37/03/22


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 25.

الجمع الثالث: هو أن نفصل بين صورة وجود حاجة غير ضرورية وبين صورة وجود حاجة ضرورية وبين صورة عدم وجود حاجة مطلقاً فنلتزم في صورة وجود حاجة غير ضرورية بالكراهة, ونلتزم في صورة وجود حاجة ضرورية بالجواز بلا كراهة, ونلتزم في صورة عدم وجود حاجة بالتحريم.

ولعل وجه هذا الجمع هو اننا نحمل ما دل على الجواز على صورة وجود حاجة ضرورية ونحمل ما دل على عدم الجواز مطلقاً على صورة عدم وجود حاجة مطلقاً ونحمل ما دل على افضلية البقاء على كراهة السفر_ حيث يفهم من افضلية البقاء ذلك _ في صورة وجود حاجة غير ضرورية.

وقد يؤيد هذا الجمع صحيحة الحلبي في الجملة لكن بقراءة غير القراءة المتقدمة, حيث انها واضحة في التفصيل بين صورة وجود حاجة ضرورية كما ذكرتها الرواية _الضرورة الدينية أو الدنيوية_ فهي تفصل بين صورة وجود حاجة ضرورية من هذا القبيل وبين عدم وجود حاجة ضرورية من هذا القبيل وحينئذ يقال بأنه في صورة وجود حاجة ضرورية يجوز السفر وفي صورة عدم وجود حاجة ضرورية لا يجوز السفر أي أن الاقامة واجبة, وهذا (تحريم السفر) ينسجم مع قول الامام عليه السلام (يقيم افضل) عندما نفسر افضل على معنى لا ينافي الوجوب وذلك على غرار قوله تعالى ﴿ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [1] فيجب دفع الارث إلى الطبقة التي هي اولى, لا أن المسألة فيها خياران, ومن هنا تكون الاقامة في محل الكلام واجبة, وحينئذ تكون الرواية واضحة في التفصيل بين الحالتين حالة وجود حاجة ضرورية فيجوز السفر وبين عدم وجود هذه الحالة فيحرم السفر وتجب الاقامة.

ويمكن أن يقال بأن الجمع الثالث هو عبارة عن مقتضى الجمع بين جملة من الاخبار كصحيحة محمد بن مسلم (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام ؟ فقال : لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم)[2] الدالة على الجواز مطلقاً وصحيحة الحلبي الدالة على أن الاقامة افضل اذا لم تكن هناك حاجة ضرورية وحديث الاربع مائة الدال على عدم الجواز مطلقاً فيقال بأن مقتضى الجمع بين هذه الادلة هو أن تحمل صحيحة محمد بن مسلم (الدالة على الجواز مطلقاً) على الحاجة الضرورية بقرينة أن صحيحة الحلبي تقول (إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها أو يتخوف على ماله) فهي جوزت السفر في حالة وجود حاجة ضرورية فتحمل الرواية الدالة على الجواز مطلقاً على صورة وجود الحاجة الضرورية, أما في صحيحة الحلبي فيحمل قوله (يقيم أفضل) على الافضلية التي لا تنافي اللزوم _كما تقدم_ ويمكن حملها حينئذ على كون الاقامة واجبة والسفر حرام, فتكون صحيحة الحلبي مفصلة بين ما اذا كانت الحاجة ضرورية فيجوز الخروج وبين عدم الحاجة الضرورية فيحرم السفر, وحينئذ لابد أن يخرّج الجمع الثالث صورة واحدة وهي ما اذا كانت هناك حاجة غير ضرورية التي التزم بها في الجمع الثالث بالجواز مع الكراهة, فلابد أن يستعين صاحب هذا الجمع برواية تدل على الجواز مع الكراهة.

وبقطع النظر عن هذه الوجوه وتماميتها نتكلم على ضوء الروايات المتقدمة ومن هنا نقسم البحث بهذا الشكل فنقول:-

تارة نتكلم عن صورة وجود حاجة ضرورية واخرى نتكلم عن صورة وجود حاجة غير ضرورية وثالثة نتكلم عن صورة عدم الحاجة.

أما بالنسبة إلى صورة وجود حاجة ضرورية فالظاهر أنه لا ينبغي الاشكال في جواز السفر وعدم وجوب الاقامة وهو واضح من خلال الروايات ويكفي في الاستدلال على ذلك صحيحة الحلبي (..... إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها أو يتخوف على ماله) فهي صريحة في جواز السفر فيما اذا كانت هناك حاجة ضرورية, وكذلك تدل عليه معتبرة ابي بصير (قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام ) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان ؟ فقال لا ، إلا فيما اخبرك به : خروج إلى مكة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تخاف هلاكه ، وإنه ليس أخا من الاب والام)[3] فالرواية واضحة في انها تجوز الخروج في هذه الموارد وتارة نقول بأن الجامع بين هذه الموارد هو الحاجة الضرورية (دينية أو دنيوية) فتكون دليلاً على الجواز في هذه الصورة ويمكن تعميمها الى مطلق الحاجة كما سيأتي فتكون الحاجة الضرورية هي القدر المتيقن من جواز الخروج في هذه الرواية.

والكلام في ما لو لم تكن حاجة ضرورية سواء كانت هناك حاجة لا تصل إلى حد الضرورة أو لم تكن هناك أي حاجة.

والبداية عن صورة التشهي والخروج مع عدم وجود أي حاجة وفيه احتمالان:-

الاحتمال الاول: أن نلتزم بجواز الخروج مع الكراهة كما هو المعروف بينهم, ويستدل عليه بصحيحة الحلبي بتفسيرها الاول الذي يقول بأن المراد ب(يقيم أفضل) التفضيل ويدل على جواز كلا الامرين الافضل والمفضل عليه, الاقامة والسفر, غاية الأمر أن الاقامة افضل من السفر, وقد ذكرت صحيحة الحلبي هذه العبارة (يقيم أفضل) في غير الحاجات الضرورية وحينئذ تكون صحيحة الحلبي تدل على الجواز مطلقاً (في جميع الصور) غاية الأمر أنه مع وجود حاجة ضرورية لا تكون الاقامة افضل وفي غير صورة وجود الحاجة الضرورية يجوز السفر لكن الاقامة تكون افضل, وحينئذ يقال بأن المستثنى منه في رواية الحلبي لا داعي لتقييده بخصوص ما اذا كانت هناك حاجة عادية(غير ضرورية), بل يشمل كل ما لم يكن حاجة ضرورية وهو يشمل صورة وجود الحاجة العادية وصورة عدم الحاجة وكون السفر للتشهي ومن ثم يثبت بهذا الاطلاق جواز السفر في صورة التشهي لكنه مكروه وتستفاد هذه الكراهة من افضلية الاقامة, لكن هذه الاستفادة غير واضحة.

الاحتمال الثاني: أن نلتزم بعدم الجواز في مسألة التشهي وعندما يكون السفر لا لحاجة وقد يستدل عليه:

اولاً: بما تقدم في الجمع الثاني الذي يقول بأن الموجود من الروايات روايات مجوزة مطلقاً وروايات مانعة مطلقاً فالروايات المجوزة مطلقاً نحملها على صورة وجود حاجة ضرورية والروايات المانعة مطلقاً (كحديث الاربع مائة) نحملها على صورة عدم وجود حاجة ضرورية, فتكون النتيجة التفصيل بين الحاجة الضرورية فيلتزم بالجواز وبين عدم الحاجة الضرورية فيلتزم بعدم الجواز.

والشاهد على هذا الجمع نفس الاخبار التي تفصل كمعتبرة ابي بصير التي منعت السفر في غير ما ذكرته من الموارد وهذا بأطلاقه يشمل ما اذا كان السفر للتشهي بل لعله في المقام تكون صورة التشهي هي القدر المتقين من عدم الجواز.

ثانياً: الروايات الخاصة كمعتبرة ابي بصير حيث تفصل بين الجواز بين ما ذكرته من الموارد وتمنع في غير ذلك, وهكذا في مرسلة علي بن اسباط بنفس البيان وبنفس المضمون وهكذا معتبرة الحسين بن المختار على اختلاف في المستثنيات لكن بالنتيجة تدل على جواز السفر في المستثنيات وعدمه في غيرها, والقدر المتيقن من غير المستثنيات هو صورة السفر للتشهي وعدم الحاجة.

وفي قبال ذلك ما قد يقال من أن المطلقات تدل على الجواز وهي من قبيل صحيحة محمد بن مسلم (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام ؟ فقال : لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم)[4] فهي تدل على الجواز مطلقاً, لكن يمكن تقييد هذه المطلقات بالأخبار السابقة التي تفصل بين صورتين وتدل على الجواز في صورة الحاجة الضرورية وعدم الجواز في غيرها وحينئذ تكون مقيدة لهذه المطلقات,

والامر الثاني الذي قد يقال بأنه يمنع من الالتزام بعدم الجواز في صورة عدم وجود حاجة ضرورية هو صحيحة الحلبي لأنه بناءً على التفسير المعروف لها تدل على جواز السفر وجواز الاقامة _في غير الحاجة الضرورية_ غاية ما في الأمر انها تفضل الاقامة على السفر, وهذا يمنعنا من الالتزام بعدم جواز السفر في غير الحاجة الضرورية, ولعل هذه الرواية هي التي جعلتهم لا يلتزمون بعدم جواز السفر في صورة التشهي.

لكن اذا حملنا هذه الرواية على معنى لا ينافي اللزوم والوجوب لا تكون مانعة من الالتزام بحرمة السفر في صورة التشهي لأنها لا تنافي وجوب الاقامة وحرمة السفر أي أن قول الامام عليه السلام (يقيم أفضل) لا ينافي الوجوب.

ويؤيد هذا الفهم للرواية حديث أبي بصير( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال له : أقم حتى تفطر ، فقلت له : جعلت فداك ، فهو أفضل ؟ قال : نعم ، أما تقرأ في كتاب الله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه)[5] يرويها الشيخ الطوسي بأسناده عن محمد بن علي بن محبوب كما يذكر ذلك صاحب الوسائل لكن الذي في التهذيب الموجود يبدأ السند بمحمد بن يعقوب (أي عن الكافي), والرواية غير تامة سنداً.

المراد من قول السائل (أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر) أي اقيم إلى أن ينتهي شهر رمضان كما فسروه هكذا, فقال له الامام عليه السلام (أقم حتى تفطر) ثم استشهد الامام عليه السلام على افضلية الاقامة بالآية الكريمة وهي ظاهرة في اللزوم وهذا يؤيد ما قلنا من أن الافضلية لا تنافي اللزوم, أي يمكن حمل الافضلية على معنى لا ينافي اللزوم في روايتنا, وحينئذ لا مانع من الالتزام بما تدل عليه الادلة من أن غير الموارد المستثناة لا يجوز السفر وهذا هو ظاهر الادلة ولا يمنع من ذلك شيء لأن المطلقات يمكن تقييدها وصحيحة الحلبي فعلى الاقل يحتمل فيها هذا المعنى على نحو لا نستند اليها لرد ما هو ظاهر هذه الاخبار.

وعلى كل حال فأن صحيحة الحلبي ليست صريحة في جواز السفر بحيث تستطيع أن تقاوم الروايات الاخرى الظاهرة ظهوراً واضحاً جداً في عدم جواز السفر في غير صورة الحاجة الضرورية التي ذكرتها تلك الروايات والمتيقن من كل هذا الكلام _ في الحكم بعدم الجواز اذا بنينا عليه _ صورة التشهي, ويبدو أن الأمر في صورة التشهي بهذا الشكل, وقد بنى الجماعة على أن صحيحة الحلبي هي التي منعتهم من الالتزام بظواهر الادلة الناهية بناءً على ما فهموه من انها تدل على جواز السفر في غير الحاجات الضرورية, ومن هنا قالوا بالجمع الاول وحمل الاخبار الناهية على الكراهة والتزموا بالنتيجة بالجواز مع الكراهة في صورة التشهي.

وعلى كل حال فالمسألة لا تخلو من اشكال ولا تخلو من توقف.

أما صورة وجود الحاجة غير الضرورية فقد يقال بإمكان الالتزام فيها بالجواز كما هو الحال في الحاجة الضرورية, ويستدل على ذلك بدعوى أن المستثنيات في هذه الروايات هي مجرد امثلة لمطلق الحاجة وحينئذ يدخل مطلق الحاجة في المستثنى لا في المستثنى منه في هذه الروايات فيثبت له الجواز كما هو الحال في الحاجة الضرورية, وقد يؤيد ذلك ما في بعض الروايات من استثناء السفر للذهاب إلى مكة حيث أنه يمكن أن لا يصل إلى الحاجة الضرورية, وبعضهم يصرح بالعمرة كما في معتبرة الحسين بن المختار والعمرة لا تعد من الحاجات الضرورية, وكذلك الروايات التي تجوز الخروج لتشييع المؤمن واستقباله وهي روايات كثيرة كما تقدم وتشييع المؤمن واستقباله ليس حاجة ضرورية وإنما هو ادب وان كان بعضهم يقول بأنه قد يصل إلى حد الحاجة الضرورية في ذلك الزمان للمخاطر التي في الطريق والتشييع يعني تأمين الطريق للمسافر إلى مسافة ما وكذلك الاستقبال, لكن الظاهر أن الأمر ليس بهذا الشكل فالذي يظهر من الروايات التي تقول بأنه حق عليه أو حق له وامثال هذه التعبيرات يقتضي أن الشارع يهتم بهذا المطلب اهتماماً شديداً بحيث يحث على الخروج لكن لا يلتزم احد بوجوب تشييع المؤمن أو وجوب استقباله, إذن هذه الروايات تدل على جواز الخروج لحاجة لا تصل إلى حد الضرورة ويمكن أن يجعل هذا مؤيداً لما ذكرنا.