37/04/16


تحمیل

الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وربما يمكن ان يقال في الدفاع:- إنه نظر في الوجه الأوّل حالةٍ ونظر في الوجه الثاني إلى حالة أخرى ، ففي الأوّل نظر إلى المستحب الذي يكون له أسباب ولا يكون هناك اتحاد بينه وبين السبب بل هناك مغايرة ، ومثاله قراءة القرآن فإنها مسببَّة عن الغناء ، فالغناء سبب للقراءة القرآنية والقراءة القرآنية تحقّقت بسبب الغناء ، فهما اثنان ، فهنا يأتي ما ذكره من الوجه الثاني من أنّ الادلة ناظرة إلى استحباب الشيء من اسبابه المباحة.

وأخر يفترض أنّ المستحب مع الوسيلة المحرّمة لا يكونان من قبيل السبب والمسبّب بل هناك اتحاد في الوجود ، من قبيل أكل الجبن المسروق أوّل الشهر ، فإن السرقة هي لا تحقّق أكل الجبن بل السرقة موجودةٌ فهو قد وضعته في الثلاجة وربما يأكله وربما لا يأكله ، فليست السرقة هي التي حقّقت أكل الجبن ، فهما إذن شيءٌ واحدٌ وجوداً ، فهذا الموجود الواحد هو أكلٌ للجبن وفي نفس الوقت هو مسروقٌ ، فهنا يأتي الوجه الأوّل الشيخ الأعظم ، يعني لا يتدخّل عنصر السبب والمسبَّب هنا بل يقول(قده) إنّ دليل الاستحباب ناظر إلى استحباب الشيء لو خلّي وطبعه بقطع النظر عن العناوين الأخرى - يعني عوان مسروق أو عنوان مغصوب أو عنوان مضر أو عنوان آخر -.

إذن هو جاء بالوجهين الأوّل والثاني هو ينظر بهما إلى اختلاف الأمثلة ، فإذا كان المثال من باب تعدّد الشيئين كما هو الحال بالنسبة إلى قراءة القرآن بالغناء ففي مثل هذه الحالة يذكر الوجه الثاني - يعني يقول إنَّ دليل الاستحباب يدلّ على استحباب الشيء من سببه ووسيلته المباحة - ، وأما إذا كان هناك اتحاد بينهما وليس هناك سبب ومسبَّب فهنا لا يمكن أن يقول إنَّ دليل الاستحباب ناظر إلى استحباب الشيء من وسيلته المباحة لأنّ المفروض أنه لا يوجد سبب ومسبَّب بل هناك اتحاد فيذكر حينئذٍ الوجه الأول فيقول إنّ دليل الاستحباب ناظر إلى استحباب الشيء لو خلّي وطبعه - يعني بقطع النظر عن العناوين الأخرى - ولا توجد فكرة السبب والمسبَّب هنا.

إذن الوجه الأوّل نظر فيه إلى حالة عدم كون المورد من السبب والمسبَّب ، وأمّا الحالة الثانية فهو نظر إلى حالة كون المورد من السبب والمسبَّب ، فباختلاف المورد ذكر تعبيرين ووجهين.

يبقى الوجه الثالث الذي ذكره - وهو أنّه كلّما اجتمع ملاكان الزامي وغير إلزامي قدّم الالزامي-:- إنّ هذا يلتئم مع كلتا الحالتين ، فهناك ملاك إلزامي وملاك غير إلزامي في كلتا الحالتين ، يعني سواء فرض أنّ المورد من السبب والمسبَّب أو ليس من ذلك فهناك ملاكان فيتم ما ذكره من أنّ ملاك الإلزامي مقدّمٌ على غير الزامي ، بهذا ربما تصلح العبائر التي ذكرها - والمطلب الذي ذكره - ، وهذه قضية جانبية ليست مهمّة.

 

مسألة( 18 ):- معونة الظالمين في ظلمهم بل في كل محرّم حرام ، أما معونتهم في غير المحرّمات من المباحات والطاعات فلا بأس بها إلا أن يعدّ الشخص من أعوانهم والمنسوبين إليهم فتحرم.[1]

......................................................................................

وقبل أن ندخل في المسألة نبين قضية:- وهي أنه ينبغي التمييز بين عنوانين بين عنوان معونة الظالم - أو بتعبير إعانة الظالم - وبين مصطلح التولّي للظالم.

ومسألة التولّي مسألة مستقلّة سوف تأتي فيما بعد ، والفارق بينهما هو أنّ التولّي للظالم يقصد منه أن يصير الشخص وزيراً للظالم مثلاً أو محافظاً أو ما شاكل ذلك ، فنفس صيرورته وزيراً هو تولٍّ له وإن لم يعمل بعدُ وهذا ما سوف يأتي فيما بعد.

وأمّا إعانة الظالم فيقصد منها أن يعين الشخص الظالم في أعماله سواء كانت أعمالاً ترتبط بالظلم أو أعمالاً محرّمة لا ترتبط بالظلم أو أعمالاً مباحة كأن يخيط له جبّة وقميصاً فإنّ هذا إعانة للظالم ولكن في المجال المباح.

ومسألتنا هذه ناظرة إلى إعانة - أو معونة - الظلمة ، وأما مسالة التولّي لهم فسوف تأتي في مسألة مستقلّة بعد ذلك.

وكان من المناسب عقد المسألتين إمّا تحت عنوان مسالةٍ واحدةٍ ولكن ذات شقّين أو جهتين ، أو عقد مسألتين ولكن واحدة إلى جنب الأخرى فبعد أن نتمّ مسألة معونة الظالم مثلاً نذكر بعدها مسألة التولّي للظالم ، أمّا أن نفصل بين المسألتين بفاصلٍ كبير وبمسائل لا ربط لها بالتولّي والاعانة فهذا لا نراه فنّياً.

ولعلّ أول من صنع ذلك المحقق(قده) في الشرائع ، فهو في كتاب التجارة حينما دخل في المكاسب المحرّمة في بداية كتاب التجارة ذكر إعانة الظالم أوّلاً ثم بعد فاصلٍ كبيرٍ ذكر عنوان التولّي للظالم ، وسار على نهجه صاحب الجواهر(قده) - فإن الجواهر شرح للشرائع فهو مضطرٌّ إلى ذلك ولكن كان ينبغي التنبيه على ذلك[2] [3] - ، وهكذا النراقي(قده) في مستنده[4] [5] ، وهكذا الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[6] [7] ، وصنع السيد الماتن(قده) ذلك أيضاً في المنهاج[8] .

ولقد أجاد صاحب الحدائق(قده) فإنه ذكر مسألة واحدة[9] لكن أعطى عنواناً أوّل لمعونة الظالم ثم في نفس المسالة[10] أعطى عنواناً إلى التولّي للظالم.

والحرّ العاملي(قده) في وسائله ذكر مسألة إعانة الظالم في مكان[11] ، والثانية ذكرها في مكانٍ آخر[12] وتوسّط بين هذه المسألة وتلك بابان يرتبطان بالمسألة الأولى ، فحينما انتهى من معونة الظالم ومن الفروع المرتبطة بها شرع بمسألة التولّي للظالم ولم ينفصل بينهما بأجنبيٍّ عنهما.

ونعود إلى صلب الموضوع فنقول:- إنَّ كلامنا في هذه المسألة هو في إعانة الظالم وليس في التولّي له ، وتعرّض(قده) أيضا في هذه المسالة إلى عنوانٍ ثالث وهو أعوان الظلمة.

فمسألتنا هذه نبحث فيها مرّةً عن إعانة الظالم ، وأخرى نبحث عن عنوان أعوان الظلمة ، أمّا إعانة الظالم فنتكلّم تارةً في إعانته في ظلمه ، وأخرى في إعانته في حرامٍ ليس بظلم ، وثالثة في أعانته في المباحات.

إذن العناوين التي سوف نبحثها أربعة ، وحينما ندخل في كلّ عنوان من هذه العناوين تارةً نتحدّث حسب مقتضى القاعدة فنلاحظ أنّ القاعدة ماذا تقتضي ، فإعانة الظالم في ظلمة بحسب القاعدة هل هو شيء جائز أو لا ؟ وكذلك أعانة الظالم في المباحات بحسب القاعدة هل هو جائزة أو لا ؟ .... وهكذا ، وبعد التعرّض إلى هذا نلاحظ ما تقتضيه الروايات فربما تتوافق الروايات مع مقتضى القاعدة فيحصل تأكيد ، وربما تخالف فنأخذ بالروايات ونترك القاعدة.


[3] وفي جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ص155. ذكر المسألة الثانية وهي التولي للظالم
[6] حيث بحث الاولى كتاب المكاسب، ج2، ص51 تحت عنوان مسألة 22.
[8] حيث ذكر المسالة الاولى بعنوان مسألة 18، والمسألة الثانية مسألة 36.