37/03/01


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 17 ) حرمة الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
السؤال الرابع:- هل يعتبر في حرمة الغناء صدق عنوان للهو أو قصد التلهّي ؟
ذكر الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب في موضعين على ما تقدّم أن حرمة الغناء تدور مدار صدق عنوان اللهو، فكلّ صوتٍ فرض صدق عنوان اللهو عليه كان حراماً حتى وإن لم يصدق عليه عنوان الغناء، وكلّ صوتٍ لا يصدق عليه عنوان اللهو فهو ليس بحرامٍ حتى وإن صدق عليه عنوان الغناء وإن وكان هذا الفرض ليس بمتحقّق ولكن لو فرضنا ذلك، وهذا معناه بالصراحة أنّ الحرمة منصبّة على عنوان اللهو، فعنوان اللهو هو الحرام، وأمّا عنوان الغناء فهو بما هو هو فليس بمحرّم.
وقد قرأنا عبارته في أحد الموردين من كلامه[1]، وأمّا العبارة في الموضع الثاني فقد قال:- ( إنّ المستفاد من النصوص التي تذكر الغناء إلى جنب اللهو أنّ حرمة الغناء تدور مدار اللهو، فكلّ صوتٍ يكون لهواً بكيفيته ومعدوداً من ألحان أهل الفسوق والمعاصي فهو حرامٌ وإن فرض أنّه ليس بغناءٍ، وكلّ ما لا يعدّ لهواً فليس بحرامٍ وإن فرض صدق الغناء عليه فرضاً غير محقّق لعدم الدليل على حرمة الغناء إلّا من حيث كونه باطلاً ولهواً ولغواً وزورا )[2].
ونحن نقول:- يوجد لنا تعليقان:-
التعليق الأوّل:- لو رجعنا إلى الروايات المتقدّمة[3] وجدنا أنّ بعض الروايات تذكر عنوان اللهو إلى جنب الغناء كما ذكر ولكن لا يستفاد منها الدوران المذكور - أي أنّ الحرمة تدور مدار اللهو - فلنلاحظ تلك الروايات:-
الأولى:- وهي رواية عبد الأعلى:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء وقلت:- إنهم يزعمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله رخّص في أن يقال جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا نحييكم، فقال:- كذبوا إنّ الله عزّ وجلّ يقول " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتّخذ لهواً لاتخذنا من لدنّا إن كنا فاعلين " )، إنّها ذكرت عنوان اللهو حيث استدل الامام عليه السلام بالآية الكريمة، ونحن ناقشنا فيما سبق في دلالة هذه الرواية على الحرمة وقلنا بأنّها لا تدلّ على حرمة الغناء ولا على حرمة اللهو.
ولكن الآن نريد أن نغضّ النظر عن هذه المناقشة ونتساير مع الشيخ الأعظم(قده)- يعني نفترض الآن أنها تدلّ على حرمة الغناء وحرمة اللهو - ولكن هل يستفاد منها الدوران المذكور أو لا ؟ إنّه لا يستفاد منها ذلك، نعم الإمام عليه السلام تمسّك بالآية الكريمة من باب أنّ الطابع العام عادةً بالنسبة إلى الغناء هو صدق عنوان اللهو عليه فصحّ آنذاك أن يتمسّك بالآية الكريمة من باب كون الطابع العام هو ذلك ولا يريد بيان أنّ الحرمة تدور مدار اللهو وإنما يريد أن يقول إنَّ هذه الألفاظ بالشكل المذكور هي نحوٌ من اللهو واللهو حرامٌ، أمّا أنّ الحرمة تدور مدار صدق عنوان اللهو فلا، فلعل[4] الإمام عليه السلام تمسّك بالآية من هذا الباب أنّ الطابع العام على الغناء أنّه يصدق عليه عنوان اللهو فصحّ له أن يتمسّك بالآية الكريمة ولا يريد أن يقول إنّ الحرمة تدور مدار صدق عنوان اللهو.
إذن استفادة الدوران المذكور من الرواية شيء صعب.
الرواية الثانية:- وي الرواية الثالثة فيما سبق وهي رواية محمد بن أبي عبّاد ( وكان مستهتراً - مشتهراً - بالسماع ويشرب النبيذ قال سالت الرضا عليه السلام عن السماع فقال:- لأهل الحجاز فيه رأي[5]وهو في حيز الباطل واللهو أما سمعت الله عزّ وجل يقول " وإذا مروا باللغو مرّوا كراما " ).
ولكن نقول:- إنّه يرد عليها نفس ما أوردناه على تلك الرواية، فليس من الواضح والظاهر أنّ الإمام عليه السلام يريد أن يثبت الدوران وأنّ حرمة الغناء تدور مدار صدق عنوان اللهو، ولعلّ الإمام عليه السلام تمسّك بالآية الكريمة من باب أنّ الطابع العام على الغاء هو عنوان اللهو - بناءً على أنّ اللغو واللهو بينهما ترادف -.
الرواية الثالثة:- وهي الرواية السادسة المتقدّمة، وهي ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:- ( سمعته يقول:- الغناء ممّا وعد الله عليه النار، وتلى هذه الآية " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " ).
أقول:- التعليق نفس التعليق ولا نكرر.
الرواية الرابعة:- وهي الثامنة حسب التسلسل السابق، وهي رواية الأعمش عن أبي جعفر عليه السلام:- ( الكبائر محرّمةٌ وهي ..... والملاهي التي تصدّ عن ذكر الله عزّ وجلّ مكروهة كالغناء وضرب الأوتار ).
أقول:- الكلام هو الكلام ولا نكرر.
وبهذا ننهي الروايات التي ذكرت اللهو إلى جنب الغناء.
ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ أقصى ما ثبت من خلال تعليقنا على هذه الروايات هو أنّ هذه الروايات ذات طابع مردّد، فكما يحتمل أنّ الامام يريد أن يثبت دوران الحرمة مدار صدق عنوان اللهو يحتمل أنّه ذكر اللهو من باب أنّه الطابع العام، وهذا يجعل الروايات المذكورة مجملة، فإذا كانت مجملة تبقى عندنا الروايات الأخرى التي ذكرت عنوان الغناء بنحو الاطلاق ولم تذكر عنوان اللهو - لو كان هناك روايات ونحن ناقشنا في كلّ الروايات ولكن نحن الآن نسير على مسلك الشيخ الأعظم(قده) - فنتمسّك بإطلاقها بعدما كانت هذه مجملة ومردّدة.
إذن نحن نحتاج إلى هذه الضميمة لتتميم المناقشة.
التعليق الثاني:- وحاصله:- هو أنّ الشيخ الأعظم(قده) جعل حرمة الغناء دائرة مدار صدق عنوان اللهو، وهذا إحالةٌ وتعليقٌ على شيءٍ مجهولٍ ومردّد، وذلك ببيان:- أنّه ماذا يقصد من اللهو ؟ هل يراد منه كلّ ما يلهي عن ذكر الله عزّ وجلّ بعرضه العريض أو يراد مرتبة خاصّة ؟
أمّا الأوّل فلا تحتمل حرمته كما تقدّم، فالسهر في الليل على الانترنيت، أو جلوس الأصدقاء يتحدثون بالكلام الفارغ، أو مشاهدة سباق الكرة، أو مشاهدة بعض المسلسلات غير النافعة، فإن هذا لهوٌ يلهي عن ذكر الله عزّ وجلّ فمثل هذا لا يمكن الالتزام بحرمته، فاللهو على إطلاقه وعرضه العريض إذا كان هو مقصود الشيخ فهذا لا يمكن الالتزام بحرمته كما هو واضح.
وإما إذا كان يقصد مرتبة خاصّة فنسأل ونقول:- ما هي تلك المرتبة الخاصة ؟ هل هي التي تورث الخفّة للشخص السامع بحيث تصدر منه حركات غير عقلائية ؟ وهذا أيضاً يصعب الالتزام بحرمته، فإنّ من يعيش في محيطٍ ضيّقٍ إذا ذهب إلى أماكن النزهة الجميلة فلعلّه يحصل عنده نوع من الخفّة وتصدر منه حركات غير مناسبة، فهل يلتزم بأنّ ذلك حرامٌ ونقول إنَّ هذا اللهو الذي يوجب الخفّة حرام ؟!! إنّ هذا لا يمكن الالتزام بحرمته.
وإذا كان يقصد[6] أنّ اللهو عبارة عن الخفّة المصاحبة لصدور أفعالٍ غير مناسبة - والذي يعبّر عنه بالرقص - ولكن الناشئة من كيفية الصوت وكيفية اللحن فيقيّد الشيخ اللهو بهذا المعنى فيقول إنَّ مقصودي من اللهو هو هذا المعنى - يعني الخفة الموجبة للطرب والمسبّبة لصدور أفعالٍ غير مناسبة -، فإذا كان يقصد هذا فهو شيءٌ وجيهٌ ولكن هذا هو عين الغناء وليس قيداً زائداً عليه حتى يأخذه الشيخ في كلامه.
إذن يتضح أنّ إضافة هذا القيد ليس بوجيه.
إن قلت:- ماذا نصنع مع الروايات التي ذكرت هذا القيد ؟
قلت:- قد اتضح الجواب، وهو أنّ هذا القيد الذي ذكر إمّا أن نقول هو قد ذكر من باب الإشارة إلى الطابع العام وليس إشارة إلى قيدٍ بنحو الحقيقة بحيث تدور الحرمة مداره، أو نقول هو إشارة إلى اللهو بمرتبته الثالثة التي أشرنا إليها والتي هي ليست أمراً زائداً على الغناء وإنما هو أشبه بالقيد التوضيحي إذ لا بد من الحمل على ذلك.
وكلّ هذا الكلام بحثٌ فرضيٌّ، لأنّنا من البداية لم نفهم الحرمة من الروايات ودوران الحرمة مدار عنوان اللهو، ولم نأخذ بهذه لروايات التي ذكرت عنوان اللهو، فالبحث تنزّليٌ كما أشرنا.


[3] أي في النقطة الاولى عند اثبات أصل الحرمة للغناء.
[4] ومقصودي هو أني أريد أن أبرز هذا على مستوى الاحتمال الوجيه وليس على نحو الجزم.
[5] أي الجواز.
[6] وهذا أرجح الاحتمالات.