفصيل_ ولا مانع منه_ وهو أنه في صورة الاعتقاد الجازم لا يوجب القضاء عملاً بالروايات النافية وفي غيرها من الصور سواء أن كان ظناً أم شكاً أم وهماً نلتزم بوجوب القضاء وهذا نفس التفصيل الذي التزمنا به سابقاً إذن حتى لو قلنا بأن التفصيل يعم غير صورة الاعتقاد في الرواية فأن النتيجة تكون نفس النتيجة التي ذكرناها سابقاً.

 

ونفس الكلام نقوله فيما لو تم سند رواية الكناني ورواية الشحام وذلك لأنه تقع المعارضة بين صحيحة سماعة وابي بصير وبين رواية الكناني ورواية الشحام لأنهما في مورد واحد (الغيم والسحاب كما تقدم) وحينئذ يمكن تقديم روايتي الكناني والشحام على هذا الاساس أي انهما تخالفان العامة حيث تحكمان بعدم القضاء وجمهور العامة يقول بوجوب القضاء, وعلى هذه النتيجة لابد من الالتزام بعدم القضاء فيما اذا اعتقد دخول الليل ثم تبين الخلاف مطلقاً سواء كان هناك غيم في السماء أم لم يكن, وهذا بناءً على رأينا يكون اعتماداً على صحيحة زرارة لأنها مطلقة وبناءً على تمامية سند هاتين الروايتين يكون لدينا اربع روايات تامة لنفي القضاء, غاية الأمر أنه في مورد وجود الغيم يمكن نفي القضاء اعتماداً على رواية الكناني ورواية الشحام وفي غير هذا المورد يمكن الاعتماد على صحيحة زرارة لأنها مطلقة والنتيجة واحدة وهي عدم القضاء مطلقاً.

قد يستشكل في ما ذكرنا أن هذا الكلام مبني على عدم ملاحظة المرجح الاخر في باب التعارض وهو موافقة ومخالفة الكتاب وقد ثبت أنه مرجح بل هو مقدم على الترجيح بموافقة العامة ومخالفتهم كما يظهر من الروايات المعتبر في باب التعارض, وقد يقال في محل الكلام أن النوبة لا تصل إلى الترجيح بمخالفة العامة حتى نرجح صحيحتي زرارة على هذه الصحيحة لأن صحيحة سماعة وابي بصير وان كانت موافقة للعامة لكنها موافقة للكتاب لقوله تعالى ﴿وأتموا الصيام إلى الليل[1] بل الامام عليه السلام استدل بها في صحيحة سماعة وابي بصير على وجوب القضاء كما قربناه, وحينئذ لابد من الالتزام بالحكم المذكور في صحيحة سماعة وابي بصير وهو وجوب القضاء.

ويجاب عن هذا الاشكال

أن معرفة أن الصحيحة موافقة للكتاب لا يصح اخذه من نفس الصحيحة التي هي طرف في المعارضة, فلا يمكن اثبات أن وجوب القضاء الذي تحكم به نفس الصحيحة موافق للكتاب وهذه الموافقة نثبتها بنفس الرواية لا من الخارج وبقطع النظر عن الرواية, وبعبارة اخرى أن صحيحتي زرارة تعارضان هذه الرواية حتى استدلال الامام عليه السلام بهذه الآية على وجوب القضاء, وحينئذ لا يمكن الاستناد اليها لأثبات أن الحكم بوجوب القضاء موافق للكتاب, نعم لابد أن نثبت ذلك من الخارج وبقطع النظر عن هذه الرواية واذا وصلت النوبة إلى ذلك نقول أنه ليس واضحاً أن الآية الشريفة تدل على وجوب القضاء بحيث يكون الحكم بوجوب القضاء موافقاً للآية ﴿......وأتموا الصيام إلى الليل﴾ حيث قلنا سابقاً أن مفاد الآية تحديد الوقت الذي يجب صومه من حيث البداية والنهاية وقوله ﴿وأتموا الصيام إلى الليل﴾ يتكفل بتحديد النهاية وانها إلى الليل, وليس لها نظر إلى وجوب القضاء فيما لو افطر المكلف قبل دخول الليل, لكي نقول أن ما يدل على وجوب القضاء في محل كلامنا موافق للكتاب, وليس هناك اية اخرى يمكن الاشارة اليها لتكون موافقة لهذه الرواية, نعم استدل الامام عليه السلام بهذه الآية على وجوب القضاء لكن المفروض أن هذه الرواية وقعت طرفاً للمعارضة مع صحيحتي زرارة, والاستدلال بها على أن وجوب القضاء الذي تحكم به الرواية موافق للكتاب مصادرة ما لم نثبت هذه الموافقة من خارج الرواية وهو ليس واضحاً, وبناءً على هذا لا يرد الاشكال ويكون الترجيح على اساس مخالفة العامة وموافقتهم وهو موجود في صحيحتي زرارة والنتيجة التي نصل اليها بناءً على هذا الكلام هو الالتزام بعدم القضاء فيما لو اعتقد دخول الليل فأفطر ثم تبين الخلاف مطلقاً سواء كان هناك سحاب أم لم يكن.

ذكر الشيخ صاحب الجواهر مطلباً آخر يجمع فيه بين الروايات فهو يرى عدم التعارض بين الروايات لتعدد المورد, فصحيحة سماعة وابي بصير تحكم بوجوب القضاء في مورد بينما سائر الروايات تحكم بسقوط القضاء في مورد آخر.

ففي صحيحة سماعة وابي بصير يظهر أن الضمير في (أنه) في قوله (فرأوا أنه الليل) يعود إلى السحاب أي اعتقدوا أن السحاب هو الليل ولم يلتفت إلى كونه سحاباً, بينما مورد الروايات الاخرى هو الالتفات إلى أن هذا غيم أو سحاب لكن هذا الغيم أوجب الاعتقاد أن الليل قد دخل, وتحكم الروايات في صورة الالتفات إلى السحاب والغيم بعدم القضاء وتحكم الصحيحة عند عدم الالتفات أي عندما حصل الاعتقاد بأن السحاب هو الليل بوجوب القضاء, والحاصل أن هناك فرقاً بين الموردين فلا تعارض, والنتيجة هي التفصيل حيث أن من يعتقد دخول لليل ثم تبين الخلاف اذا كان هناك سحاب فرأى أنه الليل يجب عليه القضاء واذا اعتقد دخول الليل نتيجة وجود السحاب مع التفاته بأن هذا سحاب فلا يجب عليه القضاء.